:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الاثنين، أكتوبر 31، 2016

الولد الشرّير في فنّ الباروك/2

الصورة التي فوق هي لوحة أخرى معروفة لكارافاجيو إسمها عازف العود. ولأوّل وهلة لا تعرف إن كان العازف فيها رجلا أو امرأة. لكن نظرة إلى قميصه المفتوح ترجّح انه رجل.
في ذلك الوقت كان في روما رجال وفتيان مخصيّون، وكانوا مشهورين بجمال أصواتهم ويتمتّعون بشعبية كبيرة بين الناس، ويمكن أن يكون هذا العازف احدهم.
تأثير التغييرات الهرمونية التي تطرأ على جسد المخصيّ تتوافق مع تلك التي في اللوحة، مثل الجلد غير المشعر والوجه المتورّم.
الأزهار والفواكه المرسومة إلى يمين العازف قيل أنها لا تتوافق مع أسلوب كارافاجيو، وربّما أضافها رسّام آخر غيره. وثمّة من يقول أنها أضيفت إلى اللوحة في مرحلة لاحقة من قبل الرسّام الهولندي يان بريغل.
الذين قلّدوا كارافاجيو كانوا كثيرين. وبعضهم كانوا يعرفونه جيّدا. أحدهم كان صديقه المقرّب سبادرينو، ولوحاته تشبه لوحات كارافاجيو من حيث حسّ الدراما فيها والاستخدام السينمائيّ للضوء.
لكن من بين كلّ هؤلاء المقلّدين، كان الأكثر إثارة للاهتمام هو جيوفاني باغليوني، أوّل من كتب سيرة لكارافاجيو. كان باغليوني معجبا به في البداية لدرجة انه رسم لوحة تأثّر فيها بكارافاجيو بشكل واضح، لكنه سرعان ما انقلب على بطله.
وقصّة نزاع الاثنين توفّر صورة حيّة لشخصية كارافاجيو الناريّة، تلك النار التي أشعلت لوحاته وأفسدت حياته.
كان باغليوني أكثر تقليدية بكثير من كارافاجيو، وفي البداية كان أكثر نجاحا. وكان كارافاجيو يغار بشدّة من الفنّانين الآخرين، وخاصّة المتميّزين منهم مثل باغليوني الذي كان يعرف كيف يرضي زبائنه الأغنياء.
لذا أصبح كارافاجيو يتحدّث بالسوء عن زميله وينشر عنه الشائعات في جميع أنحاء المدينة. وقد رفع الأخير ضدّه دعوى قضائية متّهما إيّاه بالتشهير. ووقف كارافاجيو أمام المحكمة، وحاول التحايل والتملّص بطريقة أو بأخرى من التهمة. ثم اتهمه باغليوني باللواط، وهي جريمة كانت عقوبتها الإعدام، وادّعى بأن كارافاجيو حاول قتله. والذين يعرفون كارافاجيو يدركون أن هذا أمر ممكن الحدوث فعلا.
وعلى إثر ذلك هرب كارافاجيو من روما إلى نابولي، ثم إلى مالطا وصقلية. وأصبح فنّه أكثر قتامة وأكثر استبطانا.
وكان قد صنع لنفسه اسما في روما، وهي مدينة تعجّ بالفنّانين. وبعد أن فرّ هربا من تهمة القتل، واصل كثير منهم عمله من حيث توقّف.
ثم حدثت مبارزة بينه وبين شخص يُدعى توماسوني، ويُرجّح أن الخلاف بينهما كان حول امرأة هي زوجة الأخير، وانتهت المبارزة بمقتل توماسوني وفوز كارافاجيو.
وقد واجه كارافاجيو موته عندما هاجمه شخص أراد أن ينتقم منه بسبب نزاع قديم. وقام ذلك الشخص بقطع وجه الرسّام بسكّين. وتوفّي بعد ذلك الهجوم بأربعة أشهر وعمره لم يتجاوز الأربعين .
وعلى مدى السنوات العشر الأخيرة من حياته، كان كارافاجيو قد أصبح مشهورا. ومثل نجوم الموسيقى المتمرّدين، تسبّبت وفاته المفاجئة في جعله أكثر شهرة من أيّ وقت مضى.
وطوال نصف قرن، حاول عدد لا يُحصى من الفنّانين أن يرسموا مثله. ثم أصبحت واقعيّته الشديدة موضة قديمة واختفى ذلك النوع من الرسم.
ولعدّة قرون، اختفى اسم كارافاجيو نفسه من التداول. فقط في بدايات القرن الماضي تذكّره الناس من جديد واستعاد سمعته.
ولم يكن مستغربا أن يكتسب كارافاجيو الكثير من الأتباع، وهذا كان دليلا على موهبته الهائلة. ومع ذلك، فإن اللوحات التي تركها وراءه في روما أعطت انطباعا عن كونه شخصا عبقريّا.
الفنّانون الأجانب الذين أتوا إلى ايطاليا اخذوا نفوذه معهم عند عودتهم إلى أوطانهم: ريبيرا إلى اسبانيا، وروبنز إلى بلاد الفلاندرز، بالإضافة إلى كلّ من فيلاسكيز ورامبرانت اللذين يدينان له بالكثير.
لم يكن لكارافاجيو محترف أو تلاميذ، وكان يزدري الرسّامين الآخرين ويهدّد بضرب غيره من الفنّانين الذين كان يعتقد أنهم يسرقونه.
وقد كتب باغليوني يصف كارافاجيو بأنه رجل ساخر وفخور بنفسه. كان يتحدّث باحتقار عن رسّامي الماضي والحاضر بغضّ النظر عن مدى تميّزهم، لأنه كان يعتقد أنه وحده الذي استطاع تجاوزهم جميعا".
وكان كارافاجيو محقّا في كلامه، إذ لا احد من الرسّامين كان مثله أو يشبهه. هناك منهم من رسموا أشياء مثيرة للاهتمام، لكنهم جميعا يبدون على حال من الضآلة إذا ما وُضعوا إلى جواره.

Credits
caravaggio-foundation.org
theguardian.com