:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


‏إظهار الرسائل ذات التسميات هان شان. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات هان شان. إظهار كافة الرسائل

الخميس، يونيو 05، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • عاش الشاعر "هان شان" في عهد أسرة تانغ الصينية المزدهرة، ويُعتبر من بين أهمّ شعرائها المتميّزين، وكان معاصرا للشاعرين المشهورين لي باي و دو فو. وعلى الرغم من أنه لم يكن معروفا أثناء حياته، إلا أن شهرته نمت بعد وفاته واستمرّت لآلاف السنين وحتى اليوم.
    ويقال إن هان شان فشل عدّة مرّات في العثور على وظيفة مناسبة في العاصمة، وفي النهاية لم يعد لديه ما يدفعه للعودة إلى بلدته.
    وقد لامه إخوته على سوء حظّه كما تجاهلته زوجته. ولمّا أحسّ بأن عالمه كلّه قد انهار وبأن حياته بدأت تغرق في اليأس، قطع كلّ علاقاته الإنسانية وسافر لوحده حاملاً معه الكثير من الذكريات المؤلمة. وفي النهاية اختار العيش وحيدا كناسك في الجبال. ولم يكن لديه مكان ثابت يعيش فيه، لذا كان يتجوّل بين الغابات والجبال، وكتب في عزلته الكثير من الأشعار، وأشهرها قصائد "الجبل البارد".
    فيما يلي بعض تلك القصائد بترجمتي مع بعض التصرّف..
    ◦ تجري المياه على الدوام في الجدول المنعزل، والرياح تهزّ أشجار الصنوبر الطويلة. عندما تجلس هناك نصف يوم، ستنسى مائة عام من الحزن. الزهور جميلة في الفصل الرابع من العام، ولكنّها تتحوّل إلى اللون الأصفر في يوم واحد. لن تستطيع تذوّق طعم الحليب والعسل الصخريّ إلا بعد أن تموت.
    ◦ كيف يأتي الشعر إليّ؟ يأتي متعثّرا فوق الصخور في الليل، ويبقى خائفا خارج نطاق نار المخيّم، فأذهب لمقابلته على حافّة الضوء.
    ◦ ظننتُ أنني سمعت صوت فأس شقّ هدوء الغابة. توقّف الحلم واستيقظت. كنت أحلم في قطار. ولا بدّ أن ذلك كان منذ ألف عام، في قرية جبلية قديمة في اليابان. حشد من الشعراء المتحمّسين والفتيات العازبات. في تلك الليلة، تجوّلتُ في طوكيو كالدبّ، متتّبعا مستقبل ذكاء البشر ويأسهم.
    ◦ كان الناس يبحثون عن الطريق في السحاب، ولكن ذلك الطريق لم يكن موجودا في أيّ مكان. الجبال مرتفعة وشديدة الانحدار، بينما الجداول واسعة وأقلّ رشاقة. الجبال الخضراء أمامنا وخلفنا، والسحب البيضاء في الغرب والشرق. إذا كنت تريد أن تعرف أين يقع مسار السحابة، فإنه موجود في الفراغ.
    ◦ إذا لم يكن لديك ملابس فاذهب وابحث عنها بنفسك، لا تطلب من الثعلب معطفه الفرو. وإذا لم يكن لديك طعام فخذه لنفسك، لا تطلبه من الغنم. استعارة الجلد واللحم تجلب الشعور بالحزن.
    ◦ وسط آلاف الغيوم والأنهار، أتسكّع كعاطل سعيد وأهتف لنفسي. نهارا أجوب جبال الصنوبر، وليلا أنام تحت صخور تحميني. ومع أن الربيع والخريف يمرّان بسرعة، إلا أن عقلي في سلام لا يخنقه الغبار. ما أسعد الحياة التي تتشبّث باللاشيء، ما أهدأها كتدفّق جدول في الخريف.
    ◦ الجبل البارد مليء بالعجائب الخفيّة، ينتاب الخوف من يتسلّقونه. عندما يُشرق القمر تترقرق المياه الصافية، وعندما تهبّ الرياح يتمايل العشب. ومع لمسة المطر يتحوّل كلّ شيء إلى نضارة وحيوية. في الموسم الخطأ لا يمكنك عبور الجدول.
    ◦ مرور الأعوام يأتي بأحزان جديدة، ومجيء الربيع يجلب جمالا جديدا. تبتسم أزهار الجبال للمياه الصافية، ويرقص الدخان الأخضر فوق الصخور والقمم. يقطف طائر الكيوي الفاكهة في الجبال ويحمل مالك الحزين الأسماك في البِركة. يدّعي النحل والفراشات أنها سعيدة، بينما الطيور والأسماك أكثر حزنا. لا أزال أستمتع بصحبة أصدقائي الطيور والحيوانات ولا أستطيع النوم طوال اليوم. قلبي مثل قمر الخريف، صافٍ ومشرق مثل بحيرة زرقاء، لا يوجد شيء يشبهه، كيف يمكنني وصفه؟!
    ◦ القمر بارد، وجسدي مثل طائر الكركي الوحيد. لقد رأيت أناسا في هذا العالم يولدون ثم يموتون. أمس صباحا كنت لا أزال في العشرينات من عمري، بروح قويّة وعقل متوثّب. الآن عمري يزيد عن السبعين، وأشعر بالضعف والإرهاق، تماما مثل زهور الربيع التي تتفتّح في الصباح وتذبل في الليل. أحسد نفسي على فرحة الجبال، على كوني حرّا وبلا قيود. أقضي أيّامي في تغذية جسدي المنهك، وليس لديّ ما أفعله سوى الأفكار الخاملة.
    ◦ ينسحب النُسّاك من عالم البشر وينامون في الجبال في أغلب الأحيان. تنتشر الكروم الخضراء على قمم التلال، وتتردّد أصداء الجداول الصافية. كن راضيا ومرتاحا، هادئا وحرّا. تجنّب التدخّل في شئون الدنيا وحافظ على هدوء عقلك كاللوتس الأبيض. العالم مليء بالمنعطفات والتقلّبات، وعاجلاً أم آجلاً ستتخلّى عن جشعك في الحياة. متى سأتمكّن من الراحة بعد طحن كلّ الحجارة الموجودة في هذه الأرض؟
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • في كثير من الأحيان، يُفسَّر الفنّ بشكل أكثر شمولاً عندما يُنظر إليه كتصوير للظواهر الرياضية والعلمية في عالمنا المادّي. وقد شكّلت مطبوعات الفنّان السويسري موريتس إيشر الحجرية، التي تُصوّر اللانهائية والنسبية والأشياء المستحيلة، جزءا من الفن، وفي نفس الوقت تُدرّس في أقسام الرياضيات في معظم الجامعات.
    في الدراسات العلمية، تُحلّل أكثر الأحداث إثارةً وتُمثّل بأرقام ورسوم بيانية قاتمة ومجرّدة من كل عناصر الرهبة. وكما هو الحال في الفنّ، كذلك في العلم، حيث لا تُفهم الأعمال الفنيّة المذهلة للفنّان إيشر فهما كاملا إن لم يكن المرء على دراية بالنظريات التي تمثّلها كسياق بصري.
    أبدع إيشر أعمالاً فنيّة فريدة ورائعة تستكشف وتعرض مجموعة واسعة من الأفكار الرياضية. ولم تلقَ أعماله ما تستحقّه من اهتمام إلا في خمسينات القرن الماضي، حيث أقام أوّل معرض له ونشرت صحف مهمّة بعض أعماله واكتسب شهرة عالمية. وكان علماء الرياضيات من بين أشدّ معجبيه بعد أن لاحظوا في أعماله تصويرا رائعا للمبادئ الرياضية. ومن الغريب أنه لم يتلقَّ أي تدريب رسمي في الرياضيات.
    ولو تجوّلتَ اليوم في أقسام الرياضيات بالجامعات، فستجد صور ايشر في كلّ مكان. وستجدها حتى في الكتب الدراسية، لأنها تخاطب علماء الرياضيات خاصّة. ومن منظور اليوم، يفهم هؤلاء العلماء بشكل أوضح ما كان إيشر يرمي اليه في رسوماته، لدرجة أنه يمكن بالفعل كتابة صيَغ رياضية لبعض أعماله واستكشاف الأفكار الكامنة وراءها. والخلاصة هي أن علماء الرياضيات يدركون جمال مواضيعهم وإيشر يُظهر لنا، نحن جمهور المتلقّين، جمال تلك المواضيع.
    كان ايشر مفتونا أيضا بالمفارقات والأشكال "المستحيلة" والتقسيمات المنتظمة، أو ما تُسمّى بالفسيفساء. وقد بدأ هذا الاهتمام في منتصف الاربعينات عندما سافر إلى إسبانيا وشاهد أنماط البلاط المستخدم في قصر الحمراء. وأمضى هناك أيّاما طوالا في رسم تلك الأنماط التي وصفها لاحقا بأنها "أغنى مصدر إلهام استفدت منه على الإطلاق".
  • ❉ ❉ ❉

  • بعض الاقتباسات تُلهم وتحفّز وتثير التفكير والتأمّل. ويمكن لاقتباس أن يعبّر أحيانا عمّا لا تستطيعه كلمات وأحيانا صفحات. هنا مجموعة من العبارات والأقوال التي قرأتها في أوقات مختلفة وأعجبتني.
    ◦ إنه لأمر مرهق أن تتحمّل كلّ هذا العبء. تعلّم أن تفعل كلّ شيء بخفّة. نعم، اُشعر بخفّة حتى لو كنت تشعر بعمق. دع الأمور تحدث بخفّة، وتعامل معها بخفّة. كنتُ جادّا بشكل مبالغ فيه في تلك الأيّام، متزمّتا صغيرا بلا إحساس بالدعابة. إنها أفضل نصيحة أُسديت لي على الإطلاق. حتى عندما يتعلّق الأمر بالموت، لا شيء مرهق أو مثير للشفقة أو مؤكّد، لا بلاغة، لا ارتعاشات، لا شخصية واعية، وبالطبع لا لاهوت، لا ميتافيزيقيا، فقط حقيقة الموت وحقيقة النور الساطع.
    لذا تخلَّ عن أمتعتك وانطلق. هناك رمال متحرّكة من حولك، تسحبك من قدميك، تحاول جرَّك إلى الخوف والشفقة على الذات واليأس. لهذا السبب يجب أن تمشي هكذا بخفّة، بخفّة يا عزيزي، على أطراف الأصابع، بلا أمتعة، ولا حتى حقيبة إسفنجية، خالياً تماما من أيّ أعباء. ألدوس هكسلي
    ◦ السلام في النفس موجود في نفس المكان الذي تجد فيه الاضطراب والمعاناة. لا تجده في غابة أو على قمّة تلّ، ولا يمنحك إيّاه معلّم. حيثما تجد المعاناة، تجد أيضا الخلاص منها. ومحاولة الهروب منها هي في الواقع ركض نحوها. أجان تشاه
    ◦ لماذا يحتاج الناس إلى الخصوصية؟ ولماذا الخصوصية مهمّة؟ في الصين، يعيش كلّ أفراد العائلة معا، الأجداد والآباء والأبناء والبنات وأقاربهم أيضا. يتناولون الطعام معا ويتشاركون كلّ شيء ويتحدّثون في كلّ أمر. الخصوصية تجعل الناس يشعرون بالوحدة، كما أنها تشتّت العائلة. تشياولو غو

  • Credits
    mcescher.com
    poetryintranslation.com

    الأربعاء، يناير 23، 2013

    الجبل البارد


    من الصعب الحديث عن حياة هان شان بقدر من اليقين، لأنّ هناك أساطير كثيرة نُسجت حوله. ومع انه لا احد يعرف اسمه الحقيقيّ ولا متى عاش ولا أين أو كيف مات، إلا أن هناك من يرجّح انه عاش خلال حكم سلالة تانغ الصينية التي شهدت الآداب والفنون الصينية تحت حكمها ازدهارا لم يسبق له مثيل.
    وقد ارتبط اسم هذا الرجل بمجموعة من القصائد بعنوان الجبل البارد. وألهمت تلك القصائد أجيالا من الشعراء في الصين وكوريا واليابان وغيرها.
    يقال إن هان شان كان عالما وشاعرا وموسيقيّا ورسّاما. وقد تعلّم في صباه الأدب والرياضيّات والتاريخ. وهناك إشارات كثيرة إلى انه بدأ حياته في عائلة طيّبة وموسرة. ورغم انه تزوّج وأنجب أطفالا، إلا انه كان يشعر بأن الحياة تجاوزته وأنه لم يحقّق فيها شيئا. ومع مرور الزمن أصبح لا يرى في العالم الحديث سوى الجشع والفساد والجهل. وعندما بلغ الثلاثين من عمره جمع كتبه وحاجيّاته وذهب إلى مكان بعيد يقع على مسيرة يومين من بحر الصين الشرقيّ يقال له الجبل البارد. هناك عاش الشاعر سنواته الباقية كناسك متجوّل وضيف على الطبيعة.
    واعتمادا على بعض ما يرد في قصائده، فإن هان شان قضى بقيّة عمره في كهف بالجبال. وعندما توفّي كان قد عاش أكثر من مائة وعشرين عاما. كان الشاعر يقضي وقته في قراءة كتب الأوّلين وكتابة الأشعار على الصخور وعلى جذوع الأشجار المعمّرة وفي جمع الغذاء والحطب، أو في زيارة صديقيه الوحيدين، وهما شاعران كانا يعيشان في معبد يقع على مسافة يوم من الجبل البارد. وهذان الشخصان هما الوحيدان اللذان يذكرهما في قصائده.
    وبعد وفاته بأعوام طويلة، وُجدت القصائد مكتوبة على الصخور في جبال تيان تاي على الساحل الجنوبيّ لـ شانغهاي. وقد جُمعت الأشعار ونُشرت في كتاب، وسرعان ما انتشرت واشتهرت بعد أن تُرجمت إلى لغات عديدة.
    قصائد الجبل البارد بسيطة ومباشرة، لكنّها جميلة وتعكس حالة من الشفافية والصفاء الذهنيّ. ومعظم القصائد عبارة عن وصف للمكان ولجمال الطبيعة، بينما يمكن إدراج البعض الآخر في خانة الرحلة الروحيّة.
    صحيح أننا لا نعرف الكثير عن هان شان أو عن حياته. لكنّ قراءة أشعاره تشي ببعض ملامح شخصيّته، كما أنها توفّر للقارئ فرصة للدخول إلى جنّة الشاعر ومشاركته تجربته.



  • بين ألف غيمة وعشرة آلاف جدول، يعيش هنا رجل خمول. في النهار، يتجوّل فوق الجبال الخضراء. وفي الليل، يعود لينام إلى جوار المنحدر. الربيع والخريف يمضيان سريعا. لكنّ عقلي في حالة سلام، متحرّرا من الغبار والأوهام.
  • قبل ثلاثين عاما، ولدتُ في هذا العالم. قطعت عشرة آلاف ميل. وبجوار الأنهار حيث ينمو العشب الأخضر الكثيف، ووراء الحدود حيث تتطاير الرمال الحمراء، أتناول جرعات الدواء بحثا عن الحياة الأبدية دون جدوى. أقرأ الكتب وأردّد أغاني التاريخ. واليوم أجيء إلى الجبل البارد كي أسند رأسي على جدول وأغسل أذنيّ.
  • النسّاك يختبئون من البشر. معظمهم يذهبون إلى الجبال للنوم، حيث مزارع الكروم الخضراء. إنهم متحرّرون من كلّ ما يلوّث هذا العالم. وعقولهم نقيّة مثل أزهار اللوتس البيضاء.
  • إن كنتَ تبحث عن مكان ترتاح فيه، فالجبل البارد هو المكان المناسب. النسيم يهبّ عبر أشجار الصنوبر المعتمة. وتحت الأشجار يجلس رجل ابيض الشعر يتمتم فوق نصوصه الطاويّة. عشر سنوات مرّت ولم يذهب إلى البيت. وقد نسي حتى الطريق التي جاء منها.
  • على قمّة الجبل العالية تبدو اللانهائية في كلّ الاتجاهات. القمر المنفرد ينظر إلى أسفل معجباً بانعكاساته في الغدير المتجمّد. وأنا اغنّي، مرتجفاً، لحناً غراميّا للقمر.
  • أتسلّق الطريق إلى الجبل البارد. الطريق إلى الجبل لا تنتهي أبدا. الوديان طويلة ومفروشة بالحجارة، والجداول واسعة ومملوءة بالعشب الكثيف. الطحلب زلِق رغم أن المطر لم يهطل. الصنوبر يتنهّد. والرياح ليس بوسعها أن تكسر أفخاخ العالم وتجلس معي بين الغيوم البيضاء.
  • هل لديّ جسد،أم أن جسدي ليس لي؟ هل أنا أنا، أم أنّني إنسان آخر؟ وأنا أتأمّل هذه الأسئلة، أجلس متّكئا على منحدر، بينما تمضي السنين، حتى ينمو العشب الأخضر بين قدميّ ويلتصق الغبار الأحمر برأسي. والناس الذين يظنّون أني ميّت يأتون بجرار النبيذ والفاكهة ويضعونها قرابينَ حول جثماني.
  • المكان الذي أقضي فيه أيّامي بعيد، أبعد ممّا استطيع وصفه. الكروم البرّي يتحرّك بلا كلام. على من تبكي الوديان؟ لماذا تتجمّع السحب معا؟ عند الظهيرة، وأنا جالس في كوخي، أدرك للمرّة الأولى أن الشمس قد بزغت.
  • رائع هو قلب الشباب المشرق. لكن مع مرور السنوات سيشيخ ذلك القلب. هل العالم مثل هذه الأزهار؟ الوجوه المتوّردة، كيف يمكن أن تدوم؟
  • أجهّز حصاني أمام المدينة المهدّمة التي توقظ أفكار الرحّالة. الحروب القديمة، القبور الدارسة الكبيرة والصغيرة حيث ترتجف عشبة وحيدة وتَعلق أصوات الأشجار الكبيرة إلى الأبد. لن تسمع حتى صرير كفن ضئيل. أشفق على كلّ تلك العظام المنسيّة. في كتب الخالدين، يبقى الناس العاديّون بلا أسماء.
  • ما أحبّه في الجبل البارد هو بُعده. لا أحد يسافر من هذا الطريق. الغيوم تطوّق قمّته. وقرد وحيد يعوي على المنحدر. الحرارة والبرد تغيّران ملامحي، لكن لؤلؤة العقل تبقى في مأمن.
  • الجبل البارد بيت بلا عوارض أو جدران. أبوابه الستّة، إلى اليمين واليسار، مفتوحة. والقاعة هي السماء الزرقاء. جميع الغرف فارغة. الجدار الشرقيّ يفتح على الغربيّ. وفي الوسط،.. لا شيء. في البرد أشعل نارا صغيرة. وعندما أجوع اغلي بعض الخضار.
  • حتى لو ركبتَ أسرع سفينة، أو امتطيتَ حصانا يعدو بك ألف ميل، لن تستطيع الوصول إلى بيتي. يقول الناس إن المكان منعزل ومقفر. كهف صخريّ يقوم في عمق الجبال. الغيوم والرعد يدومان طوال اليوم. لستُ كونفوشيوس، وكلماتي لن تفهمها.
  • كلّما ارتفع الدرب، كلّما أصبح أكثر انحدارا. عشرة آلاف طبقة من المنحدرات الخطرة. الجسر الحجريّ زلق بفعل الطحلب الأخضر. وغيمة إثر غيمة تطير في الجوار. الشلالات معلّقة مثل شرائط من حرير. والقمر يرسل ضوءه على البِركة المشرقة. مرّة أخرى، أتسلّق أعلى قمّة. وأنتظر حيث يطير السنونو الوحيد.
  • عجوز ومريض، أكثر من مائة عام. الوجه منهك والشعر أبيض، وأنا ما أزال سعيدا بالعيش في الجبال. شبَح مغطّى بالثياب يرقب السنين وهي تمضي.
  • أجلس القرفصاء على صخرة. الأودية والجداول باردة ورطبة. كم هو جميل أن تجلس في هدوء. المنحدرات ضائعة في الضباب والندى. أرتاح بسعادة في هذا المكان. عند الغسق يصبح ظلّ الشجرة منخفضا. أتطلّع إلى داخل عقلي، وتنبثق زهرة لوتس من وسط الطين الداكن.
  • طوال اليوم وأنا امشي في الغابة وأجمع الطعام. وعند الغسق، أدخل كوخي وأغلق الباب خلفي، أشعل ناراً بفروع ما تزال تحمل أوراقا مجفّفة. وبهدوء، اقرأ قصائد من الجبل البارد. الرياح الغربية تجلب المطر وتكتسح الأرض. وكوخي الصغير يئنّ تحت وطأة العاصفة. لكنّي أتمدّد ساكنا على الأرضيّة، وأنا أتنفّس وأستمع إلى صوت المطر. ليس في قلبي شكوك يمكن أن تزعج عقلي.
  • عشتُ في الجبل البارد هذه السنوات الثلاثين الطويلة. أمس تذكّرت الأهل والأصدقاء: كان أكثر من نصفهم قد ذهبوا إلى الينابيع الصفراء. تواروا ببطء، مثل نهر عابر، مثل نار أسفل شمعة. الآن، صباحا، أواجه ظلّي الوحيد. وفجأة تمتلئ عيناي بالدموع.
  • لا أستطيع تحمّل أغاني هذه الطيور. الآن سأذهب لأرتاح في كوخي الصغير. أزهار الكرز اكتست لونا قرمزيّا. وريش الصفصاف يتطاير عالياً في الفضاء. وشمس الصباح تلامس القمم الزرقاء. والغيوم الساطعة تغسل الغدران الخضراء. من يعرف أنني خارج العالم المُترب أتسلّق المنحدر الجنوبيّ من الجبل البارد؟!
  • ذات مرّة في الجبل البارد، توقّفت المتاعب. لم يعد العقل مشوّشا أو حائرا. جلست أخربش القصائد على الجرف الصخريّ وآخذ كلّ ما يأتيني مثل قارب منجرف.
  • عندما يرى الناس هان شان، يقولون انه مجنون، وليس لديه ما يستحقّ النظر. يرتدي الأسمال البالية ويختبئ بعيدا. هم لا يفهمون ما أقول، وأنا لا أتحدّث لغتهم. كلّ ما استطيع قوله لأولئك الذين أقابلهم: حاولوا أن تذهبوا إلى الجبل البارد".
  • إن كنت تحتفظ في بيتك بقصائد الجبل البارد، فهي خير لك من الحِكَم البوذيّة. علّقها حيث يمكنك أن تراها، وواظب على قراءتها مرّة بعد أخرى.