:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الجمعة، أكتوبر 03، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • الشينتز Chintz مفردة أصلها هندي، وتعني مبقّع أو مرشوش أو مبهرج. ويقال إن المفردة هي صيغة الجمع لكلمة هندية تعني "مُشرق او ساطع". وكانت في الأصل تشير إلى قماش قطني مطبوع أو مطلي، أُنتج في الهند بين عامي ١٦٠٠ و١٨٠٠، وزُيّن بزخارف وأنماط نباتية وزهرية بديعة.
    كان هذا القماش يُصنع في الهند منذ آلاف السنين. لكنه لم يُعرف في أوربّا إلا بدءا من نهاية القرن الخامس عشر، عندما جلبه الرحّالة البرتغالي فاسكو دي غاما إلى هناك مع التوابل والعطور الشرقية. في البداية، كان القماش باذخا ومكلّفا ولا يَقدِر على شرائه سوى الأسر الغنيّة. وقد ارتبط الاتجار به بالممارسات الاستعمارية العنيفة التي بلغت ذروتها مع تأسيس شركة الهند الشرقية.
    ومنذ القرن التاسع عشر، استُخدمت مفردة "شينتز" للإشارة إلى أسلوب الزخرفة الزهرية المُطوَّر في المنسوجات، ثم توسّع استخدامها ليشمل الفخاريات واللحف والفُرش والستائر وورق الجدران. وأحيانا تُنسب الكلمة إلى الروائي جورج إليوت، الذي كتب عام ١٨٥١ لأخته عن قماش الموسلين قائلا: جودة القماش المرقّط هي الأفضل، لكن تأثيره شينتز". ويُعتقد أنه كان يصف القماش البريطاني الرخيص والمقلّد، وليس قماش الشينتز الهندي الحقيقي، والذي كان منتشرا في ذلك الوقت.
    كانت عملية صنع القماش تستغرق شهورا، حيث يتم إعداد الأصباغ الطبيعية وتنظيف القماش بمضارب خشبية وتحضيره بمحلول التانين المستخرج من النباتات)، ثم غمره في أحواض مختلفة وشطفه وتجفيفه.
    بعد أن انتقل القماش الى أوروبّا، أصبح التجّار البرتغاليون والهولنديون يجلبون معهم عيّنات منه الى بلدانهم. ومن جهتهم، بدأ التجّار الإنغليز والفرنسيون في شحن كميّات كبيرة منه كانت تُشحن من ساحل كورومانديل في جنوب شرق الهند.
    ومع ازدياد شعبية "الشينتز" المستورد الى أوربا في أواخر ذلك القرن، ازداد قلق صنّاع الاقمشة الفرنسية والإنغليزية لعدم معرفتهم بكيفية صنعه. فأعلنت فرنسا حظرا على جميع واردات القماش، ثم سنّ برلمان بريطانيا قانونا يحظر استخدامه في الملابس او في اللحف والأثاث المنزلي. ومُنع المواطنون الفرنسيون والإنغليز والاسبان من إنتاج أو استيراد أو حتى ارتداء القماش المصنوع في الهند لأكثر من 70 عاما.
    وبذل روّاد الأعمال الهولنديون جهودا مضنية لإعادة إنتاج القماش الهندي. وفي الهند، كانت معظم التصاميم تُرسم يدويّا. أما في الأراضي المنخفضة، فقد كانت طباعة النسَخ تستغرق وقتا طويلا. وتتجلّى شعبية هذه المنسوجات في المقتنيات العديدة التي تحتفظ بها المتاحف الأوروبية من قماش الشينتز. وجميعها قطع آسرة تروي قصصا عن الذوق والتقليد والبراعة والحرفية والتكنولوجيا.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • رواية "قاموس الخَزَر" هي ملخّص متخيّل لتاريخ قبيلة الخَزَر شبه الخيالية التي يُعدّ اسمها الأثر التاريخي الوحيد لوجودها البدويّ في وسط وشرق أوروبّا، من القرن السابع إلى القرن العاشر الميلادي.
    والقصّة التي تعتمد عليها الرواية تعود الى عام ١٦٩١، عندما أملى راهب صربي يُدعى تيوكتيست على ناشر بولندي يُدعى دوبمانوس الأجزاء الثلاثة التي يتألّف منها قاموس الخزر: المسيحي (الأحمر)، والإسلامي (الأخضر)، والعبري (الأصفر). ومن بين الخمسمائة نسخة التي طبعها دوبمانوس، لم ينجُ سوى نسختين مختومتين بأقفال من الذهب والفضّة وبصفحات مغموسة بالسم. وتقول أسطورة إن أيّ قارئ تجرّأ على قراءة أيّ منهما ماتَ في الصفحة التاسعة وعينه على عبارة بعينها.
    في مقدّمة الرواية، يدعونا المؤلّف ميلوراد بافيتش إلى تفكيك عملية القراءة، لنصبح جزءا لا يتجزّأ من العمل من خلال تحديد كيفية استخدامه. ولأن القاموس حقيقي ومرتّب حسب مدخلات، يمكن قراءته حرفيّا كما يحلو للقارئ: كأيّ كتاب عادي من اليمين إلى اليسار، قطريّا أو في ثلاثيات. وهذه الثلاثيات هي أحد المفاتيح العديدة، وربّما اللانهائية، لفهم الكتاب. فالمثلّث في نهاية المطاف هو رمز الخَزَر؛ هذا الشعب التركي الغامض منذ القرن السابع.
    كان هناك ثلاثة مشاركين في الجدل الخَزَري الذي يرويه القاموس: راهب يوناني " يُدعى ميثوديوس"، ودرويش مسلم "يسمَّى البكري"، وحاخام يهودي "إسمه هاليفي". بالإضافة الى ثلاثة مؤرّخين للجدل، كلّ منهم يمثّل دينا.
    وبأسلوب آسر ومربك في آن، يضيف الروائي بافيتش جرعات كبيرة من الخيال على السجلات التاريخية، مزعزعا بذلك أركان التاريخ والجغرافيا الأساسية. ويروي أن الخَزَر كانوا شعبا حقيقيا، جماعة من القبائل البدوية الناطقة بالتركية، استوطنوا بين القرنين السابع والعاشر سهوب جنوب روسيا الشاسعة، بين البحر الأسود وبحر قزوين.
    وكانت دولتهم تجاور فولغا بلغاريا من الشرق، وأذربيجان والإمبراطورية البيزنطية من الجنوب، وكييف روس من الغرب. كان الأمر واقعيا لدرجة أن بحر قزوين يطلَق عليه في أذربيجان حتى اليوم اسم " خزَر دانيزي"، أي بحر الخَزَر.
    وكانت عاصمتهم مدينة ربّما تقع عند مصبّ نهر الفولغا الكبير، والتي دمّرها الأمير سفياتوسلاف الكييفي في عام 943. ويتفق العديد من المؤرّخين المعاصرين على أن الخَزَر اعتنقوا اليهودية. وحتى الآن، لا يوجد دليل أثري مؤكّد على هذا التحوّل. ولم تحدَّد عاصمة الخَزَر نفسها بعد. والأرجح أنهم كانوا دولة متعدّدة الطوائف، حيث نشأت مجتمعات مسيحية وإسلامية ويهودية.
    وفي خضمّ هذا الجدل، استدعى خان الخَزَر إلى بلاطه ثلاثة ممثّلين عن الديانات الثلاث الكبرى، طالبا تفسير حلم يُفضي إلى اعتناقه الإسلام، وبالتالي إلى اعتناق شعبه له. ومنذ ما قيل عن اعتناق الخَزَر للإسلام، ظهرت نظريات مختلفة عبر التاريخ، لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، بعضها يقارب الأساطير ولم يؤكّدها علماء الآثار أبدا.
    ففي سيلاريفو، بالقرب من "نوفي ساد" في صربيا، عُثر على شواهد قبور محفور عليها شمعدانات. وتتحدّث روايات معاصرة عن استيطان الخَزَر في أوروبّا الشرقية أو عن وجود شواهد لهم في طليطلة بإسبانيا. ويُفترض أن اليهود الأشكيناز والقرّائين ويهود بخارى أو يهود جبال القوقاز ينحدرون من الخَزَر.
    يقول أحد النقّاد: عندما تحمل هذا الكتاب، ستشعر وكأنك تحمل كتابا ملعونا بين يديك، كتابا كلّما فتحته أطلقَ صوت صفّارة إنذار أو نفثَ نارا أو قذفَ لعنات أو استدعى أرواحا شرّيرة". وبافيتش يُثري بعض السير التاريخية بشخصيات شيطانية وقادة متعطّشين للدماء ومؤرّخين من العصور الوسطى ويهود تائهين. ومعظم هذه السير ذاتية قصيرة. وفي مملكة هجينٍ لا مثيل لها في التاريخ وتمتدّ بين عالمين، تتصارع شخصيات غريبة الأطوار من كلّ عصر فيما يبدو وكأنه قدَر يتكرّر. والقاموس يروي البحثَ العبثي والمميت عن الحقيقة.
    وجغرافية بافيتش متدفّقة وكثيفة، كما في رحلات الحجّ العظيمة في العصور الوسطى. عواصم العالم القديم الفخمة وقرى صربيا الصغيرة متكافئة، فكلّ حدث يخدم غرض إعادة بناء الحقيقة ويتقارب نحو مركز المثلّث، فتتلامس الرؤى العالمية الثلاث، ثم تتنافر كانفجار تتناثر أجزاؤه في أقصى بقاع الأرض.
    وبعد قرون، يعود الأمر إلى ثالوث جديد يحاول إعادة تجميع تلك الرؤى. وكلّ شخصية هي بطل رحلة عبر مساحات شاسعة وصامتة، من سهوب الخَزَر الغامضة إلى شوارع دوبروفنيك المرصوفة بالحصى، ومن كراكوف اليهودية الممطرة إلى القاهرة الحارّة، ومن تسالونيكي إلى سهول الدانوب العظيمة، مسرح امتزاج الجينات والصدامات الملحمية بين الحضارات.
    " قاموس الخَزَر" كتاب ذو بنية بديعة، لكنه بالغ التعقيد والغنى والخيال. وينبغي التعامل معه بحذر وقراءته على أجزاء صغيرة، خشية أن يكون مرهِقا أو مبهَما أو مملّا. وبافيتش مبتكر لا يلين، يقلب المألوف رأسا على عقب بتفاصيل تارةً شاعرية، وتارةً أخرى مرعبة، ينكر ويناقض ويكذب بلا خجل ويداهن ويستحضر ثم يزيل فجأة صورا مبالغا فيها. وهو يقول ان هناك سرّا في عالم الخَزَر، سرّا ليس للجميع، ولا يمكن دراسته لأننا لن نكون قادرين على فهمه.

  • Credits
    literariness.org
    decorativefair.com