أحيانا تنظر إلى لوحة ما فيخطر بذهنك أن الرسّام أودع فيها إشارة أو أكثر تقول لك مسبقا عن أيّ وقت في اليوم وعن أيّ فصل تتحدّث، وذلك من خلال الألوان وعرض ضربات الفرشاة وكثافة الطلاء.
وبالنسبة للرسّامين، لا ينافس الربيع في جماله ورونقه سوى الخريف. والخريف ليس مجرّد طور من أطوار الطبيعة، وإنما حدث تتغيّر فيه الحياة وحركة وإيقاع الأشياء بشكل جذريّ. وهناك مناطق كثيرة في العالم معروفة بجمال خريفها وبالمناظر الأخّاذة للسماء الخريفية وأوراق الشجر المتساقطة، التي تختصر بعض بهاء فصل الخريف.
وعلى الرغم من أن ألوان الخريف لا تدوم طويلا، إلا أن هذا الفصل من السنة أصبح فكرة مفضّلة في الشعر والموسيقى والرواية والتصوير الفوتوغرافي.
وهو عند البعض رمز للتحوّل والتغيير والولادة الجديدة. بينما يرى فيه آخرون رمزا لدورة الحياة والموت التي تمرّ بها جميع الكائنات والمخلوقات.
وفي الأحلام، يقال أن منظر أوراق الخريف المتساقطة قد يعني أن ذكريات الإنسان ومهاراته القديمة لم يعد لها من جدوى لأنها لم تعد تنفعه أو تلزمه، وبالتالي فمن الأفضل نسيانها أو تجاهلها.
من أشهر الفنّانين الذي رسموا الخريف كلود مونيه وويلارد ميتكالف وكاندينسكي وتشارلز وايت ودايان رومانيللو وفان غوخ ورينوار وفريدريك تشيرش وغيرهم.
وبعض الأعمال التشكيلية التي تصوّر الخريف تكشف عن جمال عابر وحزين. وبعضها عبارة عن تجلّيات لمشاعر داخلية عميقة عن مرور الزمن وأفول الجمال والحنين إلى أزمنة وأمكنة من الماضي.
أوراق الخريف الذاوية والمتساقطة يمكن أن ترمز إلى فناء الأشياء. كما أنها تثير بعض التأمّلات الروحية والدينية. والتغيّر الذي يطرأ على الأرض مع حلول الخريف هو أيضا تذكير بنقاء الأرض وعودتها إلى حالتها الأصلية.
الخريف أيضا ينطوي على حكمة كامنة، فهو يعلّم الإنسان أن كلّ شيء في الحياة موقّت وزائل وأن هناك دائما حاجة للتجدّد والتغيير الذي لا تستقيم الحياة ولا تستمرّ بدونه.
❉ ❉ ❉
ما رأيك في الفنّ العاري؟ بعبارة أخرى، هل تروق لك رؤية لوحة تشكيلية أو عمل نحتيّ لامرأة عارية، أم أن ذلك ممّا يزعجك ويدفعك لأن تشيح بوجهك بعيدا بداعي الحرج أو الحياء؟
بالتأكيد ليس المقصود هنا الصور الإباحية والفاضحة أو الخادشة للحياء التي تمتلئ بها بعض مواقع الانترنت. لكن أيّا تكن إجابتك، قد يدهشك أن تعلم أن الفنّ العاري موجود في معظم المجتمعات. غير انه ما يزال يُنظر إليه باعتباره أمرا محظورا أو على الأقل موضوعا مثيرا للجدل، برغم قيمته الفنّية.
غير أن معظم الثقافات اليوم أصبحت تُظهر موقفا متفهّما، وأحيانا مقدّرا لهذا الشكل الخاصّ من الفنّ. لكن ما يزال بوسع المرء أن يقول إن الفنّ العاري لم يحظ بعد بقبول شامل في معظم المجتمعات.
الفنّ العاري موجود منذ زمن طويل. ويقال انه يعود إلى زمن الحضارتين الإغريقية والفرعونية. وقد كان هذا الفنّ مترسّخا كشكل من أشكال تقدير الجسد الإنسانيّ. لكن تعريف الفنّ العاري تَوسّع اليوم ولم يعد مقتصرا على دراسة الجسد وإنما امتدّ ذلك لكي يشمل أعضاء معيّنة في جسد الإنسان. وقد تعزّزت دراسة جسد الإنسان كثيرا بفضل عصري النهضة والباروك اللذين اهتمّا باكتشاف طبيعة الإنسان. وشيئا فشيئا ظهرت الأهمّية الكبيرة التي أعطيت للفنّ العاري.
وقد ناقش أناس كثيرون هذا النوع من الفنّ بسبب طبيعته الخلافية والمثيرة للجدل.
المؤسف أن العري أصبح يُربط هذه الأيّام بالإباحية، مع أن الفنّ العاري الحقيقيّ يمكن أن يكون أيّ شيء إلا أن يكون إباحيّا.
وأكثر خبراء ونقّاد الفنّ العاري يعرّفونه على انه شكل من الفنّ الذي يثير العاطفة لا الشهوة. كما انه ينصرف أساسا إلى دراسة جسد الإنسان وإظهار جمالياته.
وأيضا فالفنّ العاري الحقيقيّ يفضّل تصوير الإنسان في أكثر أشكاله الخام. والفنّان الذي يرسم أو يصوّر العري يتخلّص من الزينة لأنها تقلّل من جمال الجسد الإنسانيّ في عملية التصوير الفنّي. بل إن الزينة، بما فيها المكياج أو الوشم أو غيرهما من وسائل الزينة، يمكن أن تلطّخ أو تفسد جمال الإنسان الطبيعيّ، من وجهة نظر بعض الفنّانين والنقّاد.