يقول وهو ينحني في كشك تذكاري مهجور رمّمه ككوخ ناسك في مركز لي باي الثقافي، في تشينغليان، مسقط رأس الشاعر الكبير في مقاطعة سيتشوان غرب الصين: أنا واثق من ذلك. بعد 1300 عام، أنا الشاعر الوحيد الذي يعيش في مسقط رأس لي باي ولا يزال يكتب الشعر. بل إنني أوقع أعمالي باسم لي باي".
بعض الدول، مثل جورجيا، محظوظة ببناء تماثيل لشعرائها أكثر من الملوك أو المحاربين. وفي قيرغيزيا، يقضي الشعراء المتدرّبون سنوات في حفظ قصيدة واحدة من ملحمة ماناس الوطنية المكوّنة من نصف مليون سطر. ومع ذلك، لم أجد الشعر منغمسا في الحياة العامّة أكثر ممّا هو في الصين. إذ تُعدّ الولادات والزيجات والوفيات مناسبات للعائلات لتأليف الشعر. ويتعلّم الأطفال القوافي القديمة في مناهجهم الدراسية الأساسية. وتزيِّن أبوابَ منازل المدن والقرى أبيات شعرية منقوشة على ورق أحمر لجلب الفأل والحظ السعيد.
ماو تسي تونغ نفسه قيل إنه خاض غمار كتابة الشعر ذات مرّة. ومع ذلك، يُعدّ وجود شاعر حقيقي متفرّغ لكتابة الشعر اكتشافا نادرا في أيّ مكان.
ولد لي باي في القرن الثامن الميلادي في آسيا الوسطى ونشأ في سيتشوان الحالية. وقد عاصرَ تمرّدا وحربا أهلية وفقداناً للأمن في امبراطورية تانغ. ثم طُرد الشاعر من البلاط الإمبراطوري لتجرّؤه على خلع حذائه المتّسخ أمام الملك. وفيما بعد أُلقي القبض عليه بتهمة الخيانة، وحُكم على هذا الرجل البدائي بالمنفى، وإن كان أُعيد لاحقا الى وطنه.
للوصول إلى تشينغليان، سافرت شمالا من مدينة تشانغدو العملاقة، مرورا بقرى دُمّرت وأُعيد بناؤها منذ زلزال عام ٢٠٠٨ المروّع. عبرتُ أنهارا خضراء دافئة على جسور المشاة. كان ذلك في نهاية الصيف. كانت الأيّام جليدية، وكان المزارعون قد نشروا محصولهم من الذرة ليجفّ على جوانب الطرق.
كانت تلك هي الصين التي تخيّلت فيها لي باي البدائي مرتاحا، وليست "صين" الصورة النمطية العالمية لأرضيات المصانع الآلية. أما الشاعر لي هونغ بين فقد رأيت فيه فنّانا كسر الصور النمطية البالية للطائفية الشرقية والتمرّد الفردي الغربي. بول سالوبيك
❉ ❉ ❉
الغراموفون عزفَ موسيقانا والمايكروسكوب كشفَ أسرار خلايانا. لكن الغراموفون لم يستطع تأليف سيمفونيات جديدة، ولم يستطع المايكروسكوب تصنيع أدوية جديدة. الذكاء الاصطناعي قادر بالفعل على إنتاج الفن وتحقيق اكتشافات علمية بمفرده.
وفي العقود القليلة القادمة، من المرجّح أن يكتسب القدرة على خلق أشكال حياة جديدة، إما بكتابة شيفرة جينية أو باختراع شيفرة غير عضوية. الذكاء الاصطناعي قد يغيّر مسار تاريخ جنسنا البشري، بل مسار تطوّر جميع أشكال الحياة. يوفال هاراري
❉ ❉ ❉
❉ ❉ ❉
كان قرار بطل الفيلم بالاختفاء لفترة وترْك كلّ التوقّعات والراحة أشدّ وقعا عليّ مما توقّعت. ليس لأنني فعلت شيئا كهذا من قبل، بل لأنني أعرف الشعور الذي يحرّكه. فقد ساورني نفس هذا الشعور وأنا أخرج من مكتبي كلّ يوم في الساعة الخامسة مساء. وشعرت به في صباحات الأحد عندما تكون المدينة ما تزال نصف نائمة. وشعرت به وأنا أحجز رحلة "هروب" لعطلة نهاية الأسبوع، ثم أقضي معظم الوقت مستلقيا على سرير في الفندق أتصفّح هاتفي الجوّال!
كان كريس يمضي أيّامه في جمع التوت البرّي وصيد السناجب والأرانب. كما يخصّص وقتا لقراءة مؤلّفيه المفضّلين والأكثر تأثيرا: جاك لندن وليو تولستوي وهنري ديفيد ثورو وسواهم. وداخل أعمال هؤلاء الكتّاب كان يجد شخصيّته الحقيقية. يقول نقلا عن ثورو: ذهبت إلى الغابة لأني أردت أن أعيش حياة مدروسة، وأن أتجنّب كلّ ما ليس حياة، فلا أكتشف عندما أموت أنني لم أعِش".
بحلول الوقت الذي وصل فيه كريس إلى ألاسكا وحيدا في حافلة مهجورة في أعماق البرّية، كان شيء ما قد تغيّر. في البداية، كانت الوحدة جميلة وهادئة، بل رومانسية. كان يعيش الحلم الذي سعى إليه لسنوات. لكنْ شيئا فشيئا، أصبح ذلك الصمت مختلفا. وما كان يوما حرّية بدأ يتحوّل إلى وحدة. وهذا ما جعلني أتساءل: ماذا لو تبيّن أن ما كنتَ تسعى إليه لا تريده حقّا؟ ماذا لو وصلتَ إليه ولم يكن العلاج الذي توقّعته؟!
الفيلم لا يعطيك إجابة، بل يترك هذا السؤال عالقاً في ذهنك، ينتظر أن تلاحظه. وهو يذكّرك بهذه الأشياء الصغيرة على طول الطريق: ليس من الخطأ ألا تعرف بالضبط ما تريده وأن ترغب في الاختفاء في بعض الأحيان. لكن كن حذرا، أحيانا الشيء الذي تبحث عنه ليس هو الشيء الذي تحتاجه.
أثناء الفيلم، يلتقي الشابّ في طريقه ببعض الأشخاص: زوجان في منتصف العمر يفتحان له قلبيهما دون أحكام مسبقة، مزارع لا يراه مجرّد متجوّل، بل شخصا ذكيّا وكفؤا ويستحقّ السعادة، ورجل مسنّ يعيش وحيدا بعد أن فقد زوجته قبل عقود، فيعرض عليه أن يتبنّاه.
وهؤلاء يذكّرونك بأن المعنى ليس "في الخارج" فقط، أي في البرّية البكر، بل هو في الناس أيضا. ربّما كان كريس يسعى نحو شيء نقيّ، لكنه في الطريق ظلّ يكتشف أن التواصل الإنساني ليس بالسمّ الذي كان يظنّه. أحيانا كان هو الدواء الذي يحتاجه.
تلك المشاهد في الفيلم جعلتني أفكّر في حياتي، في الصداقات التي تلاشت لانشغالنا، والأحاديث العائلية التي تقلّصت إلى رسائل نصّية سريعة. في الماضي، كنّا أنا وعمّي نتحدّث لساعات خلال زيارات العطلات عن الموسيقى والسياسة وغيرهما. الآن نتبادل رسائل صوتية قصيرة لا تتجاوز الدقيقتين بضع مرّات في السنة.
وبعض المَشاهد الأخرى في الفيلم فتحت لي آفاقا من الذكريات القديمة عن أمسيات هادئة بعد المطر وأنا مستلقٍ على سريري أستمع إلى أيّ أغنية يتصادف أن الراديو يبثّها. كان نوعا من الهدوء الذي اخترته، لا النوع الذي فُرض عليّ. ذكّرني وقت كريس في الحافلة وهو يدوّن يومياته بينما يتراكم الثلج في الخارج، بذلك الشعور؛ ذلك الهدوء الاختياري.
الكثيرون ممّن شاهدوا فيلم "إلى البرّية" شعروا برغبة في فعل ما فعله كريس، أي التخلّي عن كلّ شيء، ثم السفر والهروب. أما أنا فكان الأمر عكس ذلك تماما. لقد دفعني هذا الفيلم إلى الاهتمام أكثر بالحياة التي أعيشها، بالأشياء الصغيرة: محادثة دافئة مع أمّي على الهاتف، طبق طعام سريع التحضير في منتصف الليل، العثور على مقعد في القطار خلال ساعة الذروة.
كان كريس في الماضي مستاءً من المجتمع ومن محيطه، لكنه آمنَ لاحقا بأن "بهجة الحياة تحيط بنا من كلّ جانب، وكلّ ما نحتاجه هو تغيير نظرتنا للأمور". وفي النهاية أصبح مدفوعا بفكرة أن السعادة لا تتحقّق إلا بالمشاركة، فقرّر العودة إلى منزله لأنه لم يجد من يشاركه إيّاها في البرّية.
وقصّة كريس تذكّرنا بأن التخلّص من مشاكل الحياة لا يحلّها هروب المرء من نفسه. فالهروب لا يمحو ما تحمله في داخلك، بل قد يزيده صخبا. وأعتقد أن سبب تعلّقي بالفيلم هو ما تركه وراءه بعد انتهائه: لحظة هدوء، وتذكير بأنه لا بأس أحيانا من ألا نمتلك جميع الإجابات. نيد فيرن
Credits
Tldrmoviereviews.com
learn.outofedenwalk.com
Tldrmoviereviews.com
learn.outofedenwalk.com