لكن عندما يقترب الإنسان من سنّ الأربعين، فإن مثل هذه الأفكار تصبح أكثر حضورا. وطبعا من المستحسن، وبصرف النظر عن العمر، أن لا ندع مثل هذه الأفكار تهيمن على تفكيرنا أو تفسد علينا أوقات صفونا.
لكن قبل مائتي عام، أي عندما كان ابسط الأمراض يهدّد بوضع نهاية مبكّرة لحياة الإنسان مهما كان عمره، فإن هذه الأفكار التي تتناول هواجس الحياة والموت كانت أكثر شيوعا وانتشارا.
كان الناس وقتها يشعرون بأن لا سيطرة لهم على أمور صحّتهم وحياتهم. لذا كانوا يميلون إلى فلسفة الأمور ويناقشون مكان الحياة والموت في الخطّة الكبيرة التي وضعها الخالق للأشياء. كان كاسبار ديفيد فريدريش رسّام طبيعة ألمانيّاً عاش في بدايات القرن التاسع عشر. ويبدو، من خلال طبيعة لوحاته، انه لم يكن يفكّر في شيء آخر غير الحياة والموت.
ولد فريدريش عام 1774 لأب كان يعمل في صنع الشموع. ورغم انه ولد في بوميرانيا على ساحل بحر البلطيق، إلا انه نشأ في دريسدن بألمانيا حيث تلقّى تربية بروتستانتية صارمة أفسدتها في بواكير حياته حادثة مأساوية تمثّلت في سقوطه في إحدى البحيرات الجليدية.
ووقت الحادثة، هبّ شقيقه الأكبر لإنقاذه. غير أن الشقيق مات غرقا أثناء تلك المحاولة. وكان لموت شقيقه المفاجئ أثر عميق عليه لازمه حتى نهاية حياته. كان فريدريش شخصا مكتئبا وحزينا بعمق. وقد آثر حياة الوحدة إلى أن بلغ الأربعين من عمره عندما قرّر أن يتزوّج من فتاة تصغره باثنين وعشرين عاما حملت له في ما بعد بثلاثة أطفال.
قضى فريدريش حياته كلّها في ألمانيا ورسم فيها لوحاته عن الطبيعة ذات التفاصيل الدقيقة والمحمّلة بالرموز التي كان دافعها إدراكه العميق لحتمية الموت.
لوحته مراحل الحياة رسمها في عام 1835، أي قبل وفاته بخمس سنوات فقط. ورغم انه رسم جميع لوحاته من مخيّلته، إلا انه استند فيها على اسكتشات من مواقع فعلية.
في هذه اللوحة يرسم فريدريش شاطئ ميناء غرايفسفالد حيث ولد. وقد رسم خمس سفن تقف على مسافات مختلفة وتمثل مراحل الحياة.
ساري السفينة الوسطى التي تواجه الناظر يشكّل علامة الصليب الذي يرمز إلى الإيمان الديني العميق عند الفنّان. وعلى الشاطئ يقف رجل عجوز يتوكّأ على عصا وظهره إلينا. العجوز هو الرسام نفسه، وهو يمثل الشيخوخة. وعلى مقربة منه يقف شابّ يرتدي قبعة هو ابن أخيه الذي يمثّل مرحلة النضج.
وخلفهما يلهو مجموعة من الأطفال على الشاطئ بينهم فتاة شابة هي ابنته الكبرى، وتمثّل مرحلة الشباب. والى جوارها يظهر طفلان يلهوان بعلمين صغيرين هما طفلاه الأصغر سنّا، ويمثّلان مرحلة الطفولة.
اللوحة بسمائها الذهبية المضيئة والغيوم التي تأخذ لون أزهار الخزامى توفّر منظرا يثير الهدوء والسكينة. ومع ذلك، عندما تتأمّل اللوحة أكثر لا بدّ وأن يساورك شعور بالحزن وأنت تراقب السفن التي ترمز إلى الحياة وهي تبحر بعيدا باتجاه الغروب.
لوحاته التي يصوّر فيها نساءً ذوات جمال شرقي كلاسيكي يمكن اعتبارها أسلوبا جديدا في إعادة اكتشاف الواقعية المفقودة من الفنّ هذه الأيّام.
وأوّل مجموعات شي زونغ من اللوحات الزيتية اسماها "ظلال الأزهار" ورسم فيها عددا من النساء ذوات الوجوه البيضاوية والشفاه الدقيقة والذقون الرفيعة. ونساؤه يبدين دائما متأمّلات وأحيانا على شيء من الحزن والكآبة.
وبفضل مجموعته هذه حقق الرسّام شهرة واسعة داخل بلده الصين وخارجها وأصبح مدار حديث الصحافة وأوساط الفنّ.
وقد عرض شي زونغ أعماله في معارض فنّية في الصين وفي لندن. واشترى بعضها أصحاب مجموعات فنّية خاصّة في كلّ من بريطانيا وأمريكا وهونغ كونغ واندونيسيا وتايوان وغيرها.
ولد شي زونغ في مقاطعة سيشوان الصينية عام 1963 ودرس الرسم في أكاديمية الفنون الجميلة فيها. وقد عُرف عنه منذ صغره بميله إلى رسم الأشخاص. لكنّه في ما بعد تلقّى دروسا في تصميم الديكور المنزلي. ويمكن اعتبار لوحاته امتدادا لأسلوب مشاهير الواقعية الصينية أمثال أي تشووان و تشين ايفي.
وسلسلة لوحات "ظلال الأشجار" توفّر فرصة للاستمتاع بجماليات الفنّ الواقعي الشرقي. وقد أعطى من خلالها الرسّام معنى أكثر عمقا لفنّ البورتريه في شكله الكلاسيكي.
وهما ليسا وحدهما هنا. هناك أيضا بمعيّتهما خادمة وساقٍ، وكلّ منهما يحمل مظلّة واقية من المطر. انعكاسات الملابس والأقدام تبدو ناعمة على الرمال المبلّلة. ومع ذلك فهذه اللوحة غامضة. تنظر إليها فتشعر كما لو أن وراءها قصّة تتكشّف فصولها تباعاً.
"الساقي المغنّي" لوحة زيتية صغيرة نسبيّا رسمها جاك فيتريانو عام 1992، وأصبحت منذ ذلك الحين لوحة معلميّة في بريطانيا. شيء ما شبيه بهذا حدث في أمريكا من قبل، عندما أصبحت لوحة "القوط الأمريكيّون" لـ غرانت وود صورة أيقونية لا يكاد يخلو منها منزل أمريكيّ.
عندما أتمّ فيتريانو رسم هذه اللوحة، تلقّى عددا من النصوص لأعمال درامية متخيّلة كتبها أصحابها من وحي اللوحة. كما استلم عددا من الرسائل بعثها إليه جنود يحكون له فيها كيف أن الصورة ساعدتهم في الخروج من ذكريات أهوال الحرب على العراق. ثم وصلته رسائل أخرى من عائلات ثكلى تشرح فيها تأثير هذه الصورة وكيف أنها وفّرت لهم نوعا من المواساة والسلوى في لحظات حزنهم.
معظم الكتّاب والنقّاد مندهشون من الجاذبية الكبيرة لهذه اللوحة ومن انتشارها الغريب. يقول مؤرّخ الفنّ كينيث سيلفر: بصراحة، أنا لا أفهم الأمر. لكن يبدو أن الصورة نجحت في استثارة الحنين إلى زمن ماضٍ، يقع على الأرجح ما بين ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، عندما كان الرجال والنساء يتصرّفون ويلبسون على نحو معيّن".
فيتريانو نفسه يقول انه رسم اللوحة لسببين: أولّهما أن امرأة أخبرته ذات مرّة انه بارع في رسم الشواطئ. والثاني أن شاطئ البحر هو المكان الذي يقصده العشّاق عادة". ولو افترضنا أن الشاطئ في اللوحة حقيقيّ، فإنه ربّما يكون جزءا من شاطئ ليفين بـ اسكتلندا، الذي كان فيتريانو يتردّد عليه عندما كان صبيّاً.
صحف التابلويد البريطانية أعلنت فيتريانو "رسّاما للشعب"، ووصفته بأنه يسيطر تماما على تهويماته ولا يمانع في أن يُشرك معه العالم فيها".
غير أن منتقدي الرسّام يتّهمونه بالانتحال ويأخذون عليه استنساخه لطريقة ووقوف شخوص لوحاته، بما فيها هذه اللوحة، من مجلات الموضة وكتب الدليل.
ويردّ فيتريانو بالقول انه لا يأبه كثيرا بما يقال، مذكّرا بعبارة بيكاسو المشهورة: الآخرون يقتبسون وأنا أسرق". ويضيف: نفس الكتب التي أستخدمها في رسم مناظري كانت موجودة في استديو فرانسيس بيكون عندما توفّي".
ومن الواضح أن "الساقي المغنّي" تمثّل خروجا على نسق لوحات جاك فيتريانو. فالرسّام، البالغ من العمر اليوم 60 عاما منجذب أكثر إلى تصوير أمزجة وحالات أشدّ قتامةً وشخصيّات أكثر إثارةً للشبهة.
Credits
en.wikipedia.org
en.wikipedia.org