المشاركات

عرض المشاركات من 2020

ليلة أخرى مرصّعة بالنجوم

صورة
آدم إلزهايمر ليس اسما شائعا أو مألوفا. لكنّ هذا الرسّام الألمانيّ يعرفه مؤرّخو الفنّ بسبب هذا المنظر الليليّ الذي رسمه قبل أكثر من أربعمائة عام. وعندما توفّي الفنّان في سنّ الثانية والثلاثين، لم يترك أيّ أثر عن الفترة القصيرة التي عاشها على الأرض، باستثناء هذه اللوحة التي وُجدت في غرفة نومه بعد وفاته. كانت اللوحة، واسمها "الرحلة إلى مصر" تحفته بلا منازع. وقد أثارت حيرة المؤرّخين لأنها أوّل منظر مرسوم بواقعية للسماء الليلية في كلّ تاريخ الرسم. القمر والنجوم، وحتى مجرّة درب التبّانة التي لا تُرى عادة إلا بصعوبة، رُسمت بدقّة شديدة. بل إن بالإمكان أيضا تمييز كوكبتي الأسد والدبّ الأكبر بوضوح في سماء المنظر. وهناك اليوم من العلماء من يؤكّدون، من خلال الحسابات الفلكية والسجلات التاريخية، أن منظر السماء الليلية في اللوحة يتوافق مع شكل سماء روما في تلك الليالي من شهر يوليو عام 1609م. والسؤال المحيّر: كيف تسنّى للرسّام أن يفعل هذا؟ هل كان يعرف فلكيين؟ هل استخدم تلسكوبا، على الرغم من ندرة التلسكوبات في ذلك الوقت؟ عندما نُظّم معرض إستعاديّ لأعمال آدم إلزهايمر قبل بضع سنوات، ...

عن الكتب والقراءة

صورة
جمع الكتب لغرض بناء مكتبة خاصّة هو حلم الكثير من الناس، لأن الكتب - والقراءة استطرادا - تثري العقل وتربط البشر بعضهم ببعض وتتناول قصصا صاغت مسيرة الإنسانية على مرّ قرون. والمكتبة الخاصّة تحكي عادةً قصّة صاحبها ونوعية الكتب التي يقرؤها، ويمكن أن تقول عنه أشياءً قد لا يكشفها حديث طويل معه. كما أننا من خلال الكتب نسافر وتتغيّر هيئاتنا ونعثر على طبيعتنا الحقيقية. في بيتنا خزانة كتب صغيرة تحتوي على حوالي ثلاثمائة كتاب، وهو رقم متواضع جدّا ولا يرقى لوصفه بالمكتبة الخاصّة. لكن عدد الكتب ليس ثابتا، بل يزيد حينا وينقص أحيانا. والسبب يعود إلى طبيعتي، فأنا لا أمانع في أن يستعير احد منّي كتابا أو أكثر، مع أنني افهم أن الكتاب المستعار نادرا ما يُردّ. وكثيرا ما أهديتُ كتبا لصديق أو قريب، لأنني لا أؤمن بجدوى أن احتفظ بكتاب بعد أن أكون قد قرأته، والأفضل أن تهديه لغيرك كي يقرأه ويستفيد منه، وبذا تسهم في نشر وتعميم المعرفة. والحقيقة أنني لا أتذكّر أنني قرأت كتابا فأعجبني إلا وأهديته إلى صديق أو زميل فور انتهائي من قراءته. ويندر أن اقرأ كتابا أكثر من مرّة رغم ما يقال أحيانا عن فوائد القراءة ...

لوحات ناقصة

صورة
في عام 1481، تلقّى ليوناردو دا فنشي تكليفا من بعض الرهبان بأن يرسم قصّة الحكماء الثلاثة الذين ذهبوا إلى بيت لحم لرؤية المسيح الطفل. وبعد أن اعدّ الرسّام بعض الدراسات بدأ رسم اللوحة. لكن عمله فيها توقّف عندما كُلّف برسم "العشاء الأخير"، فترك اللوحة الأولى ناقصة ولم يعد لإكمالها أبدا. والحقيقة أن فنّانين آخرين من عصور مختلفة مرّوا بنفس هذه التجربة، إذ يحدث أن يبدأ فنّان برسم لوحة معيّنة ثم يتخلّى عنها، إما لنقص المال، أو لانعدام الاهتمام أو الإلهام، أو لتدخّل الصدفة، أو لعدم القدرة على الذهاب إلى نقطة ابعد في الرسم، أو ببساطة لأن الرسّام توفّي فجأة. بعد الثورة الأمريكية، ذهب الآباء المؤسّسون لأمريكا إلى باريس لعقد مفاوضات سلام مع فرنسا واسبانيا وانغلترا. وكُلّف الرسّام بنجامين ويست بأن يرسم تلك اللحظة التاريخية. لكن الانغليز رفضوا الجلوس إلى الطاولة لرسمهم، وذلك لإحساسهم بالحرج بسبب هزيمتهم في الحرب. لذا رسم ويست المجتمعين وترك مكان الوفد الانغليزي على الطاولة فارغا لأنهم لم يكونوا هناك. ورسّام البورتريه الأمريكي المشهور غيلبيرت ستيوارت الذي رسم صورا لأكثر من ألف شخ...

مدن في البال

صورة
اسم هيرات يثير في الذهن صورة لمدينة تاريخية وثقافية بامتياز. وهي تشبه من بعض الوجوه سمرقند. ومثل الأخيرة، هناك سمة رومانسية تطبع تاريخ هيرات، مع أن تاريخها أكثر اضطرابا من تاريخ سمرقند. عمر هيرات أزيد من ثلاثة آلاف عام. وقد وصفها هيرودوت بأنها سلّة خبز آسيا الوسطى. بينما وصفها العالمان الجغرافيّان المسلمان ابن حوقل والاصطخري بأنها مدينة مترفة ومتعدّدة الأديان، إذ تضمّ عددا من المساجد والكنائس والمعابد الزرادشتية. وبدءاً من القرن العاشر الميلادي، توالى على حكم هيرات العديد من الأقوام، كالساسانيين والغزنويين والعرب والسلاجقة وغيرهم. وتعايشت فيها بسلام قوميات مختلفة، كالطاجيك والأوزبك والهزارا والهندوس والأرمن واليهود وغيرهم. وأيّام طريق الحرير القديم الذي كان يربط أسيا بأوربّا، كانت هيرات محطّة تجارية مهمّة. وبسبب موقعها الجغرافي، اجتذبت العديد من التجّار والفاتحين في فترات مختلفة من التاريخ. فقد غزاها المغول ودمّروها بالكامل وذبحوا سكّانها وتركوها خرابة، بناءً على أمر من جنكيز خان. وفي مرحلة تالية، اتّخذها التيموريون عاصمة لمملكتهم المزدهرة. وما تزال المدينة إلى اليوم تضمّ ب...

وحيداً في كوخ سيبيري

صورة
قبل إتمام دراسته الجامعية، طاف الفرنسي سيلفان تيسون العالم على درّاجة ناريّة لمدّة عامين مع صديق. ثم عبرا معا جبال الهمالايا على الأقدام، وقطعا مسافة خمسة آلاف كم في خمسة أشهر من بوتان إلى طاجيكستان. ثم عبَر تيسون بصحبة مصوّرة صحفية سهوب آسيا الوسطى، من كازاخستان إلى أوزبكستان، على ظهور الخيل. وقد سلكا نفس الطريق الذي سلكه من قبل سلومير راويتش في هروبه من سجن الغولاغ والذي وثّقه في كتابه "الرحلة الطويلة". وفي عام 2010، قرّر تيسون أن يذهب إلى سيبيريا ويعيش هناك في عزلة لمدّة ستّة أشهر. وقد وصل إلى وجهته في ذروة فصل الشتاء واختار لسكناه كوخا قديما يقع على ضفاف بحيرة بايكال. في الكتاب الذي ألّفه عن تجربته في العيش في سيبيريا وهو بعنوان "السُّلوان في الغابة: وحيدا في كوخ بسيبيريا"، يتحدّث تيسون عن الأسباب التي دعته للذهاب إلى هناك فيقول: في فرنسا اعتدت على أن أتحدّث كثيرا وأصبحت بحاجة للصمت". ويضيف: كنت منشغلا بأناس كثيرين، ومع الأيّام أصبحت مهام العمل عبئا كبيرا. وصرت اكره الهاتف وكثرة الحركة والضجيج. وأحيانا كنت أغار من روبنسون كروزو، ولطالما أردت أ...

مخطوطات قرآنية نادرة

صورة
كلمة (manuscript) أي مخطوطة، مشتقّة من اللاتينية وتعني "مكتوب باليد". والكلمة تشير إلى المجهود اليدويّ الذي يبذله الكاتب في استنساخ النصوص. والمخطوطات تتضمّن عادةً أدلّة عن تاريخ التقنيات والأساليب المتّبعة في إعدادها، مثل تحضير الورق والحبر والألوان وأوراق الذهب والفراشي والأقلام وتخطيط الصفحات والرسوم والزخارف والتجليد وخلافه. في هذا الموضوع نتوقّف عند ثلاث مخطوطات تُعتبر بحقّ تحفاً فنّية عظيمة ونادرة. وما يميّزها أنها مخطوطات للمصحف الشريف. وسنشير إلى كلّ مخطوطة بالاسم الذي أصبحت تُعرف به في المتاحف والمزادات. الأولى هي مخطوطة المصحف التيموريّ، والثانية مخطوطة مصحف روزبيهان، والثالثة مخطوطة المصحف الفاطميّ. ومن الواضح أن أحد الأهداف من وراء إخراج هذه المصاحف النادرة بهذا الشكل هو استثارة ردّ فعل جماليّ في نفس وعين الناظر وإثراء التجربة الشعورية في الإمساك بالمصحف الشريف وتصفّحه. ولنبدأ أوّلا بالمصحف التيموريّ الذي بيع في المزاد مؤخّرا بمبلغ سبعة ملايين جنيه استرليني. هذا المصحف زُيّن بطريقة رائعة وكُتبت آياته على ورق ملوّن من زمن حكم سلالة مينغ الصينية. و...

ديلاكروا: الرحلة الجزائرية

صورة
غادر الرسّام اوجين ديلاكروا فرنسا متوجّها إلى المغرب في يناير من عام 1832، أي بعد عامين من احتلال بلده للجزائر. كان قد أصبح فنّانا مشهورا بعد أن رسم "دانتي" و"موت ساردانابولوس" و"الحرّية تقود الشعب". وقد سافر بمعيّة دبلوماسيّ يُدعى شارل دي مورناي الذي كان يرأس وفدا كلّفه الملك لوي فيليب بمقابلة سلطان المغرب مولاي عبدالرحمن الذي أدّى دعمه للمقاومة الجزائرية إلى تهديد استمرار التوسّع الفرنسيّ غرباً. وأثناء توقّف ديلاكروا في الجزائر، استُجيب لرغبته في الدخول إلى جزء من بيت احد الأهالي، حيث تعيش النساء فيه في عزلة عن الرجال. وقد لاحظ الرسّام الحريم من مسافة عبر رواق يؤدّي إلى غرفتهن. وفي نهاية الغرفة رأى ثلاث نساء مع خادمتهن وهن يجلسن حول أرغيلة وفي جوّ يوحي بلحظات من الخصوصية. في ذلك المكان، تشكّلت في ذهن ديلاكروا الملامح الأوليّة للوحته "نساء الجزائر" التي وصفها احد النقّاد في ما بعد بأنها انجازه الأكبر. وهناك غموض يحيط بهويّة اثنتين من النساء، الأولى وتُدعى منى بنسلطان، وتظهر في أقصى يسار اللوحة متكئةً على أريكة وجالسةً في مواجهة النا...

تشيكوف: نظرة مختلفة

صورة
لأكثر من مائة عام، يجلس رجلان ملتحيان وطاعنان في السنّ على أكتاف الروس الذين ينوءون تحت حملهما الثقيل: تولستوي وديستويفسكي. تولستوي يجلس على الكتف الأيمن وديستويفسكي على الكتف الأيسر، أو العكس. العبء الثقافي الذي يمثّله هذان الرجلان ستشعر به بعد لحظات قليلة من لقائك مع أيّ شخص غريب يكون على دراية بسيطة بالأدب الروسيّ. فعندما يعرف انك روسيّ، سرعان ما يهتف: آه تولستوي وديستويفسكي"! الميراث الأدبيّ الضخم للرجلين يثقل كواهلنا كـ "رُوس"، بل ويسحقنا بلا رحمة. والمشكلة انه يتوجّب علينا أن نحملهما معنا أينما ذهبنا أو ارتحلنا إلى أن نموت. ما من شكّ في أن الرجلين عبقريّان. لكن المحزن أن حجم وعمق كتاباتهما حَجَب بريق كتّاب روس آخرين لا يقلّون أهميّة وموهبة. وأعرف على الأقل كاتبا واحدا ينافسهما، بل ويتفوّق عليهما أحيانا. هذا الكاتب اسمه انطون تشيكوف. وهناك عدد من الأسباب التي تجعل من تشيكوف ندّاً قويّا لتولستوي وديستويفسكي. السبب الأوّل هو أن تشيكوف كان كاتبا موجزا. صحيح أن طول أو حجم كتاب ما ليس معيارا صالحا للحكم على جودته وقيمته. فهناك روايات كثيرة طويلة وضخمة، لكنها ...

غويا: إعلان ضدّ الحرب

صورة
كان في ذهن الرسّام الإسباني فرانسيسكو دي غويا وهو يرسم هذه اللوحة الأيقونية أن تكون تخليدا للعمل الأكثر بطولة في نضال الشعب الاسباني ضدّ "طاغية أوربّا"، أي نابليون، الذي كان قد احتلّ اسبانيا في بداية عام 1808 وأجبر الملك تشارلز الرابع على التنحّي. في الثاني من مايو من ذلك العام، حاولت جماعة موالية للعرش الاسباني أن تستعيد السلطة في مدريد. لكن تلك الانتفاضة انتهت بفشل دمويّ كامل. وفي صباح اليوم التالي، ألقت القوّات الفرنسية القبض على المئات ممّن اشتبه في مشاركتهم في ذلك التمرّد، وجمعتهم في مكان خارج المدينة ثم أطلقت عليهم النار ليلا. وبعد ستّ سنوات، وكانت إمبراطورية نابليون على وشك السقوط وابن تشارلز يجلس على العرش الاسبانيّ، أنهى غويا رسم لوحته الأكثر شهرةً وإثارةً للانزعاج. كثيرا ما توصف لوحة "الثالث من مايو 1808" بأنها أعظم لوحة معادية للحرب وأوّل عمل من أعمال الفنّ الحديث، كما أنها تحفة غويا بلا منازع. والغريب أن هذه اللوحة قضت أوّل أربعين عاما من عمرها في المخازن. ثم حُوّلت بعد ذلك إلى متحف برادو في مدريد. ولم يهتمّ المتحف بإدراجها ضمن مقتنياته إلا ف...

الذئب والإنسان

صورة
سمعت مؤخّرا قصّة غريبة رواها شخص على لسان شخص آخر. قال: ذهبت في احد الأيّام بمعيّة صديق لتفقّد حظيرة لنا في خلاء قريب. وعندما وصلنا إلى المكان، وجدنا الحارس في حال من الخوف والارتباك. سألته ما الخبر فقال: داهمَنا ذئب وانتزع خروفا واتجه به إلى الجبل ليأكله". فتناولت الرشّاش والمنظار ومضيت أنا وصديقي لاقتفاء اثر الذئب. وبعد دقائق رأيناه واقفا بجوار صخرة عالية. كان يقضم قطعا من لحم الخروف ويضعها أمام ذئب آخر بدا كبيرا وعاجزا كان واقفا بالقرب منه. فقال صديقي: أرجوك ألا تقتله، هذا الواقف إلى جواره إمّا أن يكون والده أو أمّه، والذئاب معروفة ببرّها بوالديها. قلت: لا بدّ أن اقتله، إذ لا يجوز أن يفتك بحلالنا ثم نتركه". وعندما رآني الذئب اصوّب الرشّاش باتجاهه، لم يهرب بل اخذ ينظر إلينا بصمت. ثم استدار ليحمي بجسمه الذئب الآخر. وصاح بي صديقي ثانية يرجوني ألا أقتله ويعدني بدفع ثمن الخروف. لكنّي ضغطت على الزناد وأطلقت رصاصة قتلت الذئب على الفور. ثم اقتربنا من الذئب الكبير الذي كان يعوي بألم وحرقة ويدور حول جثّة الذئب القتيل. وعندما تيقّن من مقتله، ألقى بنفسه من ذلك العلوّ الشاهق من...

إزرع حديقتك

صورة
قلَّ أن تمتّع كاتب بشهرة كبيرة في حياته بمثل ما تمتّع ڤولتير. روايته الفلسفية الساخرة "كانديد"، أو التفاؤل، كانت أشهر رواية ظهرت في القرن الثامن عشر. والغريب أنه كتبها في ثلاثة أيّام فقط من عام 1759. وقتها كان فيلسوف عصر الأنوار الفرنسي في ذروة تشاؤمه وغضبه. فقد رأى أن العلم لم يؤدِّ إلى تحسين العالم، بل أعطى قوّة إضافية لقوى الاستبداد والفساد، وأن الفلسفة لم تنجح في تفسير مشكلة الشرّ في العالم، بل استُخدمت لإظهار مباهاة وغرور الإنسان. كان ڤولتير يرى أيضا أن الحبّ وهم والبشر أشرار والمستقبل عدَم. وفي تلك الظروف ألّف رواية "كانديد" ليقدّم من خلالها رؤيته عن حال المجتمع والأفكار والنظريات التي طرحها معاصروه. "كانديد"، بطل الرواية، شابّ متفائل جدّا. وأستاذه الذي علّمه التفاؤل فيلسوف يُدعى بانغلوس. وشخصية الأخير يوظّفها ڤولتير للسخرية من أفكار الفيلسوف الألماني لايبنتز الذي كان يرى أن عالمنا هو أفضل العوالم لأن الله خلقه. وكانديد وأستاذه يسافران في أرجاء العالم فتُحدِق بهما المصائب أينما حلّا. فيشهدان، مثلا، هزّة أرضية في البرتغال، ويطارَدان في...