"يجب أن يعترف المسلمون بكريشنا كنبيّ مرسل من الله".
هذا الاقتراح المثير للاهتمام طرحه منذ أيام كي اس سودارشان زعيم حزب راشتريا سانغ القومي الهندوسي.
وقد علّل سودارشان اقتراحه ذاك بالقول إن من شأن مثل ذلك الاعتراف أن يخفّف من توتّر العلاقات بين المسلمين والهندوس في الهند، ويولّد مناخا من الثقة والتقارب بين الطائفتين.
ومنذ يومين نشرت جريدة خليج تايمز تعليقا كتبه صحفيّ هندي مسلم أثنى فيه على أفكار الزعيم الهندوسي وأورد بعض المبرّرات التي قال إنها تسند ذلك الاقتراح والاهم أنها لا تتعارض مع ما ورد في القرآن الكريم.
اللافت للانتباه أن سودارشان قال انه يكفي أن يعتبر المسلمون كريشنا مجرّد نبيّ وليس إلها كما يعتقد الهندوس.
الكاتب الهندي أشار أيضا إلى بعض الآيات التي تذكر إحداها أن القرآن الكريم لا يتضمّن جميع قصص الأنبياء "منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص" ، وقال إن الهند هي إحدى اكبر واقدم الحضارات الإنسانية وليس من المعقول ألا يكون الله قد أرسل بعض أنبيائه لهداية الهنود، خاصة أن الهندوسية ومن ثمّ البوذية التي خرجت من رحمها، جاءت قبل الإسلام بحوالي ألفي عام.
بل إن الكاتب ينقل عن الدكتور ظهور الحق الذي سبق وأن ترجم القرآن الكريم قوله إن النبيّ ذا الكفل المذكور في القرآن ليس سوى بوذا نفسه. فمفردة ذو تعني ساكن المكان، والكفل مشتقة من كلمة كابيل Kapil وهي اسم المكان الذي ولد فيه غوتاما بوذا.
وبما أن كل نبيّ أرسل إلى قومه بلغتهم فليس ثمّة من سبب يدفعنا للاعتقاد باستحالة أن يكون نبيّ قد أرسل إلى الهنود في زمن ما متحدّثا بلغتهم أي السنسكريتية.
كما أن خلوّ القرآن من أية إشارة إلى نبيّ هندي لا يقلّل من احتمال أن يكون الله قد أرسل فعلا مثل هذا النبيّ في زمن من الأزمنة.
ويختم الكاتب ملاحظاته بالقول إن تأثير مثل هذا الاقتراح فيما لو تحقّق هو تأثير سايكولوجي بالدرجة الأولى، لكنه قد يكون خطوة مهمّة على طريق تكريس التفاهم والوئام بين الطائفتين الأكبر في الهند.
شخصيا اعتقد أن اقتراح سودارشان لا يخلو من الوجاهة وسلامة المقصد. مع أن الحقيقة التي يعرفها الجميع هي أن اعتراف المسلمين وكتابهم المقدّس بالمسيح وموسى لم يمنع نشوب الحروب والصراعات الدموية بينهم وبين اتباع تلك الديانتين.
لكن هناك من قد يتساءل، ومعه حق، عن المانع في أن يعترف مسلمو الهند بكريشنا كنبيّ للهندوس إذا كان من شأن تلك الخطوة أن تعود بالفائدة على المسلمين في نهاية الأمر.
والحقيقة أنني كثيرا ما فكّرت في سبب إصرار المسيحيين واليهود على عدم الاعتراف بنبوّة محمد (ص) مع انهم ليسوا مطالبين باتّباعه أو اعتناق مبادئه، فلم أجد إجابة منطقية على السؤال. واعتقد أن مثل هذا الموقف، بمعايير العقل الحديث الذي يحترم الآخر ويراعي خصوصيته، لا يمكن فهمه إلا باعتباره شكلا متطرّفا من أشكال الإقصاء ورفض الآخر.
سألت صديقي المشاكس عن رأيه في موضوع اعتراف الأديان كلّ بنبيّ الآخر فقال: لا تشغل نفسك كثيرا بهذا الهراء، فالأديان كلها تمارس التكفير والعنف والإقصاء. ولو اعترف مسلمو الهند اليوم بكريشنا الأسطوري فمن يضمن ألا تتم مطالبتهم غدا بالاعتراف بآلاف الآلهة الآخرين من طيور وبشر وشجر وحجر وبقر. وأضاف: من الأفضل لمسلمي الهند أن يتمسّكوا بالعلمانية ويشدّدوا عليها، إذ أنها هي التي حافظت على وجودهم ووفّرت لهم الحماية ومنحتهم قدرا معقولا من الحرّيات والحقوق. ولولا العلمانية لما كان لهم اليوم وجود في الهند بسبب تطرّف مطاوعة الهندوس وجنونهم".
:تنويه
تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .
الخميس، أبريل 20، 2006
عيسى وموسى وكريشنا
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)