:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، مارس 13، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • تخيّل أنك تمشي في غابة، وفجأة يصيبك سهم. هذا السهم الأوّل يُمثّل الألم والصعوبات الحتمية التي نواجهها جميعا في الحياة: ألم جسدي وألم عاطفي وفقد وكفاح الخ. وهو أمر لا مفرّ منه وغالبا ما يكون خارج سيطرتنا.
    لكن هل ستطلق سهما ثانيا على نفسك؟ هذا ما نفعله عادةً دون وعي عندما نتفاعل مع ألم السهم الأوّل بشكل مدمّر. هذا السهم الثاني يُمثّل ردّ فعلنا على الألم الأوّلي: الغضب والخوف والشفقة على النفس وتصوير الذات كضحية، أي العقلية السلبية التي نضيفها إلى الجرح الأصلي. وغالبا ما يُؤلمنا السهم الثاني أكثر بكثير من ألم السهم الأوّل.
    الحكمة هنا هي أنه رغم أننا لا نستطيع دائما التحكّم في الظروف المؤلمة التي تواجهنا، إلا أننا نستطيع التحكّم في كيفية استجابتنا لها. هل نزيد الوضع سوءا بالتركيز عليه وتضخيمه والشعور بالأسف على أنفسنا، أم نواجهه بشجاعة ونتقبّله ونصمد؟
    كلّنا نتعرّض لتلك السهام الأولى باستمرار: ضغوط العمل والخلافات مع الأقارب والمشاكل الصحّية ونحو ذلك. لكن، لدينا الخيار في أن نطلق على أنفسنا سهما ثانيا من السلبية واليأس، أو أن نختار مواجهة تحدّيات الحياة بعقلية إيجابية وبعزيمة وتعاطف مع الذات.
  • ❉ ❉ ❉

  • إنها مجرّد لوحة لطائر محبوس في قفص. ومع ذلك، أصبحت لوحة "طائر الحسّون" لفنّان القرن السابع عشر الهولندي كارل فابريتيوس رمزاً شعبيّاً. وقد تعاظمت شهرة هذه اللوحة بفضل رواية الكاتبة دونا تارت "الحسّون الذهبي". ومع ذلك فإن القصّة الحقيقية للوحة والرجل الذي رسمها أغرب من الخيال.
    الناقد جوناثان جونز يشير الى أن الطيور احتلّت منذ زمن طويل مكانة مهمّة في مختلف الثقافات. فمن الدين إلى الفنّ إلى السينما إلى السياسة، كانت الطيور رمزا للأمل والموت والرغبة والشجاعة والبعث والقوّة والحكمة والتحوّل والسعادة والسلام. فهي تجلب لنا البهجة والفرح والراحة والأمان".
    لكن من المحتمل أن معاصري فابريتيوس ربطوا طائر الحسّون بالرمزية المسيحية، فهو يظهر كثيرا في اللوحات الدينية. و"بسبب اللون الأحمر، لون الدم، على رأسه وعادته في أكل الشوك، كان من المفترض أن يذكّر الناس بالصلب وتاج الأشواك".
    ويذكر جونز أن القسوة العفوية التي اتسم بها موت هذا الرسّام، أي فابريتيوس، تسلّط الضوء بشكل غريب على فنّه. فالطائر الذهبي "يجلس في قفص في منزل هولندي، مقيّداً من قدميه، ككائن أليف لا مكان له ليذهب إليه. ويكشف التاريخ الموجود على اللوحة، 1654، أنه رسمها في العام الذي قُتل فيه. ولكن "حتى دون أن نعرف ذلك، فإننا نشعر بحزنها الغامض".

  • ثم يلاحظ أن البشر في لوحات فابريتيوس يشعرون بالملل والكسل. ويضرب مثلا لذلك لوحة " منظر لدلفت" التي رسمها الفنّان عام 1652، وفيها يجلس بائع آلات موسيقية متأمّلاً في كشكه بالقرب من جسر على قناة يمتدّ في فراغ رمادي باتجاه وسط المدينة. ويضيف: لا يوجد أحد حول الرجل ولا يوجد زبائن. والبائع الوحيد لديه متّسع من الوقت للتفكير والتأمّل. ومثله كمثل طائر الحسّون، فهو مقيّد هنا في حالته بسبب وظيفته ولا شيء يفعله".
    ثم يتساءل: هل كان فابريتيوس أوّل فنّان يرسم الملل؟ لقد أصبح الملل فيما بعد موضوعا للفنّ الفرنسي في عصر مانيه وديغا. والملل حالة روحية حديثة بامتياز. ومع ذلك، كان هذا الفنّان الهولندي الشابّ يرسم الملل في خمسينات القرن السابع عشر. وهذا المزاج هو الذي يجعل لوحته "طائر الحسّون" تحفة فنّية غريبة ومخيفة.
    ويذكر جونز أن هذا الفنان الموهوب، الذي ولد في عام 1622، لقي حتفه في عام 1654 عندما انفجر مخزن يحتوي على ما لا يقلّ عن 90 ألف رطل من البارود في قلب مدينة دلفت. وقد أودى هذا الحادث العشوائي السخيف بحياته وهو في الثانية والثلاثين من عمره. كانت الجمهورية الهولندية مسلّحة "لحماية استقلالها كما توضح لوحة "الحرس الليلي" لرامبرانت (1642)، لكن انفجار دلفت لم يحدث في معركة أو غزو، بل كان كارثة لا معنى لها، إذ كان هناك شخص مهمل يحمل عود ثقاب."
    ولوحة إيغبيرت فان دير بويل "منظر لدلفت بعد انفجار عام 1654" تصوّر مدينة مدمّرة جزئيّا تحت سماء مليئة بالغيوم والدخان. لقد انقلب عالم المدينة الهولندية المريح رأساً على عقب، فالمنازل تقف مدمّرة بينما تفتح عوارضها المتفحّمة على السماء الباردة، وأشخاص مذهولون يساعدون الجرحى ويبحثون بين الأنقاض، ويظهر صفّ من الأشجار التي جُرّدت من أوراقها بفعل الانفجار الناتج عن الكارثة".

    ❉ ❉ ❉

  • في عشرينيات القرن الماضي، عاش في داغستان رجل ذو إرادة حديدية يُدعى نجم الدين غوتزو. وقد رفض تسليم شعبه للبلاشفة بقيادة لينين وظلّ ثابتا وحازما في معارضته لهم. وبعد أن تراجع إلى جبال القوقاز، تعهّد بعدم تسليم أرضه للشيوعيين أبدا.
    وفشل الشيوعيون في استئصال الزعيم الداغستاني، ولكنهم نجحوا في ذلك عام 1925 عندما بدأوا في عرض المكافآت المالية على المزارعين المحليين الفقراء كي يدلّوهم على مكانه. وقد أخذ بعضهم البلاشفة إلى مخبأ نجم الدين العجوز. وحاصر الجيش الروسي مكانه وأمره بالخروج.
    فغسل وجهه بهدوء وتلا صلواته ثم تفاوض على العفو عن الرجال الذين كانوا معه. وبعد ذلك غادر المنزل، وفي الطريق رأى المزارعين الذين خانوه، فحدّق في عيونهم وتحدّث إليهم قائلا: سأشكوكم الى الله يوم القيامة". ثم استجوب الروس نجم الدين وعذّبوه بوحشية. ومع ذلك، رفض الإدلاء بأيّ معلومات عن رفاقه.
    وعندما سُئل عمّا إذا كانت لديه أيّ كلمات أخيرة قبل أن تُطلق عليه النار، نظر إلى جلّاديه بجسد منهك وقال لهم بصوت حازم: نعم، لديّ بعض الكلمات، قريبا ستصبحون ضحايا لأيديولوجيتكم المتطرّفة!".

  • Credits
    mauritshuis.nl
    theguardian.com