:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، فبراير 23، 2012

العظماء والحبّ


يحتاج الأمر إلى حبّ عظيم وعاطفة متوقّدة كي يصبح المرء كاتبا. وفنّ الكتابة كان وما يزال موجودا منذ قرون، وكذلك فنّ كتابة رسائل الحبّ.
كتابة الرسائل الحميمة كانت الطريقة الوحيدة التي كان الكتّاب والشعراء والساسة والفلاسفة في الماضي يعبّرون من خلالها عن مشاعرهم العاطفية تجاه النساء اللاتي كانوا يرتبطون معهنّ بأواصر حبّ.
في كتابها رسائل حبّ كتبها رجال عظماء تستعرض اورسولا دويل بعض رسائل الحبّ التي كتبها عدد من مشاهير الأدب والسياسة والشعر والفلسفة والفنّ من عصور وثقافات مختلفة..

عندما ظهرت رسائل الحبّ لأوّل مرّة لم يكن هناك هواتف خليوية ولا انترنت. كانت الحياة وقتها مختلفة كثيرا عما هي عليه اليوم. كانت الحروب والمسافات الجغرافية تفصل وتباعد بين الناس. ولم يكن هناك سوى إبداع الكلمة المكتوبة وسيلة للتواصل وتأسيس علاقات إنسانية.
هنري الثامن كان شخصية بارزة في التاريخ البريطاني. وقد عُرف بانشقاقه عن الكنيسة الكاثوليكية وتأسيسه كنيسة انجلترا. وهذه الخطوة لم تكن لها دوافع سياسية بقدر ما كانت متأثرة بحبّه الكبير لـ آن بولين. وهي سيّدة شابّة قابلها عام 1526 عندما كان ما يزال مقترنا بزوجته الأولى كاثرين اوف اراغون. ولزم هنري سبع سنوات كي يلغي زواجه من كاثرين ويتوحّد مع حبّه العظيم لـ آن التي رفضت أن تصبح عشيقة وأقنعته في النهاية بالزواج منها.
بعض الرسائل العاطفية التي كتبها هنري إلى آن حُفظت واستنسخت في أكثر من كتاب. هنري، الذي كان أقوى رجل في بريطانيا في القرن السادس عشر، كان يختم رسائله إلى آن بقوله: هذا من يد خادمك وصديقك هـ. ر".
الحبّ وحده هو الذي روّض الرجل الذي سبق وأن تحدّى سلطة البابا.
جورج غوردون بايرون، المعروف باللورد بايرون، كان احد أكثر الشعراء الرومانسيين تأثيرا ونفوذا. وقد عُرف عنه عشقه للنساء بقدر ما كان يهيم بالكلمات. وبعض أشهر الرسائل الملتهبة التي كتبها نُشرت في أكثر من كتاب. وهي تعطي فكرة عن قاموس الحبّ الذي كان يستخدمه الشاعر البريطاني المشهور في مراسلاته. لم يكن بايرون غريبا على حبّ النساء. فقد تزوّج أوّلا من انابيلا ميلبانك التي هجرته بعد ولادة ابنتهما. ثمّ وقع في حبّ تيريزا غويكولي التي أصبحت رفيقته وملهمته على امتداد ستّ سنوات.
من الصعب أن يفكّر الناس في نابليون، أوّل امبراطور فرنسي، كرجل رومانسي. وقد عُرف عنه توسيعه لحدود فرنسا وتأسيس امبراطورية فرنسية قويّة في القرن التاسع عشر. ومع ذلك فإن الرسائل التي كتبها إلى زوجته الأولى جوزيفين دي بوارنيه تثبت أن هذا السياسي الطموح كان أيضا عاشقا كبيرا.
تزوّج نابليون من جوزيفين عام 1796م. ورغم انه طلقها عام 1810 بعد أن فشلت في إنجاب وريث للعرش، إلا أن الاثنين ظلّت تربطهما علاقة حبّ وثيقة. يقول في إحدى رسائله التي كتبها إليها عام 1795م: صحوت ممتلئا بالأفكار عنك. صورتك والليلة المسكرة التي قضيناها معا بالأمس تركت مشاعري في حالة اضطراب. جوزيفين الحلوة التي لا شبيه لها: أيّ تأثير غريب لك على قلبي"؟
نابليون، قاهر أوربّا، ينهي رسالته معترفا بهزيمته أمام الحبّ.
ليو تولستوي كان ولا شكّ احد أعظم الشخصيات الأدبية في القرن التاسع عشر. كانت حياة الروائي الروسي مليئة بالاضطرابات الانفعالية والإيديولوجية. وفي نهايات عمره اعتنق فلسفة متقشّفة ودعا إلى الامتناع التامّ عن متع الحياة. لكنّ من كتبوا سيرة حياة تولستوي يشيرون إلى أن سنواته المبكّرة كانت مليئة بالعواطف. وقبل زواجه من صوفيا اندرييفنا، كان تولستوي مرتبطا لفترة قصيرة بـ فاليريا ارسينيف، وهي امرأة شابّة كانت تعيش بالقرب من ضيعته. ولسنوات عديدة احتلّت فاليريا عقل تولستوي وقلبه. يقول في إحدى رسائله التي كتبها لها عام 1856م: أحبّ فيك جمالك. لكنّي بدأت للتوّ أحبّ فيك ما هو خالد وثمين، أي قلبك وروحك. لا شيء على هذه الأرض يمكن أن يُمنح دون تعب. حتى الحبّ، هذا الشعور الأكثر جمالا وعفوية".

الفيلسوف الألماني يوهان غوته ربطته علاقة عاطفية بامرأة تُدعي شارلوت فون ستين. حدث هذا عندما كان يعيش في فيمار عام 1775م.
وقد كتب لها رسالة في يونيه من عام 1784م. في الرسالة، ليس هناك ما يشي بعلاقة عاطفية. لكن من الواضح من كلماته أنهما كانا منجذبين إلى بعضهما البعض. يقول غوته في رسالته إلى ستين: كلماتي ستُظهر لك كم أنني شخص بسيط. فأنا لا أتناول الطعام في قصر ولا أرى سوى بضعة أشخاص وأمشي لوحدي في بقعة جميلة أتمنّى لو كنت معي فيها. أدرك كم أنني قريب منك، وحضورك لا يفارقني أبدا. حبّك يجعل العالم أكثر صفاءً".
عندما كتب غوته هذه الرسالة كانت شارلوت متزوّجة من رجل آخر ولديها سبعة أطفال. وقد استمرّت علاقتهما اثني عشر عاما قبل أن ينتقل إلى ايطاليا دون أن يخبرها بذلك. كانت تلك المرأة مصدر إلهامه في كتابة اثنتين من رواياته. وبعد عدّة سنوات من ذلك، أي في العام 1808م، كتب غوته أشهر أعماله "فاوست".
وراء كلّ رسالة، هناك قصّة ارتباط إنساني تمسك بلمحات من الحياة وتخلّدها. وإذا كان تاريخ العالم مصنوعا من أحداث، فإن تاريخ الرومانسية هو خيط متّصل ومتوهّج من رسائل الحبّ.
ومن أشهر الكتّاب الذين عاشوا قصص حبّ كبيرة كلّ من سيمون دي بوفوار وبول سارتر، وخليل جبران وميري هيسكل، وهمنغواي وأغنيس فون كوروسكي، وفولتير واوليمب دونوير، ولويس كارول وغيرترود شاتاواي، وجيمس جويس ونورا بارنكل، وبرنارد شو وستيللا كامبل، ومارك توين واوليفيا لانغدون.
بلزاك، الأديب الفرنسي، ربطته علاقة حبّ بكونتيسة بولندية تُدعى ايفيلينا هانسكا. وقد كتب لها ذات مرّة يقول: أكاد اجنّ بك بقدر ما يمكن للإنسان أن يكون مجنونا. لا استطيع جمع فكرتين معا دون أن أجدك بينهما. ولم اعد استطيع التفكير في أيّ شيء آخر سواكِ. اشعر بغبائي وسعادتي معا عندما أفكّر بك، وتغمرني أحلام لذيذة أعيش في بعضها ألف عام".
هناك من الكتّاب من جرّبوا الحبّ من طرف واحد. وهؤلاء كانوا يحاولون نسيان خيباتهم العاطفية، إمّا بكتابة الشعر كما فعل بترارك الشاعر الروماني، أو بالإمعان في الشراب كما كان يفعل همنغواي
الروائي الأمريكي. ربّما هذا الإحساس بالخيبة والمعاناة هو ما جعل منهم كتّابا عظماء.
اليوم وفي عالم السرعة والتقنية المتطوّرة للقرن الحادي والعشرين، فإن كتابة رسالة حبّ أصبحت شيئا من الماضي. لقد تطوّرت التكنولوجيا كثيرا خلال السنوات الأخيرة لدرجة أن الايميل والرسائل النصّية والتغريد في تويتر حلّ بشكل كامل تقريبا محلّ الأسلوب القديم في كتابة رسائل الحبّ.
لكن هذه البدائل الاليكترونية ليس لها نفس التأثير الذي كان لرسائل الحبّ في الماضي، حيث كان بوسع الإنسان أن يحتفظ بتلك القطعة الغامضة من الورق وأن يتلمّسها وحتى أن يشمّها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن ضغوط ومشاغل الحياة المعاصرة أصبحت كثيرة جدّا لدرجة أنه يصعب على المحبّين أن يجدوا الوقت الكافي للامساك بالكلمات التي تسعفهم في التعبير عما يكنّونه تجاه بعضهم البعض.
ترى هل هناك من لا يزال يكتب رسائل الحبّ بخطّ يده هذه الأيّام؟
في وقت ما من المستقبل، أي بعد عشرين أو ثلاثين عاما، ربّما ينظر الناس إلى الايميل والرسائل النصّية باعتبارها موضة قديمة عفا عليها الزمن.