رسم الكتب شهد عصرا ذهبيا زمن الفيكتوريين. وقتها كان الفنّ عنصرا مهمّا من أيّ كتاب، لأنه يوضّح ويشرح أكثر ويضيف معنى للقصّة ويزيد من الجاذبية الجمالية للنص. لكن في ما بعد ظهر رأي يتبنّى فكرة "النقاء الأدبي"، ويقول إن مرافقة الصور أو الرسومات للأدب يُعدّ إفسادا له من الناحية الجمالية.
وهناك من يرى ألا أهمية للرسومات، على أساس أن القارئ يجب أن يطلق العنان لمخيّلته أثناء القراءة وأن من واجب الكاتب أو المؤلّف أن لا يكتب فقط، بل أن يُظهر للقارئ ما الذي يعنيه دونما حاجة لصور أو رسوم. وهناك اليوم بعض الكتاب، وهم قليلون، ممّن يتمتّعون بأساليب لغوية بصرية، أي أن مقدرتهم على الوصف والتخيّل فائقة لدرجة تنتفي معها الحاجة للرسومات.
❉ ❉ ❉
وكان الناس آنذاك، لجهلهم، يعتقدون أن بمقدور الحيوانات التعرّف على مدى تقوى أو فساد شخص ما. فإذا حطّ غراب على سطح منزل ريفي، مثلا، كان ذلك سببا كافيا لإضرام النار في المنزل بحجّة أن ساكنيه متلبّسون بالخطيئة.
كما شاع اعتقاد بأن باستطاعة الكلاب النفاذ إلى روح الإنسان. وقد استُخدمت الكلاب لتحديد ما إذا كان شخص ما زنديقا أو مشعوذا. ولم تكن ساحات المحاكم في أوربّا تخلو من وجود كلاب فيها. فإذا نبح الكلب شخصا متّهما أو وجّه إليه نظرات شكّ، فإن ذلك الشخص يُدان على الفور بممارسة الشعوذة، ثم يؤخذ إلى ساحة القرية فيُحرق هناك وهو حيّ.
فيما بعد تغيّرت تلك الصورة النمطية الخرافية والسلبية عن الكلاب، فأصبحت أفضل صديق للإنسان وصارت مضرب المثل في الوفاء. الفنّان ادوين لاندسير عاش في القرن التاسع عشر واشتهر برسوماته للكلاب. وكانت صوره تعكس شغف المجتمع الفيكتوري بهذه الحيوانات.
في احدى أشهر لوحاته "فوق"، رسم كلبا يحتضن تابوت صاحبه لشدّة حزنه على موته. كانت لوحات لاندسير عن الكلاب ذات شعبية كبيرة، لدرجة أن سلالة جديدة من الكلاب سُمّيت باسمه "أي كلاب لاندسير".
❉ ❉ ❉
وكان الهدف من تلك الحروب هو جعل القدس جزءا من العالم المسيحي. لكن الحملة الصليبية الرابعة لم تصل إلى القدس، لأن الصليبيين قرّروا بدلاً من ذلك أن يشنّوا حربا على الإمبراطورية البيزنطية والكنيسة الأرثوذكسية اليونانية. ونجحت الحملة الصليبية الرابعة في احتلال القسطنطينية ونهبها.
في هذه اللوحة، يرسم اوجين ديلاكروا مشهدا من الحملة الصليبية الرابعة، وهو دخول الصليبيين بقيادة ملك بلجيكا إلى القسطنطينية. كانت تلك الخطوة، كما سبقت الإشارة، انحرافا عن خطّتهم الأساسية بالذهاب إلى بيت المقدس "لتحريره" من المسلمين. لكنهم على ما يبدو وجدوا في القسطنطينية هدفا أسهل.
وديلاكروا يرسم المنظر من نقطة مرتفعة تكشف عن خلفية بانورامية يظهر فيها جانب من البوسفور والبحر وسماء غائمة. والرسّام متعاطف كالعادة مع الطرف الضعيف والمعتدى عليه ومع ضحايا الحروب. في المقدّمة نرى رجلا مسنّا يحاول حماية امرأة وطفل ويرفع يده متوسّلا الرحمة من الجند المتقدّمين.
وجوه المهاجمين تقع في الظلّ، ربّما للإشارة إلى ذنبهم وخزيهم. ومع ذلك فكميّة العنف في اللوحة اقلّ منه في صور الرسّام الأخرى. الجنود أنفسهم يبدون منهكين أكثر من كونهم متعطّشين للدماء. والمنظر في عمومه يصحّ وصفه بأنه تأمّل في ويلات وكوارث الحرب.
❉ ❉ ❉





