سنّارة السمك موجودة بسبب السمك، فبمجرّد أن تحصل على السمكة يمكنك أن تنسى السنّارة.
والكلمات موجودة بسبب المعنى، فبمجرّد أن تحصل على المعنى يمكنك أن تنسى الكلمات. أين يمكنني أن أجد رجلا نسي الكلمات حتى أتمكّن من التحدّث معه؟!
تشوانغ تزو
يصف المترجم وعالم الصينيات الراحل بيرتون واتسون شعور من يحاول تفسير أو فهم كتابات تشوانغ تزو (369 - 286) بقوله: كلّما جلست وحاولت أن أكتب بجديّة عن هذا الرجل، ظهر لي في مكان ما في مؤخّرة رأسي وهو يطلق ضحكة مكتومة ساخرا من غطرسة وعبثية هذا المسعى".
ويضيف: إن كتاب هذا الفيلسوف الصيني الذي يتضمّن مزيجا غريبا من الحكايات والقصائد والحوارات والأساطير والتأمّلات الفلسفية الساخرة هو مرآة مرحة لروحك، فهو يهاجم أعمق معتقداتك ويزعزع استقرارك ويجبرك على ألا تأخذ نفسك على محمل الجدّ".
وكون الكتاب مسليّا لا يجعله تافها، بل على العكس، فتشوانغ تزو مهرّج ومهمّته تحسين قرّائه، أو بالأحرى إفادتهم. وعلى الرغم من تفاهة المهرّجين، إلا أنهم كانوا ضروريين للحكومات التي توظّفهم. فبالإضافة إلى توفير الترفيه، كان لديهم ترخيص بانتهاك القواعد وتوفير وسيلة فريدة لتقييد الطغيان من جميع الأنواع. كانوا يتحدّثون بالحقيقة إلى السلطة مثلما يتحدّث بها تشوانغ تزو الى القرّاء. ضحكاته المُداوية تخفّف من حدّة المعتقدات المتحجّرة التي عاشت فترة طويلة دون أن تخضع للتشكيك أو السخرية.
هناك تاريخ موجز لحياة تشوانغ تزو وسيرة ذاتية قصيرة كتبها المؤرّخ الصينيّ العظيم "سيما تشان" بعد مرور حوالي 200 عام على وفاة المعلّم. ويبدو أنه عاش خلال فترة اتّسمت بالاضطرابات السياسية وسُمّيت بفترة الممالك المتحاربة. وقتها، كانت مئات المدارس الفلسفية والفكرية تتنافس وتزدهر في الصين. وكان تشوانغ تزو يتنقّل بين المناطق الهادئة في عقله باحثاً عن فلسفة تخدم زمنه المضطرب.
يقول كاتب صيني معاصر: بينما كان لاو تزو يتحدّث بالأمثال، كان تشوانغ تزو يكتب مقالات فلسفية مطوّلة ومنطقية. وبينما كان لاو تزو يعتمد كليّا على الحدس، كان تشوانغ تزو يعتمد كليّا على الفكر. كان لاو تزو يبتسم، وكان تشوانغ تزو يضحك. كان لاو تزو يعلّم، وكان تشوانغ تزو يسخر. كان لاو تزو يخاطب القلب، وكان تشوانغ تزو يخاطب العقل. كان لاو تزو مثل والت ويتمان، وكان تشوانغ تزو مثل ثورو. كان لاو تزو مثل روسو، وكان تشوانغ تزو مثل فولتير".
وعلى النقيض من كونفوشيوس الذي تتألّف تعاليمه من مجموعة من المبادئ الأخلاقية ونظام عملي للإدارة الجيّدة، فإن تشوانغ تزو كان شخصا مثاليّا. وبحسب سيما تشان، كان تزو يكتب من أجل متعته الشخصية، وقد ترك للأجيال التالية عملا يوفّر فيضا من الجمال الأدبي والأصالة الفكرية. وعلى الرغم من أنه يبدو أحيانا وكأنه تلميذ للاو تزو، إلا أنه قام بتوسيع الطاويّة ونقل تكهّناته إلى عوالم تجاهلها المعلّم لاو تزو.
من العبارات المشهورة المنسوبة لتشوانغ تزو قوله: نحتاج إلى الشجاعة لتغيير ما نستطيع تغييره وتقبّل ما لا نستطيع تغييره، وإلى الحكمة لمعرفة الفرق بينهما. إن الحكمة هي الأساس، واكتسابها رهن بمعرفة أنفسنا والعالم من حولنا والانتباه جيّدا لتجاربنا".
كان تشوانغ تزو يؤمن بأن احترام جميع أشكال الحياة ضروريّ للإنسان. يقول: جميع المخلوقات متساوية في الأهمية، وتستحقّ الاحترام". ويقول: إنه لقدَر مجيد أن يكون المرء عضوا في الجنس البشري، مع أنه جنس مكرّس للعديد من السخافات ويرتكب الكثير من الأخطاء الفادحة".
كان يرى أن محاولة السيطرة على الحياة والتحكّم بها "تُبعد الإنسان عن الانسجام والتوازن، وأنه لا يمكن العثور على السلام في خضم صراع السيطرة، لأن المنظور الروحي الحقيقي يُخبرنا أن الحبّ حرّية".
ومن أفكاره أيضا أن راحة البال لا تأتي من غياب الصراع، بل من تقبّله. "ستظلّ هناك دائما عقبات في طريق الحياة. ومعظمنا في صراع مع الواقع. ولو لم تكن هناك جبال نتسلّقها، لكان العالم صحراء قاحلة خالية من الحياة".
كان تشوانغ تزو مفكّرا جريئا ومضحكا، حادّا ولاذعا، حالما ومرحا، رصينا وجادّا. وقد دُرست المعاني الخفية لرموزه على مدى قرون. ومن آرائه أن الفرح الكامل هو "أن تكون بلا فرح، وإذا سُئلتُ ما الذي يجب فعله وما الذي لا يجب فعله على الأرض لتحقيق السعادة، أجيب بأن هذه الأسئلة ليس لها إجابة ثابتة تناسب كلّ حالة". كما رأى أنه ينبغي لنا أن نتبع طبيعتنا دون الخضوع للضغوط أو القيود الخارجية وأن ندع كلّ شيء يسير في مساره الطبيعي.
عندما توفّيت زوجته، جاءه أحد أصدقائه لتعزيته فوجده يغنّي! ولمّا لامه الصديق على تصرّفه متّهما إيّاه بعدم الوفاء، ردّ تشوانغ تزو: إن العملية التي أوصلت الزوجة إلى الميلاد هي نفسها التي أوصلتها إلى الموت مع مرور الوقت وبسلاسة، مثلما يتحوّل الخريف إلى شتاء والربيع إلى صيف".
تشوانغ تزو
يصف المترجم وعالم الصينيات الراحل بيرتون واتسون شعور من يحاول تفسير أو فهم كتابات تشوانغ تزو (369 - 286) بقوله: كلّما جلست وحاولت أن أكتب بجديّة عن هذا الرجل، ظهر لي في مكان ما في مؤخّرة رأسي وهو يطلق ضحكة مكتومة ساخرا من غطرسة وعبثية هذا المسعى".
ويضيف: إن كتاب هذا الفيلسوف الصيني الذي يتضمّن مزيجا غريبا من الحكايات والقصائد والحوارات والأساطير والتأمّلات الفلسفية الساخرة هو مرآة مرحة لروحك، فهو يهاجم أعمق معتقداتك ويزعزع استقرارك ويجبرك على ألا تأخذ نفسك على محمل الجدّ".
وكون الكتاب مسليّا لا يجعله تافها، بل على العكس، فتشوانغ تزو مهرّج ومهمّته تحسين قرّائه، أو بالأحرى إفادتهم. وعلى الرغم من تفاهة المهرّجين، إلا أنهم كانوا ضروريين للحكومات التي توظّفهم. فبالإضافة إلى توفير الترفيه، كان لديهم ترخيص بانتهاك القواعد وتوفير وسيلة فريدة لتقييد الطغيان من جميع الأنواع. كانوا يتحدّثون بالحقيقة إلى السلطة مثلما يتحدّث بها تشوانغ تزو الى القرّاء. ضحكاته المُداوية تخفّف من حدّة المعتقدات المتحجّرة التي عاشت فترة طويلة دون أن تخضع للتشكيك أو السخرية.
هناك تاريخ موجز لحياة تشوانغ تزو وسيرة ذاتية قصيرة كتبها المؤرّخ الصينيّ العظيم "سيما تشان" بعد مرور حوالي 200 عام على وفاة المعلّم. ويبدو أنه عاش خلال فترة اتّسمت بالاضطرابات السياسية وسُمّيت بفترة الممالك المتحاربة. وقتها، كانت مئات المدارس الفلسفية والفكرية تتنافس وتزدهر في الصين. وكان تشوانغ تزو يتنقّل بين المناطق الهادئة في عقله باحثاً عن فلسفة تخدم زمنه المضطرب.
يقول كاتب صيني معاصر: بينما كان لاو تزو يتحدّث بالأمثال، كان تشوانغ تزو يكتب مقالات فلسفية مطوّلة ومنطقية. وبينما كان لاو تزو يعتمد كليّا على الحدس، كان تشوانغ تزو يعتمد كليّا على الفكر. كان لاو تزو يبتسم، وكان تشوانغ تزو يضحك. كان لاو تزو يعلّم، وكان تشوانغ تزو يسخر. كان لاو تزو يخاطب القلب، وكان تشوانغ تزو يخاطب العقل. كان لاو تزو مثل والت ويتمان، وكان تشوانغ تزو مثل ثورو. كان لاو تزو مثل روسو، وكان تشوانغ تزو مثل فولتير".
وعلى النقيض من كونفوشيوس الذي تتألّف تعاليمه من مجموعة من المبادئ الأخلاقية ونظام عملي للإدارة الجيّدة، فإن تشوانغ تزو كان شخصا مثاليّا. وبحسب سيما تشان، كان تزو يكتب من أجل متعته الشخصية، وقد ترك للأجيال التالية عملا يوفّر فيضا من الجمال الأدبي والأصالة الفكرية. وعلى الرغم من أنه يبدو أحيانا وكأنه تلميذ للاو تزو، إلا أنه قام بتوسيع الطاويّة ونقل تكهّناته إلى عوالم تجاهلها المعلّم لاو تزو.
من العبارات المشهورة المنسوبة لتشوانغ تزو قوله: نحتاج إلى الشجاعة لتغيير ما نستطيع تغييره وتقبّل ما لا نستطيع تغييره، وإلى الحكمة لمعرفة الفرق بينهما. إن الحكمة هي الأساس، واكتسابها رهن بمعرفة أنفسنا والعالم من حولنا والانتباه جيّدا لتجاربنا".
كان تشوانغ تزو يؤمن بأن احترام جميع أشكال الحياة ضروريّ للإنسان. يقول: جميع المخلوقات متساوية في الأهمية، وتستحقّ الاحترام". ويقول: إنه لقدَر مجيد أن يكون المرء عضوا في الجنس البشري، مع أنه جنس مكرّس للعديد من السخافات ويرتكب الكثير من الأخطاء الفادحة".
كان يرى أن محاولة السيطرة على الحياة والتحكّم بها "تُبعد الإنسان عن الانسجام والتوازن، وأنه لا يمكن العثور على السلام في خضم صراع السيطرة، لأن المنظور الروحي الحقيقي يُخبرنا أن الحبّ حرّية".
ومن أفكاره أيضا أن راحة البال لا تأتي من غياب الصراع، بل من تقبّله. "ستظلّ هناك دائما عقبات في طريق الحياة. ومعظمنا في صراع مع الواقع. ولو لم تكن هناك جبال نتسلّقها، لكان العالم صحراء قاحلة خالية من الحياة".
كان تشوانغ تزو مفكّرا جريئا ومضحكا، حادّا ولاذعا، حالما ومرحا، رصينا وجادّا. وقد دُرست المعاني الخفية لرموزه على مدى قرون. ومن آرائه أن الفرح الكامل هو "أن تكون بلا فرح، وإذا سُئلتُ ما الذي يجب فعله وما الذي لا يجب فعله على الأرض لتحقيق السعادة، أجيب بأن هذه الأسئلة ليس لها إجابة ثابتة تناسب كلّ حالة". كما رأى أنه ينبغي لنا أن نتبع طبيعتنا دون الخضوع للضغوط أو القيود الخارجية وأن ندع كلّ شيء يسير في مساره الطبيعي.
عندما توفّيت زوجته، جاءه أحد أصدقائه لتعزيته فوجده يغنّي! ولمّا لامه الصديق على تصرّفه متّهما إيّاه بعدم الوفاء، ردّ تشوانغ تزو: إن العملية التي أوصلت الزوجة إلى الميلاد هي نفسها التي أوصلتها إلى الموت مع مرور الوقت وبسلاسة، مثلما يتحوّل الخريف إلى شتاء والربيع إلى صيف".
وأضاف: لو تجوّلتُ وأنا أبكي وأضرب على صدري على فقدها، لكان ذلك دليلا على أنني لم أفهم شيئا عن الحياة. لم يكن الإنسان في العصور القديمة يعرف شيئا عن حبّ الحياة أو عن كراهية الموت. كان يخرج من الحياة بلا سرور ويعود بلا ضجيج. يأتي بسرعة ويذهب بسرعة، وهذا كلّ شيء. لم ينسَ أين بدأ ولم يحاول معرفة الى أين سينتهي. لقد تلقّى شيئا واستمتع به، نسيه وأعاده مرّة أخرى".
وذات مرّة، عندما طلب منه اثنان من كبار المسؤولين لدى الملك أن يقبل منصب وزير قال لهما: أبلغوا جلالته تحيّاتي وأخبروه أنني سعيد هنا بالزحف في الوحل. إن الرجل الحكيم يعلم أنه من الأفضل أن يجلس على ضفّتي نهر أو بحيرة في جبل بعيد، بدلا من أن يكون امبراطورا على العالم".
وتشوانغ تزو يوصي قارئه بألا يسعى وراء رضا الناس وألا يعتمد على خططه وألا يتخذ قرارات وأن يدع القرارات تصنع نفسها. ويضيف: توقّف عن الرغبة في أن تكون مهمّا، ولا تترك آثار لخطواتك. إن الرجل العاقل يكره أن يرى الناس يتجمّعون حوله ويتجنّب الحشود، لا فائدة تُرجى من دعم الكثير من الحمقى الذين سينتهي بهم المطاف في قتال بعضهم البعض. يا لك من أحمق! بداخلك أعظم كنز في العالم، ومع ذلك تتجوّل طالبا المساعدة من الآخرين!".
يقول توماس ميرتون مؤلّف كتاب "طريق تشوانغ تزو": أحبُّ تشوانغ تزو لأنه على حقيقته، لا يهتمّ بالكلمات والصيغ، بل بالفهم الوجودي المباشر للواقع. فلسفته التي تغوص في صميم الأمور مباشرة أصيلة وعقلانية للغاية. كما أن طريقه غامض لأنه من البساطة بحيث يمكن أن يمضي المرء فيه دون حتى أن يعرف نهايته، فأنت تدخل هذا الطريق بعد أن تترك كلّ الطرق ثم تضيع فيه. أعتقد أنني معذور لمصاحبتي هذا المنعزل الصيني الذي يُشبهني ويشاركني عزلتي الهادئة".
ويضيف: بخيالاته الجامحة، ولغته الفكاهية وهرائه العذب، يُطلق تشوانغ العنان لروحه دون قيود، يختلط بالمجتمع التقليدي، لا يحتقر أمور الكون، ولا يجادل فيما يعتبره الآخرون صوابا أو خطئاً. الكثيرون يعتبرونه بمثابة أفلاطون بالنسبة لسقراط، وبولس بالنسبة ليسوع، ومنسيوس بالنسبة لكونفوشيوس، وأشوكا بالنسبة لبوذا. وتشوانغ تزو يسخر من المبادئ الكونفوشية الجامدة ويدافع عن المعنى لا عن الألفاظ، وعن الحكمة الحقيقية في الحياة اليومية".
ألّف تشوانغ تزو كتابا يحمل اسمه ويُعدّ اليوم أحد النصوص الأساسية للطاوية. كما تُعتبر قصّته "القارب الفارغ" من الكلاسيكيات المعروفة في العالم الطاوي، وهي استعارة رائعة لرسم خريطة لمياه الحياة.
إن روح الدعابة الراقية والعبقرية الأدبية والبصيرة الفلسفية التي يتمتع بها تشوانغ تزو واضحة لأيّ شخص يطّلع على أعماله. ذات مرّة عبّر هايديغر عن إعجابه بالمقطع الذي يقول فيه تشوانغ تزو لمفكّر آخر وهما يسيران على ضفاف نهر: هل ترى كيف تصعد الأسماك إلى السطح وتسبح كما يحلو لها؟ هذا ما تستمتع به الأسماك حقّا". فيردّ صديقه: أنت لست سمكة، فكيف تقول إنك تعرف حقّا ما تستمتع به الأسماك؟!". فيردّ عليه تزو: أنت لست أنا، فكيف تعرف أنني لا أعرف ما الذي يستمتع به السمك؟!"
إن روح الدعابة الراقية والعبقرية الأدبية والبصيرة الفلسفية لتشوانغ تزو واضحة لأيّ شخص يتذوّق أعماله. كان ذا خيال واسع وشخصية نبيلة. ومثله مثل لافونتين الفرنسي، كان يزيّن تعاليمه بمفردات جميلة واستعارات غير عاديّة.
ذات يوم، رأى جمجمة فارغة بيضاء اللون، ولكنها ما زالت محتفظة بشكلها. فضربها بسوطه وقال لها: هل كنتِ ذات يوم رجلا طموحا أوصلته رغباته المفرطة إلى هذا المصير، أو رجل دولة أغرق بلاده في الخراب وهلك في معركة، أو بائسا ترك وراءه إرثا من العار؟! أم أنك وصلتِ إلى هذه الحال من خلال المسار الطبيعي للشيخوخة؟"
وبعد أن انتهى تشوانغ تزو من الحديث الى الجمجمة، أخذها ووضعها تحت رأسه كوسادة، ثم ذهب إلى النوم. وفي الليل، ظهرت له الجمجمة في الحلم وقالت له: لقد تحدّثت بشكل بليغ يا سيّدي، ولكن كلّ ما تقوله لا يشير إلا إلى حياة البشر ومتاعبهم. أما في الموت فلا يوجد شيء من هذا، لا يوجد سيّد أعلى ولا رعيّة أسفل. إن عمل الفصول الأربعة غير معروف. ولا يمكن لسعادة الملك بين البشر أن تتجاوز سعادتنا".
كان تشوانغ تزو يرى أن الناسك الذي يتمتّع بحالة ذهنية هادئة يستطيع أن يصبح واحدا مع الطبيعة، فيحلّق عاليا مع السحب العائمة والطيور. وإذا كان الرسّام يتمتّع بهذه الحالة الذهنية، فإنه يستطيع أن يضع شخصية بشرية صغيرة في منظر طبيعي مهيب ليُظهر اختلاط الأنا بالطبيعة. وإذا كان الفيلسوف يتمتّع بهذه الحالة الذهنية، فإنه يستطيع أن يتجاوز الزمان والمكان وأن يتماهى مع اللانهائية والخلود.
وإذا كان الإنسان العادي يتمتّع بهذه الحالة الذهنية، فإنه يستطيع أن يتحرّر من الهموم والرغبات والحبّ والخوف. ولأنه واحد مع العالم، فإنه لا يعلّق على نفسه أهمية أكبر من أهميّة حشرة أو حصاة أو نبات ضعيف، ويستطيع أن يتجاوز الحياة والموت. وإذا كان المرء يستطيع أن يعتبر الموت رحلة عودة إلى الوطن، فإن أيّ شيء في هذا العالم لا يشكّل له أهمية كبيرة.
يقال إن الورثة الحقيقيين لفكر وروح تشوانغ تزو هم بوذيّو الزِن الصينيون في فترة تانغ (من القرن السابع إلى القرن العاشر الميلادي). لكن تشوانغ تزو استمرّ في ممارسة تأثيره على الفكر الصيني المثقّف بأكمله، حيث اُعتُرف به كواحد من أعظم الكتّاب والمفكّرين في الفترة الكلاسيكية. وممّا لا شكّ فيه أن الطاوية المتطوّرة والصوفية لتشوانغ تزو ولاو تزو تركت بصمة دائمة على الثقافة الصينية بأكملها وعلى الشخصية الصينية نفسها.
وذات مرّة، عندما طلب منه اثنان من كبار المسؤولين لدى الملك أن يقبل منصب وزير قال لهما: أبلغوا جلالته تحيّاتي وأخبروه أنني سعيد هنا بالزحف في الوحل. إن الرجل الحكيم يعلم أنه من الأفضل أن يجلس على ضفّتي نهر أو بحيرة في جبل بعيد، بدلا من أن يكون امبراطورا على العالم".
وتشوانغ تزو يوصي قارئه بألا يسعى وراء رضا الناس وألا يعتمد على خططه وألا يتخذ قرارات وأن يدع القرارات تصنع نفسها. ويضيف: توقّف عن الرغبة في أن تكون مهمّا، ولا تترك آثار لخطواتك. إن الرجل العاقل يكره أن يرى الناس يتجمّعون حوله ويتجنّب الحشود، لا فائدة تُرجى من دعم الكثير من الحمقى الذين سينتهي بهم المطاف في قتال بعضهم البعض. يا لك من أحمق! بداخلك أعظم كنز في العالم، ومع ذلك تتجوّل طالبا المساعدة من الآخرين!".
يقول توماس ميرتون مؤلّف كتاب "طريق تشوانغ تزو": أحبُّ تشوانغ تزو لأنه على حقيقته، لا يهتمّ بالكلمات والصيغ، بل بالفهم الوجودي المباشر للواقع. فلسفته التي تغوص في صميم الأمور مباشرة أصيلة وعقلانية للغاية. كما أن طريقه غامض لأنه من البساطة بحيث يمكن أن يمضي المرء فيه دون حتى أن يعرف نهايته، فأنت تدخل هذا الطريق بعد أن تترك كلّ الطرق ثم تضيع فيه. أعتقد أنني معذور لمصاحبتي هذا المنعزل الصيني الذي يُشبهني ويشاركني عزلتي الهادئة".
ويضيف: بخيالاته الجامحة، ولغته الفكاهية وهرائه العذب، يُطلق تشوانغ العنان لروحه دون قيود، يختلط بالمجتمع التقليدي، لا يحتقر أمور الكون، ولا يجادل فيما يعتبره الآخرون صوابا أو خطئاً. الكثيرون يعتبرونه بمثابة أفلاطون بالنسبة لسقراط، وبولس بالنسبة ليسوع، ومنسيوس بالنسبة لكونفوشيوس، وأشوكا بالنسبة لبوذا. وتشوانغ تزو يسخر من المبادئ الكونفوشية الجامدة ويدافع عن المعنى لا عن الألفاظ، وعن الحكمة الحقيقية في الحياة اليومية".
ألّف تشوانغ تزو كتابا يحمل اسمه ويُعدّ اليوم أحد النصوص الأساسية للطاوية. كما تُعتبر قصّته "القارب الفارغ" من الكلاسيكيات المعروفة في العالم الطاوي، وهي استعارة رائعة لرسم خريطة لمياه الحياة.
إن روح الدعابة الراقية والعبقرية الأدبية والبصيرة الفلسفية التي يتمتع بها تشوانغ تزو واضحة لأيّ شخص يطّلع على أعماله. ذات مرّة عبّر هايديغر عن إعجابه بالمقطع الذي يقول فيه تشوانغ تزو لمفكّر آخر وهما يسيران على ضفاف نهر: هل ترى كيف تصعد الأسماك إلى السطح وتسبح كما يحلو لها؟ هذا ما تستمتع به الأسماك حقّا". فيردّ صديقه: أنت لست سمكة، فكيف تقول إنك تعرف حقّا ما تستمتع به الأسماك؟!". فيردّ عليه تزو: أنت لست أنا، فكيف تعرف أنني لا أعرف ما الذي يستمتع به السمك؟!"
إن روح الدعابة الراقية والعبقرية الأدبية والبصيرة الفلسفية لتشوانغ تزو واضحة لأيّ شخص يتذوّق أعماله. كان ذا خيال واسع وشخصية نبيلة. ومثله مثل لافونتين الفرنسي، كان يزيّن تعاليمه بمفردات جميلة واستعارات غير عاديّة.
ذات يوم، رأى جمجمة فارغة بيضاء اللون، ولكنها ما زالت محتفظة بشكلها. فضربها بسوطه وقال لها: هل كنتِ ذات يوم رجلا طموحا أوصلته رغباته المفرطة إلى هذا المصير، أو رجل دولة أغرق بلاده في الخراب وهلك في معركة، أو بائسا ترك وراءه إرثا من العار؟! أم أنك وصلتِ إلى هذه الحال من خلال المسار الطبيعي للشيخوخة؟"
وبعد أن انتهى تشوانغ تزو من الحديث الى الجمجمة، أخذها ووضعها تحت رأسه كوسادة، ثم ذهب إلى النوم. وفي الليل، ظهرت له الجمجمة في الحلم وقالت له: لقد تحدّثت بشكل بليغ يا سيّدي، ولكن كلّ ما تقوله لا يشير إلا إلى حياة البشر ومتاعبهم. أما في الموت فلا يوجد شيء من هذا، لا يوجد سيّد أعلى ولا رعيّة أسفل. إن عمل الفصول الأربعة غير معروف. ولا يمكن لسعادة الملك بين البشر أن تتجاوز سعادتنا".
كان تشوانغ تزو يرى أن الناسك الذي يتمتّع بحالة ذهنية هادئة يستطيع أن يصبح واحدا مع الطبيعة، فيحلّق عاليا مع السحب العائمة والطيور. وإذا كان الرسّام يتمتّع بهذه الحالة الذهنية، فإنه يستطيع أن يضع شخصية بشرية صغيرة في منظر طبيعي مهيب ليُظهر اختلاط الأنا بالطبيعة. وإذا كان الفيلسوف يتمتّع بهذه الحالة الذهنية، فإنه يستطيع أن يتجاوز الزمان والمكان وأن يتماهى مع اللانهائية والخلود.
وإذا كان الإنسان العادي يتمتّع بهذه الحالة الذهنية، فإنه يستطيع أن يتحرّر من الهموم والرغبات والحبّ والخوف. ولأنه واحد مع العالم، فإنه لا يعلّق على نفسه أهمية أكبر من أهميّة حشرة أو حصاة أو نبات ضعيف، ويستطيع أن يتجاوز الحياة والموت. وإذا كان المرء يستطيع أن يعتبر الموت رحلة عودة إلى الوطن، فإن أيّ شيء في هذا العالم لا يشكّل له أهمية كبيرة.
يقال إن الورثة الحقيقيين لفكر وروح تشوانغ تزو هم بوذيّو الزِن الصينيون في فترة تانغ (من القرن السابع إلى القرن العاشر الميلادي). لكن تشوانغ تزو استمرّ في ممارسة تأثيره على الفكر الصيني المثقّف بأكمله، حيث اُعتُرف به كواحد من أعظم الكتّاب والمفكّرين في الفترة الكلاسيكية. وممّا لا شكّ فيه أن الطاوية المتطوّرة والصوفية لتشوانغ تزو ولاو تزو تركت بصمة دائمة على الثقافة الصينية بأكملها وعلى الشخصية الصينية نفسها.
Credits
archive.org
plato.stanford.edu
archive.org
plato.stanford.edu