:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الأربعاء، فبراير 18، 2009

ترنيمة العبيد

"كنت تائها ثم وجدت نفسي. وكنت أعمى وأنا الآن أرى".
قليلة هي النماذج الموسيقية ذات المضمون الروحي القويّ والمؤثّر. وهذه الأغنية تعتبر بالتأكيد إحدى الأغاني التي تنطوي على مضمون ديني وروحي هائل.
وكلمات الأغنية ولحنها من النوع الذي يلامس الوجدان ويحرّك المشاعر بنعومة. تسمعها فتحسّ أنها تنقلك إلى مكان وزمان مختلف.
لذا يصحّ اعتبارها أغنية عابرة للثقافات والجغرافيا بالنظر إلى شعبيّتها الكبيرة وانتشارها غير العادي.
والأغنية المقصودة هي Amazing Grace "أو فيض عجيب"، التي أصبحت منذ ظهورها قبل أكثر من قرنين واحدة من أشهر الأغاني الدينية في العالم.
ولهذه الأغنية قصّة جديرة بأن تُروى.
حوالي منتصف القرن الثامن عشر، كان جون نيوتن قبطان سفينة لتجارة العبيد. وقد ورث الرجل عن أبيه هذه المهنة.
كان نيوتن يذهب بسفينته مرّتين في العام إلى بلدان ساحل أفريقيا الشرقي. ومن هناك كان يبتاع العبيد ثم يحملهم على سفينته ليعود بهم إلى بريطانيا وأمريكا حيث ينتظر وصوله الزبائن المحتملون.
وذات ليلة وهو في وسط المحيط، وكان الجوّ مظلما والبحر ينذر بعاصفة، أصاخ السمع للعبيد على سطح السفينة وهم يؤدّون غناءً جماعيا.
كانوا ينشدون وهم شبه عراة وأيديهم وأرجلهم مكبّلة بالسلاسل.

لم يكن نيوتن يعرف ماذا كانوا يقولون بالضبط. لكنه افترض أنهم بتلك الأغنية إنّما كانوا يحاولون تذكّر أهلهم وأقربائهم الذين تركوهم وراءهم.
وفي الليالي التالية، كان نيوتن يجلس في نفس مكانه المرتفع على متن السفينة وهو ينصت باهتمام إلى غناء العبيد. ومن خلال غنائهم كان يحسّ شيئا فشيئا بمعاناتهم وبؤسهم.
وعندما وصل إلى لندن حدث له أمر غريب. قرّر القبطان أن يودّع تجارة العبيد إلى الأبد وأن يصبح واعظا. ثم شرع في كتابة ترنيمة ألبسها اللحن الذي طالما سمع العبيد يردّدونه على ظهر سفينته.
وما لبثت الأغنية أن انتشرت بسرعة وأصبحت تتردّد على كلّ لسان.
واليوم كثيرا ما تُغنّى في المناسبات والأحداث المؤلمة، بالنظر إلى طبيعتها الحزينة على الرغم من أن الرسالة التي تتضمّنها رسالة أمل وشكر.
"فيض عجيب" من الأغاني التي تروق للجانب الناعم والرقيق من الإنسان. وهي توصل رسالة قويّة مؤدّاها أن البشر في النهاية إخوة في الإنسانية مهما تنوّعت أو تعدّدت ألوانهم وعقائدهم.
إنها حكاية إنسان أضاء نور الله في قلبه فتحوّل إلى شخص آخر تعمر نفسه مشاعر الإيمان والأخوّة الإنسانية.
في كثير من الأحيان، يتحدّث الباحثون عن الأثر الشافي للموسيقى باعتبارها مصدر راحة وعزاء بمثل ما أنها غذاء للروح والنفس والوجدان. وما من شكّ في أن هذه الأغنية ينطبق عليها هذا الوصف.
وقد غنّاها مطربون كثر منهم الفيس بريسلي وهيلي ويستنرا وجودي كولينز. بالإضافة إلى فريق غريغوريان للإنشاد الديني الذي يؤدّي الأغنية هنا بطريقة مختلفة وبإحساس رائع وعميق.