:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، أكتوبر 10، 2013

تأمّلات مع حافظ

"قم بنا نقرع ليلا، باب خمّارٍ حكيم، نطلب الفتح لنروي، عنه أشتات العلومِ.
قم بنا نجلس في الإيوان في الليل البهيمِ، ندرك السُؤْل ونجني، منه لذّات النعيمِ".
على الرغم من أن حافظ الشيرازي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي، إلا أن قصائده ما تزال تحظى بشعبيّة كبيرة. حكمته ولغته التعبيريّة وتقديره العميق للجمال جعلت منه شاعرا مفضّلا للعشّاق، وبخاصة محبّي الله.
وعلى مدى قرون، استُخدمت قصائد حافظ للتدريس بطرق متنوّعة. وكثيرا ما وُظّفت في الأغاني والمسرحيّات ولجأ إليها الناس كنوع من محاولة التنبّؤ بالغيب.
الشاعر الأميركي دانيال لادينسكي يقدّم في هذا الكتاب بعنوان "عام مع حافظ : تأمّلات يوميّة" وجهة نظر فريدة ومتبصّرة عن حكمة الشاعر الفارسيّ من خلال أكثر من 350 من قصائده. كما يُفرد قسما خاصّا عن ترجمة رالف إيمرسون لشعر حافظ. والقصائد في مجموعها تُمسك بروح العاطفة ومعاني الرحمة اللانهائية والحبّ والشوق والروعة الإلهية كما تتجلّى في الكون.
في مقدّمة الكتاب، يشير لادينسكي إلى انه يقدّم تفسيرات وشروحات لقصائد الشاعر بدلا من الترجمات الحرفية. وهو يستند في عمله على نقل الروح الحيّة لحافظ بأمانة، مؤكّدا أن لبعض هذه القصائد أجنحة تأخذ المتلقّي خارج الفضاء الثقافي والزمني الذي كُتبت ضمنه لتسمو بقارئها وتنقله إلى مساحة حرّية أوفر وأكبر".
ولد دانيال لادينسكي عام 1948 في سانت لويس بولاية ميسوري. وقضى في شبابه عشرين عاما بصحبة طائفة روحية في غرب الهند، حيث عمل هناك في عيادة ريفية تقدّم خدماتها مجّانا للفقراء وعاش مع مجموعة من التلاميذ والأتباع.
ومنذ إصدار أوّل كتاب له بعنوان "سمعت الله يضحك"، تُرجمت كتب لادينسكي إلى اللغات الألمانية والتركية والإندونيسية والعبرية والسلوفينية. كما تصدّرت مؤلّفاته قائمة أفضل كتب الشعر الدينيّ والصوفيّ مبيعا وانتشارا. ونقل عنه الكثير من الكتّاب، كما رخّصت العديد من المنظّمات الإسلامية والمسيحية والبوذية والهندوسية واليهودية والصوفية استخدام مؤلّفاته وإعادة طبعها.
اطلّع لادينسكي على شعر حافظ في مرحلة مبكّرة من حياته. كما وقف على الترجمة الحرفية لأشعاره التي وضعها الدكتور جواد نوربخش كبير أطبّاء علم النفس في جامعة طهران ورئيس إحدى الطرق الصوفية.
السمة المميّزة لحافظ، بنظر المؤلّف، هي الحرّية. وشعره يمكن اعتباره محاولة للإفلات من كلّ قفص ومساعدة للروح في أن ترتفع بأجنحتها وتتحرّر من كلّ قيد. وقد نجح في ذلك في كثير من الأحيان بفضل عبقريّته الشعرية وصوره الجميلة ولغته الجزلة والرفيعة.
حافظ يعتبره الكثيرون واحدا من أفضل شعراء الفارسية غنائية وصوفية. وقد اثّر في العديد من شعراء عصره والعصور اللاحقة. إليزابيث غيلبيرت ، مؤلّفة كتاب طعام وصلاة وحبّ ، اعتبرت حافظ النسخة الفارسية من والت ويتمان شاعر النشوة الإلهية الأميركي. كما أشاد به غوته والرومانسيون الألمان وامتدحه ايمرسون الذي نقل بعض غزلياته إلى الانجليزية، بينما مثّل بالنسبة لنيتشه نموذجا لدايونيسوس وللحكمة المشرقية.
ولادينسكي ينظر إلى أشعار حافظ باعتبارها دليلا يوميّا للاستنارة والحكمة. وهو يشبّهها "بالمطر المبارك الذي يهمي على الأرض العطشى فيمنحها الحياة". وبرأيه أن أهمّية أشعار حافظ تكمن في أنها تحوي بداخلها أسرارا حكت عنها من قبل الكتب المقدّسة. لكن المؤسف أن الكثير من أسرار حافظ الشعرية إمّا ضاعت مع غبار الزمن أو أنها اختفت بسبب الترجمات المغرضة أو غير الدقيقة.
ويضيف: لحافظ الشيرازي عينا معلّم روحاني بارع وذكيّ. وهو، وجميع الشعراء العظماء، يساعدوننا على دقّ جرس المعبد؛ الجرس الذي يساعدنا على استدعاء المحبوب ويضربنا بخفّة على الضلوع كي ننتبه ونصحو. حافظ يدعونا لرؤية نظرات الحبيب في أنفسنا وفي بعضنا البعض، ويوقظ عطشنا للتوحّد مع هذا الحبيب من خلال الرقص المنتشي بحبّ الحياة".

لـغـز لـقـد أعـيا الـورى حـلّه " ... " فـحـيّـر الـزنـديـق والـمـؤمـنا
يا ربّ ما الحكمة في ما نرى " ... " يــا مـن تـحجّبتَ وراء الـسنا
جــراحــنـا خــافـيـة جــمّــة " ... " ولـيس لـلشكوى مـجال هنا

الشعر، بنظر المؤلّف، هو تعبير بكلمات القلب. وقراءته قد تحرّك في داخلك شعورا عميقا بالارتباط مع الشاعر. وكما هو الحال مع حافظ، قد يحوّل شعره نظرك إلى الاتجاه الذي يأتي منه مزيد من الضوء ويسمح للكلمات بأن تغرق في قلبك مثل أغنية تلهم السامعين.

تاجي علي رأس من أهواه تاجانِ " ... " هـو المليك ولي حجبي وإذعاني
عـيـناه فـتـنته فـي الأرضِ سـائرة " ... " مـن معبد الهندِ حتى عرشِ إيران
وكـــم تــراءت بـتـركستانَ طـلـعته" ... " وكـــم تـجـلّـى مـحـيّـاه بـجـرجانِ
جـرى الـفرات خـفيفا تـحت وطأته " ... " وفــي الـعـراق لــه صــرح وبـابـانِ
تـأتـي الـعـذارى إلـيه مـن مـنابعها" ... " فــي الـنـيل تـرفـل ألـوانـا بـألوانِ
وكـيـف أخــرج مـن أطـراف دولـته " ... " وهــو الـمـمجّد سـلطانا بـسلطانِ

ويؤكّد لادينسكي على أن قصائد حافظ ليست بقايا أدب من الماضي البعيد، ولكنها تحف مليئة بالحكمة العزيزة والخالدة. كما يذكّر بأنه خلال الفترة التي كتب فيها حافظ قصائده، كانت تلك القصائد كثيرا ما تُغنّى في الطرقات ويحفظها الناس عن ظهر قلب.

لــي حـبـيب لـو انـه رام قـتلي " ... " بـسـهام لـمـا اتـقـيتُ سـهـامه
أو رمـى مـهجتي بـسهم حديد " ... " لــتـقـبّـلـت شـــاكــرا أنــعــامـه
إرمِ عــــن حـاجـبـيـك فـــؤادي " ... " بسهام فلست أخشى سهامه
أمس أعلنت طاعتي وخضوعي " ... " لـحـبـيـبـي مــقــبّـلا أقـــدامــه
حــانـي الــرأس لا أريــد بـراحـا " ... " عـن مقامي حتى تقوم القيامة

يقول المؤلّف: ذات مرّة، وبعد قراءتي لبعض أشعار حافظ في نيويورك، تحدّثت مع طبيبة إيرانية شابّة كانت بين الحضور وسألتها قائلا: أريد أن اعرف رأيك بصراحة، أيّهما تفضّلين أكثر: جلال الدين الرومي أم حافظ؟ فردّت المرأة: حسنا، بالنسبة لي، حافظ يُعتبر اقرب كما انه يبقى لفترة أطول". وتعجّبت من إجابتها الموجزة والذكيّة".
ويضيف: أعتقد أن السبيل الوحيد للخروج من أيّ معضلة هو الاقتراب من شخص، من روح أو فنّ ما يمكن أن يساعدنا على العودة مرّة أخرى إلى السماء ويقرّبنا أكثر من روح الأرض. إن الاتصال بمعلّم روحيّ حقيقيّ أو طلب العون من صديق عنده قدر من الشفافية الروحية يمكن أن يساعدنا على الخروج من متاهة الحياة. الإنسان بحاجة إلى شخص ينظر إليه بين الحين والآخر بحبّ وتقدير حقيقيّ. ومثل هذا الاهتمام له مفعول المطر الثمين الذي نحتاجه وبدونه نموت. وحافظ يقدّم لنا الدروس التي تُعلّمنا كيف نكون سعداء في مواجهة المعاناة والفقد وخيبة الأمل. وهو يعلّمنا أيضا أن الحياة احتمال ومسار يلازمنا طول العمر لنعرف أنفسنا أفضل ولننمو".

عـجيب أمـر هـذا الـشعر طـفلٌ عـمرهُ ليلة " ... " يـطوف الـعالم الـمعمور يـقطع وعـره سهله
ويـمضي خـالدا فـي كـلّ قلب ملهبا شعلة " ... " وكـم مـن عـلّة يـأسو وكـم يـنقع مـن غـلّة
فـيـا وجــدي إلــى ثـغـر الـحبيب كـأنه فـلّة " ... " ويا ظمئي إلى الصهباء تمسح لاعجي كلّه

  • الأشعار ترجمة محمّد الفراتي.