:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، مارس 26، 2009

جورج أورويل ودالي

كان جورج أورويل ينفر من أعمال دالي. لكنه كان يرفض أن يدينها، على أساس أن الفنّ يمكن أن يكون جيّدا أو سيئا.
كان أورويل يصف لوحات دالي بأنها مريضة ومثيرة للتقزّز.
و أورويل لا يُشار إليه عادة بأنه ناقد للفنّ. فمؤلف رواية 1948 يذكره الناس، عن حقّ، بأنه احد أعظم الروائيين وأحد الشهود الكبار على القرن العشرين.
لكن إسهاماته في أدب الفنّ الحديث تستحقّ الإشادة أيضا.
في عام 1944 كتب أورويل مقالا ضمّنه ملاحظاته عن سلفادور دالي بعد أن قرأ كتاب هذا الأخير بعنوان "الحياة السرّية لـ سلفادور دالي".
وخلص أورويل في مقاله إلى أن أعمال دالي مريضة ومثيرة للاشمئزاز وأن أيّ تمحيص في فنّ دالي لا بدّ وأن يقود إلى هذه النتيجة.
لكن، لا تحكم على مقال من آخر عبارة فيه. فالمقال كان عبارة عن محاولة نادرة لاستخلاص فكرة عن مسألة انقسم حيالها الناس. والفنّ الحديث موضوع جدلي بطبيعته. كان هذا هو الحال أيام أورويل وما يزال كذلك حتى اليوم. ولا يوجد رأي إجماعي بشأنه.
في ملاحظاته عن دالي، كان واضحا أن أورويل لم يكن معجبا كثيرا بالسوريالية التي كانت صدمة فنية في ذلك الوقت. وفي الحقيقة فإن أورويل كان رافضا للتفاصيل الداعرة والسوقية في لوحات دالي، مع أنها لم تعد تثير أيّ قدر من الاستهجان لدى الناس اليوم.
لكن ما يُحسب لـ أورويل هو محاولته أن يجد ما أسماه بالموقف الوسط بين المحافظين الذين يندّدون بالفنّ الطليعي وينكرونه وبين أولئك الذين يروّجون لهذا الفنّ ويرفضون أن ينظروا إليه في سياق سياسي أو أخلاقي.
إن من المفهوم أن يجد أورويل في دالي شخصا منفّرا. فقد سبق لـ أورويل أن حارب في صفوف الألوية العالمية في اسبانيا، في الوقت الذي كان فيه دالي يتغزّل بالأفكار المؤيدة لـ فرانكو. وقد كتب أورويل في تلك الفترة مستغربا كيف لإنسان أن لا يرتعد قلبه خوفا وهلعا من مجرّد ذكر الفاشية. لكنه مع ذلك كان يرفض القوى الرجعية التي تقاوم الحداثة لأن دافعها ليس فقط سحق كلّ المواهب الجديدة وإنما تشويه الماضي أيضا.
إن أورويل يقول أشياء تتناول مسائل الذوق الفنّي بمثل ما كان يحاول اكتشاف موقف محايد بين الإيديولوجيات السياسية.
وأورويل يستحقّ القراءة الآن مرّة أخرى في ضوء الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية التي تذكّرنا بأزمة الثلاثينات من القرن الماضي.
في ذلك الوقت، كان على العالم أن يواجه الحقائق الصعبة الكامنة وراء المظاهر السطحية والخادعة. وهي مهمّة لا تبدو اقلّ سهولة اليوم. ومحاولة أورويل التأكيد على إمكانية أن يكون الفنّ صحيحا أو خاطئا، خيّرا أو سيّئا، ثمرة فكر عبقري أو عملا مخجلا، هي دليل على رؤيته العاقلة والثاقبة. "مترجم"