:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الثلاثاء، يوليو 10، 2012

عصير البرتقال

غرناطة، الوادي الكبير، دون كيشوت، قشتالة، مناظر سورويا ودي توريس ، قصر الحمراء .. لا يمكن أن تسمع موسيقى كونشيرتو ارانهويز للموسيقيّ الاسباني يواكين رودريغو دون أن تتداعى إلى مخيّلتك بعض من هذه الصور.
الكونشيرتو، بصوره المشهدية المتتالية وأنغامه المستوحاة من الفولكلور الاسباني، أصبح علامة فارقة على اسبانيا. كما انه يعكس ويجسّد روح موسيقى الغيتار الاسبانيّ.
وقد اختار رودريغو أن يسمّي موسيقاه على اسم ارانهويز، وهي بلدة في جنوب اسبانيا يعني اسمها عصير البرتقال. وتبعد البلدة عن مدريد حوالي خمسين كيلومترا ويقطنها أكثر من ستّين ألف شخص. وقد اشتهر هذا المكان بوجود قصر ملكيّ قديم يحيط به عدد من بساتين البرتقال والحدائق الوارفة الظلال.
رودريغو استلهم فكرة الكونشيرتو من هذه الحدائق التي شُيّدت قبل أكثر من أربعة قرون. وعندما كتبه قبل أكثر من 70 عاما لم يخطر بباله انه سيصبح، ليس فقط أشهر كونشيرتو للغيتار في جميع العصور، وإنما احد أكثر المعزوفات الموسيقية العالمية رواجا وانتشارا.
عندما تستمع إلى هذا الكونشيرتو سيساورك شعور انه كُتب بلا نوتة، وبأن الموسيقى هي نتاج إحساس عفويّ وصادق وعميق. الغيتار والاوركسترا يتبادلان الحوار والأنغام التي تتآلف وتتمازج معا. العنصر الانفعالي في هذه الموسيقى يبعث على الحزن. ومن السهل وأنت تستمع إلى الموسيقى أن تتخيّل مثل ذلك المكان الفخم بمناظره وأصواته وروائحه وبجماله السرمديّ والخالد.

رورديغو نفسه يصف الموسيقى بأنها تمسك بشذى أزهار الماغنوليا وأصوات الطيور وخرير النوافير في حدائق ارانهويز، ناقلة السامع إلى مكان وزمن مختلف.
الحركة الثانية من الكونشيرتو "أداجيو" هي الأشهر، وهي عبارة عن حوار بين الغيتار والآلات المنفردة. تبدأ الحركة بوتيرة بطيئة وبنغم هادئ من آلات الباسون والاوبو والهارب والبوق بمصاحبة أوتار الغيتار الناعمة. هذا المقطع يثير إحساسا بالأسى والحزن. ثم تتنامى الموسيقى وتهدأ مرّة أخرى. وأحيانا يضيع صوت الغيتار وسط الاوركسترا، وإن كان ما يزال بالإمكان سماعه.
الحزن الذي تثيره هذه الحركة دفع الكثيرين للقول إن رودريغو ربّما استوحاها من مأساة بلدة غورنيكا الاسبانية عام 1937م. غير أن زوجة رودريغو، وهي عازفة بيانو تركيّة الأصل، تشير في مذكّراتها إلى أن الموسيقى هي استدعاء لحادثة إجهاض طفلهما الأوّل، وأن رودريغو إنّما عزفها لكي يعبّر عن حزنه وكأنه يدير حوارا مع الله بعد موت طفله.
كونشيرتو ارانهويز يتضمّن مفارقتين: الأولى أن مؤلّفه كان شخصا أعمى منذ أن كان طفلا. غير انه كان يتمتّع بإحساس إنسانيّ وموسيقيّ عال جعله يحسّ بجمال الحدائق الذي لا يقدّره سوى إنسان حُرم من نعمة البصر. والمفارقة الثانية هي أن رودريغو كان عازفا ماهرا على البيانو ولم يعزف الغيتار أبدا.
المعروف أن الكونشيرتو عُزف لأوّل مرّة في باريس عام 1939م، أي قبل أشهر فقط من نشوب الحرب العالمية الثانية. وفي ما بعد، وُظّف في الكثير من الأفلام والبرامج التلفزيونية والإعلانات.