في بعض هذه اللوحات تخلّى الرسّام عن المنظور ونقاط التلاشي، وركّز بدلا من ذلك على سطح بركته في بلدة جيفرني، ورسم مشهدا يُظهر الماء دون أيّ أرض تُضفي عليه طابعا محدّدا. ونتيجة لذلك، قد تبدو بعض هذه اللوحات محيّرة وتجريدية.
كان مونيه يبتكر نوعا جديدا كليّا من الفضاء التصويري. فالبِركة مرآة تُرينا السماء والأشجار التي تعلوها، وفي نفس الوقت هي غشاء تطفو عليه زنابق الماء. كما أنها نافذة على الأعماق تنبض بالحياة وبخيوط طويلة من الطحالب والأعشاب المتموّجة. وكلّ ضربة فرشاة عليها أن تشير إلى بُعد أو أكثر من تلك الأبعاد المتشابكة.
ونفس هذه الفكرة تنطبق على الإسباني فرانسيسكو دي غويا. فلو كان هذا الرسّام الكبير قد مات في أوائل الستّينات من عمره، لكان ما يزال يُذكر باعتباره فنّانا بارعا في رسم الصور الشخصية فحسب، ولكن ليس باعتباره واحدا من أكثر الفنّانين تأثيرا في جميع العصور.
من نواحٍ عديدة، أسهم طول العمر في تعزيز استمرارية غويا. وبعض أروع أعماله وأكثرها شهرةً، كلوحاته السوداء الغريبة وسلسلة نقوشه المرعبة عن "كوارث الحرب"، أُنجزت في العقدين الأخيرين من حياته.
❉ ❉ ❉
ويُعزى أوّل ظهور لهذه العبارة في كتب القصص الى قصّة إنغليزية بعنوان" حياة وآلام القدّيسة جوليانا" التي يعود تاريخها إلى حوالي عام 1225.
وحقيقة أن كلّ اللغات تقريباً لديها عبارة واحدة مثل هذه، تبدأ بها القصص الخيالية وتزيل من تلك القصص أيّ أثر للحاضر والماضي، ليست مصادفة. بل إنها في الواقع تخدم غرضاً مفيدا، لأنها بحسب الكاتبة ماريا كونيكوفا تخلق "مسافة وغموضاً" وتوفّر "دعوة للخيال والتخيّل" وتتيح للقرّاء أن يعرفوا على الفور أن القصّة ستزدهر بالخيال وستنتهي نهاية سعيدة.
ومن الأسباب الأخرى لرواج العبارة أن بدء قصص الخيال بكلمات نمطية يجعل القرّاء يدركون على الفور نوع القصّة التي ستدور حولها الأحداث، تماما كالمعلومات التي يتلقّاها المشاهد في الثواني القليلة الأولى من مشاهدة فيلم للرسوم المتحرّكة.
❉ ❉ ❉
قصائد الرومي ليست حدائق مصغّرة وأنيقة، بل هي أشبه ما تكون "بلوحات على الطراز التركماني، مليئة بالحركة المفاجئة والزهور والشجيرات الغريبة والشياطين والحيوانات الناطقة"، على حدّ وصف المستشرقة الألمانية آن ماري شيمل.
❉ ❉ ❉
❉ ❉ ❉
وأخيرا وافق طائر "كرَكي" على المحاولة، وطلب من الذئب أن يستلقي على جنبه وأن يفتح فكّيه قدر استطاعته. ثم أدخل رقبته الطويلة في حلق الذئب، والتقط العظمة بمنقاره وأخرجها. ثم قال الكركي للذئب: والآن هل تتكرّم بإعطائي المكافأة التي وعدتني بها؟".
ابتسم الذئب وكشّر عن أنيابه وقال: إرضَ بنفسك، لقد وضعتَ رأسك في فم ذئب وأخرجته سالما، فاشكر الله على ذلك". ومنذ ذلك الوقت والناس يستخدمون عبارة "من فم الذئب"، دلالةً على الشيء الذي ينطوي فعله على مخاطرة كبيرة.
❉ ❉ ❉
كان الفنّ تجربة حميمة تتفاعل معها كلّ الحواسّ. وكانت كلّ ضربة للفرشاة أشبه بضربة على قماش عقل الناظر. وكانت ضربات فينسنت فان غوخ الجريئة والمتموّجة يتردّد صداها في عالمه الداخلي المضطرب، في حين كانت ضربات فرشاة مونيه الدقيقة تدعونا إلى المناظر الطبيعية الهادئة التي يصوّرها خياله. وكان استخدام رمبراندت المعبّر للضوء والظلّ ينقلنا إلى أعماق المشاعر الإنسانية.
عندما يقف المرء أمام لوحة، يدور حوار بينه وبين العمل الفنّي. حيث تتتبّع العين الخطوط والألوان وتنتبه للتفاصيل الدقيقة وتبحث فيها عن معنى وتتخيّل كيف تتدفّق الألوان المائية وتتداخل معا في تناغم رقيق وكيف يمتصّ الورق حيوية الألوان مثل روح عطشى تتشرّب الجمال، وكيف تنزلق الفرشاة بسلاسة على السطح فتخلق مناظر طبيعية خلابة وصورا آسرة تلتقط جوهر اللحظة.
كانت زيارة المعارض الفنّية تجربة تتجاوز قطع الفنّ المعروضة لتمتدّ الى الهندسة المعمارية والجوّ الذي يحتضن العمل الفنّي. وأصبحت عظمة المتاحف وقاعاتها الأنيقة مسارح لسيمفونيات من الإبداع، حيث الممرّات المقوّسة والأرضيات المبلّطة وغيرها من العناصر الفنّية الجاذبة.
الآن تغيّرت تجربة الفنّ. فقد أصبحت المنصّات الرقمية مستودعات ضخمة لعدد لا يُحصى من الرسوم التوضيحية واللوحات والصور الفوتوغرافية التي تُنجز باستخدام الكمبيوتر وبرمجيات الغرافيكس وأدوات مثل أقلام الليزر والكاميرات الرقمية والماسحات الضوئية وغيرها. وبمجرّد تمرير إصبعك، تمرّ الصور أمام عينيك في تتابع سريع ويصبح تأثيرها عابرا وزائلا، ويضيع العمق والملمس مع تَجسُّد الفنّ في شاشات أجهزتنا البكسلية.
لا شكّ أن اللوحات الرقمية تتمتّع بسحر خاص. فهي تتيح لك الاستمتاع الفوري، مع القدرة على تصحيح الأخطاء بنقرة زرّ واحدة واستكشاف مجموعة واسعة من الأدوات والتأثيرات. كما أنها جعلت الفنّ متاحا لجمهور أوسع. ولكن وسط هذه الراحة، فقدنا شيئا مهمّا، فقد ولّت أيّام التفكير في اللون المثالي وخلط الألوان بعناية لتحقيق اللون المطلوب. ولم يعد بوسعنا أن نتلذّذ بفوضى الإبداع الفنّي التي من شأنها أن تملأ الغرفة بالشغف. لقد حلّت الشاشات الأنيقة والأقلام محلّ التجربة الملموسة للعمل بالوسائط المادّية.
وبينما نحتضن مزايا الفنّ الرقمي، يتعيّن علينا أن نتوقّف لنتأمّل الكنوز غير المحسوسة التي قد نتركها وراءنا. إن المادّية التي يتّصف بها الفنّ التقليدي، بما يتضمّنه من نسيج ملموس وضربات فرشاة دقيقة وحضور كبير، يتمتّع بجاذبية معيّنة لا يمكن تكرارها في عالم الفنّ الرقمي.
في سعينا نحو التقدّم، يتعيّن علينا أن نسأل أنفسنا: هل نفقد شيئا ثمينا عندما ننتقل إلى عالم الرقمية؟ هل نضحّي بثراء الفنّ المادّي ولمسته الإنسانية المتأصّلة والارتباطات العميقة التي يمكن أن يثيرها؟ وبينما نتنقّل في المشهد الفنّي المتطوّر باستمرار، يجب أن نحقّق التوازن ونحافظ على جوهر أشكال الفنّ التقليدية مع احتضان الإمكانات التي يجلبها الفنّ الرقمي.
Credits
worldwidewords.org
meer.com
worldwidewords.org
meer.com