:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأربعاء، يناير 02، 2019

جزيرة الذرة


هذا الفيلم ليس للأشخاص الذين يتوقّعون أحداثا سريعة ومثيرة. فإيقاعه بطيء والحوار بين أبطاله يكاد يكون منعدما. لكن الفيلم مع ذلك جميل ومقنع، لأن من الواضح أن مخرجه الجورجي جورج اوفاشفيلي يملك رؤية متماسكة. والفيلم هو تجسيد ناجح لتلك الرؤية.
بطلا الفيلم رجل عجوز وحفيدته الشابّة، وهما يعملان في زراعة الذرة فوق جزيرة صغيرة على شكل سمكة تقع في منتصف المسافة بين جمهوريتي جورجيا وأبخازيا. والمخرج يرسم من خلال الشخصيات والأحداث بورتريها يمزج فيه بين الصراع السياسي الحاصل اليوم في تلك المنطقة وبين عناصر البقاء هناك والتي تمتدّ لعدّة قرون.
تقع الجزيرة، حيث تجري الأحداث، في حوض نهر "انجوري" الذي يشكّل الحدود الطبيعية بين كلّ من أبخازيا وجورجيا حيث تمكّن انفصاليون أبخاز في السنوات الأخيرة من فصل هذه المنطقة وإعلانها أرضا تابعة لهم بعد أن طردوا السكّان الجورجيين منها. وقد أمضى المخرج سنوات وهو يبحث عن جزيرة طبيعية مناسبة، ثم اختار أن يشيّد جزيرته من الصفر.
عدد الكلمات التي تظهر في مقدّمة الفيلم هي أكثر من الكلمات التي ينطقها البطلان على امتداد زمن الأحداث الذي يستمرّ حوالي مائة دقيقة. لكن اللقطات الجميلة والموسيقى الرائعة تكفي لإمتاع العين ومتابعة المشاهد التي تمرّ ببطء.
افتتاحية الفيلم تشرح انه بعد كلّ فصل شتاء يرتفع منسوب مياه نهر "انجوري" نتيجة ذوبان الأمطار المتجمّدة. وبعد ذلك تظهر في وسط النهر عدد من الجزر الصغيرة التي يستخدمها الأهالي لأغراض الزراعة بسبب خصوبة تربتها.
والفيلم يبدو أشبه ما يكون بدراسة انثروبولوجية، فالرجل العجوز الأشيب يصل إلى إحدى تلك الجزر ويبدأ في تفحّص التربة بأصابعه. ثم يشرع في تأسيس ما يشبه المستوطنة الصغيرة. وعندما تظهر الفتاة لأوّل مرّة في الفيلم سرعان ما تضفي على جوّه سمة أسطورية.
والفيلم لا يوضّح العلاقة بين العجوز والفتاة إلا في ما بعد. ومع استمرار الماء في الفيضان وشروق الشمس المتكرّر في سماء زرقاء، يتعاون العجوز وحفيدته في زراعة الذرة في جزيرتهما المنعزلة ويجهّزان الفخاخ لاصطياد الأسماك وتجفيفها. وهما معا يشكّلان فرقيق عمل جيّدا، والذي يوحدّهما هو أملهما بغد أفضل. ولا ينسيان أن يبنيا لهما كوخا صغيرا يقيهما حرارة الشمس وغائلة البرد والمطر.
ومن وقت لآخر تمرّ بجوارهما قوارب صغيرة تحمل جنودا. وبعض هؤلاء الجند يتحدّثون الجورجية أو الروسية، بينما يتحدّث آخرون الابخازية وهي لغة الانفصاليين والرجل والمرأة.
وبين الفينة والأخرى تُسمع طلقات رصاص، ولا يمرّ وقت طويل حتى نفهم أن الصراع الحقيقيّ في هذا الفيلم سيشمل الفتاة أيضا. وعندما يلاحظ العجوز أن جمال حفيدته بدأ يلفت انتباه بعض الجند سرعان ما يساوره شعور بالامتعاض ويقرّر أن يراقبها ليحميها.
احد النقّاد يشبّه بطء وتيرة هذا الفيلم بسفينة تتهادى فوق مياه محيط، ولكي تأخذ انعطافة يلزمها وقت طويل يبدو أثناءه أن لا شيء يحدث حقّا في الفيلم. لكنه في نفس الوقت يأخذ المتفرّج في رحلة رمزية ومنوّمة.

Credits
net.adjara.com