أطرف ما قرأت من تعليقات حول المسلسل الرمضاني "نمر بن عدوان" كان كلاما كتبه عضو في احد منتديات النقاش عندما قال: كنت أظن أن نمر بن عدوان فارس وبطل، ومع ذلك لم نرَ طوال المسلسل غير رجل لا يجيد سوى البكاء والتوجّع".
واعتقد أن هذا الوصف لا يبتعد كثيرا عن الحقيقة. ورغم أنني لا أحبّ مشاهدة المسلسلات عادة، فقد تابعت بعض حلقات ذلك المسلسل من باب " مجبر أخاك لا بطل"، وبحكم أن القريبين مني كانوا حريصين على متابعته.
وقد لاحظت أن مخرج المسلسل اختار ممثلا غير معروف تقريبا للقيام بدور نمر. كما اختار، لأسباب مجهولة، أن تقوم بدور زوجة البطل ممثلة ذات بشرة برونزية وملامح تشبه ملامح نساء ايطاليا أو اسبانيا!
وقد اسقط المخرج من المسلسل أهم واقعة في حياة البطل، وهي قتله لزوجته عن طريق الخطأ. قد يكون ذلك طلبا للسلامة واتقاءً لغضب قبيلة البطل. مع أن ما فعله نمر لا يعدّ سابقة، إذ يحفظ تاريخ العرب العديد من أسماء الرجال الذين قتلوا زوجاتهم ثم قالوا فيهنّ أعذب القصائد والأشعار!
وقد خطر ببالي أن المخرج ربّما تقصّد أن يظهر البطل بتلك الهيئة الباكية والواجمة والحزينة طوال حلقات المسلسل كإشارة خفيّة إلى أن حالة البكاء والفجيعة تلك كانت في حقيقتها تعبيرا عن إحساس البطل نمر بالندم والذنب على ما ارتكبه بحقّ زوجته، أكثر من كونه شعورا عابرا بالحزن يمكن أن يعتري أي رجل تموت زوجته ميتة طبيعية.
في احد مشاهد المسلسل رأينا نمر يتخلى فجأة عن مظهره الباكي والمنكسر لدقائق معدودات، فيمتطي حصانه الشاحب ويستلّ سيفه بعد أن اتفق مع شيخ قبيلة آخر، وهما يبتسمان، على غزو إحدى القبائل المجاورة. وقد انتهت الغارة بقتل عدد من رجال تلك القبيلة والاستيلاء على أملاكهم ومواشيهم وإبلهم وسبي نسائهم.
ولا اعلم أية قيمة درامية أو فنية يمكن أن يبرّر بها المخرج حشره لتلك اللقطة العجيبة التي قد لا تدلّ سوى على خيبة البدو وتخلف العادات العشائرية التي تضفي على مثل تلك التصرّفات الهمجية صفات الإقدام والشجاعة والفروسية.
هذا المسلسل واضح انه حظي بإقبال جماهيري كاسح. والحقيقة أنني لم أفاجأ كثيرا عندما علمت أن بعض النساء على الانترنت أصبحن يضعن صورة نمر بجانب أسمائهن في غرف الدردشة والبالتوك ومنتديات الحوار.
قد يكون السبب هو أن المجتمعات العربية، في الغالب الأعم، هي مجتمعات ذكورية والرجال فيها معروفون بقسوتهم على النساء واحتقارهم لهن. كما أن الرجل العربي بطبيعته بخيل في إظهار عواطفه تجاه النساء، يستوي إن كانت المرأة زوجته أو أخته أو ابنته.
ومن الواضح أن حزن نمر المضني وبكائياته المبالغ فيها على رحيل زوجته، كلّ ذلك وفّر للنساء عامل إزاحة نفسية، بمعنى انه منحهن إحساسا نسبيا بالارتياح والرضا عن النفس والرغبة في أن يتمثل الرجال نموذج بطل المسلسل في وفائه ومحبّته لزوجته ومعاملته إياها كمخلوق موفور الكرامة والإنسانية.
وهي أمور تفتقدها المرأة العربية كثيرا لأسباب ثقافية ودينية واجتماعية.
قد تكون هذه إحدى حسنات المسلسل البكائي الطويل. أما اكبر سيئاته فهو انه قدّم نمر بن عدوان في هيئة تناقض ما استقر في أذهان العامّة عن فروسية الرجل ورباطة جأشه وصبره على المكاره.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوّة هو: ترى ما الفائدة التي نجنيها من نبش التراث العشائري الآن واستعادة تاريخ حياة رموزه المليئة بأخبار الغزو والغدر والسلب والنهب؟!
:تنويه
تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .