مع تسارع وتيرة الحياة الحديثة وكثرة انشغالات الإنسان، أصبح الاستمتاع بقراءة كتاب من الأمور التي تدخل في باب الرفاهية. صحيح أن التكنولوجيا الحديثة لها بعض السلبيات، غير أن لها أيضا بعض المزايا والايجابيات. وإحداها هي انه يمكنك سماع كتاب بدلا من قراءته. ومنذ أشهر، تعرّفت على مزايا سماع كتاب أو محاضرة في السيّارة. والفضل في ذلك يعود إلى تسجيلات البودكاست التي تكثر في الانترنت وتستطيع من خلالها تنزيل أيّ مقال أو كتاب أو محاضرة وحفظه على جهاز فلاش ثم تشغيله في السيّارة. كما يمكنك أيضا سماع الكتاب أو المادّة المسجّلة وأنت تمشي أو تمارس الرياضة أو تتسوّق أو تنتظر في عيادة الطبيب في حال ما إذا توفّر لديك مشغّل ام بي ثري أو جهاز آيبود.
بعض المواقع الاليكترونية توفّر من خلال البودكاست موادّ سمعية كثيرة ومتنوّعة تلبّي كافّة الاحتياجات والاهتمامات. لكن يبدو أن هناك تركيزا خاصّا هذه الأيّام على الكتاب المسموع. وقد أشار مقال في صحيفة النيويورك تايمز مؤخّرا إلى أن أنصار الكتب المسموعة في ازدياد. كما أن مفهوم الكتاب الصوتي في حدّ ذاته فرض إعادة تعريف فكرة القراءة التي ظلّت تعتمد لقرون طويلة على الكلمة المطبوعة.
ومنذ بعض الوقت تعرّفت إلى تجربتين عربيتين تستحقان التنويه والإشادة في مجال الكتاب والأدب المسموع. الأولى مدوّنة اختار لها صاحبها اسم الكتاب المسموع. وتضمّ تسجيلات لعدد من أمّهات الكتب العربية والمترجمة. هذا النوع من المبادرات الثقافية جديرة بالتشجيع برغم بعض السلبيات التي يمكن ملاحظتها ومن ثمّ العمل على محاولة تفاديها مستقبلا. فغالبية الكتب المسموعة في هذه المدوّنة كان يمكن أن تُنفذ بصوت أفضل جودة وبعضها لا يخلو من الأخطاء النحوية واللغوية. ومن المستحيل مقارنتها بالكتب المسموعة الغربية والتي تتميّز بجودة الأداء ونقاوة الصوت وتوظيف التأثيرات الصوتية والموسيقية بطرق مبتكرة ومبهرة.
والتجربة الثانية يقدّمها موقع اسمه صِبا الصوت الذي يوفّر لزوّاره نصوصا شعرية مختارة بعناية لعدد من الشعراء العرب. ورغم أن الفكرة نفسها ليست جديدة تماما، إلا أن هذا الموقع يتناولها بطريقة احترافية ومختلفة. وهذا واضح من خلال الأصوات المتميّزة التي اختيرت لإلقاء الشعر واستعانة الموقع بآخر تقنيات هندسة وإنتاج الصوت.
شخصيّا أفضّل دائما أن اسمع القصيدة بصوت الشاعر نفسه. ومن خلال التجربة، صرت لا أتصوّر سماع قصيدة لنزار قباني أو لـ محمّد الثبيتي أو لأحمد مطر أو لمظفّر النوّاب أو لغازي القصيبي، مثلا، إلا من خلال صوت الشاعر نفسه. لا يمكن أن ينقل أحاسيس الشاعر واختلاجاته الداخلية أكثر من صوت الشاعر نفسه. غير أن هذا لا يقلّل من جهد أصحاب الموقع ولا من أهمّية ونبل الفكرة ذاتها. الموسيقى المختارة لترافق النصوص الشعرية في صِبا الصوت تنمّ أيضا عن ذوق رفيع ومعرفة واضحة بكيفية المزاوجة بين الشعر والموسيقى بأسلوب جذّاب ومؤثّر.
شعبيّة الكتاب المسموع تشهد ازديادا مطّردا كما هو واضح. لكن هناك نقاشا كبيرا هذه الأيّام بين النقّاد والكتّاب والقرّاء حول أفضل سبل استهلاك الكتب. بعض مشاهير الكتّاب في الغرب يفضّلون من حيث المبدأ أن تُقرأ كتبهم لا أن تُسمع. لكنّهم مع ذلك لا يمانعون في أن تُسمع بدلا من أن لا تُقرأ على الإطلاق. وبعضهم يصرّون على أن يسجّلوا كتبهم بأصواتهم وأحيانا يشترطون اسم ممثّل أو مذيع مشهور كي يقوم بمهمّة الراوي.
غير أن بعض النقّاد لا يشعرون بكثير ارتياح لفكرة الكتاب المسموع. حيث يرون أن متعة القراءة لا تتحقّق إلا من خلال التواصل بين الكاتب والمتلقّي، وهذا لا يتوفّر برأيهم إلا من خلال الكلمة المطبوعة.
كما يتهمّ النقّاد جمهور الكتب المسموعة بالكسل وتفضيلهم الراحة على إعمال العقل والخيال، وهو ما تمنحه القراءة الحقيقية. وثمّة فريق آخر يتمثّل في من يمكن تسميتهم بالقرّاء الرومانسيين الذين يستمتعون باحتضان الكتاب واستنشاق رائحة الحبر والورق ودفن أنفسهم في جوّ الرواية أو القصّة.
غير أن الذين يفضّلون الكتب المسموعة لهم أسبابهم وحججهم أيضا. مثلا، تستطيع أن تسمع الكتاب في السرير دونما حاجة لإزعاج شريكك في الغرفة بإبقاء النور مضاءً. ثم إن الكتاب المسموع يروق أكثر لمن حُرموا نعمة البصر أو الذين تصاب أعينهم بالإجهاد والتعب جرّاء القراءة المتواصلة. كما أن مبادلة هذا النوع من الكتب مع أشخاص آخرين أسهل من تبادل الكتب المطبوعة. يضاف إلى ذلك أن الكتب السمعية اقلّ كلفة من المطبوعة. كما أنها صديقة للبيئة لأنها تُبقي على الأشجار وتحفظ موارد الأرض. الكتب السمعية أيضا تجعلك أكثر استرخاءً وتحافظ على عينيك بدلا من الساعات الطوال التي تقضيها أمام الكمبيوتر. كما أن سماع الكتب يحسّن مهاراتك اللغوية والسمعية. ومن المميّزات الأخرى أن الحصول على الكتب السمعية أسهل وأسرع من الكتب المطبوعة. كما أن إنتاجها اقلّ تكلفة ولا تحتاج لحيّز تخزين في البيت. أي انه يمكنك الاحتفاظ بها بلا نهاية نظرا لسهولة حفظها وتخزينها. وإذا كنت تقضي الليل في مكان لا تتوفّر فيه إضاءة كافية، فالكتاب المسموع يصبح عندئذ خيارك المفضل.
واعتمادا على بعض المؤشّرات، فإن الرواية والقصّة القصيرة وقصص الأطفال سجّلت أعلى مبيعات الكتب المسموعة. وهذا ينطبق أيضا على كتب المذكّرات الشخصية. إذ ثبت أن الشخصيّات المهمّة التي تقرأ مذكّراتها تقيم علاقة حميمة ومباشرة مع المتلقّي لا تتوفّر بغير الصوت. بيل كلينتون وزوجته هيلاري، مثلا، ارتفعت مبيعات كتابيهما بطريقة فلكية عندما طرحا النسخة الصوتية من مذكّراتهما الشخصيّة. وهذا يدلّ على أن الناس تميل لسماع القصص مباشرة من فم المؤلّف.
وأخيرا ينبغي الإشارة إلى موقع ثقافي عربي متميّز هو الأخر هو موقع مشروعات عربية الذي يعمل على تطوير حركة النشر الاليكتروني العربي وتشجيع التدوين وتقديم النصح في كلّ ما يتعلّق بإنشاء وتطوير وإدارة المواقع الالكترونية. هذا الموقع يشتمل أيضا على العديد من الأخبار والتحليلات والمقالات والأفكار المفيدة. كما يتضمّن تسجيلات نادرة لبرامج ثقافية مسموعة ومصوّرة. ومؤخّرا أعلن القائمون على الموقع عن خطّة طموحة تهدف إلى وضع المخطوطات والوثائق العربية على الانترنت كي تكون في متناول المهتمّين من طلبة وباحثين ومختصّين.
:تنويه
تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .