لست من هواة متابعة المسلسلات أو الأفلام السينمائية، عدا تلك التي تتناول شخصيات تاريخية أو مواضيع علمية. وقد وجدت نفسي، مثل الكثيرين، مشدودا لمتابعة بعض حلقات المسلسل التركي التاريخي المدبلج حريم السلطان ، واكتشفت أن موضوع المسلسل لا يخلو من إثارة وتشويق.
المسلسل التلفزيوني الفخم، الذي يزخر بحكايات الصراع على السلطة ومؤامرات القصر، تجري أحداثه في عهد السلطان سليمان القانوني، أي في القرن السادس عشر، عندما كان العثمانيون يسيطرون على إمبراطورية مترامية الأطراف تتمدّد فوق أراضي ثلاث قارّات.
هذا المسلسل وغيره من منتجات الدراما التركية أصبحت تحظى بمشاهدة واسعة بفضل عرضها بانتظام في محطّات التلفزة عبر بلاد البلقان والشرق الأوسط، وهما الوجهتان الرئيسيتان للطفرة الجديدة التي تشهدها الدراما التركية.
يكفي أن تشاهد حلقة واحدة من حريم السلطان كي تتعرّف على المستوى الرفيع الذي وصلت إليه الدراما التركية. الإخراج البارع، الإيقاع السريع للأحداث، الرشاقة في الانتقال من مشهد لآخر، الصور واللقطات الجميلة التي تنبئ عن إبداع وذوق واضحين، الطريقة المقنعة التي يؤدّي بها الممثّلون أدوارهم، بالإضافة إلى عناصر التشويق والمتعة والإثارة الأخرى التي لا يكاد يخلو منها مشهد.
حتى وقت قريب، كان يُنظر للكثير مما له علاقة بالتاريخ العثماني لتركيا بالكثير من الجدل، تماما مثلما يشعر الأوربّيون بالحرج من مناقشة ماضيهم الاستعماري. لكن من الواضح أن هذه المسلسلات نجحت إلى حدّ كبير في استبدال صورة التركيّ المتوحّش التي كانت شائعة ذات زمن بصورة بلد حديث وواثق وجذّاب ومليء بالإمكانيات والفرص الكثيرة.
ورغم أن مسلسل حريم السلطان هوجم من قبل الكثيرين، بمن فيهم رئيس الوزراء التركيّ رجب طيّب اردوغان، إلا أنه اكتسب شعبية كبيرة، بل وازدادت شعبيّته بسبب الجدل المثار حوله. ويقال إن المسلسل يستقطب جمهورا يصل إلى 150 مليون شخص يتوزّعون على أكثر من 45 بلدا. وهناك من يقارن حريم السلطان بالمسلسل الانجليزي التاريخيّ سلالة تيودور الذي يحكي عن حكم الملك الانجليزي هنري الثامن.
حريم السلطان يتحدّث عن نساء القصر وعن المكائد والحيل التي يدبّرنها ضدّ بعضهنّ البعض. وفي بعض المشاهد يظهر سليمان في شبابه وهو جالس وسط نساء شبه عاريات ويحتسي الخمر. الشخصية المهيمنة في المسلسل هي شخصية السلطان سليمان الذي تذكر كتب التاريخ انه عمل جاهدا، كما لم يفعل غيره من سلاطين آل عثمان، على توسيع نفوذ الحكم العثماني ليشمل مناطق شاسعة من الشرق الأوسط وأوربّا، كما منح حقوقا متساوية للمسيحيين واليهود وشجّع التعليم والفنون والعلوم.
الشخصية المحورية في المسلسل، كما تقدّم، هي شخصية السلطان، ويؤدّي دوره ممثّل تركي بارع إسمه خالد ارجنش . لكن هناك شخصيّات أخرى لا تقلّ أهمية، من بينها شخصية روكسيلانا الماكرة "أو هيام في النسخة العربية"، وهي ابنة كاهن أوكراني أرثوذكسي بيعت للقصر ثمّ تحوّلت إلى محظية وأصبحت ملكة متوّجة على قلب سليمان، وفي ما بعد أمّاً لابنه سليم الذي سيرث عرش الإمبراطورية بعد وفاة أبيه.
المسلسل أثار، وما يزال، عاصفة سياسية في تركيا. فالطريقة التي قدّم بها شخصيّة السلطان لم ترق للمحافظين الأتراك. أردوغان نفسه حثّ على اتخاذ إجراءات قانونية ضدّ المغالطات التاريخية التي يروّج لها المسلسل. وقال: لا يصحّ أن يُقدّم آباؤنا وأجدادنا بهذا الشكل المسيء. إننا لا نعرف سليمان الذي يتحدّث عنه المسلسل. سليمان الذي نعرفه كان فاتحا عظيما ولم يكن بأيّ حال رجلا منهمكا في عالم الحريم كما يصوّره هذا المسلسل. وأضاف: سليمان الذي نعرفه قضى 30 عاما من عمره على ظهور الخيل وليس في قصر. إن هذا المسلسل محاولة لإهانة ماضينا والتعامل مع تاريخنا بازدراء وتصويره في أذهان الأجيال الشابّة بطريقة مسيئة".
أردوغان حذّر أيضا من أن القانون يجيز لرئيس الدولة حظر أيّ برنامج تلفزيوني وفق ما تقتضيه الضرورة. وتمّ إبلاغ الشركة المنتجة أنها يجب أن تتوقّع عقوبات إن هي فشلت في مراعاة حساسيات المجتمع. وقد اظهر صانعو المسلسل بعض المرونة فعلا عندما بادروا إلى تقصير مشاهد القُبل وتخفيف بعض العناصر الأخرى في المسلسل ابتداءً من الحلقة الثانية.
المحافظون الأتراك يرون بأن حريم السلطان يسيء لحاكم مبجّل عُرف باسم القانوني أو المشرّع، تعايشت في عهده أديان وثقافات مختلفة جنبا إلى جنب، وأسهمت براعته العسكرية وإصلاحاته القانونية في وصول العثمانيين إلى ذروة قوّتهم. وبالنسبة إلى هؤلاء وإلى غيرهم ممن يحنّون إلى أيّام الدولة العثمانية، فإن المسلسل يمثّل خيانة للماضي العظيم للبلاد. فبالرغم من كلّ شيء، كان عهد سليمان، الذي دام أربعين عاما، يمثّل ذروة الإمبراطورية العثمانية. وفي عصره فقط بلغت الإمبراطورية أوج توسّعها عندما احتلّت قوّاته بودابست ثمّ فرضت حصارا على فيينا.
المسلسل التلفزيوني الفخم، الذي يزخر بحكايات الصراع على السلطة ومؤامرات القصر، تجري أحداثه في عهد السلطان سليمان القانوني، أي في القرن السادس عشر، عندما كان العثمانيون يسيطرون على إمبراطورية مترامية الأطراف تتمدّد فوق أراضي ثلاث قارّات.
هذا المسلسل وغيره من منتجات الدراما التركية أصبحت تحظى بمشاهدة واسعة بفضل عرضها بانتظام في محطّات التلفزة عبر بلاد البلقان والشرق الأوسط، وهما الوجهتان الرئيسيتان للطفرة الجديدة التي تشهدها الدراما التركية.
يكفي أن تشاهد حلقة واحدة من حريم السلطان كي تتعرّف على المستوى الرفيع الذي وصلت إليه الدراما التركية. الإخراج البارع، الإيقاع السريع للأحداث، الرشاقة في الانتقال من مشهد لآخر، الصور واللقطات الجميلة التي تنبئ عن إبداع وذوق واضحين، الطريقة المقنعة التي يؤدّي بها الممثّلون أدوارهم، بالإضافة إلى عناصر التشويق والمتعة والإثارة الأخرى التي لا يكاد يخلو منها مشهد.
حتى وقت قريب، كان يُنظر للكثير مما له علاقة بالتاريخ العثماني لتركيا بالكثير من الجدل، تماما مثلما يشعر الأوربّيون بالحرج من مناقشة ماضيهم الاستعماري. لكن من الواضح أن هذه المسلسلات نجحت إلى حدّ كبير في استبدال صورة التركيّ المتوحّش التي كانت شائعة ذات زمن بصورة بلد حديث وواثق وجذّاب ومليء بالإمكانيات والفرص الكثيرة.
ورغم أن مسلسل حريم السلطان هوجم من قبل الكثيرين، بمن فيهم رئيس الوزراء التركيّ رجب طيّب اردوغان، إلا أنه اكتسب شعبية كبيرة، بل وازدادت شعبيّته بسبب الجدل المثار حوله. ويقال إن المسلسل يستقطب جمهورا يصل إلى 150 مليون شخص يتوزّعون على أكثر من 45 بلدا. وهناك من يقارن حريم السلطان بالمسلسل الانجليزي التاريخيّ سلالة تيودور الذي يحكي عن حكم الملك الانجليزي هنري الثامن.
حريم السلطان يتحدّث عن نساء القصر وعن المكائد والحيل التي يدبّرنها ضدّ بعضهنّ البعض. وفي بعض المشاهد يظهر سليمان في شبابه وهو جالس وسط نساء شبه عاريات ويحتسي الخمر. الشخصية المهيمنة في المسلسل هي شخصية السلطان سليمان الذي تذكر كتب التاريخ انه عمل جاهدا، كما لم يفعل غيره من سلاطين آل عثمان، على توسيع نفوذ الحكم العثماني ليشمل مناطق شاسعة من الشرق الأوسط وأوربّا، كما منح حقوقا متساوية للمسيحيين واليهود وشجّع التعليم والفنون والعلوم.
الشخصية المحورية في المسلسل، كما تقدّم، هي شخصية السلطان، ويؤدّي دوره ممثّل تركي بارع إسمه خالد ارجنش . لكن هناك شخصيّات أخرى لا تقلّ أهمية، من بينها شخصية روكسيلانا الماكرة "أو هيام في النسخة العربية"، وهي ابنة كاهن أوكراني أرثوذكسي بيعت للقصر ثمّ تحوّلت إلى محظية وأصبحت ملكة متوّجة على قلب سليمان، وفي ما بعد أمّاً لابنه سليم الذي سيرث عرش الإمبراطورية بعد وفاة أبيه.
المسلسل أثار، وما يزال، عاصفة سياسية في تركيا. فالطريقة التي قدّم بها شخصيّة السلطان لم ترق للمحافظين الأتراك. أردوغان نفسه حثّ على اتخاذ إجراءات قانونية ضدّ المغالطات التاريخية التي يروّج لها المسلسل. وقال: لا يصحّ أن يُقدّم آباؤنا وأجدادنا بهذا الشكل المسيء. إننا لا نعرف سليمان الذي يتحدّث عنه المسلسل. سليمان الذي نعرفه كان فاتحا عظيما ولم يكن بأيّ حال رجلا منهمكا في عالم الحريم كما يصوّره هذا المسلسل. وأضاف: سليمان الذي نعرفه قضى 30 عاما من عمره على ظهور الخيل وليس في قصر. إن هذا المسلسل محاولة لإهانة ماضينا والتعامل مع تاريخنا بازدراء وتصويره في أذهان الأجيال الشابّة بطريقة مسيئة".
أردوغان حذّر أيضا من أن القانون يجيز لرئيس الدولة حظر أيّ برنامج تلفزيوني وفق ما تقتضيه الضرورة. وتمّ إبلاغ الشركة المنتجة أنها يجب أن تتوقّع عقوبات إن هي فشلت في مراعاة حساسيات المجتمع. وقد اظهر صانعو المسلسل بعض المرونة فعلا عندما بادروا إلى تقصير مشاهد القُبل وتخفيف بعض العناصر الأخرى في المسلسل ابتداءً من الحلقة الثانية.
المحافظون الأتراك يرون بأن حريم السلطان يسيء لحاكم مبجّل عُرف باسم القانوني أو المشرّع، تعايشت في عهده أديان وثقافات مختلفة جنبا إلى جنب، وأسهمت براعته العسكرية وإصلاحاته القانونية في وصول العثمانيين إلى ذروة قوّتهم. وبالنسبة إلى هؤلاء وإلى غيرهم ممن يحنّون إلى أيّام الدولة العثمانية، فإن المسلسل يمثّل خيانة للماضي العظيم للبلاد. فبالرغم من كلّ شيء، كان عهد سليمان، الذي دام أربعين عاما، يمثّل ذروة الإمبراطورية العثمانية. وفي عصره فقط بلغت الإمبراطورية أوج توسّعها عندما احتلّت قوّاته بودابست ثمّ فرضت حصارا على فيينا.
المشاهد التي تُظهر سليمان مع النساء أثارت، بشكل خاصّ، نقمة البعض ممّن طالبوا بوقف المسلسل لأنه "غير لائق وغير محترم، والأسوأ من هذا وذاك انه غير صحيح تاريخيّا". وبرغم كلّ هذه الانتقادات، استمرّ المسلسل متصدّرا قائمة البرامج التي تحظى بمشاهدة كبيرة.
الجدير بالذكر أن حريم السلطان هو المسلسل الأغلى في تاريخ الدراما التركية، إذ يُنفق على كلّ حلقة نصف مليون دولار، وتطلّب إخراجه إنشاء استديو خاصّ يشبه تماما قصر توب كابي بطوابق من المرمر الحقيقي ومشغولات خشبية مصنوعة يدوياً. كما حرص أصحاب المسلسل على أن يرتدي الممثّلون ملابس من الحرير وعباءات مخملية من ذلك العصر صنعتها شركات تركية رائدة في مجال تصميم الأزياء.
وعندما بدا بثّ الجزء الأوّل من المسلسل في يناير عام 2011 ألقى المنتقدون البيض على لوحات الإعلان عن المسلسل واحتجّوا خارج مكاتب الشركة المنتجة وقُدّمت عشرات آلاف الشكاوى ضدّ وكالة التلفزيون الحكومي التركي.
من جهتها، تتهمّ المعارضة أردوغان وحزبه بالاستبداد وبمعاداة الفنون. وقد علّق رئيس حزب المعارضة الرئيسي، حزب الشعب الجمهوري، على ملاحظات أردوغان بقوله: لا بدّ وأنّ رئيس الوزراء يشعر بالغيرة من شعبية المسلسل. انه يعتقد انه ما من حاجة لسلطان آخر طالما ظلّ هو في السلطة. أردوغان يريد أن يكون السلطان الأوحد في البلاد وهذه هي المشكلة".
أمّا مخرجو وممثّلو المسلسل فيصرّون على أن حريم السلطان لا ينتقد العثمانيين ولا يسخر منهم، كما انه لا يحمل أيّ رسائل سياسية أو ثقافية، وأنه في نهاية الأمر مجرّد مسلسل تلفزيوني. الممثلة نباهت جهري التي تلعب دور أمّ سليمان في المسلسل تستغرب كلّ هذه الضجّة المثارة حول المسلسل وتقول: اعتقد أن هدف رئيس الوزراء هو تغيير الأولويات. لا أستطيع التفكير في أيّ سبب آخر يدفعه لمناقشة مسلسل تلفزيوني خيالي عندما يكون هناك الكثير من المشاكل التي تعاني منها البلاد".
الشعبية الكاسحة التي يتمتّع بها مسلسل حريم السلطان، بالإضافة إلى النموّ الاقتصادي الذي تشهده البلاد، أسهما في ظهور ما يسمّيه بعض المحلّلين داخل تركيا وخارجها بـ "العثمانية الجديدة"، أي الاهتمام الذي يبديه الجيل الجديد من الشبّان الأتراك بماضي البلاد المجيد. ولا يبدو أن هذا الحنين إلى الماضي يثير انزعاج جيران تركيا أو رعاياها السابقين، وهو ما يدهش حتى أكثر المراقبين تحفّظاً.
الحنين إلى زمن العثمانيين لم يبدأ مع ظهور مسلسل حريم السلطان، فقد سبقه عملان دراميان تاريخيان يحكيان عن نفس الحقبة من تاريخ تركيا: الأوّل مسلسل بعنوان حدث ذات مرّة في الإمبراطورية العثمانية . وقد اشترت حقوق عرضه محطات تلفزيون أجنبية حتى قبل أن يتمّ إنتاجه. والثاني فيلم بعنوان الفاتح 1453 ، ويحكي قصّة فتح اسطنبول وانتزاعها من أيدي البيزنطيين المسيحيين. وقد كسر هذا الفيلم جميع الأرقام القياسية السابقة وأصبح الفيلم التركي الأكثر شعبية والأكثر تكلفة على الإطلاق. الإعلان الترويجي للفيلم على الانترنت تجاوز عدد مشاهديه أكثر من مليون ونصف المليون مشاهد خلال الـ 24 ساعة الأولى التي تلت إطلاقه.
ومع ذلك، توجد في تركيا اليوم انقسامات عميقة. فبينما تنمو البلاد باطّراد وينظر إليها الكثيرون باعتبارها نموذجا لبلدان الشرق الأوسط في التحديث والازدهار الاقتصادي، إلا أن هناك من يتّهم النخبة الحاكمة، رغم كونها منتخبة، بميلها إلى القمع بشكل متزايد من خلال تعاملها غير المتسامح مع المعارضين. أردوغان، الذي انتُخب قبل عشر سنوات، أشرف على فترة من الازدهار لم يسبق لها مثيل في تاريخ تركيا. لكن المخاوف تتنامى حول حكمه الذي يزداد استبدادا. فقد أقدمت حكومته على سجن آلاف الضبّاط ورجال الأعمال والأكاديميين والمعارضين بتهمة التآمر لتدبير انقلاب. وبعض التهم التي وجّهت إلى بعض هؤلاء تبدو مشروعة، لكن تهما أخرى تكتنفها الشكوك. وفي وقت سابق اعتقلت الشرطة التركية ثلاثين صحفيا في حملة فُسّرت على أنها محاولة لترهيب المعارضين.
الأكاديميون الأتراك يعتبرون أن الدراما التاريخية من نوعية مسلسل حريم السلطان تعمل ببراعة على تغيير المعايير الثقافية السائدة في البلاد. وسواءً كان هذا بقصد أم بدون قصد، فإن صنّاع الدراما التركية يخلقون أدوارا جديدة وأبطالا جددا وأنساقا ثقافية مختلفة في منطقة سريعة التغيّر. ونجاح مثل هذه البرامج التلفزيونية شاهد على ثقة تركيا الجديدة بنفسها وهي تتخلّص من ذنوبها الاستعمارية وتنظر إلى الخارج باحثة عن إمكانيات وشراكات جديدة في منطقة يربطها مع شعوبها عوامل كثيرة من الثقافة والتاريخ المشترك.
الجدير بالذكر أن حريم السلطان هو المسلسل الأغلى في تاريخ الدراما التركية، إذ يُنفق على كلّ حلقة نصف مليون دولار، وتطلّب إخراجه إنشاء استديو خاصّ يشبه تماما قصر توب كابي بطوابق من المرمر الحقيقي ومشغولات خشبية مصنوعة يدوياً. كما حرص أصحاب المسلسل على أن يرتدي الممثّلون ملابس من الحرير وعباءات مخملية من ذلك العصر صنعتها شركات تركية رائدة في مجال تصميم الأزياء.
وعندما بدا بثّ الجزء الأوّل من المسلسل في يناير عام 2011 ألقى المنتقدون البيض على لوحات الإعلان عن المسلسل واحتجّوا خارج مكاتب الشركة المنتجة وقُدّمت عشرات آلاف الشكاوى ضدّ وكالة التلفزيون الحكومي التركي.
من جهتها، تتهمّ المعارضة أردوغان وحزبه بالاستبداد وبمعاداة الفنون. وقد علّق رئيس حزب المعارضة الرئيسي، حزب الشعب الجمهوري، على ملاحظات أردوغان بقوله: لا بدّ وأنّ رئيس الوزراء يشعر بالغيرة من شعبية المسلسل. انه يعتقد انه ما من حاجة لسلطان آخر طالما ظلّ هو في السلطة. أردوغان يريد أن يكون السلطان الأوحد في البلاد وهذه هي المشكلة".
أمّا مخرجو وممثّلو المسلسل فيصرّون على أن حريم السلطان لا ينتقد العثمانيين ولا يسخر منهم، كما انه لا يحمل أيّ رسائل سياسية أو ثقافية، وأنه في نهاية الأمر مجرّد مسلسل تلفزيوني. الممثلة نباهت جهري التي تلعب دور أمّ سليمان في المسلسل تستغرب كلّ هذه الضجّة المثارة حول المسلسل وتقول: اعتقد أن هدف رئيس الوزراء هو تغيير الأولويات. لا أستطيع التفكير في أيّ سبب آخر يدفعه لمناقشة مسلسل تلفزيوني خيالي عندما يكون هناك الكثير من المشاكل التي تعاني منها البلاد".
الشعبية الكاسحة التي يتمتّع بها مسلسل حريم السلطان، بالإضافة إلى النموّ الاقتصادي الذي تشهده البلاد، أسهما في ظهور ما يسمّيه بعض المحلّلين داخل تركيا وخارجها بـ "العثمانية الجديدة"، أي الاهتمام الذي يبديه الجيل الجديد من الشبّان الأتراك بماضي البلاد المجيد. ولا يبدو أن هذا الحنين إلى الماضي يثير انزعاج جيران تركيا أو رعاياها السابقين، وهو ما يدهش حتى أكثر المراقبين تحفّظاً.
الحنين إلى زمن العثمانيين لم يبدأ مع ظهور مسلسل حريم السلطان، فقد سبقه عملان دراميان تاريخيان يحكيان عن نفس الحقبة من تاريخ تركيا: الأوّل مسلسل بعنوان حدث ذات مرّة في الإمبراطورية العثمانية . وقد اشترت حقوق عرضه محطات تلفزيون أجنبية حتى قبل أن يتمّ إنتاجه. والثاني فيلم بعنوان الفاتح 1453 ، ويحكي قصّة فتح اسطنبول وانتزاعها من أيدي البيزنطيين المسيحيين. وقد كسر هذا الفيلم جميع الأرقام القياسية السابقة وأصبح الفيلم التركي الأكثر شعبية والأكثر تكلفة على الإطلاق. الإعلان الترويجي للفيلم على الانترنت تجاوز عدد مشاهديه أكثر من مليون ونصف المليون مشاهد خلال الـ 24 ساعة الأولى التي تلت إطلاقه.
ومع ذلك، توجد في تركيا اليوم انقسامات عميقة. فبينما تنمو البلاد باطّراد وينظر إليها الكثيرون باعتبارها نموذجا لبلدان الشرق الأوسط في التحديث والازدهار الاقتصادي، إلا أن هناك من يتّهم النخبة الحاكمة، رغم كونها منتخبة، بميلها إلى القمع بشكل متزايد من خلال تعاملها غير المتسامح مع المعارضين. أردوغان، الذي انتُخب قبل عشر سنوات، أشرف على فترة من الازدهار لم يسبق لها مثيل في تاريخ تركيا. لكن المخاوف تتنامى حول حكمه الذي يزداد استبدادا. فقد أقدمت حكومته على سجن آلاف الضبّاط ورجال الأعمال والأكاديميين والمعارضين بتهمة التآمر لتدبير انقلاب. وبعض التهم التي وجّهت إلى بعض هؤلاء تبدو مشروعة، لكن تهما أخرى تكتنفها الشكوك. وفي وقت سابق اعتقلت الشرطة التركية ثلاثين صحفيا في حملة فُسّرت على أنها محاولة لترهيب المعارضين.
الأكاديميون الأتراك يعتبرون أن الدراما التاريخية من نوعية مسلسل حريم السلطان تعمل ببراعة على تغيير المعايير الثقافية السائدة في البلاد. وسواءً كان هذا بقصد أم بدون قصد، فإن صنّاع الدراما التركية يخلقون أدوارا جديدة وأبطالا جددا وأنساقا ثقافية مختلفة في منطقة سريعة التغيّر. ونجاح مثل هذه البرامج التلفزيونية شاهد على ثقة تركيا الجديدة بنفسها وهي تتخلّص من ذنوبها الاستعمارية وتنظر إلى الخارج باحثة عن إمكانيات وشراكات جديدة في منطقة يربطها مع شعوبها عوامل كثيرة من الثقافة والتاريخ المشترك.