:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الثلاثاء، أكتوبر 25، 2016

فنّ الأشياء المكسورة


كينتسوكوروي كلمة يابانية تعني إصلاح الأواني المكسورة ولحمها أو ترميمها بالذهب المذاب وأحيانا بالفضّة أو البلاتين. والفكرة المرتبطة بهذا الفنّ هي أن الجمال يكمن في الأشياء المكسورة أو المعطوبة، بمعنى أن الإناء يصبح أكثر جمالا لأنه انكسر. كما أن الكسر ليس نهاية الأشياء بالضرورة، بل يمكن أن يكون بداية لبعثها إلى الحياة من جديد.
وهذه الفكرة تذكّرنا، مع الفارق، بما يقال أيضا عن التماثيل القديمة المكسورة، أي تلك التي تظهر بلا اذرع أو أنوف، وكيف أن جمالها الحقيقيّ يكمن في أنها معيبة أو غير كاملة.
والكينتسوكوروي، أو الكينتوجي كما يُسمّى أحيانا، ليست له دلالات روحية معيّنة، لكنه نوع من تقبّل الأشياء المعيبة التي قد تبدو، برغم العيوب، أكثر جمالا من هيئتها الأصلية. انه يقول لنا لا تصلحوا الشيء بإخفاء عيوبه، بل بإظهارها بحيث يبدو أكثر قيمة وقوّة وجمالا ممّا كان قبل الكسر، أو على الأصحّ لأنه كُسِر.
صحيح أن قطعة الرخام أو السيراميك أو الخزف عندما تنكسر تتعرّض لبعض التلف ويلحق بها صدوع وتشقّقات قد تكون واضحة أحيانا، لكن إصلاحها ولحمها بالذهب أو الفضّة هو بحدّ ذاته احتفاء بالقطعة وتحسين لها وكأننا بذلك نمنحها حياة جديدة.
فنّ الكينتسوكوروي عمره حوالي خمسمائة عام. وعقلية اليابانيين المعروفين بتفكيرهم الايجابي كانت تعتبر أن الكسر والجبر الذي يلحق بآنية هو جزء من ماضيها أو تاريخها الذي لا يجب إخفاؤه، وأن هذه الصدوع أو العيوب هي مجرّد رمز لحدث حصل في حياة الإناء أكثر من كونه سببا في تلفه.
وأصل هذه الفكرة يعود إلى القرن الخامس عشر، عندما بعث احد حكّام اليابان بإبريق شاي مكسور إلى الصين لإصلاحه. لكن عندما أعيد الإبريق بعد أن أُصلح بدا قبيحا، الأمر الذي دفع الحرفيين اليابانيين للبحث عن طريقة إصلاح أخرى تكون أكثر فنّا وجمالا.
وكان فضولهم وحماسهم إيذانا بولادة هذا الفنّ. ويقال أنهم كانوا مسرورين كثيرا بهذا الابتكار لدرجة أنهم اخذوا يهشّمون الأواني الغالية الثمن عمدا كي يصلحوها بالذهب والفضّة.
هذه الفلسفة التي تجد الجمال في الأشياء المكسورة والمعيبة تقابلها عند الغربيين فكرة تعتبر أن الأشياء المكسورة هي نقود ضائعة ومن ثمّ ينبغي التخلّص منها برميها بعيدا.


أما اليابانيون فيؤكّدون على إصلاح هذه الأشياء مع الحرص على إظهار آثار التشقّقات والكسور فيها لأنها تضفي على الشيء جاذبية جمالية وقيمة فنّية أكبر. وهذا المفهوم الذي يؤكّد على نقاط الضعف والنقص في الأشياء أصبح له في ما بعد تأثير كبير على فنّ الحداثة.
وجزء من شعبية هذا الفنّ، أي الكينتسوكوروي، يمكن أن تُعزى إلى انه يمثّل صدى لأحداث حياتنا كما انه رمز للحالة الإنسانية بشكل عام، لأنه يتناول الإصلاح والولادة من جديد. كما انه يوحي بأن الحظوظ السيّئة في الحياة وأخطائها الكثيرة يمكن تجاوزها والسموّ بها بنفس الطريقة.
وهناك نقطة أخرى، وهي أن الأشياء الجديدة واللامعة والكاملة لا تتضمّن عادة قصصا يمكن أن تقال أو تُروى. القصص نجدها في الشقوق التي يتسرّب منها الضوء. وما تراه أنت جرحا قد يكون النافذة التي يدخل منها النور إلى روحك"، بحسب ما يقوله لنا الشاعر الصوفيّ جلال الدين الرومي.
فكرة الكينتسوكوروي تتضمّن أيضا معنى رفض الاستسلام. كما أنها تتحدّث عن القبول والتسامح، وعن أهمّية التعلّم والنموّ، وعن القوّة التي تكمن في الضعف، وعن الأمل والجمال.
وعلى مستوى آخر فإننا، نحن البشر، نشبه هذه الأواني. فكلّنا مكسورون بدرجة ما، لكنّنا لا ندرك ذلك. وكإنسان، فإن جروحك ثم شفاءك من تلك الجروح، كلّ ذلك جزء لا يتجزّأ من ماضيك ومن هويّتك.
ولهذا عليك ألا تتخلّص من شيء عندما ينكسر وألا تحرص على إصلاحه بإعادته إلى نفس حالته الأصلية لكي تخفي عيوبه. وبدلا من ذلك حاول أن تملأ الفراغات بشكل جماليّ وأن تتقبّل عدم الكمال، ليس لأن الكمال يستحيل بلوغه، وإنما أيضا لأنه من الصعب تعريفه. وحتى الأشكال المثالية التي تحدّث عنها الفلاسفة كثيرا غير موجودة في عالم الواقع.
أن تكون مكسورا يعني أن تصبح أكثر جمالا. هذه باختصار هي الرمزية التي ينطوي عليها هذا الفنّ. وهي تذكير لنا بأننا نصبح أكثر جمالا عندما ندرك نقاط ضعفنا ونسمح لها بأن "تُملأ"، أي أن تُرشّد.
إن الضعف أحيانا هو مصدر قوّتك. وضعفك هو ما يجعلك في كثير من الأحيان أكثر قوّة وجمالا. هناك أناس كثر حزانى ومحبطون في هذا العالم لكثرة ما أصابهم من خيبات ومشاكل، ومع ذلك لم يتأثّر حسّهم الإنسانيّ ولا درجة تعاطفهم مع الإنسان في كلّ مكان.
شيء آخر يعلّمنا إيّاه فنّ الكينتسوكوروي وهو أن علينا أن لا نخاف من تجارب الحياة وأن نتقبّل المخاطر والفشل بصبر وشجاعة. وعندما تصبح الأمور صعبة علينا أن نجد "ذهبنا" كي نصلح أنفسنا ونستفيد من أخطائنا.

Credits
psychologytoday.com