:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الثلاثاء، أغسطس 26، 2025

نصوص مترجمة


  • كان أحد أعمامي يأمل أن يصبح رسّاما كبيرا. في مراهقته، فاز بمِنَح دراسية وجوائز مهمّة، لكنه فقد بصره بسبب السكّري. كنت في العاشرة وهو في العشرينات من عمره، عندما كنّا نسير معا ذات يوم في شارع مزدحم بالمشاة في بوينس آيرس. وفجأة قال أحدهم: ها هو بورخيس"! نظرتُ ورأيتُ بورخيس، فقلتُ لعمّي: هذا بورخيس".
    كان قادما نحونا، وهو ممسك أيضا بذراع صديق أو معجب، ثم صرخ عمّي الكفيف والفكاهي: بورخيس! كيف حالك؟ تبدو رائعا". حوّل بورخيس نظره إلى المكان الذي أتى منه صوت عمّي الكفيف، وتبادلا النظرات دون أن يَريا بعضهما، وأنا واقف بينهما غير مصدّق لما أراه.
    في ذلك الوقت، لم أكن قد قرأتُ أعمال بورخيس، ولكن كنتُ أعرفه جيّدا. كان من السهل أن ألتقي به في الشارع، وكان حاضرا باستمرار على شاشات التلفزيون، حيث كان موضوعا للعديد من المقابلات المطوّلة، وحتى لعروض الكوميديا القصيرة. كان الكوميديون يقلّدونه. كان فريدا من نوعه، بصوته وأسلوبه في الكلام وتواضعه المتغطرس وسعة اطلاعه التي تكاد تكون مجنونة وأسلوبه المهذّب والصارم في تقويض محاوريه.
    بعد سنوات قليلة من ذلك اللقاء مع بورخيس، ومع عدم وجود فرصة لرؤيته مرّة أخرى ولفترة طويلة، قرأت أوّل كتاب له: "تاريخ عالمي للعار". وأعتقد أنني قرأت كتب بورخيس بعد ذلك بنفس الطريقة التي قرأ بها هو ألف ليلة وليلة وستيفنسون وتشيسترتون وآلان بو وويلز. قرأته كما لو كان مؤلّف كتب أطفال بالمعنى النبيل للكلمة، ككاتب تأسيسي، كصانع قصص مثالية، كواحد من أولئك الرواة الذين يفتحون الباب لنا للّعب في كتب أخرى.
    وفي أحد الأيّام، في إحدى صالات الألعاب الرياضية، حدث أن اصطدمتُ برجل عجوز خفيف الوزن. طار الرجل في الهواء، ممسكا بعصاه، وأخذ يصرخ صرخات مكتومة قبل أن يسقط على وجهه. ثم اكتشفتُ أن ذلك الرجل لم يكن سوى بورخيس نفسه، وأنني ربّما قتلتُه.
    كانت تلك أهمّ لحظة في حياتي! من كان يعلم أن ذلك الاصطدام بالأدب العظيم سيُشعل شرارة قصص أخرى، أو سيمثّل نهايتي ككاتب. فما جدوى كتابة أيّ شيء إن سُجِّلْتُ في التاريخ بصفتي قاتل بورخيس؟!
    لحسن حظّي، ظلّ بورخيس حيّا. رأيتُه مُستلقيا على ظهره وعصاه على صدره، يفتح فمه ويغلقه كأحد طيور الكناري بحثا عن أكسجين. كانت تلك تجربتي الكبرى مع الأدب، ويزعجني قليلا ألا أتمكّن من التذكّر، مهما حاولت، إن كنتُ قد ساعدته على النهوض أم لا. لا أظنّ أنني فعلت.
    لقد رويت تلك القصّة مرّات عديدة. وأصبحتْ مثل الورقة الرابحة في جعبتي أو في ياقة أحد الكوميديين. وهكذا حدث اصطدامي الحقيقي بالأدب.
    عندما جلستُ لأقرأ بورخيس، لم أفعل ذلك رغبة في تحليله وإعادة بنائه لاحقا أمام لجنة من الممتحنين، أو من أجل خطّة نظرية حتمية لكيفية المضيّ قدما في عملي، بل من أجل متعة الاستمتاع بشخصية عظيمة.
    وهنا أصل إلى سرّ علاقتي الشخصية جدّا مع بورخيس. أتذكّر الانفجار الشخصي الكبير الذي مررت به عندما قرأتُ ذات صباح استوائي، وربّما ممطر "من يتذكّر وهو يقرأ تحت المطر!"، تلك الصفحة القصيرة بعنوان "بورخيس وأنا"، والتي يعترف بورخيس فيها "لا أعرف أيّنا الاثنين يكتب هذه الصفحة"، وحيث يطمس بورخيس الخطّ الفاصل بين المؤلّف والشخصية ويشوّه هويّة القارئ.
    ما شعرتُ به وقتها هو أنه لا يمكن للمرء أن يكسب عيشه من الأدب فحسب، بل يمكن أن يعيش الأدب، والأدب يمكن أن يحيا في الكاتب ومن خلاله. كان بورخيس، بالنسبة لي، وسيظلّ الكاتب العظيم الذي يفهم الكُتّاب كشخصيات عظيمة وكقُرّاء عظماء.
    بورخيس كقارئ/كاتب، ابتدع بأسلوبه تقليدا أدبيّا أرجنتينيا افتراضيّا ومراوغا، لم يكن يحفر في التربة بل في الجدار الذي تُعلّق عليه الكتب. الجدار الذي يؤوي عبقرية أمين مكتبة أعمى ومتعدّد الأشكال ومنحرفا، يوصي بأشياء كثيرة دفعة واحدة، مقتنعا بأن الخلاص والجنّة يعيشان دائما داخل كتاب، كتاب يحتوي الكون بأسره. رودريغو فريسن
  • ❉ ❉ ❉


  • يمثّل موزارت لمعظمنا الأناقة والذكاء والرقّة والألفة، وما إلى ذلك. ولو كان هذا كلّ شيء، لظلّ مجرّد فنّان من عصره. لكنه يختلف عن غيره من المؤلّفين من أواخر القرن الثامن عشر الذين أنتجوا موسيقى سهلة وراقية وغنائية ومرِحة لطبقة النبلاء.
    وصل موزارت إلى هذا العالم كروح سامية، وظلّ فيه حوالي ثلاثين عاما، ثم تركه غنيّا ومبارَكاً بزيارته. كانت عبقريته عالمية مثل جميع الفنّانين العظام. لم يلتقط فقط إحساس وروح عصره، بل جسّد أيضا روح الإنسان، إنسان كلّ العصور، الإنسان بكلّ رغباته وتطلّعاته وتناقضاته.
    عندما كنّا في موسكو قبل فترة، سمعت الكاتب الكبير بوريس باسترناك يقول: رغم كلّ شيء، أنا مفعم بالبهجة، فنّي موجود كسجلّ لمأساة الوجود البشري، يتغذّى من الأحزان. وفنّي هو كلّ بهجتي". وهكذا هو حال أعظم الأرواح المبدعة، وهكذا كان حال موزارت.
    قد يفاجئ هذا الكلام بعض الناس ممّن اعتادوا وصف موسيقى موزارت بالأرستقراطية. وكم من الناس سمعتهم يصفونها بـ"الرنّانة". يقولون: لا داعي لكلّ هذه التعقيدات البسيطة في موسيقاه. أعطني جرأة في الموسيقى: بيتهوفن، برامز، التراجيديا، العظمة".
    لكن هذا النوع من الكلام لا يعني سوى شيء واحد: أنهم لا يعرفون موزارت. لا يمكن لأحد أن يستمع إلى موزارت وينصت إليه باهتمام، بكلتا أذنيه، دون أن يختبر ما أسماه باسترناك "مأساة الوجود البشري".
    هل تشعر في موسيقى موزارت بذلك الحزن، ذلك الجوهر الثمين، حتى وهي محاطة بإطار من القرن الثامن عشر؟ إن موسيقاه تهرب باستمرار من إطارها، لأنه لا يمكن احتواؤها في قالب. وهي في جوهرها خالدة. إنها موسيقى كلاسيكية لرومانسي عظيم، وموسيقى حديثة وخالدة لكلاسيكي عظيم. ليونارد بيرنشتاين
  • ❉ ❉ ❉

  • في القرن السادس عشر، كان مصطلح "بيرو" يُطلق على أمريكا الجنوبية بأكملها، وليس فقط على أراضي الدولة التي تحمل هذا الاسم اليوم. وكانت أراضي أتاوالبا، آخر إمبراطورية للإنكا في بيرو، غنيّة بالذهب والفضّة. وفي أبريل عام 1545، تسلّق نبيل هنديّ ضئيل يُدعى دييغو غوالبا تلّة بحثاً عن ضريح، فسقط أرضا بفعل رياح قويّة. ووجد نفسه ممسكاً بكتل ضخمة من الفضّة بيديه، فأبلغ بذلك بعض المغامرين الإسبان في المنطقة المجاورة.
    وبعد مزيد من البحث، اكتُشفت خمسة عروق غنيّة بالفضّة. وتبع ذلك اندفاع محموم للبحث عن المعدن الثمين. وقتها كانت الفضّة، وليس الذهب، هي التي أصبحت في نظر العالم رمزا للثروات التي تُجنى بسرعة. وبالنسبة للفرنسيين في القرن السادس عشر، أصبحت مفردة "بيرو" مرادفة للثروة الهائلة.
    آنذاك وُصفت رواسب بوتوسي في بيرو، "الواقعة اليوم في بوليفيا"، بأنها "جبل فضّي" يبلغ قطر قاعدته ستّة أميال ويقوم على هضبة نائية ومهجورة ترتفع 12 ألف قدم فوق مستوى سطح البحر.
    ومن عام 1503 إلى عام 1660، قُدِّر أن 16 ألف طن متري من الفضّة وصلت إلى إشبيلية بإسبانيا، أي ثلاثة اضعاف موارد الفضّة الموجودة في أوروبا في ذلك الوقت. بينما دخَلَ 185 طنّا متريّا من الذهب إلى إشبيلية من العالم الجديد خلال الفترة نفسها. كانت الفضّة العنصر الرئيسي في ثروة إسبانيا الخيالية. وكانت تلك الثروة خيالية فعلا، لأن آثارها على الحكم الإسباني كانت غير متوقّعة، وأدّت على المدى الطويل ولأسباب متعدّدة إلى الإفلاس وتراجع نفوذ إسبانيا في الشؤون العالمية. كاسي كورتنغ
  • ❉ ❉ ❉

  • أحببت الفراشات وكنت مفتونا بها منذ الصبا، عندما عرّفني والدي على هذه المخلوقات الساحرة. وعندما كبرت، ازداد شغفي بها وألّفت كتابا عنها تحدّثت فيه عن حضورها الدائم في أحلامنا وفي الأدب والموسيقى والفنّ والثقافة الشعبية. وأعرف أن الكثيرين بدأوا يصبحون من مراقبي الفراشات ويدركون كيف يمكن لهذا النشاط الممتع أن يفيدهم عقليا وجسديّا وروحيا.
    إن فوائد التواجد في الهواء الطلق في أحضان الطبيعة والمشي بوتيرة هادئة والوقوف ساكنا وتعلّم الرؤية والنظر باهتمام والانتباه الكامل لهي من الأمور المفيدة والمجزية كثيرا. الكاتب فلاديمير نابوكوف هو مثال على رجل الفراشات العظيم. ولم يكتب أحد آخر بمثل هذا الشعور أو الجمال عن الفراشات.
    وأعتقد أن هناك دروسا يمكن استخلاصها من مشاهدة الفراشات. فنحن قد نتعلّم شيئا من طيرانها الرقيق والرشيق وكيف أنها لا تستقرّ طويلا بل تمضي قدما. وهي تعلّمنا شيئا عن العيش بِخفّة، لا أن نغرق في وحل الركود، وأن نحافظ على مرونتنا وقابليّتنا للتكيّف، وأن نمشي رويداً على الأرض، لا أن نتخبّط في أمور مدمّرة، وأن نقدّر تعقيد وهشاشة ما حولنا. نايجل أندرو
  • ❉ ❉ ❉

  • تتعرّض الحيوانات البرّية في بيئاتها الطبيعية لمواقف عصيبة ومختلفة، مثل البحث عن مجموعات وأماكن آمنة للعيش، والحصول على الطعام وتجنّب التعرّض للافتراس، وتحمّل الأمراض والإصابات دون علاج.
    وبينما يُتوقّع أن تُوفَّر للحيوانات الأسيرة أماكن آمنة للعيش وغذاء كافٍ ورعاية بيطرية عند الحاجة، إلا أنها لا تحصل بالضرورة على هذه الحقوق البسيطة. وحتى لو حصلت عليها، فهذا لا يعني بالضرورة أنها تتمتّع بحياة أسعد أو أفضل من أقاربها في البرّية المفتوحة.
    ويمكن أن نتخيّل وجود حالات قد يستفيد فيها الحيوان من إبعاده عن البرّية. مثلا، إذا كان يتعرّض للضرب باستمرار ككبش فداء أو يتضوّر جوعا أو يعاني من مرض أو إصابة خطيرة.
    ومع ذلك قد يقول قائل: هذا شعور طبيعي عندما يكون فردا في جماعة، ويجب أن تُمنح له فرصة عيش حياته الطبيعية. ففي النهاية، هذا ما تطوّر ليصبح عليه. قبل سنوات، أدركت معنى أن تكون حيوانا برّيا وأن تكون حيوانا أسيرا.
    ففي عالم يشهد هيمنة بشرية متزايدة، في حقبة تُسمّى "عصر الأنثروبوسين" الذي تحوّل إلى " موجة من اللاإنسانية "، من الواضح أننا كثيرا ما نتدخّل في حياة أنواعٍ لا تُحصى. نسرق حياتها وبيئاتها ونسرق أطفالها ومستقبلها. ومن المحتمل جدّا أن تعاني الحيوانات البرّية من اضطرابات نفسية مختلفة، بما في ذلك اضطراب ما بعد الصدمة وأمراض سلوكية أخرى. مارك بتكوف

  • Credits
    borges.pitt.edu
    wolfgang-amadeus.at