:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الجمعة، أغسطس 24، 2018

حكاية عن اليابان


من المسلسلات التاريخية المتميّزة من فترة الثمانينات مسلسل "شوغن" الذي تجري أحداثه في اليابان في بداية القرن السابع عشر. والشوغن لقب كان اليابانيون يطلقونه على الحكّام العسكريين الذين حكموا البلاد في تلك الفترة بقبضة من حديد.
والمسلسل يعتمد على رواية للكاتب جيمس كلافيل من عام 1975 عن قصّة حقيقية لبحّار انجليزيّ غرقت سفينته على شواطئ اليابان المحكومة آنذاك بتقاليد الساموراي والكونفوشية.
وقد حقّق المسلسل عند عرضه نجاحا كبيرا في العديد من البلدان. واللافت أن هوليوود وظّفت في ما بعد شخصية الشوغن في أفلامها للزعم بأن اليابانيين ورثوا تقاليد العنف من تاريخهم وأنهم، لهذا السبب، لا يمكن أن يتقبّلوا نمط الدولة المسالمة والمنفتحة على الآخرين.
بطل المسلسل، أي القبطان، اسمه جون بلاكثورن، ويلعب دوره الممثّل ريتشارد تشامبرلين. وبلاكثورن يبحر مع طاقمه بحثا عن الثروة على متن سفينة مملوكة لشركة الهند الشرقية تُدعى ايراسموس. وبعد تطواف في أعالي البحار لمدّة عامين وسط عواصف وأنواء قويّة، يصلون إلى اليابان عبر مضيق ماجيلان وترسو سفينتهم المشرفة على الغرق في مرفأ صيد يابانيّ اسمه انجيرو.
ومنذ اللحظة التي يصل فيها بلاكثورن وبحّارته إلى ارض اليابان يتعرّضون للعديد من الأخطار ويفقد بعضهم حياته نتيجة لذلك. وأحداث الرواية تبدأ عام 1600، أي بعد عام واحد من موت تايكو؛ الجنرال الفلاح الذي أمر ببناء قلعة اوساكا بأربعمائة ألف رجل ثم حكم البلاد ببراعة لاعب شطرنج.
في ذلك الوقت، كانت اليابان تحت حكم احد أباطرة سلالة الايدو. لكن لأن وليّ العهد كان ما يزال صغير السنّ، فقد عيّن والده الإمبراطور مجلسا يتألّف من خمسة من كبار الإقطاعيين لإدارة شئون البلاد ريثما يصبح وليّ العهد مستعدّا لتولّي المهمّة.
كانت البرتغال، بقوّتها البحرية الكبيرة وكنيستها الكاثوليكية المتنفّذة وبذراعها القويّ من المبشّرين اليسوعيين المتحمّسين، قد أصبح لها موضع قدم في اليابان، وكانت ما تزال تطمح في توسيع نفوذها أكثر.
لكن اليابانيين بطبيعتهم كانوا ميّالين للعزلة ولكراهية الأجانب. وكانوا ينظرون باحتقار إلى الأسلحة الأوربّية الحديثة ويرون فيها تهديدا لثقافتهم المؤسَّسة على تقاليد الساموراي القديمة.
وربّما لم يكن من قبيل الصدفة أن بلاكثورن كان أوّل بحّار انجليزيّ يصل إلى اليابان، إذ كانت كلّ من انجلترا وهولندا تسعيان إلى تخريب علاقة البرتغال الكاثوليكية مع اليابان ومن ثم إلى تأسيس علاقات مصلحة معها من خلال التجارة والتحالفات العسكرية.
ولهذا السبب لم يشعر البرتغاليون بارتياح لوصول هذا الانجليزيّ إلى اليابان، بل عبّروا منذ البداية عن كراهيتهم الصريحة له وعن نيّتهم لإرساله إلى الجحيم.
أهمّ وأقوى شخصين في مجلس الأوصياء على العرش هما توراناغا وإيشيدو. وهذان الاثنان أيضا لا ينظران إلى بلاكثورن ورفاقه نظرة رضا، بل يعتبران انه يشكّل خطرا على مطامحهما الشخصيّة وعلى تاريخ اليابان نفسه.
وتوراناغا، الملقّب بالسماء القرمزية، يثبت مع سير الأحداث انه أقوى بأسا من إيشيدو وأنه في طريقه لأن يصبح الشوغن الذي لا ينازعه احد.
والصراع بين هذين الرجلين يصبغ المسلسل/الرواية بالكثير من العنف والدم. فكلمة يقولها شخص ما قد تؤدّي بسهولة إلى قطع رأسه، وهناك جثث تُقطّع إلى أوصال، ومحاربون يؤمرون بأن يقتلوا أطفالهم ويفعلون ذلك مرغمين، وآخرون يُلقَون في ماء مغليّ وهم أحياء أو يُتركون في العراء لتنهش لحمهم الكلاب.
لكن المسلسل لا يعرض لك هذا العنف عيانا، بل يكتفي بإخبارك أن هذه الأمور الرهيبة تحدث فعلا نتيجة للصراع بين كلّ من توراناغا وإيشيدو على السلطة.
في هذه الأثناء، تتعزّز العلاقة بين بلاكثورن وتوراناغا بعد لقاء عاصف بينهما. وفي الحقيقة فإن البداية الفعلية للمسلسل هي عندما يلتقي بلاكثورن بتوراناغا لأوّل مرّة.
ومع الوقت يكتشف توراناغا بأن الانجليزيّ أهل لثقته ويستحقّ أن يصبح ذراعه الأيمن. ومع تطوّر الأحداث ينجح بلاكثورن في إنقاذ حياة توراناغا أكثر من مرّة، فيقوم الأخير بترقيته إلى رتبة ساموراي ومدافع أوّل عن الإمبراطورية.
وأثناء ذلك يقع الانجليزيّ في حبّ ماريكو؛ الفتاة ذات النسب الرفيع التي عيّنها توراناغا كي تقوم على خدمة بلاكثورن. وهي لا تدّخر جهدا في تعليمه اللغة اليابانية والسلام الداخليّ والكارما. وبين يديها، ينمو شيئا فشيئا كرجل شرقيّ يعرف كيف يتحكّم في مشاعره وتصرّفاته.
وفي ما بعد يرى بلاكثورن ماريكو وهي تستعدّ لقتل نفسها في عملية انتحار طقوسيّ. والكاتب لا يحلّل ولا يفلسف هذه الأحداث كثيرا، بل يرويها كما يراها هو من منظور السلطة والسيطرة والقوّة.
في نهاية الرواية، يزور بلاكثورن زملاءه من البحّارة الذين نجوا معه من السفينة، ويندهش من حقيقة انه قطع شوطا كبيرا في ابتعاده عن أسلوب الحياة الأوربّي، وهو الآن ينظر إليهم كمثال للجهل والقذارة والبدائية.
رواية "شوغن" تزخر بالقتلة والمعارك وقصص الحبّ وعمليات التعذيب، وحتى قصائد الهايكو. كما تتضمّن عددا كبيرا من النبلاء والمحاربين والنساء والجواسيس والكهّان والبحّارة البرتغاليين. وهؤلاء هم الذين يوجّهون الأحداث، لكن لا احد منهم يلعب دورا مركزيّا، لأن البطل ليس شخصا، بل مكان هو اليابان وزمان محدّد هو عندما كان هذا البلد يعدّ نفسه كي يصبح قوّة بحرية يُحسب لها حساب.
يمكن القول أن رواية "شوغن" هي عبارة عن تاريخ ممزوج بالفانتازيا، كما أنها تتحدّث عن امتزاج الثقافات. ومن ناحية أخرى فإن هذه الرواية ترقى لأن تكون ملحمة حقيقية.
وقد قضى جيمس كلافيل في كتابتها أربع سنوات، وتبوّأت عند صدورها قائمة أفضل الكتب، وبيع منها أكثر من خمسة عشر مليون نسخة.
وقد واتته فكرة كتابة الرواية عندما قرأ ذات يوم في كتاب مدرسيّ يخصّ ابنته معلومة تذكر انه في عام 1600 ذهب شخص انجليزيّ إلى اليابان وأصبح محارب ساموراي. وكان لهذه الرواية اثر كبير في توسيع معرفة واهتمام الغربيين بتاريخ وثقافة اليابان.

الجزء الثاني
الجزء الثالث

Credits
factbehindfiction.com