:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الجمعة، أغسطس 22، 2025

نصوص مترجمة


  • في وقت مبكّر من عام 1504، عبّر ظهير الدين محمّد بابَر لأوّل مرّة عن رغبته في استكشاف الهند، أو هندوستان كما كانت تُسمّى. وواتته الفرصة لتحقيق ذلك بعد سنوات، عندما سيّر حوالي 12 ألف جندي بسرعة مذهلة إلى شمال الهند، واستدرج السلطان إبراهيم لودي إلى معركة في شمال دلهي وهزم جيش الأخير واستولى بسرعة على دلهي وأغرا.
    يقول بابَر في مذكّراته: في أوّل وصولنا إلى أغرا، كانت هناك كراهية وعداء ملحوظان بين سكّانها وشعبنا، حيث فرّ الفلاحون والجنود خوفا من رجالنا. وقدّم لنا النبلاء، بمن فيهم أحفاد ملوك هندوس سابقين، مجوهرات نفيسة من بينها ماسة كوهينور الشهيرة التي يزيد وزنها عن مائة قيراط".
    لكن تلك المجوهرات البرّاقة لم تُرضِ بابَر. كان همّه الأوّل بناء دولة. كما لم يكن راضيا عن هندوستان نفسها. ويشير إلى ذلك بقوله: هندوستان بلد ينقصها البريق. شعبها يفتقر إلى المظهر الحسن، لا علاقات اجتماعية ولا زيارات، لا عبقرية ولا كفاءة ولا مُثل. في الحرف اليدوية والعمل، لا شكل ولا تناسق، لا منهجية ولا جودة، لا خيول ولا كلاب جيّدة، لا عنب ولا شمّام ولا فواكه فاخرة، لا ثلج ولا ماء باردا، لا خبزا طيّبا ولا طعاما مطبوخا في الأسواق، لا حمّامات ساخنة، لا جامعات، لا شموع ولا مشاعل ولا حوامل شمعدانات".
    كان لدى هندوستان العمالة الرخيصة، والذهب والفضّة، وأنظمة حساب متطوّرة تتضمّن قياسات للوقت والوزن والمسافة. وكانت تلك أيضا المرّة الأولى التي صادف فيها بابَر قبائل مستقرّة وأراضي شاسعة مزروعة بمختلف أنواع المحاصيل. وكان هذا مختلفا تماما عن الحال في موطنه بوادي فرغانة.
    أكبر التحدّيات التي واجهها بابَر لم تأتِ من أهل الهند، بل من أفراد حاشيته نفسها. فقد أتلف طقس الهند الرطب الأسلحة والكتب والملابس والأواني والمنازل. فبعد وصوله بفترة وجيزة، تسبّبت موجة حرّ شديدة في أغرا في موت الكثيرين. ونظرا لهذه الظروف البيئية غير المريحة، أصبح معظم نبلاء وشجعان المغول غير راغبين في البقاء في الهند.
    ودعاهم بابَر لعقد اجتماع معه قال فيه: بدون أراض وتابعين، لا يمكن تحقيق السيادة والقيادة. وبفضل جهود سنوات عديدة ومواجهتنا للمشاقّ والسفر الطويل والزجّ بنفسي وبجيشي في المعارك والمذابح المميتة، هَزمنا بفضل الله هذه الجموع الغفيرة من الأعداء لنستولي على أرضهم الشاسعة. والآن، ما المبرّر الذي يدفعنا إلى التخلّي عن بلدانٍ خاطَرنا من اجلها بحياتنا؟ هل كنتم تريدون منا البقاء في كابول لنكابد معا لعنة الفقر المدقع؟!"
    في عام ١٦٠٥، أصبح الأمير سليم جهانغير حفيد بابَر إمبراطورا على الهند بعد تمرّده على والده، الإمبراطور أكبر. كان جهانغير مهووسا بشكل خاص بالأحجار الثمينة والنادرة، ولم يكن يرضى بأن يمتلك أيّ شخص حجرا له قيمة حقيقية. وكان صائغه في أغرا رجلا يُدعى هيراناند، كان يجلب المجوهرات إلى البلاط، وكان جهانغير يزور منزله بانتظام ليشتري منه. كان الأخير مهتمّا خاصّةً بالأحجار التي يزيد وزنها عن خمسة قراريط. وتشير السجلات إلى أنه لم يكن يدفع سوى ثلث قيمتها السوقية، لكن التجّار كانوا يحصلون على مزايا وامتيازات أخرى مقابل أسعار بضائعهم المخفّضة. سوديف شيت
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • تلعب الأشجار دورا مهمّا في أدب الإغريق والرومان القدماء. فمن أشجار البلّوط القويّة في ملحمتي الإلياذة والإنيادة، إلى حوريّات الرماد في قصيدة هسيود، وإلى الظلّ الهادئ لشجرة الزان في أشعار فيرجيل وهوراس، تبدو الأشجار وكأنها تحمل الخبرة الشعرية والمعلومات الثقافية المهمّة.
    في ملحمتي هوميروس، تمارس الأشجار دورا حيويّا في فهم المشهد الشعري المتخيّل. ومن بين الأشجار التي تحتلّ مراتب متقدّمة في إعجاب هوميروس، تحظى الصنوبر والزيتون باحترام كبير. فمثلا بُنيَ سرير زفاف أوديسيوس من شجرة زيتون حيّة تقف كعلامة فريدة ومستقرّة لموضوع الإخلاص في القصيدة ككل. وفي وصف كهف كاليبسو في الأوديسّا، تنمو أشجار الآلدر والحور والسرو العطر بوفرة حول مدخل الكهف وتوفّر مسكنا آمنا لعدد كبير من الطيور.
    وفي المشهد الخيالي للملحمتين، كثيرا ما ترتبط الأشجار بالجبال، ما يعكس الحقائق الجغرافية لعالم هوميروس. إذ يشار إلى القمم بأنها "ترتجف بأوراق الشجر". ويقارن هوميروس بين ضجيج المعركة والدمار الذي تجلبه وبين عاصفة الرياح في البرّية على منحدرات الجبال المُشجرة.
    وكما تتعارك الرياح الشرقية مع الرياح الجنوبية في وديان الجبال لزعزعة أخشاب الغابات العميقة كالبلّوط والرماد والكورنيل، فإن هذه الأشجار تضرب بفروعها بعضها البعض بضجيج صاخب ومشوّش.
    وفي شعر هسيود، تظهر صور لأشجار متساقطة كالبلّوط والتنّوب، بفعل اندفاع وعنف الرياح الشمالية التي تجوب الريف في منتصف الشتاء. بل إن الغابة المورقة بأكملها تئنّ في وجه هجوم الرياح. وتستخدم الشاعرة سافو أيضا صور الرياح والأشجار لوصف إحساس شخصي: لقد هزّ الحبّ عقلي مثل الريح التي تضرب أشجار البلّوط على الجبل".
    ويواصل شاعر العصر الفضّي ستاتيوس هذا التقليد، حيث يذكر ما لا يقلّ عن اثني عشر نوعا من الأشجار. وهنا تلعب المفاهيم الثقافية الإضافية دورا مهمّا. فمثلا يُطلق على شجر الرماد المستخدم في صنع الرماح اسم "الشجر المقدّر له أن يشرب دماء الحرب الكريهة"، ويطلق على شجر البلّوط القويّ اسم "المنيع"، ويطلق على شجر التنّوب الصالح للإبحار اسم "المغامر"، ويطلق على شجر الدردار الداعم اسم "المضياف لكروم العنب" لأن ظلّه الخفيف كان مثاليّا لنموّ العنب ونضجه على جذعه وأغصانه.
    وفي حكاية "بيراموس وتيسبي" عن الحبّ المحبَط، يروي اوفيد كيف تحوّل التوت من الأبيض إلى الأحمر، وكيف اختلط الدم من الجروح التي أحدثها العاشقان بنفسيهما وتناثر على جذور الشجرة، ما جعل الفاكهة التي كانت بيضاء ذات يوم تتحوّل، وإلى الأبد، الى قرمزية.
    كما يروي قصّة السهل المرتفع الخالي من الأشجار الذي حوّله الموسيقيّ أورفيوس إلى بستان أخضر، ويسرد ترنيمة شعرية عذبة لأشجار كالبلّوط والحور والغار والبندق والرماد والتنّوب والدلب وغيرها. ثم يسرد الشاعر قصّة حورية الغابة بومونا، المُحبّة للحدائق والبساتين، والتي اشتُقّ اسمها من الكلمة اللاتينيةpomum ، التي تعني فاكهة أو تفّاحة.
    وفي أشعار فيرجيل، ترمز شجرة الدلب للخطاب الفلسفي والرومانسية، بينما ترتبط شجرة البلّوط القويّة بالدين والحرب. وهكذا فإن الأشجار تشكّل روابط حيّة مع الماضي الكلاسيكي. جوزف ماكمهون
  • ❉ ❉ ❉

  • في مارس عام ١٨٧٧، غادر يوليسيس غرانت الرئاسة بسمعة ملطّخة. كان الأمر صعبا على رجل خرج من أنقاض الحرب الأهلية الأمريكية متمتّعا بمكانة وشهرة لا تشوبهما شائبة، سواءً للصديق أو العدو. إلا أن عقدا من الفساد والرشوة وانتقالا غير مسبوق للثروات، ترك وصمة عار على إرث بطل الحرب الذي أصبح رئيسا. كان غرانت رجلا طيّبا، وكان من بين أكثر الرجال أخلاقا وصدقا الذين خدموا هذا المنصب على الإطلاق. لكنه كان يعاني من إعاقة بسبب فضائله.
    كان بسيطا في السلم والحرب، وكانت كلمته عهده. كان لطيفا مع الضعفاء، رحيما بالمهزومين، واثقا بقدرته على الغفران. وقد غرست فيه والدته المتديّنة منذ صغره إيمانا راسخا بإمكانية خلاص الفرد. ونتيجة لذلك، تجلّت رحمته بلا حدود. قال ذات مرّة بفخر: لقد جعلت من ثقتي بالإنسان قاعدة في حياتي بعد أن يتخلّى عنه الآخرون".
    لكن تلك الرأفة غالبا ما تجاوزت حدود الحكمة. ففي مستنقع واشنطن القاسي، جعلت هذه الثقة غرانت يبدو شخصا ساذجا أكثر منه رجل دولة ماكرا. ونتيجة لذلك، امتلأت إدارته بعدد لا يُحصى من المسؤولين الأنانيين غير الأخلاقيين وغير المؤهّلين، الذين مارسوا الفساد دون رادع.
    -- كان غرانت، البالغ من العمر آنذاك 57 عاما، قد ضحّى برفاهه المالي من أجل الخدمة. وفي تلك الأيّام، كانت هناك قاعدة تُلزم العسكريين بالتنازل عن معاشاتهم التقاعدية إذا سعوا إلى الترشّح لمناصب عامّة. لذا عندما غادر غرانت البيت الأبيض، لم يكن معه من المال ما يكفي لعيش حياة معقولة.
    واتضح أن عليه البحث عن طريقة لكسب دخل. وفي تلك الأيّام، لم تكن هناك صفقات مع نتفليكس، ولا مقاعد مربحة في مجالس إدارة الشركات، ولا حتى أتعاب باهظة لإلقاء المحاضرات، كما هو الحال اليوم. وممّا زاد الأمور سوءا أن غرانت نفسه كان لديه سجل حافل بالمشاريع الفاشلة، ما أظهر بوضوح عدم فهمه لمفهوم المال والأعمال.
    ومع ذلك قرّر ان يستثمر كلّ ما كان يملكه، أي حوالي 100 ألف دولار، في صندوق يديره ابنه وخبير مالي. لكن سرعان ما انهارت شركته وأصبح الرئيس السابق على شفا الإفلاس. وبعد فترة وجيزة، تلقّى غرانت خبرا مروّعا عن إصابته بسرطان الحنجرة وأبلغه الأطبّاء بأنه لم يتبقَّ له من الحياة سوى عام واحد.
    وبمساعدة الكاتب مارك توين، تمكّن من الحصول على صفقة لنشر سيرته الذاتية. ولأشهر، جلس غرانت المنهك، منحنيا على كرسي ومرتديا قبّعة صوفية بسيطة ووشاحا، يكتب مذكّراته. كان يكتب ليل نهار رغم الألم المبرح والمتكرّر. ويتذكّر أحد مساعديه أن شرب الماء البسيط بالنسبة له كان أشبه ما يكون بشرب الرصاص المنصهر.
    كان توين يراقب بدهشة غرانت المريض وهو يُخرج روايته صفحة تلو أخرى. وكان على يقين بأن قوّة روحه ستُبقي جسده متماسكا حتى يُنجز المهمّة. وكان مقتنعا بأن ذلك الهدف الأسمى هو الذي أطال عمره وأبقاه على قيد الحياة. وقد ثبتت صحّة توقّعه، فقد توفّي غرانت بعد أيّام قليلة من إكماله المخطوطة النهائية. ديريك بوست

  • Credits
    dokumen.pub
    h-net.org