"فانيتا" كلمة لاتينية تعني الفراغ أو الخواء، لكنّها أيضا تشير إلى معنى التشاوف أو الخيلاء والتفاخر الأجوف بالمال أو السلطة أو الجمال والزينة.
ولو بحثنا عن كلمة بالعربية تعطي نفس الدلالة لما وجدنا أفضل من العبارة التي تقول: ما الدنيا إلا متاع الغرور". والفانيتا أيضا هي نوع من لوحات الطبيعة الساكنة يريد رسّاموها أن يذكّرونا من خلالها بقِصَر الحياة وبعبثية المتع الدنيوية وبحتمية الموت.
وفي هذا النوع من اللوحات، نجد غالبا جماجم ترمز للموت، بالإضافة إلى رموز أخرى مثل الفواكه المتعفّنة والأزهار الذاوية التي ترمز للتحلّل، والشموع المطفأة والدخان والساعات والأدوات الموسيقية والساعات الرملية وغيرها من أدوات قياس الزمن.
كما يمكن أن تتضمّن هذه اللوحات كتباً، سواءً كانت مكدّسة فوق بعضها البعض أو مفتوحة على صفحة بعينها، وموادّ من الكريستال والفضّة وتماثيل صغيرة وآنيات زهور وعملات معدنية وقلائد وخواتم من اللؤلؤ تنبثق من صناديق مزخرفة. وكلّ هذه الأشياء ترمز لقصَر الحياة وفجائية الموت.
وقد اعتاد الناس في أوربّا خاصّة، ومنذ زمن طويل، على أن يستحسنوا هذه اللوحات ويقتنوها لسكونيّتها ولرمزيّتها العميقة. وهذه الفكرة لا تقتصر على الرسم فحسب، وإنّما تمتدّ أيضا لتشمل الشعر والموسيقى والأدب.
وهناك جملة أخرى باللاتينية لها دلالة دينية وتتردّد كثيرا هي "ميمنتو موري"، وتعني حرفيا "تذكّر أنك مخلوق فانٍ"، وهي فكرة ظلّت تحظى بالرواج والشعبية في أوساط الكتّاب والفنّانين المسيحيين على مرّ قرون.
والفكرة تنطوي على نصيحة للناس بأن عليهم أن يستعدّوا للموت في أيّ وقت لأنه يأتي على حين غرّة وبلا سابق إنذار. والسبب هو أن أوربّا شهدت ابتداءً من القرن الرابع عشر مجاعات متكرّرة وحروبا كثيرة مدمّرة مات على إثرها الكثيرون، بالإضافة إلى تفشّي وباء الطاعون الذي اكتسح القارّة وحصد أرواح مئات الآلاف من البشر.
كان الموت وقتها يتربّص بالجميع. ومع ذلك كان الناس يجتهدون في البحث عن التسلية والمتعة متى ما كان ذلك ممكنا. لذا انتشرت آنذاك في بعض أرجاء ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا أغاني تحمل حوارات متخيّلة بين الموت والبشر.
وإحدى أشهر تلك الأغاني كانت كلماتها تقول: إن كنت لا تستطيع أن تعود إلى الوراء لتصبح كالطفل وتغيّر حياتك للأفضل، فلن تستطيع أن تدخل ملكوت الربّ. إن الموت يسرع الخطى، فدعنا نمتنع عن ارتكاب الخطايا".
المعروف أن رسومات الفانيتا ازدهرت في هولندا على وجه الخصوص، وبالتحديد في ذروة ازدهار ما عُرف بالعصر الذهبيّ للرسم الهولنديّ. وأحد أشهر الرسّامين الهولنديين الذين برعوا في رسم الفانيتا هو إدفارت كولير الذي عاش في القرن السابع عشر.
في إحدى لوحاته المشهورة "إلى فوق"، يرسم كولير مجموعة من الأشياء مرتّبة فوق طاولة مغطّاة بالدانتيل البنّيّ اللون. من بين هذه الأشياء تاج ذهبيّ مزيّن بالحرير الأحمر ومرصّع باللآليء الحمراء والسوداء والبيضاء. وعلى الطاولة أيضا هناك صندوق اسود مُحلّى بالذهب تبرز منه مجوهرات وعقود ذهبيّة وفضّيّة.
وبين التاج والصندوق بورتريه لرجل وجيه موضوع داخل إطار مذهّب صغير وبيضاويّ الشكل. وفي خلفية الصورة، هناك مزهرية ذهبيّة ضخمة وإلى يمينها كتاب مفتوح على صفحة تحتوي على نصّ لاتينيّ.
في لوحات الفانيتا المعاصرة، نجد نفس الفكرة التي تعبّر عن قلق الإنسان وحالة عدم اليقين تجاه المستقبل. والرسّام المعاصر يعزّز هذه الفكرة بتوظيفه لأشياء معيّنة كالمرايا والمزهريات الزجاجية والشموع والعظام والجماجم والكتب، بالإضافة إلى منتجات التجميل الحديثة والعبوات البلاستيكية التي تُظهر ميل الإنسان وافتتانه بالسلع الاستهلاكية.
وعندما تتأمّل لوحات الفانيتا وتتمعّن في رمزيّتها، لا بدّ أن تتذكّر رسومات الفنّان الألمانيّ كاسبار فريدريش. كانت رؤية هذا الرسّام سابقة لعصره، لكن الناس في زمانه لم يقدّروا فنّه ولم يحتفوا به كما ينبغي.
مناظر فريدريش المتعدّدة عن الطبيعة الشتوية لم تكن عن الحياة في الشتاء، بل كانت عن الشتاء نفسه؛ عن وحشته وجبروته وعن الإحساس الذي يثيره بالخواء والقفر والعزلة.
أيضا تمتلئ لوحاته بصور الأشجار والجذوع العارية التي تسكنها الغربان والبوم بجانب المقابر والأديرة والأطلال.
في تلك اللوحات أيضا، كان فريدريش يعبّر، وبطريقته الخاصّة، عن مضيّ الزمن والطبيعة المؤقتة للحياة وعن حالته الذهنية الخاصّة.
ولو بحثنا عن كلمة بالعربية تعطي نفس الدلالة لما وجدنا أفضل من العبارة التي تقول: ما الدنيا إلا متاع الغرور". والفانيتا أيضا هي نوع من لوحات الطبيعة الساكنة يريد رسّاموها أن يذكّرونا من خلالها بقِصَر الحياة وبعبثية المتع الدنيوية وبحتمية الموت.
وفي هذا النوع من اللوحات، نجد غالبا جماجم ترمز للموت، بالإضافة إلى رموز أخرى مثل الفواكه المتعفّنة والأزهار الذاوية التي ترمز للتحلّل، والشموع المطفأة والدخان والساعات والأدوات الموسيقية والساعات الرملية وغيرها من أدوات قياس الزمن.
كما يمكن أن تتضمّن هذه اللوحات كتباً، سواءً كانت مكدّسة فوق بعضها البعض أو مفتوحة على صفحة بعينها، وموادّ من الكريستال والفضّة وتماثيل صغيرة وآنيات زهور وعملات معدنية وقلائد وخواتم من اللؤلؤ تنبثق من صناديق مزخرفة. وكلّ هذه الأشياء ترمز لقصَر الحياة وفجائية الموت.
وقد اعتاد الناس في أوربّا خاصّة، ومنذ زمن طويل، على أن يستحسنوا هذه اللوحات ويقتنوها لسكونيّتها ولرمزيّتها العميقة. وهذه الفكرة لا تقتصر على الرسم فحسب، وإنّما تمتدّ أيضا لتشمل الشعر والموسيقى والأدب.
وهناك جملة أخرى باللاتينية لها دلالة دينية وتتردّد كثيرا هي "ميمنتو موري"، وتعني حرفيا "تذكّر أنك مخلوق فانٍ"، وهي فكرة ظلّت تحظى بالرواج والشعبية في أوساط الكتّاب والفنّانين المسيحيين على مرّ قرون.
والفكرة تنطوي على نصيحة للناس بأن عليهم أن يستعدّوا للموت في أيّ وقت لأنه يأتي على حين غرّة وبلا سابق إنذار. والسبب هو أن أوربّا شهدت ابتداءً من القرن الرابع عشر مجاعات متكرّرة وحروبا كثيرة مدمّرة مات على إثرها الكثيرون، بالإضافة إلى تفشّي وباء الطاعون الذي اكتسح القارّة وحصد أرواح مئات الآلاف من البشر.
كان الموت وقتها يتربّص بالجميع. ومع ذلك كان الناس يجتهدون في البحث عن التسلية والمتعة متى ما كان ذلك ممكنا. لذا انتشرت آنذاك في بعض أرجاء ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا أغاني تحمل حوارات متخيّلة بين الموت والبشر.
وإحدى أشهر تلك الأغاني كانت كلماتها تقول: إن كنت لا تستطيع أن تعود إلى الوراء لتصبح كالطفل وتغيّر حياتك للأفضل، فلن تستطيع أن تدخل ملكوت الربّ. إن الموت يسرع الخطى، فدعنا نمتنع عن ارتكاب الخطايا".
المعروف أن رسومات الفانيتا ازدهرت في هولندا على وجه الخصوص، وبالتحديد في ذروة ازدهار ما عُرف بالعصر الذهبيّ للرسم الهولنديّ. وأحد أشهر الرسّامين الهولنديين الذين برعوا في رسم الفانيتا هو إدفارت كولير الذي عاش في القرن السابع عشر.
في إحدى لوحاته المشهورة "إلى فوق"، يرسم كولير مجموعة من الأشياء مرتّبة فوق طاولة مغطّاة بالدانتيل البنّيّ اللون. من بين هذه الأشياء تاج ذهبيّ مزيّن بالحرير الأحمر ومرصّع باللآليء الحمراء والسوداء والبيضاء. وعلى الطاولة أيضا هناك صندوق اسود مُحلّى بالذهب تبرز منه مجوهرات وعقود ذهبيّة وفضّيّة.
وبين التاج والصندوق بورتريه لرجل وجيه موضوع داخل إطار مذهّب صغير وبيضاويّ الشكل. وفي خلفية الصورة، هناك مزهرية ذهبيّة ضخمة وإلى يمينها كتاب مفتوح على صفحة تحتوي على نصّ لاتينيّ.
في لوحات الفانيتا المعاصرة، نجد نفس الفكرة التي تعبّر عن قلق الإنسان وحالة عدم اليقين تجاه المستقبل. والرسّام المعاصر يعزّز هذه الفكرة بتوظيفه لأشياء معيّنة كالمرايا والمزهريات الزجاجية والشموع والعظام والجماجم والكتب، بالإضافة إلى منتجات التجميل الحديثة والعبوات البلاستيكية التي تُظهر ميل الإنسان وافتتانه بالسلع الاستهلاكية.
وعندما تتأمّل لوحات الفانيتا وتتمعّن في رمزيّتها، لا بدّ أن تتذكّر رسومات الفنّان الألمانيّ كاسبار فريدريش. كانت رؤية هذا الرسّام سابقة لعصره، لكن الناس في زمانه لم يقدّروا فنّه ولم يحتفوا به كما ينبغي.
مناظر فريدريش المتعدّدة عن الطبيعة الشتوية لم تكن عن الحياة في الشتاء، بل كانت عن الشتاء نفسه؛ عن وحشته وجبروته وعن الإحساس الذي يثيره بالخواء والقفر والعزلة.
أيضا تمتلئ لوحاته بصور الأشجار والجذوع العارية التي تسكنها الغربان والبوم بجانب المقابر والأديرة والأطلال.
في تلك اللوحات أيضا، كان فريدريش يعبّر، وبطريقته الخاصّة، عن مضيّ الزمن والطبيعة المؤقتة للحياة وعن حالته الذهنية الخاصّة.
Credits
arthistory.net
arthistory.net