:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الثلاثاء، أبريل 24، 2012

طبيعة نيستيروف

صورة الشمال الروسي "الأورال وسيبيريا" كما ينقلها الأدب الكلاسيكي الروسي "تولستوي وشولوكوف مثلا" هي صورة لطبيعة قاسية وغير مضيافة. الخضرة الباردة والقاتمة والمملّة في تلك المناطق تثير إحساسا بالكآبة وأحيانا بما هو اخطر، أي الموت.
أذكر أنني شاهدت قبل سنوات فيلما بعنوان ملحمة سيبيريا للمخرج الروسي اندريه كونشلوفسكي. ومعظم أحداث الفيلم تجري في تلك المناطق النائية والباردة والمنعزلة التي يتعايش فيها الناس مع البرد القاتل ومع الأشباح والظلام.
غير أن صور ميخائيل نيستيروف (1862-1942) تقدّم صورة مختلفة عن تلك الأمكنة. فهو يضفي على الطبيعة هناك قدرا من القداسة والروحانية والنبل والشاعرية.
نيستيروف يصوّر في لوحاته أمسيات الخريف وبساطة الناس والعلاقة المقدّسة التي تربط الإنسان بالطبيعة. وهو يستلهم صوره تلك من التقاليد الأرثوذكسية، وخاصّة النبوءة التي تقول بعودة البشر إلى الأيّام الخوالي عندما كان الناس والحيوانات يتعايشون في رحاب الطبيعة بسلام وانسجام.
في إحدى لوحاته بعنوان "الثعلب الصغير"، يرسم نيستيروف ثلاثة رجال مسنّين يجلسون على تلّ أمام إحدى غابات الصنوبر وبالقرب من احد الأنهار. حبّ هؤلاء الرجال الطيّبين وعطفهم يجتذب ثعلبا خرج لتوّه من الغابة الكثيفة المجاورة باحثا عن طعام. والثعلب لا يبدو حذرا أو خائفا، بل يلتقط الطعام من أيديهم بأمان.
هذه اللوحة تحتوي على رموز ربّما لا نعرفها. لماذا مثلا اختار الرسّام الثعلب دون غيره من الحيوانات؟ هل هناك دلالة معيّنة، دينية مثلا؟
وعلى أيّ حال، فهذه اللوحة تجسّد نظرة الفنّان إلى الطبيعة والرابطة الروحية ما بين الطبيعة وبقيّة المخلوقات. كما أنها بمنظور هذه الأيّام تصلح لأن تكون رمزا لحماية البيئة والمحافظة على التوازن ما بين مكوّنات الطبيعة المختلفة.
في لوحة أخرى له بعنوان "الناسك"، يرسم نيستيروف راهبا عجوزا يمشي في طبيعة خريفية. وقد استوحى هذه الصورة من إحدى شخصيّات دستويفكسي في رواية "الإخوة كارامازوف" عن ناسك طيّب وذي قلب رحيم.
نيستيروف عُرف بملاحظته الدقيقة للطبيعة التي أصبحت معبده الخاصّ والمقدّس. ومناظره، كما هو واضح، تخلو من الإبهام والتعقيد الكثير.
بالإضافة إلى موهبته الفنّية، كان هذا الرسّام يتمتّع بقدرة فائقة في الكتابة. يقول في مذكّراته التي سجّلها قبيل وفاته موضّحا فلسفته الإنسانية: أفضّل دائما أن ارسم طبيعة بسيطة وأشخاصا يعيشون حياتهم الروحية والداخلية في أحضان الطبيعة. إنّني أؤمن وأشعر بأن كلّ مخلوق في هذا الكون له روح وشعور ووعي".
رسم نيستيروف الطبيعة كثيرا. لكنّه أيضا رسم العديد من البورتريهات لوالدته وزوجتيه وابنته ولبعض مشاهير عصره مثل تولستوي ومكسيم غوركي وغيرهما.