من الذي يستطيع حقّا أن يُريح درعَه؟
عرشَه؟ رمحَه العظيم؟!
فكّروا في ذلك، تذكّروه جيّدا.
من الذي يستطيع أن يدمّر تينوتشتيتلان؟
من الذي يجرؤ على مهاجمة أساس السماء؟!"
-من شعر الأزتيك
أوّل ما يلفت الانتباه في قصّة صعود وانهيار حضارة الأزتيك هو هذا الاشتباك الغريب في ثقافتهم بين العنيف والمقدّس. كانوا متفوّقين في الإدارة والطبّ والفلك والمعمار والنحت. لكنهم كانوا أيضا يمجّدون الموت والحروب ويؤمنون بالخرافة ويبالغون في تقديم قرابين من البشر لإرضاء آلهتهم.
لكن السؤال الكبير هو: كيف تمكّنت حفنة من قطّاع الطرق والمرتزقة المارقين، وخلال بضع سنوات فقط، من تدمير امبراطوريه الأزتيك وقتل ملكهم ونهب ثرواتهم، بل وتنصيب أنفسهم حكّاما على من تبقّى من ذلك الشعب؟! وكيف فعل الغزاة الإسبان كلّ هذا وليس معهم سوى ٦٠٠ جندي وعشر سفن و١٥ حصانا فقط؟! الغريب أنه لم يبقَ من مدن الأزتيك حجر على حجر ولم تحتفظ آثارهم القليلة الباقية بأيّ ذكرى عنهم.
لكن هل كلّ ما كُتب عن الأزتيك حقيقة أم أن فيه بعض الخيال؟!
في نوفمبر 1519، وصل هيرناندو كورتيس وجنوده من الإسبان إلى تينوتشتيتلان عاصمة الأزتيك (أو نيومكسيكو اليوم)، والتي وصفوها فيما بعد بأنها أعظم ما رأوه من مدنٍ على الإطلاق. كان كورتيس ورجاله جزءا من جهود اسبانيا لتوسيع امبراطوريتها بضمّ أراض جديدة وتحويل السكّان الأصليين الى المسيحية.
يذكر بعض المؤرّخين أن العديد من كبار السنّ من الأزتيك رأوا قبل عشر سنوات من وصول الإسبان إلى بلادهم أضواءً غير طبيعية في السماء وظواهر أخرى غريبة ومخلوقات خارقة للطبيعة. وكلّ هذه العلامات اقنعت السكّان الأصليين بأن نهاية عالمهم وشيكة وأن أشخاصا آخرين سيأتون إليهم ليسكنوا أرضهم تحقيقا لنبوءة قديمة. وقد أثّر هذا الاعتقاد بقوّة على نظرة السكّان الاصليين للإسبان، فتعاملوا معهم في البداية بالكثير من التبجيل الممزوج بالخوف، ما سرّع بسقوط دولتهم.
وقيل إن ملك الأزتيك موتيكوهزوما عندما سمع بظهور الغرباء لأوّل مرّة على طول سواحل المكسيك، اعتقد أنهم الإله كيتزالكواتل ورفاقه من الآلهة الآخرين الذين عادوا لكي يستأنفوا حكمهم الشرعي للإمبراطورية، كما كان الكهنة والعرّافون قد تنبّأوا من قبل.
وكان من المفترض، حسب اعتقادات الأزتيك، أن يعود إلههم العظيم ذات يوم لزيارة شعبه. ووفقا للأسطورة، كان كيتزالكواتل بطلاً بالإضافة إلى كونه إلها خالدا. كان وسيما وملتحياً، وقد علّم شعبه المطيع أشياء كثيرة كالزراعة والتعدين وتشييد المباني والصروح. لكن كيتزالكواتل طُرد من قبل إله منافس له يُدعى تيزكاتليبوكا. وبعد رحلة تيه طويلة، اختفى في البحر الشرقي ووعد بالعودة بعد 52 عاما.
أدّى ايمان ملك الأزتيك بألوهية المغامر الإسباني كورتيس وجنوده الى شلّ حركة الملك ومنعِه من اتخاذ إجراءات دفاعية ضدّ العدوّ وشعر بأن "الآلهة" ستحكم عليهم وتعاقبهم إن هم قاوموا الغزو.
لذا أرسل الملك، كدليل على حسن نيّته، مبعوثين من لدنه للترحيب بالغزاة وتقديم الهدايا الثمينة لهم. وقد قدّم لكورتيس وكبار جنده حوالي 20 امرأة من نساء الأزتيك كهدايا. وبدوره لعب كورتيس دور الضيف المكرّم، فأكّد للملك أن عليه أن يطمئن وألا يخشى شيئا من جانبه. لكن ما إن دخل قصر الملك حتى أمر جنده بأخذ الملك رهينة ومداهمة خزائنه ومستودعاته بحثا عن الذهب، وبذا كشف عن الغدر والجشع اللذين دفعاه إلى غزو المكسيك.
كان كورتيس وطاقمه مسلّحين بالسيوف والبنادق والمدافع والحراب والأقواس والكلاب والخيول. وقد تصدّى لهم الأزتيك بالسيوف الخشبية والهراوات والرماح سهلة الكسر. لكن تلك الأسلحة كانت عديمة الفاعلية أمام عدوّ يفوقهم في العتاد والتكتيكات العسكرية. وبعد أقلّ من عامين، فرض الاسبان خلالهما حصارا مشدّدا على العاصمة، تمكّنوا أخيرا من اقتحامها وتدميرها ثم قتلوا الملك.
قاوم شعب الأزتيك الغزاة لأشهر بما في حوزتهم من أسلحة وإمكانيات بسيطة. وما لبثوا أن اقتنعوا بعدم قدرتهم على الاستمرار في مواجهة عدوّهم او إلحاق الهزيمة به، فأُجبروا على الرضوخ للحكم الاسباني. وبمساعدة بعض سكّان الأطراف المناوئين للأزتيك بسبب العداوات القديمة، باشر الإسبان تدمير معابدهم ونهب ما كان بداخلها من كنوز الذهب والفضّة وشحنها الى إسبانيا.
وكان هناك عدوّ آخر للأزتيك تمثّل في فيروس الجدري الذي جلبه الغزاة الأوروبيّون معهم وكان جديدا على شعوب الأميركتين. وقد تسبّب في إبادة حوالي 40٪ من السكّان، بينما كان العديد من الإسبان قد اكتسبوا مناعة ضدّه.
عرشَه؟ رمحَه العظيم؟!
فكّروا في ذلك، تذكّروه جيّدا.
من الذي يستطيع أن يدمّر تينوتشتيتلان؟
من الذي يجرؤ على مهاجمة أساس السماء؟!"
-من شعر الأزتيك
أوّل ما يلفت الانتباه في قصّة صعود وانهيار حضارة الأزتيك هو هذا الاشتباك الغريب في ثقافتهم بين العنيف والمقدّس. كانوا متفوّقين في الإدارة والطبّ والفلك والمعمار والنحت. لكنهم كانوا أيضا يمجّدون الموت والحروب ويؤمنون بالخرافة ويبالغون في تقديم قرابين من البشر لإرضاء آلهتهم.
لكن السؤال الكبير هو: كيف تمكّنت حفنة من قطّاع الطرق والمرتزقة المارقين، وخلال بضع سنوات فقط، من تدمير امبراطوريه الأزتيك وقتل ملكهم ونهب ثرواتهم، بل وتنصيب أنفسهم حكّاما على من تبقّى من ذلك الشعب؟! وكيف فعل الغزاة الإسبان كلّ هذا وليس معهم سوى ٦٠٠ جندي وعشر سفن و١٥ حصانا فقط؟! الغريب أنه لم يبقَ من مدن الأزتيك حجر على حجر ولم تحتفظ آثارهم القليلة الباقية بأيّ ذكرى عنهم.
لكن هل كلّ ما كُتب عن الأزتيك حقيقة أم أن فيه بعض الخيال؟!
في نوفمبر 1519، وصل هيرناندو كورتيس وجنوده من الإسبان إلى تينوتشتيتلان عاصمة الأزتيك (أو نيومكسيكو اليوم)، والتي وصفوها فيما بعد بأنها أعظم ما رأوه من مدنٍ على الإطلاق. كان كورتيس ورجاله جزءا من جهود اسبانيا لتوسيع امبراطوريتها بضمّ أراض جديدة وتحويل السكّان الأصليين الى المسيحية.
يذكر بعض المؤرّخين أن العديد من كبار السنّ من الأزتيك رأوا قبل عشر سنوات من وصول الإسبان إلى بلادهم أضواءً غير طبيعية في السماء وظواهر أخرى غريبة ومخلوقات خارقة للطبيعة. وكلّ هذه العلامات اقنعت السكّان الأصليين بأن نهاية عالمهم وشيكة وأن أشخاصا آخرين سيأتون إليهم ليسكنوا أرضهم تحقيقا لنبوءة قديمة. وقد أثّر هذا الاعتقاد بقوّة على نظرة السكّان الاصليين للإسبان، فتعاملوا معهم في البداية بالكثير من التبجيل الممزوج بالخوف، ما سرّع بسقوط دولتهم.
وقيل إن ملك الأزتيك موتيكوهزوما عندما سمع بظهور الغرباء لأوّل مرّة على طول سواحل المكسيك، اعتقد أنهم الإله كيتزالكواتل ورفاقه من الآلهة الآخرين الذين عادوا لكي يستأنفوا حكمهم الشرعي للإمبراطورية، كما كان الكهنة والعرّافون قد تنبّأوا من قبل.
وكان من المفترض، حسب اعتقادات الأزتيك، أن يعود إلههم العظيم ذات يوم لزيارة شعبه. ووفقا للأسطورة، كان كيتزالكواتل بطلاً بالإضافة إلى كونه إلها خالدا. كان وسيما وملتحياً، وقد علّم شعبه المطيع أشياء كثيرة كالزراعة والتعدين وتشييد المباني والصروح. لكن كيتزالكواتل طُرد من قبل إله منافس له يُدعى تيزكاتليبوكا. وبعد رحلة تيه طويلة، اختفى في البحر الشرقي ووعد بالعودة بعد 52 عاما.
أدّى ايمان ملك الأزتيك بألوهية المغامر الإسباني كورتيس وجنوده الى شلّ حركة الملك ومنعِه من اتخاذ إجراءات دفاعية ضدّ العدوّ وشعر بأن "الآلهة" ستحكم عليهم وتعاقبهم إن هم قاوموا الغزو.
لذا أرسل الملك، كدليل على حسن نيّته، مبعوثين من لدنه للترحيب بالغزاة وتقديم الهدايا الثمينة لهم. وقد قدّم لكورتيس وكبار جنده حوالي 20 امرأة من نساء الأزتيك كهدايا. وبدوره لعب كورتيس دور الضيف المكرّم، فأكّد للملك أن عليه أن يطمئن وألا يخشى شيئا من جانبه. لكن ما إن دخل قصر الملك حتى أمر جنده بأخذ الملك رهينة ومداهمة خزائنه ومستودعاته بحثا عن الذهب، وبذا كشف عن الغدر والجشع اللذين دفعاه إلى غزو المكسيك.
كان كورتيس وطاقمه مسلّحين بالسيوف والبنادق والمدافع والحراب والأقواس والكلاب والخيول. وقد تصدّى لهم الأزتيك بالسيوف الخشبية والهراوات والرماح سهلة الكسر. لكن تلك الأسلحة كانت عديمة الفاعلية أمام عدوّ يفوقهم في العتاد والتكتيكات العسكرية. وبعد أقلّ من عامين، فرض الاسبان خلالهما حصارا مشدّدا على العاصمة، تمكّنوا أخيرا من اقتحامها وتدميرها ثم قتلوا الملك.
قاوم شعب الأزتيك الغزاة لأشهر بما في حوزتهم من أسلحة وإمكانيات بسيطة. وما لبثوا أن اقتنعوا بعدم قدرتهم على الاستمرار في مواجهة عدوّهم او إلحاق الهزيمة به، فأُجبروا على الرضوخ للحكم الاسباني. وبمساعدة بعض سكّان الأطراف المناوئين للأزتيك بسبب العداوات القديمة، باشر الإسبان تدمير معابدهم ونهب ما كان بداخلها من كنوز الذهب والفضّة وشحنها الى إسبانيا.
وكان هناك عدوّ آخر للأزتيك تمثّل في فيروس الجدري الذي جلبه الغزاة الأوروبيّون معهم وكان جديدا على شعوب الأميركتين. وقد تسبّب في إبادة حوالي 40٪ من السكّان، بينما كان العديد من الإسبان قد اكتسبوا مناعة ضدّه.
أثناء بحثهم عن ذهب الأزتيك، سار الغزاة مسافة بعيدة عبر مناطق جبلية باتجاه وادي المكسيك الكبير. وظلّوا مشغولين لأيّام بتقييم غنائمهم. وأُحضر الصاغة من بلدة قريبة ليصهروا الذهب الذي عثروا عليه ويحوّلوه إلى سبائك.
وكان لدى الإسبان طريقة تعذيب مفضّلة لإجبار السكّان الأصليين على إخبارهم بمكان وجود الذهب، إذ كانوا يُحرقون باطن أقدامهم لدفعهم للاعتراف بما يعرفونه. وقال كورتيس ملخّصا هوسه بالذهب: أنا ورفاقي نعاني من مرض في القلب لا علاج له إلا الذهب"!
كان الوعد بالذهب هائلا في العالم الجديد. وكانت أسطورة "إلدورادو" مدينة الذهب التي بحث عنها العديد من الغزاة في أوجها آنذاك. ولم يتوقّف الناس عن البحث عن المدينة الأسطورية إلا حوالي نهاية القرن التاسع عشر. ويقال إن إمبراطور الإنكا المجاورة ملأ غرفة بالذهب مرّتين مقابل ضمان حرّيته وسلامته بعد غزو الإسبان لأرضه. وحصل قائدهم وجنده المتعطّشون للثروة على آلاف الأرطال من الذهب والفضّة.
لم يتمكّن الإسبان من وزن الكنوز من ذهب ومجوهرات بدقّة، لذا اقترح كورتيس ألا يأخذ أحد نصيبه إلا بعد أن تُقسّم الأسلاب بطريقة عادلة. ولم يكتفوا بسرقة الذهب والفضّة، بل سرقوا أشياء أخرى وصل بعضها الى أبعد من حدود إسبانيا. يقول الرسّام المشهور ألبريشت ديورر إنه رأى ذات مرّة في قصر ملك البلجيك أشياءَ أُهديت إلى الملك، ومصدرها الأرض الجديدة "أي المكسيك" حوالي ذلك الوقت.
ويضيف ديورر مفصّلا ما رآه: شمس كاملة من الذهب وقمر من الفضّة بنفس الحجم، وسعة غرفتين من الأدوات النادرة: أسلحة ودروع وأقواس وسهام وملابس غريبة وأغطية وفُرش وكلّ أنواع الأشياء الرائعة والعجيبة. وكلّ هذه الأشياء ثمينة جدّا ومتقنة الصنع. وقد تعجّبت من العبقرية البارعة التي يتمتّع بها الناس في تلك الأرض البعيدة، ممّا لا أستطيع التعبير عنه بالكلمات".
السجل الأثري لأسلاف الأزتيك يشير إلى أنهم يتحدّرون من الصيّادين الرحّل الذين طاردوا الماموث وغيره من مخلوقات ما قبل التاريخ التي كانت تجوب البحيرات الضحلة في أمريكا الوسطى قبل حوالي 8000 عام.
وبعد سنوات عديدة من التجوال في البراري، رأوا علامة سماوية تخبرهم بأنه، في وقت ما أثناء تجوالهم، سيظهر لهم نسر يحمل ثعبانا في فمه ويقف على شجرة صبّار. وبعد ذلك بوقت طويل، أي حوالي عام 2000 قبل الميلاد، ظهر لهم ذلك النسر الموعود وبدأ أولئك البدو الرحّل في الاستقرار وأنشئوا ما يُعرف الآن بالمكسيك.
والحقيقة أنه لم تكتسب حضارة أخرى، في الماضي أو الحاضر، مثل هذه الصورة المتناقضة التي للأزتيك. فبعض المؤرّخين يرون أنه عندما وصل كورتيس الى ارضهم، كانت إنجازات الأزتيك قد تساوت تقريبا مع كلّ الحضارات الهندية الأخرى في العالم الجديد، بل وتفوّقت عليها أحيانا.
ففي مجال الحكم، طوّر الأزتيك نظام قضاء خاصّ بهم. وكان لديهم نوّاب يحكمون المقاطعات التي امتدّت عبر الأرض من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ. ولربط ولاياتهم، أنشأوا خدمة بريد لا تقلّ كفاءة عن نظيراتها في أوروبّا. وفي مجال العلوم، كانوا على دراية بالطبّ وأجروا تجارب على الأعشاب وصنّفوها بحسب الأمراض التي تشفي منها. وفي مجال الفن، كانت عمارتهم ومنحوتاتهم مبهرة.
لكن مؤرّخين آخرين يتبنّون موقفا مختلفا. فالأزتيك برأيهم كانوا شعبا قاسيا وساديّا بسبب ما قيل عن فظائعهم وتعطّشهم للدماء. وكانوا أيضا، بنظر هؤلاء، مجرّد عصابة من المحاربين الذين كانوا ينطلقون من مدينتهم العظيمة للنهب والسلب وإخضاع مناطق شاسعة لدفع الجزية. وقد أسّسوا دولة شمولية تضمّنت فلسفتها ازدراءً تامّا للفرد.
ولم يكن متصوّرا أن تظهر أيّ حرّية في الفكر أو الفعل في عالم الأزتيك. فقد كان عدم الاستقرار والخوف هما السائدين. وكان الموت يتربّص في كلّ مكان ويشكّل أساس البناء الذي كان فيه الفرد الأزتيكي سجيناً. وفي الغالب فإن ما يقال عن روحانية بعض جوانب حياتهم نابعة أساسا من تقاليد أقدم منهم.
وكان لدى الإسبان طريقة تعذيب مفضّلة لإجبار السكّان الأصليين على إخبارهم بمكان وجود الذهب، إذ كانوا يُحرقون باطن أقدامهم لدفعهم للاعتراف بما يعرفونه. وقال كورتيس ملخّصا هوسه بالذهب: أنا ورفاقي نعاني من مرض في القلب لا علاج له إلا الذهب"!
كان الوعد بالذهب هائلا في العالم الجديد. وكانت أسطورة "إلدورادو" مدينة الذهب التي بحث عنها العديد من الغزاة في أوجها آنذاك. ولم يتوقّف الناس عن البحث عن المدينة الأسطورية إلا حوالي نهاية القرن التاسع عشر. ويقال إن إمبراطور الإنكا المجاورة ملأ غرفة بالذهب مرّتين مقابل ضمان حرّيته وسلامته بعد غزو الإسبان لأرضه. وحصل قائدهم وجنده المتعطّشون للثروة على آلاف الأرطال من الذهب والفضّة.
لم يتمكّن الإسبان من وزن الكنوز من ذهب ومجوهرات بدقّة، لذا اقترح كورتيس ألا يأخذ أحد نصيبه إلا بعد أن تُقسّم الأسلاب بطريقة عادلة. ولم يكتفوا بسرقة الذهب والفضّة، بل سرقوا أشياء أخرى وصل بعضها الى أبعد من حدود إسبانيا. يقول الرسّام المشهور ألبريشت ديورر إنه رأى ذات مرّة في قصر ملك البلجيك أشياءَ أُهديت إلى الملك، ومصدرها الأرض الجديدة "أي المكسيك" حوالي ذلك الوقت.
ويضيف ديورر مفصّلا ما رآه: شمس كاملة من الذهب وقمر من الفضّة بنفس الحجم، وسعة غرفتين من الأدوات النادرة: أسلحة ودروع وأقواس وسهام وملابس غريبة وأغطية وفُرش وكلّ أنواع الأشياء الرائعة والعجيبة. وكلّ هذه الأشياء ثمينة جدّا ومتقنة الصنع. وقد تعجّبت من العبقرية البارعة التي يتمتّع بها الناس في تلك الأرض البعيدة، ممّا لا أستطيع التعبير عنه بالكلمات".
السجل الأثري لأسلاف الأزتيك يشير إلى أنهم يتحدّرون من الصيّادين الرحّل الذين طاردوا الماموث وغيره من مخلوقات ما قبل التاريخ التي كانت تجوب البحيرات الضحلة في أمريكا الوسطى قبل حوالي 8000 عام.
وبعد سنوات عديدة من التجوال في البراري، رأوا علامة سماوية تخبرهم بأنه، في وقت ما أثناء تجوالهم، سيظهر لهم نسر يحمل ثعبانا في فمه ويقف على شجرة صبّار. وبعد ذلك بوقت طويل، أي حوالي عام 2000 قبل الميلاد، ظهر لهم ذلك النسر الموعود وبدأ أولئك البدو الرحّل في الاستقرار وأنشئوا ما يُعرف الآن بالمكسيك.
والحقيقة أنه لم تكتسب حضارة أخرى، في الماضي أو الحاضر، مثل هذه الصورة المتناقضة التي للأزتيك. فبعض المؤرّخين يرون أنه عندما وصل كورتيس الى ارضهم، كانت إنجازات الأزتيك قد تساوت تقريبا مع كلّ الحضارات الهندية الأخرى في العالم الجديد، بل وتفوّقت عليها أحيانا.
ففي مجال الحكم، طوّر الأزتيك نظام قضاء خاصّ بهم. وكان لديهم نوّاب يحكمون المقاطعات التي امتدّت عبر الأرض من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ. ولربط ولاياتهم، أنشأوا خدمة بريد لا تقلّ كفاءة عن نظيراتها في أوروبّا. وفي مجال العلوم، كانوا على دراية بالطبّ وأجروا تجارب على الأعشاب وصنّفوها بحسب الأمراض التي تشفي منها. وفي مجال الفن، كانت عمارتهم ومنحوتاتهم مبهرة.
لكن مؤرّخين آخرين يتبنّون موقفا مختلفا. فالأزتيك برأيهم كانوا شعبا قاسيا وساديّا بسبب ما قيل عن فظائعهم وتعطّشهم للدماء. وكانوا أيضا، بنظر هؤلاء، مجرّد عصابة من المحاربين الذين كانوا ينطلقون من مدينتهم العظيمة للنهب والسلب وإخضاع مناطق شاسعة لدفع الجزية. وقد أسّسوا دولة شمولية تضمّنت فلسفتها ازدراءً تامّا للفرد.
ولم يكن متصوّرا أن تظهر أيّ حرّية في الفكر أو الفعل في عالم الأزتيك. فقد كان عدم الاستقرار والخوف هما السائدين. وكان الموت يتربّص في كلّ مكان ويشكّل أساس البناء الذي كان فيه الفرد الأزتيكي سجيناً. وفي الغالب فإن ما يقال عن روحانية بعض جوانب حياتهم نابعة أساسا من تقاليد أقدم منهم.