محزن أن يتوقف كاتب مبدع ومؤثر جدّا عن الكتابة بشكل نهائي.
الروائي الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيث كتب منذ أيّام وصيّته الأخيرة وضمّنها ما يمكن أن يكون ملخّصا لفلسفته ونظرته إلى الحياة.
والملاحظ أن تلك الرسالة انتشرت على نطاق واسع على الانترنت وترجمت إلى مختلف اللغات.
سبب تقاعد الروائي الكبير عن الكتابة يعود إلى انه يعاني من سرطان الغدد الليمفاوية الذي يبدو انه دخل مراحله الأخيرة مع بلوغه سنّ الحادية والثمانين، ما زاد من معاناة الكاتب وقيّد حركته كثيرا.
في فترة ما ابتعت ثلاثا من روايات ماركيث: "مائة عام من العزلة" و"خريف البطريرك" و"يوميات موت معلَن". قرأت الأولى بمتعة لا توصف، بينما نحّيت الروايتين الأخريين جانبا بانتظار توفّر الوقت الكافي لقراءتهما وهو أمر لم يتحقّق حتى الآن للأسف.
"مائة عام من العزلة" رواية ملحمية عظيمة ويصحّ أن يقال إنها سجلّ مبهر لجوانب من تاريخ وثقافة وأساطير أمريكا اللاتينية. وبعض النقاد يصفها بأنها أشهر وأفضل رواية كتبت بالاسبانية في جميع العصور. وربّما لا يتفوّق عليها في الشهرة سوى رواية دونكيشوت لـ ثيرفانتيس.
بالنسبة لـ ماركيث، قد لا يكون لتوقّفه عن الكتابة ذلك التأثير الكبير عليه، اللهمّ إلا إذا استثنينا عامل الحزن الشخصي الذي يتولّد عن انقطاع متعة الكتابة بالنسبة لشخص لم يعرف طوال حياته سوى التأليف والكتابة. فهو متوقّف عن الكتابة فعليا منذ سنوات. كما قيل انه لم يكتب سطرا واحدا خلال السنوات الأربع الأخيرة. ومن ناحية أخرى، قد لا يضيف له الاستمرار في الكتابة الشيء الكثير بحكم انه استطاع بالفعل من خلال كتبه ورواياته وقصصه القصيرة أن يضمن له مكانة متفرّدة بين أعظم كتّاب ومفكّري هذا العصر.
رسالة ماركيث الوداعية محزنة كما أن فيها نفَسا إنسانيا واضحا لا يُستغرب من شخص مثله. وهو يتمنّى في رسالته لو طالت به الحياة أكثر أو مُنح حياة ثانية كي يعيشها بشكل مختلف.
ويظهر أن هذه أمنية يشترك فيها جميع الناس، يستوي في ذلك الإنسان العادي مع المفكّر والفنان والفيلسوف. غير أن ماركيث لم يكن إنسانا عاديا، فقد عاش حياة ثريّة ومنتجة وانخرط في السياسة والايديولوجيا وكان مقرّبا من رؤساء الدول وفوق هذا وذاك حقّقت له موهبته الأدبية الكبيرة الكثير من المال والصيت والشهرة التي يستحقّها.
يقول ماركيث في رسالة الوداع المؤثّرة التي وجّهها إلى أصدقائه ومحبّي فنّه: لو شاء الله أن ينسى أنني دمية وأن يهبني شيئاً من حياة أخرى، فإنني سوف أستثمرها بكلّ قواي. ربّما لن أقول كلّ ما أفكّر به، لكنّي حتماً سأفكّر في كل ما سأقوله.
سأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثّله، بل لما تعنيه. سأنام قليلاً وأحلم كثيراً، مدركاً أن كلّ لحظة نغلق فيها أعيننا تعني خسارة ستّين ثانية من النور.
سأسير فيما يتوقّف الآخرون، وسأصحو فيما الكلّ نيام. لو شاء ربّي أن يهبني حياة أخرى، فسأرتدي ملابس بسيطة وأستلقي على الأرض، ليس فقط عاري الجسد وإنما عاري الروح أيضا.
سأبرهن للناس كم يخطئون عندما يعتقدون أنهم لن يكونوا عشّاقاً متى شاخوا، دون أن يدروا أنهم يشيخون إذا توقّفوا عن العشق.
سأمنح للطفل أجنحة، لكنّي سأدعه يتعلّم الطيران لوحده. وسأعلّم الكهول أن الموت لا يأتي مع الشيخوخة، بل بفعل النسيان.
لقد تعلّمت منكم الكثير معشر البشر: تعلّمت أن الجميع يريدون العيش في قمّة الجبل غير مدركين أن سرّ السعادة يكمن في تسلّقه.
تعلّمت أن المولود الجديد حين يشدّ على إصبع أبيه للمرّة الأولى فذلك يعني انه أمسك بها إلى الأبد.
تعلّمت أن الإنسان يحقّ له أن ينظر من فوق إلى الآخر، فقط حين يجب أن يساعده على الوقوف.
قل دائماً ما تشعر به وافعل ما تفكّر فيه.
لو كنت أعرف أنها المرّة الأخيرة التي أراكِ فيها نائمة لكنت ضممتكِ بشدّة بين ذراعيّ ولسألت الله أن يجعلني حارسا لروحك.
لو كنت أعرف أنها الدقائق الأخيرة التي أراك فيها، لقلت "أحبّكِ" ولتجاهلت بخجل انك تعرفين ذلك.
هناك دائما "غداً"، والحياة تمنحنا الفرصة لنفعل الأفضل. لكن لو أنني مخطئ وكان هذا يومي الأخير، فإنني أحبّ أن أقول كم أحبّكِ وأنني لن أنساكِ أبداً.
ولأن الغد ليس مضموناً لا للشابّ ولا للمسنّ، ربّما تكون في هذا اليوم المرّة الأخيرة التي ترى فيها أولئك الذين تحبّهم. فلا تنتظر أكثر. تصرّف اليوم لأن الغد قد لا يأتي. ولا بدّ أن تندم على اليوم الذي لم تجد فيه الوقت من أجل ابتسامة أو عناق أو قبلة.
حافظ على من تحبّ بقربك منهم. إهمس في آذانهم أنك بحاجة إليهم. أحببهم واعتنِ بهم وخذ ما يكفي من الوقت لتقول لهم عبارات مثل: أفهمك، سامحني، من فضلك، شكراً، وكلّ كلمات الحبّ التي تعرفها!".
الروائي الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيث كتب منذ أيّام وصيّته الأخيرة وضمّنها ما يمكن أن يكون ملخّصا لفلسفته ونظرته إلى الحياة.
والملاحظ أن تلك الرسالة انتشرت على نطاق واسع على الانترنت وترجمت إلى مختلف اللغات.
سبب تقاعد الروائي الكبير عن الكتابة يعود إلى انه يعاني من سرطان الغدد الليمفاوية الذي يبدو انه دخل مراحله الأخيرة مع بلوغه سنّ الحادية والثمانين، ما زاد من معاناة الكاتب وقيّد حركته كثيرا.
في فترة ما ابتعت ثلاثا من روايات ماركيث: "مائة عام من العزلة" و"خريف البطريرك" و"يوميات موت معلَن". قرأت الأولى بمتعة لا توصف، بينما نحّيت الروايتين الأخريين جانبا بانتظار توفّر الوقت الكافي لقراءتهما وهو أمر لم يتحقّق حتى الآن للأسف.
"مائة عام من العزلة" رواية ملحمية عظيمة ويصحّ أن يقال إنها سجلّ مبهر لجوانب من تاريخ وثقافة وأساطير أمريكا اللاتينية. وبعض النقاد يصفها بأنها أشهر وأفضل رواية كتبت بالاسبانية في جميع العصور. وربّما لا يتفوّق عليها في الشهرة سوى رواية دونكيشوت لـ ثيرفانتيس.
بالنسبة لـ ماركيث، قد لا يكون لتوقّفه عن الكتابة ذلك التأثير الكبير عليه، اللهمّ إلا إذا استثنينا عامل الحزن الشخصي الذي يتولّد عن انقطاع متعة الكتابة بالنسبة لشخص لم يعرف طوال حياته سوى التأليف والكتابة. فهو متوقّف عن الكتابة فعليا منذ سنوات. كما قيل انه لم يكتب سطرا واحدا خلال السنوات الأربع الأخيرة. ومن ناحية أخرى، قد لا يضيف له الاستمرار في الكتابة الشيء الكثير بحكم انه استطاع بالفعل من خلال كتبه ورواياته وقصصه القصيرة أن يضمن له مكانة متفرّدة بين أعظم كتّاب ومفكّري هذا العصر.
رسالة ماركيث الوداعية محزنة كما أن فيها نفَسا إنسانيا واضحا لا يُستغرب من شخص مثله. وهو يتمنّى في رسالته لو طالت به الحياة أكثر أو مُنح حياة ثانية كي يعيشها بشكل مختلف.
ويظهر أن هذه أمنية يشترك فيها جميع الناس، يستوي في ذلك الإنسان العادي مع المفكّر والفنان والفيلسوف. غير أن ماركيث لم يكن إنسانا عاديا، فقد عاش حياة ثريّة ومنتجة وانخرط في السياسة والايديولوجيا وكان مقرّبا من رؤساء الدول وفوق هذا وذاك حقّقت له موهبته الأدبية الكبيرة الكثير من المال والصيت والشهرة التي يستحقّها.
يقول ماركيث في رسالة الوداع المؤثّرة التي وجّهها إلى أصدقائه ومحبّي فنّه: لو شاء الله أن ينسى أنني دمية وأن يهبني شيئاً من حياة أخرى، فإنني سوف أستثمرها بكلّ قواي. ربّما لن أقول كلّ ما أفكّر به، لكنّي حتماً سأفكّر في كل ما سأقوله.
سأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثّله، بل لما تعنيه. سأنام قليلاً وأحلم كثيراً، مدركاً أن كلّ لحظة نغلق فيها أعيننا تعني خسارة ستّين ثانية من النور.
سأسير فيما يتوقّف الآخرون، وسأصحو فيما الكلّ نيام. لو شاء ربّي أن يهبني حياة أخرى، فسأرتدي ملابس بسيطة وأستلقي على الأرض، ليس فقط عاري الجسد وإنما عاري الروح أيضا.
سأبرهن للناس كم يخطئون عندما يعتقدون أنهم لن يكونوا عشّاقاً متى شاخوا، دون أن يدروا أنهم يشيخون إذا توقّفوا عن العشق.
سأمنح للطفل أجنحة، لكنّي سأدعه يتعلّم الطيران لوحده. وسأعلّم الكهول أن الموت لا يأتي مع الشيخوخة، بل بفعل النسيان.
لقد تعلّمت منكم الكثير معشر البشر: تعلّمت أن الجميع يريدون العيش في قمّة الجبل غير مدركين أن سرّ السعادة يكمن في تسلّقه.
تعلّمت أن المولود الجديد حين يشدّ على إصبع أبيه للمرّة الأولى فذلك يعني انه أمسك بها إلى الأبد.
تعلّمت أن الإنسان يحقّ له أن ينظر من فوق إلى الآخر، فقط حين يجب أن يساعده على الوقوف.
قل دائماً ما تشعر به وافعل ما تفكّر فيه.
لو كنت أعرف أنها المرّة الأخيرة التي أراكِ فيها نائمة لكنت ضممتكِ بشدّة بين ذراعيّ ولسألت الله أن يجعلني حارسا لروحك.
لو كنت أعرف أنها الدقائق الأخيرة التي أراك فيها، لقلت "أحبّكِ" ولتجاهلت بخجل انك تعرفين ذلك.
هناك دائما "غداً"، والحياة تمنحنا الفرصة لنفعل الأفضل. لكن لو أنني مخطئ وكان هذا يومي الأخير، فإنني أحبّ أن أقول كم أحبّكِ وأنني لن أنساكِ أبداً.
ولأن الغد ليس مضموناً لا للشابّ ولا للمسنّ، ربّما تكون في هذا اليوم المرّة الأخيرة التي ترى فيها أولئك الذين تحبّهم. فلا تنتظر أكثر. تصرّف اليوم لأن الغد قد لا يأتي. ولا بدّ أن تندم على اليوم الذي لم تجد فيه الوقت من أجل ابتسامة أو عناق أو قبلة.
حافظ على من تحبّ بقربك منهم. إهمس في آذانهم أنك بحاجة إليهم. أحببهم واعتنِ بهم وخذ ما يكفي من الوقت لتقول لهم عبارات مثل: أفهمك، سامحني، من فضلك، شكراً، وكلّ كلمات الحبّ التي تعرفها!".