:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


‏إظهار الرسائل ذات التسميات علوم. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات علوم. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، سبتمبر 13، 2023

محطّات


  • كثيرون هم الذين لديهم شغفُ بالأماكن القديمة والرثّة قليلاً، حيث الرائحة المتربة والعذبة لمرور الزمن ما تزال عالقة في الهواء، مع كلّ الأشياء الأخرى المهجورة والمنسوجة بالقصص والأسرار.
    المنازل والقصور والقلاع المهجورة تتمتّع بجمال حزين وشاعري. وحالتها المنعزلة والصامتة والمتحلّلة بشكل خفيف تجعلها أكثر جاذبية للعين، لأن كلّ نافذة مكسورة، وكلّ صدع أو شرخ في حائط، وكلّ واجهة متشقّقة ومغطّاة بالأعشاب وربّما حتى بالورود، وكلّ ورقة حائط ممزّقة، وكلّ كوب خزفيّ، وكلّ ساعة أو سرير متروك في المكان يحكي قصّة حياة كانت مزدهرة ذات يوم بين جدران أربعة.
    الغموض والرومانسية يكتنفان كلّ ما قد يبدو عاديّا في الأماكن المهجورة، دفتر ملاحظات، تذكرة قطار، حذاء قديم الخ. كلّ شيء يبدو ثمينا وغامضا.
    وربّما لهذا السبب قال أحد الكتّاب إن الناس يحبّون الأماكن والاشياء القديمة لأنها عادةً تتضمّن بداخلها قصصاً وحكايات.

  • "فنّ الاستطالة Elongation art" يُقصد به اللوحات التي تحتوي على شخصيات مرسومة بأشكال ممدودة أكثر بكثير ممّا هي عليه في الواقع. والاستطالة شكل من أشكال الفنّ التجريدي الذي غالباً ما يصوّر الأشكال الممتدّة للأشخاص أو الأشياء التي في الطبيعة.
    ومن بين الفنّانين الذين ابتكروا فنّ الاستطالة رسّام أوائل القرن العشرين أميديو موديلياني، الذي اشتهر باستخدامه للاستطالة في صوره للأشخاص. وهناك أيضا فنّان عصر النهضة الإيطالي بارميجيانينو الذي اشتهر بلوحته "المادونا ذات العنق الطويل".

  • انظر حولك. في العالم المعاصر، كلّ شخص يبدو في حالة لهاث وكأن احدى قدميه في الهواء. وقد يظنّ المرء أننا جميعا في حالة عبور. لا أحد له وجود ثابت. وليس هناك عادات مناسبة ولا قواعد تحكم أيّ شيء. ليس لدينا حتى منازل. لا يوجد شيء يربطنا بعضنا ببعض. ولا شيء يثير تعاطفنا.
    لا شيء يدوم. لا شيء يستمرّ. كلّ شيء يمضي، ويتدفّق بعيدا دون أن يترك أيّ أثر، سواءً في الخارج أو في دواخلنا. في بيوتنا نحن كالضيوف، وبالنسبة لعائلاتنا نحن مثل الغرباء، وفي مدننا نبدو مثل البدو المترحّلين.
    ذكرياتنا لا تعود إلى أبعد من أمس. ونحن، كما كنّا دائما، غرباء عن أنفسنا. نتحرّك عبر الزمن بطريقة فريدة. ومع تقدّمنا نفقد الماضي إلى الأبد. وهذه ليست سوى نتيجة طبيعية لثقافة تتكوّن بالكامل تقريبا ممّا نستورده أو نتوارثه. لا يوجد بيننا تطوّر داخلي، ولا تقدّم طبيعي؛ الأفكار الجديدة تكتسح الأفكار القديمة، لأنها ليست مستمدّة من القديم ولكنها تتساقط علينا من حيث لا نعرف.
    نمتصّ كلّ أفكارنا الجاهزة، وبالتالي فإن الأثر - الذي تتركه الحركة التقدّمية للأفكار في العقل فيمنحه القوّة - لا يشكّل فكرنا. نحن ننمو، لكننا لا ننضج؛ نتحرّك ولكن في طريق متعرّج، أي لا يؤدّي إلى الهدف المنشود. نحن مثل الأطفال الذين لم يتعلّموا أن يفكّروا بأنفسهم، وعندما يصبحون بالغين، لا يكون لديهم شيء خاص بهم. كلّ معارفهم موجودة على سطح وجودهم. وأرواحهم ليست بداخلهم.


  • هل تؤمن بالصُدَف أو تزامن الأحداث أو الظروف دون وجود ارتباط سببي واضح بينها؟
    المعالج النفسي النمساوي كارل يونغ أخبرته إحدى مريضاته أثناء جلستها معه ذات يوم أنها حلمت بحشرة يعسوب ذهبي في الليلة السابقة لزيارتها له. وفي منتصف تلك الجلسة مع يونغ، اصطدم يعسوب ذهبي حقيقيّ بنافذة المكتب الذي كانا يجلسان فيه. ولم يكن الأمر عاديّا ولا مألوفا بالنسبة للمكان أو الطقس.
    وفي ما بعد، تحدّث يونغ عن الحادثة بشكل معمّق في سياق ما أسماه "بالصدفة ذات المغزى" والتي كما قال لا يمكن تفسيرها بالعلم أو علم النفس. وتساءل: من أين تأتي الصدفة وما سبب حدوثها وهل هي ذات مغزى أم أنها عشوائية تماما؟
    وتوصّل الى أن التزامن في المكان والزمان قد يعني شيئا أكثر من مجرّد كونه صدفة، أي أن الترابط الغريب للأحداث الموضوعية له علاقة بالحالات الذاتية النفسية للشخص. وأضاف أن الصُدَف تحدث عندما نجد حالتنا الداخلية منعكسة في العالم الخارجي".
    وجادل يونغ بأن الحدث النفسي "أي حلم اليعسوب في القصّة" والحدث الماديّ المتزامن "أي اليعسوب الحقيقي على النافذة" هما شيئان "من نفس النوع"، ما يجعلهما يتزامنان أو يتطابقان. وهذه نظرية مثيرة للاهتمام، مع أن العديد من علماء النفس غير راضين عنها لافتقارها إلى الدليل العلمي.
    ويرى عالم آخر أن ميلنا إلى رؤية الأنماط في كلّ مكان يعني أننا في بعض الأحيان نكتشف حقائق رائعة عن العالم. أما أريانا هافينغتون فترى أن الصُدَف، مهما كانت غير قابلة للتصديق، تثير فضولنا حول طبيعة الكون وكل ما لا نعرفه أو لم نفهمه بعد.
    ولا يتعيّن علينا أن نعرف ما تعنيه الصُدف، ولا أن نقفز إلى بعض الاستنتاجات الكبيرة عندما نواجهها. لكنها بمثابة تذكيرات متفرّقة للحفاظ على إحساسنا بالدهشة والتوقّف بين الحين والآخر لنسمح لأنفسنا بأن نكون حاضرين في اللحظة ومنفتحين على لغز الحياة.

  • Credits
    suite101.com

    الخميس، مايو 17، 2018

    فانتازيا للمتعة


    حدثت هذه القصّة منذ زمن طويل، طويل جدّا عندما كان العالم ما يزال في بداياته، صعبا وغير مضياف. كانت المخلوقات تجلس وتنتظر، تعرف أنها ينبغي أن تقتل لكي تعيش. والإنسان، المتفوّق على غيره من المخلوقات بذكائه، كان لا يغامر بالذهاب بعيدا عن مكانه، بل ولا يعرف حتى عن وجود قبائل أخرى بالجوار. كان يهاب التجوال خوفا من المجهول. وكان القانون الذي يحكم الحياة بسيطا: القويّ بظفر بكلّ شيء.
    بهذه الكلمات يبدأ فيلم "مليون عام قبل الميلاد"، من إنتاج عام 1966. وبحسب هذا الفيلم، فإن البشر والديناصورات كانت تتعايش مع بعضها البعض على الأرض في عصور ما قبل التاريخ.
    في ذلك الوقت، كان البشر واقعين بالكامل تحت سطوة الطبيعة، تتهدّدهم الديناصورات والحيوانات المفترسة التي تجوب الأرض، والبرد والظلام. ولم يكن الإنسان وقتها قد طوّر لغة. وكانت القبائل البشرية آنذاك قليلة ومتناثرة، والوسيلة الممكنة للتواصل والتفاهم كانت من خلال الضحك أو الصراخ أو بعض الإشارات والكلمات البسيطة والقليلة.
    والفيلم يحكي عن رجل يقال له توماك من قبيلة بدائية تُدعى "قبيلة الحجارة"، في إشارة إلى أن أفرادها يسكنون الكهوف. وتوماك يعاقَب من قبل قبيلته البدائية بالنفي جزاءً له على قتل والده الذي كان يتمتّع باحترام القبيلة.
    ثم يخرج توماك هائما على وجهه ويتعرّض لتهديدات السباع والضواري، فيصطاد بعضها ويأكلها لكي يعيش بينما يصارع السحالي العملاقة والعناكب السامّة اتقاءً لخطرها.
    وفي نهاية الأمر يصل إلى جزيرة بركانية تقطنها قبيلة أخرى تُدعى "قبيلة الأصداف"، في إشارة إلى أن أفرادها يعيشون قريبا من البحر. وهذه القبيلة تبدو أكثر تحضرّا من قبيلته، مع أن الوحوش فيها أكثر من البشر. وطبيعة الجزيرة بكر لم يخرّبها الإنسان بعد، واللغة بسيطة عبارة عن غمغمات وهمهمات وحركات باليد والجسد.
    وهناك يقابل توماك امرأة شقراء تُدعى لونا وتأخذه إلى قبيلتها. وفي الطريق يلوذ الاثنان بأعلى شجرة للاحتماء بها من خطر مجموعة من آكلي البشر. وتوماك ولونا يخيفهما كثيرا منظر آكلي البشر ويعرفان أنهما قطعا شوطا طويلا كي يصبحا بشرا وأن عليهما فعل المزيد إذا ما أرادا أن يُكتَب لهما البقاء.
    ثم تتوالى في الفيلم قصص أخرى مشوّقة يتخلّلها من وقت لآخر لقطات لبركان ينفث دخانه ببطء في السماء، في ما يبدو وكأنه علامة على وقوع كارثة وشيكة.
    ثم يعرف توماك أن شقيقه المسمّى ساكانا قد استولى على زعامة قبيلته بالقوّة. وهنا تحشد قبيلة الأصداف مقاتليها استعدادا للحرب مع قبيلة الحجارة بهدف خلع ساكانا ومعاقبته.
    وأثناء احتدام القتال بين الطرفين، يقع زلزال ويثور البركان فجأة. وغضبُ الطبيعة يصيب القبيلتين معا ولا يوفّر أحدا. والناجون من الحرب يجدون أنفسهم في النهاية في طبيعة شبه مدمّرة، فيقرّرون أن يتسالموا ويتعاونوا مع بعضهم للبحث عن ارض جديدة تصلح للسكنى.
    وينتهي الفيلم من حيث بدأت قصّة الصراع الإنسانيّ في تلك العصور الموغلة في القدم والذي ما يزال مستمرّا حتى اليوم.
    الفيلم تمّ تصويره في جزر الكناري، حيث الطبيعة ما تزال تحتفظ ببعض سماتها البدائية. وموضوع الفيلم هو المجتمع وكيف أن البشر يقود بعضهم بعضا كي يصبحوا اشخاصاً أفضل. كما انه يتناول عواقب خروج الإنسان بمفردة إلى بيئة معادية.
    لكن أحد المآخذ على الفيلم انه يتضمّن بعض الأنماط العنصرية. فقبيلة الأصداف متطوّرة وأفرادها شقر الشعور بيض البشرة، مقابل أفراد قبيلة الحجارة ذوي الوجوه السمراء والشعور السوداء المشعثّة. كما أن لدى قبيلة الأصداف رسوما على الكهوف وموسيقى وحليّا مصنوعة من الصَّدَف ولغة أكثر تطوّرا نسبيّا.
    من جهة أخرى، يفترض العلم الحديث أن آخر الديناصورات الطائرة انقرضت من الأرض قبل أكثر من ستّة وستّين مليون عام، وأن البشر الحاليين - وهم امتداد للهوموسابيان أو الإنسان العاقل - لم يكن لهم وجود على الأرض إلا منذ مائتين أو ثلاثمائة ألف عام على أكثر تقدير.
    لكن حجّة من يصنعون مثل هذه الأفلام لا تخلو من منطق. فهم يقولون أنهم لا يصنعون أفلامهم للعلماء ولا لأساتذة الجامعات، فهؤلاء أصلا لا يذهبون لرؤية مثل هذا النوعية من الأفلام. ويضيفون أن الغرض الأساس من مثل هذه القصص الفانتازية هو تسلية الناس وإمتاعهم في المقام الأوّل وليس حشو رؤوسهم بمعلومات مختلف حول صحّتها وليست مؤكّدة.
    يمكن مشاهدة الفيلم على هذا الرابط .

    Credits
    variety.com

    الثلاثاء، يناير 16، 2018

    الأفكار واللغة


    في الانجليزية، وعلى النقيض من العربية، القمر مؤنّث، والشمس مذكّر، والنهر مؤنّث وهكذا.
    لكن ليست هذه قاعدة ثابتة. بمعنى أن هذه الأسماء في الأصل ليس لها جندر، أي ليست مذكّرة أو مؤنّثة في ذاتها، بل سياق الكلام هو ما يحدّد ذلك.
    الليل أيضا ليس له جندر. لكن إذا كان الليل هادئا مع نسيم لطيف وروائح أزهار في الظلام فهو مؤنّث. أما إن كان محمّلا بالخوف والتوتّر والخطر فعندها يصبح مذكّرا.
    وإذا أردت وصف الشمس كعنصر مغذّ ويمدّ النباتات بالنموّ والنضارة فهي مؤنّث. أما إن أردت وصفها كإله من عصور ما قبل التاريخ وتهيمن على السماء بقوّة فعندها تصبح مذكّرا.
    في إحدى الأغاني القديمة ترِد هذه العبارة: الحبّ طائر، وهي بحاجة لأن تطير). لاحظ أن الحبّ أشير إليه بصيغة المؤنّث، والأمر هنا مرتبط بسياق الشعر والأدب.
    أي أن المتكلّم أو الكاتب يخلع على هذه المفردات الجندر المناسب بحسب تصوّره لها وباختلاف السياق الذي ترد فيه.
    اللغة أيضا ليست فقط وسيلة للتعبير عن الأشياء، بل إنها يمكن أن تغيّر الطريقة التي نفكّر بها. مثلا في العربية أو الانجليزية، يمكنك أن تقول "أنا ذاهب" وتسكت، أو "فلان يمشي" ثم تتوقّف. لكن في الألمانية هذا ليس كافيا، بل يتعيّن عليك أن تقول إلى أين أنت ذاهب وأن تحدّد المكان الذي يمشي إليه الشخص في الجملة الثانية.
    في تجربة أجريت قبل سنوات، اختيرت مجموعتان من الأشخاص، الأولى أفرادها يتحدّثون الانجليزية، والثانية يتحدّثون الألمانية. وعُرض على المجموعتين فيلم صامت لا تتجاوز مدّته بضع دقائق ثم طُلب من أفراد كلّ مجموعة أن يصفوا ما رأوه في الفيلم.
    وكانت النتيجة أن الذين يتكلّمون الانجليزية تذكّروا ماذا كان الأشخاص في الفيلم يفعلون، أما الذين يتحدّثون الألمانية فقد تذكّروا إلى أين كان الأشخاص ذاهبين. أي أن كلّ مجموعة كانت تفكّر بلغتها الخاصّة. وهذا يؤكّد إلى أي مدى يمكن أن تتحكّم اللغة في تفكيرنا وتؤثّر على حياتنا.
    وأختم بقصّة سمعتها قبل سنوات، وهي قد لا تكون وثيقة الصلة بالموضوع، ولكنها عن اللغة والتفكير وعمل الدماغ.
    والقصّة عن أكاديميّ أمريكيّ من أصل ألمانيّ كان قد هاجر وهو طفل مع عائلته إلى الولايات المتّحدة بعد استيلاء النازيّة على السلطة في ألمانيا. وفي أمريكا بدأت العائلة حياة جديدة.
    في ذلك الوقت، كان هو في سنّ الثامنة، وقد واصل مع شقيقته دراستهما في أمريكا، وبعد سنوات حصل على الدكتوراه بتفوّق، واختارته تلك الجامعة المرموقة ليكون أحد أعضاء هيئة التدريس فيها.
    وفجأة حصل له حادث سيّارة أصيب على إثره بارتجاج في المخّ وفقدان للذاكرة. وبعد أن قضى في العناية المركّزة سنوات وهو غائب عن الوعي، بدأ يُفيق شيئا فشيئا بعد أن ظنّت عائلته أن لا أمل أبدا في عودته للحياة الطبيعية.
    لكن ما أدهش الأطبّاء وأسرته أن الرجل بعد أن استعاد وعيه نسي تماما اللغة الانجليزية التي كان قد تعلّمها في السنوات الأربعين السابقة وبدأ يتحدّث لغته الأمّ، أي الألمانية، التي كان آخر عهده بها عندما كان طفلا.
    الأطبّاء فاجأهم ما حدث واحتاروا في تفسير تلك الحالة، وقال بعضهم إن ما حصل له علاقة بخلايا الذاكرة التي يعوّض بعضها عمل الآخر عند تلفه. وما حدث هو أن الدماغ استعاد المعلومات القديمة التي سبق له أن خزّنها، تماما مثل ما يفعل جهاز الحاسوب عندما يستعيد ملفّات سبق أن خُزّنت في ذاكرته وربّما يكون قد مرّ عليها سنوات دون أن تُفتح أو تُستخدم.
    للحديث بقيّة..

    الجمعة، سبتمبر 15، 2017

    شروق الأرض

    قد تكون هذه الصورة أشهر صورة التُقطت حتى اليوم في تاريخ العلم. وقد حدث هذا بالصدفة في صباح يوم 24 ديسمبر 1968، عندما وجّه احد روّاد مركبة الفضاء ابوللو 8، واسمه بيل آندرز، كاميرته باتجاه جرم سماويّ ازرق ولامع كان يرتفع في أفق القمر.
    وكان الروّاد الثلاثة قد رأوا المنظر نفسه ثلاث مرّات من قبل بينما كانوا يدورون بمركبتهم حول الجزء الخلفيّ للقمر. لكنهم لم يكونوا في وضع يساعدهم على التقاط صورة لما رأوه.
    كانت تلك صورة الأرض كما تبدو من أفق القمر الذي يبعد عنّا مسافة 380 ألف كيلومتر. ولأوّل مرّة استطاع البشر رؤية كوكبهم من مسافة بعيدة وفي لمحة سريعة أشبه ما تكون بالمعجزة.
    ورغم أن نظرية كروية الأرض كانت معروفة من قبل وقال بها اليونانيون القدامى منذ فيثاغوراس، إلا أنها ظلّت ولمئات السنين مجرّد نظرية غير مثبتة. بل إنها بالنسبة للكثيرين ما تزال حتى اليوم فكرة غير قابلة للتصوّر.
    لكن في الصورة تبدو الأرض فعلا مثل كرة ساطعة في الفضاء ولا تختلف عن شكل القمر الذي نراه من على الأرض. والصورة نفسها ليست صورة شروق حقيقية، فالأرض لا تشرق ولا تغرب، لكنّها معلّقة دائما في بقعة واحدة من سماء القمر. ولا يمكن رؤيتها في حالة شروق "أو صعود" إلا عندما يكون الإنسان في حالة حركة حول القمر نفسه، كما حدث لروّاد الفضاء.
    وبحسب العلماء، فإن أبعد نقطة في الفضاء يمكن أن نرى الأرض منها بالعين المجرّدة هي الأطراف الخارجية لنظامنا الشمسيّ على بعد حوالي أربعة عشر بليون كيلومتر من الأرض. لكن بعد هذه النقطة تصبح رؤية الأرض بالعين المجرّدة متعذّرة إلا من خلال المنظار أو التلسكوب.
    وعلى الرغم من أن الأرض تبدو لنا فسيحة وواسعة بلا انتهاء، إلا أن هذه اللقطة أظهرتها فجأة كما هي فعلا: مجرّد كوكب متوسّط الحجم في نظام شمسيّ واحد وفي مجرّة واحدة تسبح في كون لا تحدّه حدود ولا يحيط بوسعه إلا من خلقه.
    المسافة من القطب الشماليّ إلى الجنوبيّ لكوكبنا قد تبدو لأيّ منّا بعيدة جدّا ومنهكة. لكنها بحساب الخطّة العظيمة للخالق عزّ وجلّ أشبه ما تكون بومضة سريعة وخاطفة في عمر الزمن.
    وصورة "شروق الأرض" وفرّت للبشر فرصة أن ينظروا إلى كوكبهم الصغير بشيء من الاهتمام وحتى الحبّ. فصورة الأرض من الفضاء تقرّب إلى الأذهان كيف أن الأرض محميّة من خطر المذنّبات والأشعّة الكونية والشمسية، بما يجعلها مكانا صالحا للسكنى. ولم يتسنَّ ذلك إلا بفضل غشاء رقيق جدّا يجهد البشر اليوم في محاولة تدميره.
    الغلاف الجوّيّ الغنّي بالأكسجين، والذي يظهر في الصورة مثل هالة غامضة، هو الذي جعل كوكبنا الجميل والغنيّ بالخضرة والوفرة مختلفا عن كوكب صحراويّ جافّ وقاحل مثل المرّيخ.
    وصورة الأرض كما تبدو من ذلك الارتفاع الكبير يمكن أن تجعلنا أكثر تراحما وكرما وأكثر صبرا مع بقيّة البشر الذين يدورون معنا في ظلام لا نهائيّ ويشاركوننا العيش في هذه النقطة الزرقاء الباهتة والضائعة في متاهة الكون.
    صورة الأرض من الفضاء لا تساعد العلماء فقط على فهم كيف يبدو عالم مأهول من مسافة بعيدة، ولكنها أيضا تذكّرنا بحقيقة باردة ومزعجة في آن: أننا نعيش على صخرة صغيرة وهشّة ضائعة في الفراغ الكونيّ اللامحدود.
    على ارض كوكبنا الآن، ثمّة أطفال يولدون، وكبار يناضلون من اجل البقاء، وآخرون يصلّون ويبتهلون من اجل الخلاص والسلام. وصورة "شروق الأرض" تذكّر البشر بالحاجة إلى مزيد من الحبّ والتسامح. وهي تستحقّ أن توضع على شاشاتنا المنزلية وأن تُثبّت في عقولنا كتذكير دائم بقوّتنا كبشر، وفي نفس الوقت بهشاشتنا وضعفنا، وأيضا بمسئوليتنا الكبيرة تجاه بعضنا البعض وتجاه هذا المكان الصغير الذي نسكنه.

    Credits
    universetoday.com

    الأربعاء، يونيو 28، 2017

    نُور العالَم

    العلم يقول لنا أشياء كثيرة عن الضوء. لكن هذه الأشياء تقود إلى تساؤلات أخرى أكثر غموضا. والعلماء ما يزالون في حيرة من أمر هذه الظاهرة التي ما تزال تخفي الكثير من أسرارها.
    لكن يمكننا أن نلمح شيئا من طبيعة الضوء عندما تتخلّل أشعّة الشمس غرفة مملوءة بالغبار، أو عندما يظهر قوس قزح بعد عاصفة رعدية أو بعد هطول المطر.
    في إحدى غرف متحف تيت البريطانيّ، توجد لوحة كثيرا ما تجتذب أعدادا كبيرة من الزوّار. عمر اللوحة مائة وثلاثون عاما، وهي مرسومة بالألوان الزيتية، وطولها حوالي سبعة أقدام.
    في اللوحة، تظهر فتاتان صغيرتان في بدايات المساء وهما تقفان في حديقة للزهور وتضيئان مصابيح ورقية.
    كان طموح الفنّان الذي رسمها، وهو جون سنغر سارجنت، أن يمسك بالوهج السريع للشفق، رغم أن المهمّة كانت على ما يبدو عصيّة ومراوغة.
    وقد كتب الرسّام إلى شقيقته يخبرها، بشيء من الإحباط، كيف أن التأثير الذي حاول أن ينقله إلى اللوحة لم يستمرّ سوى عشر دقائق، وهي فترة غير كافية لنقل الانطباع إلى القماش.
    لكن لو وقفت أمام اللوحة اليوم لتعجّبت من خاصيّة الضوء الذي يشعّ منها. فوهج الشفق يسقط على بتلات الأزهار وعلى الوجهين الناعمين للطفلتين، بينما ينبعث عن المصابيح الورقية شعاع برتقاليّ قويّ وأخّاذ.
    هناك شيء ما غامض في لوحة سارجنت هذه. ويمكن القول أنها تختزل علاقة الإنسان بالضوء. فنحن، ودون أن نشعر أحيانا، نجري خلف الضوء ونعامله بشيء من التقديس ونخلع عليه شعورا بالاحتفاء والدهشة.
    انه نفس الإحساس الذي يساورنا ونحن نرقب عرضا للألعاب الناريّة ، أو منظرا للشفق القطبيّ ، أو تجربة من تجارب حقول الضوء ، أو عندما نصغي للحكايات التي نقصّها على أنفسنا عن علامات النجوم وظاهرتي الكسوف والخسوف، أو عندما نتسلّق قمّة جبل كي نتأمّل منظر الشمس وهي تشرق أو تغرب برهبة وجلال.
    كلّ تفاصيل حياتنا تتمحور حول الضوء، أساليبنا في العمل والعيش والتنقّل، تعاملنا مع المصابيح ومفاتيح الإنارة في بيوتنا، وحتى تصوّراتنا عن المسافة التي تفصل السماء عن الأرض.
    وأينما كان المكان الذي تعيش فيه، سواءً في المدينة أو القرية، فأنت منجذب دوما، ودون أن تحسّ غالبا، إلى رؤية كيف ينبثق الضوء وكيف يتلاشى.
    قبل أن يرسم سارجنت لوحته هذه بسنوات، أشار وليم تيرنر، الذي يوصف عادة بأنه رسّام الضوء، إلى أن أجمل الأضواء هي تلك التي تظهر في السماء التي تعلو شاطئ البحر. التحوّل الناعم للضوء بين كلّ ساعة من ساعات النهار والليل شيء لافت وتعجز الكلمات عن وصفه أو عن وصف تأثيره في النفس والمشاعر.
    في انجذابنا نحو الضوء، ثمّة حالة من الجمال، من التسامي، من الإحساس بالدفء والتطلّع إلى شيء ما لا يمكن لمسه أو إدراكه. وعلاقتنا الملتبسة بالضوء ستظلّ دائما، وبمعنى ما، غير مكتملة وغير مدركة تماما، سواءً كان مصدره وهج عود ثقاب أو ضوء مصباح أو شهابا عابرا في السماء أو جذوة نار مشتعلة في البرّية.
    "هناك أشياء لا يمكن امتلاكها". كتبت ريبيكا سولنيت ذات مرّة تصف اللون الأزرق للضوء. الضوء ظاهرة واضحة جدّا، وفي نفس الوقت غامضة كثيرا. ولأنه احد متع الحياة العظيمة غير المحسوسة وغير المدركة، فإنه سيظلّ سببا ومصدرا للاحتفال والدهشة التي لا تنتهي.

    Credits
    theguardian.com

    الاثنين، أبريل 17، 2017

    النباتيّة: رأي آخر

    قد تكون شخصا نباتيّا. وإن لم تصبح بعدُ كذلك، فقد يكون لديك صديق يحاول أن يقنعك بالمبرّرات الصحّية والأخلاقية التي تفرض عليك أن تتجنّب تناول اللحم وتصبح نباتيّا.
    النباتية فكرة جذّابة. وأكثر علماء الإنسان يقولون إن البشر في الأساس مخلوقات نباتية وأن أسلافنا الأوائل كان غذاؤهم مماثلا لغذاء القردة العليا، أي معتمدا على النباتات. وعلماء الغذاء، من جهتهم، يؤكّدون أننا نصبح أصحّاء أكثر إذا تمسّكنا بجذورنا النباتية.
    وأنصار النباتية يقولون انه منذ بدء الخليقة إلى اليوم، لا يستطيع الإنسان أن يمزّق سمكة أو لحم حيوان بيده، لأن وظيفة اليدين في الأساس هي قطف الخضار والفواكه. كما لم يخلق الله لنا أنيابا ولا مخالب لكي نطارد ونقتل الحيوانات ثم نفترس جثثها.
    وهناك رأي يقول انه منذ آلاف السنين، أي عندما كان البشر يعتمدون في عيشهم على النباتات، فإنهم ربّما أضافوا في أوقات الندرة بعض اللحم إلى طعامهم.
    النباتيون وأنصار النباتية يقولون أيضا أننا عندما نقتل الحيوانات لنأكلها فإنها تقتلنا، لأن لحمها يحتوي على كولسترول ودهون مشبعة، والحيوانات لم تُخلق لكي يأكلها البشر لأن غذاء الإنسان الذي خُلق له هو النباتات. وليس مستغربا أن آكلي اللحوم هم أكثر عرضة للإصابة بالسرطان والسكّر وغيرهما من الأمراض.
    وما يجعل فكرة النباتية أكثر إغراءً هو أن العديد من مشاهير العالم قديما وحديثا كانوا نباتيين. ومن هؤلاء الفيلسوف زينون الرواقي وأوفيد الشاعر الرومانيّ وليوناردو دافنشي الذي يعتبره البعض أوّل نباتيّ في أوربّا.
    أيضا ليو تولستوي وغاندي وبرنارد شو وبنجامين فرانكلين احد المؤسّسين الأوائل للولايات المتحدة كانوا جميعا نباتيين.
    ومما لا شكّ فيه أن المهاتما غاندي ومنهجه في اللاعنف تجاه الحيوان أسهم كثيرا في رواج فكرة النباتية في عديد من البلدان الغربية. والهنود يمثّلون الآن سبعين بالمائة من نسبة النباتيين في العالم. كما أن أكثر من أربعين بالمائة من سكّان الهند نباتيون.
    وهناك عامل آخر يرجّح فكرة النباتية ويتمثل في مبدأ تقديس الحياة الذي قال به البيرت شفايتزر وما يزال يُستشهد به كلّما كان هناك حديث عن الجوانب الأخلاقية للغذاء.
    لكن هناك من الأوّلين من قالوا بعكس هذا الكلام. الفيلسوف توما الاكويني، مثلا، رأى أن ليس للحيوان حرمة أو حقّ على الإنسان، ومن ثم فأكل لحمه جائز.
    وديكارت أيضا تبنّى نفس هذا الموقف، على الرغم من انه قال إن كلّ من يقسو على الحيوانات لا بدّ في النهاية أن يصبح قاسيا على البشر.
    لكن مؤخّرا صدر كتاب يشكّك فيه مؤلّفه اندرو سميث، وهو أستاذ فلسفة بيئية، في جدوى تبنّي النباتية كأسلوب غذاء وينفي أيّ حجج أخلاقية تجاه الحيوانات.
    وليس هذا فحسب، بل إن المؤلّف يدفعنا لأن نتخلّى عن بعض الافتراضات التي نعتبرها بدهية ولا تقبل الجدل، ويؤكّد انه من غير الممكن أن يصبح الإنسان نباتيّا أصلا.
    سميث نفسه كان نباتيّا لأكثر من ربع قرن قبل أن يتخلّى عن الفكرة. وقد اعتمد في آرائه على الأبحاث الأخيرة في علم النبات وايكولوجيا النظم وعلم الإنسان الثقافيّ لكي ينفي التمييز بين النباتيين والحيوانيين.
    وهو يشرح كيف أن الفروقات التي صنعناها في عقولنا بين النباتية والحيوانية تعكس نظرة عالمية تنتهي بتدمير الطبيعة. بمعنى انه لو كان جميع الناس يفضّلون اللحم على النبات بالكامل، أو العكس، لاختلّ توازن الطبيعة نتيجة استهلاك نوع واحد من الغذاء وإهمال الآخر.
    كما ينتقد المؤلّف الفكرة القائلة أن الحيوانات تأكل النباتات ونحن نأكل الحيوانات. وما يحدث فعلا، حسب كلامه، هو أن الحيوان يأكل النبات ونحن نأكل الحيوان والدود يأكلنا والنبات بدوره يأكل الدود .. وهكذا.
    وبهذه الطريقة فالإنسان لا يمكن أن يكون نباتيّا، لأنه حتى النباتات تتغذّى في النهاية على الحيوانات بعد نفوقها. وأيّا كان ما تأكله، فإنك في نهاية الأمر تأكل الحيوانات وكلّ شيء آخر، لأن الطبيعة بأكملها مترابطة وكلّ عنصر فيها يعتمد في وجوده على الآخر.
    ويقول: نحن جزء من شبكة غذاء ممتدّة ولسنا في قمّة هرم الغذاء لأنه لا توجد قمّة. وكلّ شيء يُودع في الأرض، من إنسان أو طير أو حيوان، يتحلّل ويختلط بالتراب، ومن ذلك الخليط تنمو مختلف أنواع النباتات والأشجار التي تتغذّى عليها الحيوانات والبشر الأحياء. أي أن كلّ كائن حيّ يأكل ويؤكل، وهذا شيء جيّد، لأن دورة الحياة تظلّ مترابطة ومستمرّة دونما انقطاع. والعالم يصبح أفضل إذا اقتنعنا بأننا أعضاء متكاملون في مجتمع الطبيعة.
    سميث أيضا ينفي الزعم القائل بأن أكل الحيوانات عمل متوحّش بحكم أنها تشعر وتعاني. ومثل هذا الدفاع يَفترض أن النباتات لا تعاني، وهذا غير صحيح. ويورد تجارب علمية تثبت كيف أن النباتات تعاني مثلها مثل الحيوان والإنسان.
    مثلا زراعة بعض النباتات في غير تربتها الأصلية ثم رشّها بالمبيدات الحشرية لإطالة عمرها كي تكمل دورة الحصاد يجعلها عرضة للأمراض ويُلحق الضرر بها وبالإنسان الذي يستهلكها وبالتربة.
    وبرأي سميث انه لو لم يتغذَّ البشر الأقدمون على طعام يحوي كمّيات من بروتين الحيوان، ما كان بالإمكان أن يتحوّلوا إلى مخلوقات ذكيّة وبنفس هذه السمات العقلية والجسدية التي يبدون عليها اليوم.
    ويضيف: قبل أكثر من بليوني عام، أصبح اللحم جزءا مهمّا من غذاء أسلافنا من البشر. والفرائس التي كانت تُقتل ثم تُحضّر بتقطيعها وتجهيزها كانت توفّر وجبات غذائية غنيّة بالسعرات الحرارية ويتطلّب مضغها جهدا اقلّ من مضغ جذور النباتات.
    كما أن طبخ الطعام جعل الأشياء أسهل، مع أن الطبخ لم يُعرف إلا مع اكتشاف النار منذ حوالي خمس مائة ألف عام.
    وأكل اللحم، كما يقول المؤلّف، كان خطوة ضرورية ومهمّة في مسيرة تطوّر الإنسان. وقد ثبت أن لحم الحيوان ضروريّ لنموّ دماغ الإنسان، كما انه غنيّ بالبروتينات والسعرات أكثر من النبات.

    Credits
    thetab.com

    الأحد، ديسمبر 11، 2016

    عالم رائع

    كم أننا، نحن البشر، محظوظون بأن نكون جزءا من هذا العالم الرائع الذي نتقاسم العيش فيه مع ملايين المخلوقات الجميلة الأشكال والألوان.
    هذا الطائر "فوق" ذو الألوان الزاهية والمتناغمة هو احد الطيور التي طالما أثارت اهتمام وفضول العلماء. اسمه الوروار، سريع الحركة وبارع في المناورة، تذكّرنا إيّاه إحدى أغاني فيروز المشهورة، آكل للعسل، وله صوت جميل، ويعيش في ثلاث قارّات، غالبا في الغابات وبالقرب من منابع المياه.
    والوروار طائر غير عاديّ وطيرانه أشبه ما يكون بالمعجزة. ويمكن القول انه ثمرة للخطّ التطوّري بين ما كان يُعتبر ذات يوم زواحف، وبين مجموعة من الديناصورات آكلة اللحوم، وهي نوع من الوحوش ذوات الأقدام التي كانت موجودة على الأرض منذ ملايين السنين عندما كان البشر مجرّد ومضة سريعة في تاريخ التطوّر.
    وفي الواقع، فإن كلّ الطيور هي سليلة الديناصورات! أي أن رحلة الديناصور لم تنته قبل 65 مليون سنة، بل تسلّلت بعض من جيناته من خلال المحرقة التي نجمت عن النيزك الذي ضرب الأرض آنذاك.
    وهذه الجينات ما تزال تعيش وتتنفّس بيننا. ولو نظرت خارج نافذتك ليلا، فهناك احتمال أن ترى واحدا من أحفاد الديناصورات وهو يرفع صوته بالنقيق في مكان غير بعيد منك.
    ولو بحثت في محرك غوغل عن "الأركيوبتركس"، فستكتشف ما اكتشفه علماء الحفريات في سبعينات القرن التاسع عشر، من أن خليّة صغيرة على شجرة الحياة التطوّرية يمكنها أن تحافظ على استمرارية الحياة دهوراً طويلة.
    كلّ ما هو على الأرض من مخلوقات تدلّ على عظمة الخالق ومعجزة الخلق. وبين كلّ هذه الأعداد المهولة من النباتات والحيوانات والطيور التي تزيّن سطح وسماء هذا الكوكب الصغير، فإننا نحن البشر لسنا أكثر من جزء صغير وسريع الزوال من متاهة الحياة المعقّدة هذه.
    في عام 1981 كتب العالم ريتشارد دوكينز يقول: كلّ شيء على هذه الأرض يناسب مكانه تماما. ومثل لعبة ضخمة، فإن كلّ شيء مصمّم للحياة. الشمس تشرق ثم تغيب، والهواء مُعدّ للتنفّس، والمياه تدعم الحياة، والأشجار تنمو، والمطر يهطل، وما ارتفع شيء إلى فوق إلا وعاد إلى أسفل".
    من الصعب أن نصدّق كم نحن محظوظون بأن نأوي إلى النوم على أصوات أوركسترا من نقيق الضفادع ونستيقظ على أصوات جوقة من العصافير المغرّدة. وعندما ينتهي اجلنا على الأرض، فإننا نتمنّى لكلّ إنسان يعيش على وجه هذا الكوكب، بمن فيهم أبناؤنا وأحفادنا، أن يشعروا بنفس هذه البهجة التي لا تُوصف وأن يقدّروها حقّ قدرها.
    إن أكثر من يقدّر هذه المنحة العظيمة هم الشعراء والكتّاب والفنّانون والنحّاتون والمغنّون والفلاسفة الذين يفهمون ما فهمته ريتشيل كارسون عندما أشارت ذات مرّة إلى أن الإحساس بالدهشة لا يقلّ أهمّية عن إحساسك بأنك تعرف".
    إن الأشخاص الحالمين هم أولئك الذين يخطّطون حياتهم بحيث يعيشون دون أن يفسدوا أو يدمّروا الثرة الطبيعية للأرض، مقابل تلك الفئة من البشر الذين يعتقدون أن البشرية يمكن لها البقاء على قيد الحياة، بغضّ النظر عن حالة التدمير التي تتعرّض لها الغابات والأنهار والهواء.
    ولو توقّف الإنسان عن التسبّب في مزيد من الأضرار للبيئة، فإن حالة الانقراض الوشيك التي تهدّد الكثير من الطيور والمخلوقات يمكن وقفها، فالطبيعة تعيد بناء نفسها تلقائيا من خلال نظم الإصلاح الذاتيّ التي تتولّى المهمّة.
    وما سيحدث بعد ذلك هو أن الأنواع المتضائلة ستتكاثر، والغابات ستتجدّد، والأنهار والبحيرات ستطهّر نفسها. وبعد ذلك لن يمضي وقت طويل حتى تصبح المناطق المتضرّرة من عالمنا الرائع، ومرّة أخرى، ملاذات آمنة للحياة.

    Credits
    sanctuaryasia.com

    الأحد، يناير 10، 2016

    أبناء الشمس: عُطارد


    لو نظرت إلى أيّ رسم للمجموعة الشمسية، ستلاحظ أن عُطارد هو الكوكب الأقرب إلى الشمس. ونتيجة لهذا القرب فإنه يتأثّر بقوّة بجاذبيّتها، إذ يدور حولها بوتيرة سريعة جدّا مكملا دورته في 88 يوما فقط.
    في هذه المرّة، نذهب في زيارة سريعة إلى هذا العالَم الصخريّ الصغير الذي يُعتبر المسافر الأسرع في مجموعتنا الشمسية.
    الأرقام الفلكية تقول إن عُطارد، أو "ميركوري" كما يُسمّى باللاتينية، يبعد عن الشمس بأقلّ من نصف المسافة التي تفصل الشمس عن كوكب الأرض. وبناءً عليه، ليس من المستغرب أن يفترض الناس أن عطارد هو الكوكب الأكثر سخونة من بين كلّ الكواكب.
    لكنّ الواقع يقول غير ذلك، فكوكب الزهرة، ثاني أكثر الكواكب بعدا عن الشمس والذي يبعد عنها بأكثر ممّا يبعد عنها عطارد بـ 30 مليون ميل، هو أكثر الكواكب سخونة.
    أيضا ستلاحظ أن عطارد هو اصغر كوكب في النظام الشمسيّ كلّه. كما انه واحد من خمسة كواكب يمكن رؤيتها من الأرض بالعين المجرّدة. والكواكب الأربعة الأخرى هي الزهرة والمرّيخ والمشتري وزُحل .
    ولاعتبارات عمليّة، فإن عطارد ليس له غلاف جوّي وليس له غطاء حراريّ لمساعدته على الاحتفاظ بحرارة الشمس. والحدّ الأقصى لدرجة الحرارة على سطحه هو حوالي 800 درجة فهرنهايت. وبالإضافة إلى ذلك، فإن عدم وجود غلاف جوّي يتسبّب في جعل درجة الحرارة على سطح الكوكب تتفاوت بمئات الدرجات.
    وفترة دوران هذا الكوكب بالنسبة لمداراته يعطيه ميزة فريدة من نوعها، فالأيّام على عطارد طويلة جدّا؛ كلّ يوم فيه يساوي 50 يوما من أيّام الأرض. أمّا العام الواحد فيه فيساوي 88 يوما فقط من أيّام الأرض.
    وبسبب قربه من الشمس، فإن تطوّر عطارد اتّخذ مسارا مختلفا قليلا عن مسار الكواكب الأخرى. يقول العلماء انه عندما تشكّلت الشمس، دفعت بالكثير من الغاز والغبار الأخفّ وزنا إلى خارج النظام الشمسي الداخلي، تاركة وراءها العناصر الأثقل. ونتيجة لذلك، تشكّل عطارد من نسبة كبيرة من تلك العناصر الثقيلة، أي الحديد أساسا. ولهذا السبب يمكن القول إن عطارد هو عبارة عن كرة كبيرة من الحديد.
    وعطارد يحتوي على فجوات وفوّهات وحفر كثيرة وعميقة جدّا. وقد نشأت هذه التضاريس الصعبة نتيجة دهور من تعرّضه لارتطام الكويكبات والمذنّبات. وهو يبدو إلى حدّ كبير مثل القمر الذي نراه في السماء مع معالمه المبقّعة. كثافته أيضا عالية، وهو يتألّف غالبا من الحديد، كما انه يستحمّ في دفق مستمرّ من الجسيمات الآتية من الرياح الشمسية.
    ومن الأشياء الغريبة أن هناك جيوبا من الجليد المائيّ في المياه العميقة في الفجوات أو الفوّهات الواقعة على الجانب المظلم من عطارد. ويعتقد بعض العلماء أن هذا الكوكب قد يكون مكانا مناسبا لسكنى البشر مستقبلا. وجاذبيّته العالية يمكن أن تقلّل الكلفة على صحّة الإنسان، بخلاف ما عليه الحال مع القمر أو المرّيخ، حيث الجاذبية عليهما أقلّ.
    ولو قُدّر لك ووضعت قدميك على أرض كوكب عطارد، فإن أوّل ما ستلاحظه أن الشمس في سمائه ضخمة وساحقة. ولو نظرت ليلا من فوق هذا الكوكب إلى الجزء الخارجيّ من نظامنا الشمسي فسترى جرما مزرقّا وساطعا يجلس في سواد مخمليّ. هذا الجسم هو الأرض التي تبدو بلا أهمّية أكثر من تلك التي للأجسام اللامعة الأخرى في السماء الليلية.
    وعطارد، كما سبقت الإشارة، يدور بوتيرة سريعة جدّا حول الشمس، لدرجة أن سكّان الحضارات القديمة كانوا يعتقدون انه نجمان، واحد يظهر في الصباح وآخر في المساء.
    وغالبا ما يُطلق عليه اسم "نجمة الصباح"، لأنه يتلألأ في الصباح الباكر قبل طلوع الشمس. كما انه يُدعى أيضا "نجمة المساء"، إذ كثيرا ما لا يُرى سوى لفترة وجيزة من الوقت بعد غروب الشمس.
    وقد أصبح عطارد معروفا للبشر منذ زمن السومريين في الألفية الثالثة قبل الميلاد. ووقتها كان مرتبطا بنابو إله الكتابة.
    وفي الأساطير الرومانية، فإن عطارد إله التجارة والسفر هو النظير الرومانيّ للإله الإغريقيّ هيرميس رسول الآلهة. وقد اكتسب عطارد اسمه من اسم الإله ميركوري الذي كان له جناحان على قدميه تسمحان له بالتحرّك بوتيرة سريعة. ويُرجّح أنه سُمّي بهذا الاسم لأنه يتحرّك بسرعة فائقة في السماء. وكان الإغريق يظنّون انه عبارة عن كوكبين، وكانوا يسمّونه أبوللو عندما يظهر في الصباح، وهيرميس عندما يظهر بعد الغروب.
    كوبرنيكوس، العالم الفلكيّ صاحب الانجازات الفلكية الكثيرة التي غيّرت نظرة البشر إلى النظام الشمسيّ جذريّا، غاب عطارد عن ناظريه بسبب مداه المنخفض وقربه من الشمس، وكذلك بسبب حالة السماء الضبابية في موطن كوبرنيكوس، أي بولندا.
    لكن العلماء المعاصرين مهتمّون بعطارد كثيرا، لأنه يظلّ احد أكثر الأماكن غموضا في النظام الشمسيّ. وقد كان هذا الكوكب هدفا للعديد من المسبارات الفضائية التي زارته ورسمت له خرائط دقيقة للغاية.
    عطارد عالم فريد ومعزول، لكنّه ليس وحيدا تماما مثل نظيره البعيد "بلوتو" الواقع على الطرف الآخر من نظامنا الشمسيّ. وأحيانا يصعب رصده ومراقبته، لأن هذا الكوكب الصخريّ الصغير ضائع في وهج الشمس ولا يبدو أكثر من قرص صغير. لكن يمكن للراصدين رؤيته من الأرض في آخر الليل أو في الصباح الباكر. ولهذا السبب أصبح عطارد جزءا من أساطير معظم الثقافات الإنسانية التي مرّت على الأرض.

    Credits
    planetsave.com
    universetoday.com

    الأربعاء، ديسمبر 23، 2015

    نجمة الميلاد


    كلّ عام والإخوة المسيحيون في كلّ مكان بخير وسلام بمناسبة أعياد الميلاد المجيد ورأس السنة.
    من بين الرسومات الجميلة التي تزيّن بطاقات الميلاد عادة في مثل هذا الوقت من كلّ عام صورة ظلّية لثلاثة رجال يرتدون ثيابا قشيبة ويمتطون ظهور الجمال في الليل ويحدّقون عبر التلال أو الكثبان الرملية بحرص قبل أن يوجّهوا أنظارهم نحو بيت صغير منعزل على مسافة.
    الليل مظلم، وهناك نجمة ساطعة ووحيدة تحوم فوق البيت الصغير وترسل شعاعا من الضوء الساطع باتجاه الأرض يضيء حدود البيت. وفي داخل البيت ثمّة ضوء آخر.
    الإشارات الدينية تذكر أن نجمة ظهرت لثلاثة من حكماء المجوس في الشرق. كان هؤلاء طبقة من الكهّان والحكماء من بلاد فارس، وكانوا على دراية بالفلك والنجوم والسحر.
    وقد رأوا في السماء شيئا نبّههم إلى أن المسيح كان على وشك أن يولد. وحفّزتهم النجمة للسفر من فارس إلى أورشليم، أي إلى المكان الذي يُرجّح أن ملك اليهود الموعود سيولد فيه.
    علم فلك المجوس كان يفترض أن النجوم تصوغ حياة الإنسان من الميلاد إلى الموت. كانوا يعتقدون أن الظهور المفاجئ لنجم جديد ولامع في السماء هو علامة على ولادة إنسان مهم. وكانوا يرون فيه تحقيقا لنبوءة ما.
    عندما وصل الحكماء الثلاثة إلى أورشليم بدءوا البحث عن الطفل. حاكم المدينة، أي الملك الرومانيّ هيرود، انزعج ممّا سمعه منهم، ثم نادى على كبار الكهنة والأعيان في قصره ليسألهم عن ولادة النبيّ الجديد.
    وعندما لم يجد الحكماء أثرا للطفل في أورشليم، واصلوا رحلتهم إلى بيت لحم. وقد اهتدوا أخيرا إلى بيته ودخلوه ورأوا الطفل وأمّه وخرّوا سُجّدا عند قدميه وصلّوا له، كما تقول الرواية الدينية. كانوا يحملون معهم ثلاث هدايا: آنية من الذهب، وأخرى من البخور، وآنية ثالثة من المُرّ. وكلّ واحدة من هذه الهدايا لها رمزيّتها الخاصّة. أما الملك الطاغية هيرود فقد أرسل جنوده إلى بيت لحم وكلّفهم بأن يقتلوا كلّ طفل رضيع في المدينة، في ما أصبح يُعرف في ما بعد بمذبحة الأبرياء.
    قصّة الحكماء مشهورة في التراث المسيحي. وقد أصبح الرجال الثلاثة من أكثر الشخصيات حضورا في الرسم، وهم يظهرون غالبا وهم يركبون الجمال ليلا ويتابعون نجمة في السماء، أو وهم يصلّون مع الرعاة للنبيّ الطفل بعد أيّام من ولادته. كما كُتبت أغاني وأشعار عديدة عن هذه القصّة وعُرضت عنها الكثير من الأفلام والمسرحيات.
    لكن السؤال: نجمة الميلاد، أو نجمة بيت لحم كما تُسمّى أحيانا، هذه النجمة الخارقة للعادة والتي أصبحت رمزا رئيسيا للكريسماس .. ما هي حقيقتها؟
    الواقع أن إنجيل متّى هو المكان الوحيد التي ذُكرت فيه هذه النجمة، وتحديدا في الآية التي تقول: عندما سمعوا الملك رحلوا، بينما النجمة التي رأوها في الشرق كانت تسير أمامهم إلى أن توقّفت حيث يوجد الصبيّ الصغير". وحتى هنا فإن المعلومات عنها متفرّقة ونادرة.
    وبالنسبة لأيّ شخص يميل إلى الأخذ بالتفسير الحرفيّ للنصوص المقدّسة، فإن هذه الآية تحلّ المسألة. وإذا كانت هذه الآية صحيحة، فإن نجمة بيت لحم قد لا تكون أيّ ظاهرة طبيعية معروفة، لأنه ببساطة لا شيء يتحرّك في السماء بتلك الطريقة.
    ومع ذلك، إذا ما سلّمنا بكلام مؤلّف إنجيل متّى، والذي لم يكن بالتأكيد أحد شهود العيان في كنيسة المهد، فإن النجمة قد لا تكون ظهرت حرفيّا بالطريقة الموصوفة. وفي هذه الحالة يمكن أن نفكّر في بعض الاحتمالات الفلكية الطبيعية.


    في الواقع هناك بعض الشكوك حول استخدام كلمة "نجمة" في المخطوطة اليونانية. مثلا، يؤكّد بعض العلماء أن كلمة "نجم" قد تعني ضمنا أيّ جرم فضائي آخر غير النجوم المعروفة. وبعض الأوصاف الفنّية تُظهر ما يبدو وكأنه نيزك ساطع أو نجم ساقط.
    ورغم أن النيازك المتفجّرة يمكن أن تكون مذهلة ومثيرة للإعجاب، إلا أنها لا تدوم سوى ثوان فقط، ويمكن أن تحدث في أيّ وقت. ومثل هذه الظواهر العابرة لا يمكن أن تقود الرجال الحكماء إلى بيت لحم.
    وهناك أجرام أو أجسام فلكية أخرى قد تبدو أكثر أهمّية. لكن هناك مشاكل أخرى، فنحن أوّلا لا نعرف على وجه اليقين متى ولد المسيح. فبسبب خطأ ارتكبه احد رجال الكنيسة بعد ذلك بمئات السنين، فإن ولادته يُعتقد أنها حدثت بعد التاريخ المعروف اليوم بأربع سنوات على الأقل.
    واليوم نعرف أن ولادته كانت في موعد لم يتجاوز العام الرابع قبل الميلاد، ويمكن أن تكون حدثت قبل ذلك بقليل. وبالتأكيد لم تكن ولادته في يوم الخامس والعشرين من ديسمبر. والإنجيل لا يقول شيئا عن هذه النقطة ولا يترك لنا سوى القليل من الأدلّة.
    غير أن هناك دليلا واحدا يتمثّل في الإشارة إلى أن الرعاة كانوا في الحقل و"كانوا يراقبون غنمهم ليلا"، وهو أمر يقول العلماء إن من المحتمل القيام به فقط في فصل الربيع عندما تولد الحملان الصغيرة. وبالتالي كانت الولادة على الأرجح في الربيع، وربّما بين العامين السابع والرابع قبل الميلاد.
    وهناك قليل من السجلات الفلكية التي حُفظت في ذلك الوقت، باستثناء سجلات الصينيين والكوريين. وقد سجّل هؤلاء ما قد يكون "مذنّبات" في العام الخامس ثمّ الرابع قبل الميلاد. والمشكلة الرئيسية هنا هي أن الصينيين، وأيضا المنجّمين المجوس، كانوا يعتبرون المذنّبات نُذر شؤم أو علامات على الحظّ السيّئ.
    وهناك احتمال آخر، هو أن نجمة عيد الميلاد كانت سوبرنوفا أو نجما متفجّرا، وهو نجم لم يُرَ قبل ذلك، يضيء فجأة ويكاد ضوؤه يخطف الأبصار. وفي الحقيقة تمّ رصد نجم مشابه من هذه النجوم من قبل الصينيين في ربيع العام الخامس قبل الميلاد، وقد ظلّ يُرى لأكثر من شهرين. ومع ذلك فإن موقعه في كوكبة الجدي كان يعني أنه ما كان من المرجّح أن "يقود" الحكماء بالطريقة التي يتحدّث عنها ضمنا الكتاب المقدّس.
    وبالنسبة للبعض، فإن هذا "النجم" لم يكن نجما على الإطلاق، وإنّما كان كوكب المشتري. أو بتعبير أدقّ، كان اقترانا عن قرب بين كوكب المشتري وكوكبين آخرين هما زحل والمرّيخ.
    القدماء كانوا يعتبرون الكواكب "نجوما متجوّلة"، وكانوا يؤمنون بأنها تحمل دلالات فلكية وباطنية كبيرة. وعلماء الفلك يعرفون أن سلسلة من هذه الاقترانات حدثت في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد في كوكبة الحوت التي يقول البعض إنها العلامة الفلكية لليهود. ولإضفاء المزيد من المصداقية على كُتّاب المسيحية الذين أتوا لاحقا مثل متّى، فإن علامة الحوت أصبحت في ما بعد العلامة السرّية للمسيحيين.
    قد يكون الحكماء الثلاثة رأوا نجما من تلك النجوم التي يزداد حجمها ووهجها ثم لا تلبث أن تأفل وتتلاشى. لكن هذه النظرية تفشل في تفسير كيف أن النجم الذي رأوه جهة المشرق ظهر أمام أعينهم إلى أن توقّف حيث يوجد الطفل. إذ ليس بمقدور نجم ثابت أن يتحرّك أمام الحكماء ليقودهم إلى بيت لحم، ثم ليس من طبيعة النجوم أو المذنّبات أن تختفي ثم تعاود الظهور ثم تقف ساكنة.
    وما لم يتمّ العثور على اكتشاف أثريّ كبير ولا يقبل الجدل كي يحلّ هذه المسألة نهائيا، فإن غموض نجمة عيد الميلاد سيظلّ عنصرا من عناصر عالم الإيمان. العلم نفسه لا يستطيع أن يفسّرها كجرم فيزيائيّ معروف، والتاريخ لا يقدّم سجلا واضحا، والدين لا يقدّم سوى طيف خارق للطبيعة وغير قابل للفحص أو التثبّت.
    ولكن على الرغم من عدم وجود اتفاق على طبيعة النجمة أو حتى على ما إذا كانت قد رؤيت فعلا قبل ألفي عام، فإن جميع الأطراف يمكنها أن تتّفق على طبيعة الرسالة التي بشّرت بها نجمة عيد الميلاد: على الأرض السلام، وفي الناس المسرّة".

    Credits
    planetsave.com
    universetoday.com

    السبت، سبتمبر 05، 2015

    رحلة إلى العملاق الثلجي


    الصورة فوق متخيّلة. وهي تُظهر كيف كان سيبدو حجم وشكل ولون كوكب أورانوس من الأرض لو انه يقع على نفس المسافة التي يبعد بها القمر عن الأرض.
    عندما تنظر إلى هذه الصورة المركّبة ربّما يعتريك شعور بالرهبة، تماما مثل ما حصل معي وأنا أتأمّلها. لاحظ كيف أن جوّ الليل اكتسى ضوءا مشوبا بزرقة شاحبة. والأزرق هنا لا يشيع إحساسا بالطمأنينة أو الارتياح، وإنما بالضيق والكآبة وربّما الخوف.
    ثم قارن هذا المنظر السوريالي الغريب بالقمر الذي نعرفه والذي يثير منظره وضوؤه في النفس إحساسا بالبهاء والأمان والسكينة. الشاهد من هذا الكلام هو أن الخالق الجميل قدّر كلّ شيء في هذا الكون بقدَر وأحصى النسب والاحتمالات بدقّة ولم يترك شيئا للحظّ أو الصدفة.
    في موضوع سابق قبل بضعة أشهر، ذهبنا في زيارة سريعة إلى كوكب الزهرة أو "أرض جهنّم". واليوم نترك الزهرة خلفنا ونتّجه أكثر فأكثر إلى الأطراف البعيدة جدّا للنظام الشمسيّ؛ إلى العوالم الغازيّة الضخمة حيث الجوّ أكثر برودة وضوء الشمس اشدّ خفوتا، لنتوقّف عند العملاق الثلجيّ المسمّى أورانوس.
    لكن في البداية: من أين أخذ هذا الكوكب اسمه؟
    أورانوس هو اسم إله السماء الإغريقيّ. وفي أساطير الفلك، كان اسم الأرض غايا باليونانية. وغايا "أو الأرض" كانت أمّ الجبال والوديان والجداول وكافّة التشكيلات البرّية الأخرى. وكانت متزوّجة من أورانوس الذي كان هو نفسه ملك الآلهة، إلى أن أطاح به ابنه ساتورن "أو زُحل".
    وأورانوس، الكوكب، هو واحد من تلك العوالم الغريبة التي تبدو منسيّة تقريبا في المخطّط الكبير للنظام الشمسيّ، على الرغم من اسمه غير العاديّ والذي كثيرا ما يخطئ الناس في نطقه. فلنعتبره شقيق نبتون النائي جدّا في نظامنا الشمسي. ومع ذلك فهو يستحقّ الاستكشاف لأن من شأن دراسته أن تعطي فكرة عن تشكّل العوالم الغازيّة في نظامنا.
    وأورانوس هو سابع أبعد كوكب عن الشمس. ولأنه بعيد جدّا عن الأرض، فإنه لا يتحرّك بسرعة في السماء الليلية. لذا فإن العديد من الفلكيين القدماء ظنّوا انه نجم. بل وحتى العلماء الذين أتوا في ما بعد، ومنهم مكتشفه وليام هيرشل، اعتقدوا في البداية انه مذنّب.
    المركبة فويجر 2 سبق أن حلّقت بالقرب منه عام 1986 في رحلتها الطويلة عبر النظام الشمسيّ وجمعت الكثير من المعلومات والصور. وعندما وصلت أوّل تلك الصور إلى الأرض في يناير 1986، شعر العلماء بخيبة أمل عندما رأوا فيها كوكبا أزرق شاحبا وبلا ملامح. لكن تلك المعلومات والصور ساعدت في تحديد مهامّ مستقبلية لدراسة هذا الكوكب الغامض.
    أورانوس هو الكوكب الوحيد في نظامنا الشمسيّ الذي لا يدور حول محوره. كما انه، وخلافا لبقيّة الكواكب، مائل بمقدار 99 درجة، أي أنه يدور على جانبه. وبسبب ميلان محوره بشدّة، فإن طقسه غير مألوف، وتثور في أجوائه عواصف ربيعية عملاقة يمكن أن تصل أحيانا إلى حجم أمريكا الشمالية.
    ويسود اعتقاد بأن جسما ضخما ارتطم بهذا الكوكب منذ أزمنة سحيقة. وعلى ما يبدو كان الارتطام قويّا جدّا لدرجة انه غيّر تماما وإلى الأبد اتّجاه دورانه.
    لكن هناك نظرية أكثر حداثة تقول إن الميلان الشديد لمحور أورانوس قد يكون ناجما عن قمر كبير جُذب ببطء بعيدا عنه من قبل كوكب كبير آخر. ويُحتمل أن يكون هذا حدث منذ فترة طويلة جدّا عندما كان نظامنا الشمسيّ ما يزال في بدايات تشكّله.
    وعلى الرغم من أنه يمكن رؤية أورانوس بالعين المجرّدة في السماء ليلا، تماما مثل الكواكب الكلاسيكية الأخرى، أي عطارد والزهرة والمرّيخ والمشتري وزُحل، إلا انه ساد ولفترة طويلة اعتقاد خاطئ بأنه نجم بسبب ضوئه الخافت ودورانه البطيء.


    وهذا الكوكب هو عبارة عن عالم غازيّ أخضر مشوب بزرقة. وهو أصغر من كوكب المشتري وزُحل الضخمين. ومثل هذا الأخير، فإن له سلسلة من الحلقات المتّحدة المركز. وفي حين أنها ليست مميّزة من حيث الحجم كما حلقات زُحل، إلا أنها غير عاديّة، بل وفريدة من نوعها. والأكثر غرابة هو أن هذه الحلقات مموضعة جانبيّا كما هو وضع الكوكب نفسه.
    ويُعتقد أنه يتألّف من الصخور والجليد، كما أن له نواة صلبة كبيرة. وبسبب الضغط الهائل في الكوكب، ثمّة احتمال بوجود كمّيات كبيرة من قطع الألماس الضخمة فيه أو على سطحه.
    قطر أورانوس يبلغ أكثر من 50 ألف كم، أي حوالي 4 أضعاف قطر الأرض. وهو يبعد عن الشمس بحوالي 3 بلايين كيلومتر. ويلزمه 84 عاما كي يدور مرّة واحدة حول الشمس. وهذا يعني أن العام الواحد على الكوكب يساوي 84 عاما بزمن الأرض.
    أما النهار على أورانوس فيستغرق 17 ساعة فقط بزمن الأرض. ولكن ميلان الكوكب أدّى إلى أن أحد قطبيه فقط هو الذي يواجه الشمس. لذلك، عندما تقف على القطب الشماليّ للكوكب، يمكنك أن ترى الشمس وهي ترتفع في السماء وتدور حول الكوكب لمدّة 42 عاماً بزمن الأرض قبل أن تغرب أخيرا تحت خطّ الأفق. وعند غروب الشمس وراء الأفق، تبدأ 42 عاما أخرى من الظلام.
    ويتألّف أورانوس في الغالب من غاز الميثان الذي أعطاه لونه الأزرق المميّز. ويظهر في سمائه 27 قمرا يحمل معظمها أسماء شخصيّات من أعمال وليام شكسبير وألكسندر بوب. وأكبر هذه الأقمار هو تيتانيا، يليه أوبيرون فـ أرييل وميراندا وكورديليا وجولييت وكريسيدا وأوفيليا. وتتألّف هذه الأقمار في الغالب من الجليد والصخور.
    وأورانوس يُعتبر أبرد كوكب في النظام الشمسيّ كلّه. ورغم أن نبتون أبعد عن الشمس منه بأكثر من بليوني كيلومتر، إلا أن أورانوس أشدّ من نبتون برودة. كما انه يمتصّ حرارة من الشمس بأكثر مما يشعّه منها. بل إن ما يشعّه من حرارة قليل جدّا.
    ورغم ذلك، يرجّح العلماء إمكانية وجود محيط ضخم تحت سطحه. والمثير للاهتمام أنه يُعتقد أن درجة حرارة هذا المحيط قد تكون ساخنة للغاية، وربّما تبلغ 2760 درجة مئوية!
    أورانوس كان أوّل كوكب في النظام الشمسيّ يتمّ "اكتشافه". والكواكب التي كانت معروفة وقت اكتشافه هي عطارد والزهرة وزُحل والمرّيخ والمشتري. وهذه الكواكب هي التي كان قد رآها علماء الفلك القدامى عيانا دونما حاجة إلى تليسكوبات أو مناظير وأطلقوا عليها أسماء آلهة.
    أمّا أورانوس فلم يُكتشف إلا في وقت متأخّر جدّا، وبالتحديد في مارس من عام 1781، على يد عالم الفلك البريطاني وليام هيرشل وباستخدام أجهزة علمية.
    في ذلك الوقت كان علماء الفلك يبحثون في السماء الليلية عن المزيد من الكواكب، وسرعان ما وجدوا أورانوس ونبتون. وتلا ذلك اكتشاف الكوكب التاسع بلوتو الذي أصبح الآن مصنّفا كنجم.
    وكان من بين الأسماء التي اقتُرحت للكوكب في البداية "مينيرفا" إلهة الحكمة الرومانية و"هيرشل"، أي اسم مكتشفه. وفي محاولة منه لمجاملة ملك انجلترا آنذاك جورج الثالث، عرض هيرشل أن يطلق على الكوكب اسم كوكب جورج. لكن الفكرة لم تلاق استحسانا خارج انجلترا. ثم جاء الفلكيّ الألمانيّ يوهانس بود الذي دوّن معلومات مهمّة عن مدار الكوكب وأطلق عليه اسمه الحالي، أي أورانوس.
    وكان اختيار هذا الاسم مناسبا كثيرا. فـ ساتورن "أو زُحل" هو اسم والد جوبيتر "أو المشتري". ومن المنطقيّ أن يحمل الكوكب الذي يليه إلى الخارج اسم والد ساتورن، أي أورانوس.

    Credits
    universetoday.com
    space.com

    الأربعاء، مايو 13، 2015

    محطّات


  • هل سبق وأن تخيّلت حصانا يعدو بسرعة ألف ميل في الساعة دون أن يصاب بالإعياء أو التعب؟ الأرض هي ذلك الحصان. وهي تدور بسرعة 1040 ميلا كلّ ساعة، ومع ذلك لا نشعر بحركتها أبدا. والواقع أن لا شيء ساكن في هذا الكون، كلّ شيء فيه يدور ولا يتوقّف عن الدوران، من اصغر اليكترون إلى أضخم مجرّة. وكلّ دوران لجرم في الكون يخبرنا الكثير عن طريقة دورانه وبُنيته وتاريخ حياته.
    الفلكيّ اليوناني بونتيكوس الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد هو أوّل من جاء بالفكرة الثورية القائلة بأن الأرض هي أيضا تدور وتتفاعل مع حركة الشمس والنجوم. وقد اكتشف تتبّع العلماء للنجوم أن مجرّتنا "درب التبّانة" مغمورة في صدفة عملاقة من المادّة، مثل سفينة في زجاجة. وبعض مناطق المجرّة مخفية، ليس في المكان وإنما في الزمان.
    وعلى مدى عمر الإنسان، فإن هيكل المجرّة لم يتغيّر. ولكن كلّ نجمة في السماء، بما في ذلك الشمس، تدور حول مركز المجرّة مرّة واحدة كل 240 مليون سنة بسرعة 137 ميلا في الثانية الواحدة. وحتى مع هذه السرعة الفائقة جدّا، فإننا نكون قد أكملنا بالكاد 20 دورة منذ ولادة كوكبنا.
  • ❉ ❉ ❉

  • صوت السنطور فيه توق وشجن، تسمع نغمات هذه الآلة الشرقية فتتذكّر أشعار العارفين وتتخيّل محطّات القوافل والمعابد القديمة والواحات في وسط الصحراء وحكايات السحر والأساطير القديمة.
    وأوّل إشارة إلى السنطور وردت في كتاب "مروج الذهب" للمؤرّخ المسعودي الذي عاش في القرن العاشر الميلادي. وقد ذكره في معرض حديثه عن الموسيقى الفارسية وعن آلاتها المختلفة خلال حكم الدولة الساسانية. كما ورد ذكر السنطور في قصيدة للشاعر الفارسي مانوشير من القرن الحادي عشر الميلادي.
    وعلى الرغم من أن الموسيقيّ الفارسي عبد القادر المراغي من القرن الثالث عشر تحدّث في كتاباته عن آلة موسيقية تُسمّى الياتوفان والتي تشبه كثيرا السنطور، إلا أن آلة السنطور التي نعرفها اليوم كانت غائبة عن تاريخ الموسيقى حتى القرن التاسع عشر. ومع ذلك فإن آلة القانون التي تشبهها كثيرا كانت موجودة في إيران طوال قرون قبل ذلك. وقد أورد الفيلسوف والموسيقيّ الفارابي الذي عاش في القرن العاشر الميلادي وصفا مصوّرا للقانون في مؤلّفه "كتاب الموسيقى الكبير". وتظهر هذه الآلة في اللوحات والمنمنمات التي تعود للقرن السادس عشر.
    ومع ذلك، فإن آلة السنطور لا تشبه القانون سوى في الشكل. ومعظم المؤرّخين يعتقدون أن أصل الآلة يعود إلى إيران. غير أنها موجودة، مع بعض الاختلافات في الشكل، في أنحاء مختلفة من العالم كالصين والهند وبعض البلدان الغربية. وقد ارتبط السنطور بأسماء العديد من العازفين، من أشهرهم فارامارز بيوار ومشكاتيان ومجيد كياني وغيرهم.
  • ❉ ❉ ❉

  • لأوّل وهلة، لن تجد ما يشدّك أو يثير اهتمامك في لوحات الرسّام الاسباني ريموندو غاريتا. كان مشهورا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين. وقد عُرف بلوحاته التي تتناول الجانب المريح من الحياة. مناظره ذات الطابع الكلاسيكي والأكاديمي عن الحياة اليومية تتضمّن صورا لنساء منهمكات في أنشطة الراحة وفي الرياضة أو الحفلات. وهذا النوع من اللوحات كان رائجا كثيرا في بدايات القرن الماضي، وكان الأغنياء يبحثون عنها ويقتنونها.
    وفي بورتريهاته تبرز قمّة نضجه الفنّي وبراعته في استخدام الألوان ومزجها بالمشاعر المرهفة والتنفيذ المتقن. هذا البورتريه بعنوان "رسالة حبّ" استخدم غاريتا في تنفيذه ضربات الفرشاة الفضفاضة والسمات الزخرفية. في ذلك الوقت كان الرسّام قد انتقل من باريس إلى نيويورك حيث عمل هناك لبعض الوقت.
    أعمال غاريتا المبكّرة تتّسم بمسحة أكاديمية واضحة. وبعد أن جرّب الرسم الأكاديمي لبعض الوقت، تحوّل إلى الرسم الزخرفي. كما أن في أسلوبه شيئا من الروكوكو ومن الأساليب اليابانية. وقد أهّلته مقدرته الفنّية لأن يكون رسّام بورتريه ناجحا بأسلوب الصالون. وكان يتقاضى مبالغ طائلة مقابل عمله.
    كان الرسّام كثير الترحال مع علاقات واسعة ومتنوّعة. وكان صديقا للرسّام الايطالي جوسيبي دي نيتيس. كما كان جهده ملموسا في الترويج لباريس كعاصمة للفنّ في مطلع القرن الماضي. وقد أضاف غاريتا لمسة أناقة شخصية إلى البورتريه الفرنسي. اليوم يمكنك أن تجد لوحاته في العديد من المتاحف، كالمتروبوليتان وبرادو والأورسيه. ومن أشهر لوحاته الأخرى المعروفة "باقة الورد" و"بورتريه سيّدة" و"الغجرية" وغيرها.
  • ❉ ❉ ❉

  • ترى ما الأشياء التي يُفترض أن تفعلها امرأة تعيش في منتصف القرن الثامن عشر كي تجذب اهتمام رجل؟ قد يكفي لهذه المهمّة ارتداء بعض الشرائط والأطواق مع فستان مبهرج الألوان وزوج من الأحذية الأنيقة. ميري، وهي ابنة لمحامٍ مرموق، كانت تحوز كلّ هذه المؤهّلات بالإضافة إلى أنف جميل إلى حدّ ما. وعندما بلغت السنّ المطلوبة للزواج وجدت نفسها أمام عدد لا يُحصى من الخاطبين.
    والدها كان رجلا غنيّا. وربّما لهذا السبب كان طالبو يدها للزواج كثيرين، خاصّة بعد أن عرض الأب مهرا مغريا على أيّ شخص يصلح لأن يكون صهرا مقبولا ومناسبا. وكما يقال أحيانا، لا شيء يجذب كثرة الخُطّاب مثل خصر ضيّق وحضن واسع ومبلغ مغرٍ من المال. وفي النهاية، قرّرت ميري أن تختار من بين هؤلاء جميعا شخصا يُدعى هنري، وهو سليل عائلة ارستقراطية من اسكتلندا.
    وقد وافق والد ميري على اختيارها للرجل ورحّب به في منزل العائلة كخطيب لابنته. ولم يكن هناك سوى مشكل واحد صغير يقف حائلا في طريق السعادة المستقبلية للفتاة. كان ذلك التفصيل الصغير والتافه يتمثّل في كون الخطيب متزوّجا من امرأة أخرى تقيم في اسكتلندا وله منها طفل. وعلى الرغم من تأكيدات هنري أن زواجه من تلك المرأة كان غير رسمي، إلا أن والد ميري سحب على الفور موافقته على الزواج وركل الرجل خارج منزله.
    ميري، العالقة في الحبّ، لم تستطع تحمّل قرار والدها واستمرّت في اقترانها بالرجل الذي بدأ ينسج خيوط مؤامرة مستترة نوعا ما ومجنونة بعض الشيء. بدأ يرسل لميري "مسحوق الغفران"، وهو وصفة يقال إن مصدرها نساء اسكتلندا العجائز. واقترح هنري على ميري أن تدسّ بعض ذلك المسحوق في عشاء أبيها على أمل أن يُليّن قلبه على نسيبه ويعيده في نهاية المطاف إلى رشده.
    ولم يكن ذلك مسحوق غفران من أيّ نوع، بل كان الزرنيخ. وبعد بضعة أشهر، كان والد ميري قد مات. واتُهمت ابنته بقتله، بينما تمكّن خطيبها من الهرب إلى باريس. وأثناء محاكمتها، اعترفت ميري بدسّ المسحوق لوالدها. وفي احد أيّام ابريل من عام 1752 نُفّذ فيها حكم الإعدام شنقا خارج قلعة أكسفورد بعد أن أدينت رسميّا بقتل والدها.
    وكان طلبها الأخير أن لا تكون المشنقة عالية مراعاة لحشمتها، كما قالت. ولم يكن يهمّها أنها قتلت والدها أو أنها ستُعدم على الملأ. ولكن هل كانت ميري هي الملومة حقّا على وفاة أبيها؟ قالت للمحكمة أنها وضعت المسحوق في طعامه بعد أن أكّد لها زوجها انه سيجعله يحبّه ولم تعرف انه سيقتله. لكن المحلّفين لم يصدّقوا مزاعمها.
    قد يكون الجاني الحقيقيّ هو العمى المؤلم الذي يسبّبه الحبّ الممنوع. وقد يكون كيد الزوج ونهمه للمال وبحثه عن المكسب من خلال الخداع والجمع بين زوجتين. وقد يكون قسوة المجتمع الذي لم يوفّر للمرأة سوى القليل من الفرص والخيارات. قد يكون الجاني كلّ هذه الأشياء مجتمعة. ولكن في الغالب كان دسّ السمّ من قبل ميري في أكل والدها هو السبب في موته. ولزمن طويل، اعتقد الناس أن شبح ميري ما يزال يحوم حول منزلهم على ضفّة النهر ويظهر في الحانات المجاورة ومن وراء النوافذ المواربة. ربّما كانت تبحث عن السعادة في الحبّ التي افتقدتها أثناء حياتها. والبعض الآخر الأكثر عقلانية يقولون إن قصّة الأشباح تلك مجرّد تخيّلات.

  • Credits
    santur.com
    archive.org

    الجمعة، أبريل 03، 2015

    محطّات

    قطار إلى لشبونة


    ترى هل ساورك يوما شعور مفاجئ بالحاجة لأن تتخلّى عن حياتك السابقة وراء ظهرك وتبدأ حياة جديدة ومختلفة؟
    ما يحدث في كثير من الأحيان هو أن حادثة واحدة وغير متوقّعة يمكنها أن تساعدنا على أن نقهر خوفنا الغريزي من المجهول ونبدأ حياة واعدة ومثمرة وتستحقّ أن تُعاش.
    هذه هي الفكرة التي تتمحور حولها رواية قطار ليلي إلى لشبونة للفيلسوف والكاتب السويسري باسكال ميرسييه التي أصبحت احد أكثر الكتب مبيعاً بعد ترجمتها من الألمانية للانجليزية، ثمّ بعد أن تحوّلت إلى فيلم سينمائي قبل حوالي سنتين.
    في الرواية يحكي المؤلّف عن رحلات مدرّس أدب كلاسيكي سويسري يُدعى ريمون غريغوريوس الذي يحاول استكشاف حياة طبيب برتغالي يدعى اماديو دي برادو أثناء حكم سالازار للبرتغال.
    برادو نفسه ليس طبيبا فحسب، بل يمكن أيضا اعتباره مفكّرا ومهتمّا بالأدب. كما انه دائم التأمّل في أحوال العالم وفي التجارب الإنسانية. والقارئ يلمس عقليّته المتوقدة من خلال سلسلة من الملاحظات المكتوبة التي يحاول فيها استكشاف مدى وعي وقدرة الإنسان على اكتشاف ذاته وقدرة اللغة على تشكيل وتفكيك تجارب البشر ورغباتهم وهويّاتهم.
    في ما يلي بعض ملاحظات برادو التي يجمعها ويقرؤها غريغوريوس في ثنايا هذه الرواية..
  • نترك شيئا من أنفسنا خلفنا عندما نغادر مكانا ما. إننا نمكث هناك حتى وان كنّا قد ذهبنا. وفي دواخلنا أشياء لا يمكن أن نجدها مرّة أخرى إلا عندما نعود إلى هناك؛ إلى نفس المكان.
  • أهرب عندما يبدأ شخص ما يفهمني. لا أريد لأحد أن يفهمني بالكامل. أريد أن أعيش حياتي غير معروف. عمى الآخرين هو بالنسبة إليّ سلامتي وحرّيتي.
  • عندما نتكلّم عن أنفسنا وعن الآخرين أو عن أيّ شيء، فإننا نكشف عن أنفسنا في كلماتنا. إننا نريد أن نُظهر ما نفكّر فيه وما نشعر به. وبذا نوفّر للآخرين فرصة لأن يُلقوا نظرة إلى داخل أرواحنا.
  • من الحكمة أن نبدأ في تحقيق الأمنيات الصغيرة التي طالما حلمنا بها، وأن نُصلح خطأ الاعتقاد بأنه سيتوفّر لدينا وقت في المستقبل لتحقيقها. قم بالرحلة التي طالما حلمت بالقيام بها، تعلّم لغة ما، إقرأ تلك الكتب، اشترِ هذه القطعة من المجوهرات، إقضِ ليلة في ذلك الفندق المشهور. لا تمنّ على نفسك بتحقيق هذه الأشياء الصغيرة. الأشياء الأكبر هي جزء من ذلك: تخلّ عن الوظيفة المملّة، اخرج من تلك البيئة الكريهة، إفعل شيئا يجعلك تبدو على حقيقتك أكثر ويجعلك اقرب إلى نفسك.
  • الخوف من الموت يمكن أن يوصف أحيانا بأنه خوف الإنسان من أن لا يكون قادرا على أن يكون الشخص الذي كان يخطّط لأن يكونه.
  • كيف سيكون عليه الحال بعد الجملة الأخيرة؟ كان دائما يخاف من آخر جملة. وابتداءً من منتصف أيّ كتاب، كان يتعذّب دائما من فكرة انه لا بدّ، ومن المحتّم، أن تكون هناك جملة أخيرة.
  • أشعر بالحزن على الأشخاص الذين لا يسافرون. عدم قدرة الإنسان على أن يتوسّع نحو الخارج يُفقده القدرة على أن يتوسّع إلى الداخل أيضا. والإنسان الذي لا يسافر محروم من إمكانية التنزّه داخل نفسه واكتشاف من هو وما الذي يمكن له أيضا أن يحقّقه.
  • حياتنا عبارة عن أنهار تتهادى منحدرة باتّجاه ذلك البحر اللانهائي الذي لا يمكن سبر غوره: القبر الصامت.
  • الشعور ليس هو نفس الشعور عندما يأتي في المرّة الثانية. إنه يموت أثناء وعينا بعودته. إننا نتعب ونملّ من مشاعرنا عندما تأتي بشكل متكرّر وتبقى معنا أطول ممّا ينبغي.
  • ❉ ❉ ❉

    بريولوف وملهمته


    كانت الكونتيسة يوليا سامويلوفا ملهمة الرسّام الروسي كارل بريولوف . كانا مرتبطين بقصّة حبّ، وقد رسم لها العديد من اللوحات من بينها هذه اللوحة التي تظهر فيها وهي تمتطي حصانا برفقة ابنتها.
    كانت سامويلوفا تنتمي إلى المجتمع البورجوازي، وكان والدها جنرالا يمتّ بصلة قرابة من بعيد لكاثرين العظيمة.
    وقد تزوّجت من احد الأمراء. لكن الزواج لم يستمرّ طويلا، وراجت العديد من التكهّنات عن أسباب الطلاق، منها أن يوليا كانت تتخذ لنفسها عشّاقا كثيرين.
    كان منزلها مقصدا لعشرات الزوّار والأشخاص المهمّين الذين كانت تقدّم لهم الأطعمة والمشروبات بسخاء. وربّما كان كرم الضيافة عندها يتجاوز أحيانا الحدود المتعارف عليها.
    انتقلت الكونتيسة يوليا سامويلوفا إلى ايطاليا بعد أن تركت عاصمة روسيا. وفي إثرها سار عدد من الشائعات وأحاديث النميمة. وفي ميلانو، أصبح الرسّام كارل بريولوف من بين من يتردّدون على قصرها.
    وقد لاحظ الناس التغيير الذي طرأ على سلوكها. فقد أصبحت تُعامل الرسّام كما لو انه قدّيس. وكان هو قريبا جدّا منها وكانت معجبة بفنّه. كتبت له ذات مرّة تقول: لا احد في هذا العالم معجب بك ويحبّك بمثل ما أنا معجبة بك ومحبّة لك. احبّك أكثر ممّا استطيع قوله. وسأظلّ احبّك إلى أن يواريني القبر".
    ولم تكن سامويلوفا وبريولوف يخفيان عن الناس علاقتهما الحميمة. لكن حبّهما كان غريبا، إذ لم تكن تخالطه غيرة. كانت تصله رسائلها حتى عندما يكون بعيدا عنها. "اخبرني أين أنت الآن، ومن تحبّ أكثر: يوليا أم الأخرى"؟ كتبت له ذات مرّة.
    ملامح الكونتيسة تظهر مثل الهاجس في العديد من لوحات بريولوف. في لوحته المشهورة آخر أيّام بومبي ، منح وجهها لامرأتين، ثم رسم نفسه كرجل وسيم وأشقر الشعر يحاول الاختباء من حمم النار المنهمرة بوضع كرّاس على رأسه. حتى رسوماته الأخرى تحتوي على وجوه تشبه وجه ملهمته الأسطورية يوليا.
    علاقة يوليا سامويلوفا وكارل بريولوف انتهت فجأة ولأسباب غير معروفة. وقد تزوّجت بعده أربع مرّات، كان آخرها عند بلوغها سنّ الستّين. ومع ذلك لم تذق في أيّ من زيجاتها الأربع طعم السعادة. كما لم تعد إلى روسيا بعد ذلك أبدا، واستمرّت تقيم في باريس إلى حين وفاتها في العام 1875م.

    ❉ ❉ ❉

    استراحة موسيقية


  • لم أكن اعرف هذه المقطوعة من قبل. لكن لأنني استمعت لها مرارا مؤخّرا واستمتعت بها، وجدت أنه قد يكون من المفيد أن أضعها هنا. سوناتا الكمان رقم 378 مقطوعة تأمّلية كتبها موزارت في عام 1779 وأهداها إلى تلميذته جوزيفا فون اورنهامر مجاملة لأبيها الثريّ.
    ومع أن هذه السوناتا ليست من بين أشهر ما كتبه موزارت، إلا أنها وُصفت في وقتها بأنها فريدة من نوعها وغنيّة بالأفكار الجادّة وبالشواهد التي تؤكّد العبقرية الموسيقية لصاحبها.


  • من أشهر مؤلّفات موزارت الأخرى كونشيرتو الكمان رقم 3 والمؤلّف من ثلاث حركات. وقد كتب هذا الكونشيرتو عام 1775 وعمره لم يكن قد تجاوز التاسعة عشرة.
    وكان موزارت يسمّيه كونشيرتو ستراسبورغ، لأنه استخدم في الحركة الثالثة منه جزءا من رقصة كانت تشتهر بها هذه المدينة.
    موزارت ألّف خلال حياته القصيرة خمسة كونشيرتوهات للكمان. ويقال، مع أن هذا ليس مؤكّدا، انه ألّفها جميعا في نفس تلك السنة. غير أن هذا الكونشيرتو ظلّ هو الأكثر شعبية من بين الكونشيرتوهات الخمسة بسبب جمال وبساطة أنغامه.
  • ❉ ❉ ❉

    دراما كونية


    من الحقائق العلمية التي باتت مؤكّدة اليوم أن الكون في حالة تمدّد دائم ومستمرّ. العالِم الفلكيّ ادوين هابل قاس تمدّد الكون ووجد أن المجرّات تندفع بعيدا عنّا بمعدّل 74 كيلومتر في الثانية كل ميغا بارسيك. والميغا بارسيك يساوي أكثر من ثلاثة ملايين سنة ضوئية.
    لكن إذا كان الكون يتمدّد فعلا، فلماذا تبدو مجرّتنا درب التبّانة على مسار تصادمي مع مجرّة اندروميدا؟ أليس من المنطقي أن تتراجع المجرّتان معا إلى الوراء بنفس تلك الوتيرة من السرعة الهائلة؟!
    من السهل تصوّر أن المجرّات تتحرّك بعيدا عن بعضها البعض. لكن الدلائل على الاصطدامات بين تلك العوالم الهائلة والعملاقة تملأ أرجاء الكون، ما يعني أن المجرّات تتحرّك بعيدا وترتطم ببعضها البعض، وهذا يحدث كثيرا وبوتيرة اكبر مما نظنّ.
    المجرّة التي تُعتبر جارتنا القريبة، أي اندروميدا، تتحرّك باتجاه مجرّتنا درب التبّانة بمعدّل حوالي 250 ألف ميل في الساعة، وهي سرعة تكفي لأن تنقلك إلى القمر في ظرف ساعة واحدة فقط.
    والفضل في ذلك هو لجاذبية المادّة المظلمة التي تحيط بالمجرّتين وتشدّهما إلى بعضهما بشكل وثيق، لدرجة أنهما يقاومان تمدّد الكون، وبدلا من ذلك تنجذبان إلى بعضهما البعض.
    وعندما يحدث الاصطدام الرهيب والمحتّم بينهما، وهو أمر لا يُحتمل أن يشهده البشر، فإنهما سيخلقان مجرّة واحدة بيضاوية الشكل، بينما سيتسبّب الاندماج بينهما في انفجار هائل يؤدّي إلى تشكّل نجوم وثقوب سوداء بالغة الضخامة تأخذ مكانها في قلب المجرّتين.
    واندماج المجرّتين لن ينتهي هنا. فتوأم اندروميدا أو مجرّتها الجارة المسمّاة ترايانغولوم "أو المثلّث"، والتي تتّصل مع المجرّتين بالمادّة المظلمة، سوف تنضمّ هي أيضا إلى الاصطدام، وسيتطلّب الأمر بليوني سنة أخرى لكي تندمج مع "ميلكوميدا" بشكل كامل.
    مجرّة درب التبّانة مساحتها مائة ألف سنة ضوئية. ومع ذلك يمكن أن تضع خمسين درب تبّانة داخل المجرّة المسمّاة IC 1101، وهي أكبر مجرّة اكتُشفت حتى الآن.
    أما اندروميدا، الأقرب إلى مجرّتنا، فتقع على بعد مليونين ونصف المليون سنة ضوئية فقط. في وسط هذه المجرّة، يوجد ثقب أسود ضخم يشبه مكنسة كهربائية هائلة. وهذا الثقب قويّ جدّا لدرجة أنه حتى الضوء لا يمكنه الإفلات منه.
    وفي عام 2005، اقترب تلسكوب الفضاء هابل من اندروميدا والتقط صورا مكبّرة لمركزها كشفت عن وجود قرص أزرق على شكل فطيرة يدور بالقرب من الثقب الأسود. وأظهر مزيد من التحليل أن هذا لم يكن مجرّد غبار ساخن، بل كان وهجا قادما من ملايين النجوم الزرقاء الفتيّة.
    وهذه النجوم تدور حول الثقب الأسود بسرعة تصل إلى أكثر من مليوني ميل في الساعة. وهي سرعة تكفي لإكمال الدوران حول الأرض في أربعين ثانية فقط.
    المجرّات عوالم رائعة وجميلة. لكنها أحيانا تتصرّف مثل أكلة اللحوم فيفترس بعضها بعضا بطريقة متوحّشة. والمجرّات الضخمة الحجم، مثل مجرّتنا، ما تزال تلتهم مجرّات اصغر حجما وتهضمها فتزداد ضخامة واتّساعا.

    ❉ ❉ ❉

    لوحة كاملة


    يمكن القول أن هذه اللوحة محكمة في كلّ شيء. وقد رُسمت ببراعة ولُوّنت بأفضل طريقة. إنها لوحة رائعة وبلا عيوب، من حيث نوعية الطلاء وعمل الفرشاة والتناغم الرائع بين الألوان والتفاصيل والتعبيرات على الوجوه.
    بعض النقّاد يقولون إن من الصعب الحكم على الرسّام من خلال قياس اللوحة أو حجمها. وهذه اللوحة ضخمة وتستحقّ أن يشاد بنجاح الرسّام في تنفيذها، إذ عندما يُرسم كلّ شيء بنجاح مذهل فإن ذلك يُعتبر انجازا في حدّ ذاته.
    صحيح أن لـ يواكين سورويا لوحات أخرى جميلة كثيرة، لكن لا يمكن مقارنة لوحته هذه بأيّ شيء آخر. وقد رسمها في سنواته المبكّرة عندما كان تأثير مواطنه فيلاسكيز عليه واضحا.
    اسم اللوحة إصلاح الشراع ، وقد رُسمت في حديقة منزل. وفيها يظهر جماعة من صيّادي السمك وهم يخيطون مع بضع نساء شراع سفينة في ضوء شمس البحر المتوسّط التي تتغلغل أشعّتها من بين أغصان الشجر.
    شارك سورويا بهذه اللوحة في عدّة معارض دولية، ففاز عليها بالميدالية الذهبية الأولى في معرضين، واحد أقيم في ميونيخ والثاني في فيينا.
    في بداياته، سافر سورويا في بعثة دراسية إلى ايطاليا، وقضى وقتا في روما حيث أتقن تدريبه الأكاديمي، كما عرّف نفسه بأعمال الرسّامين القدامى والمعاصرين.
    وقد سمحت له تلك البعثة أيضا بزيارة باريس، حيث تعرّف على الرسم الأكاديمي الواقعي الذي ألهمه رسم المواضيع الاجتماعية.
    لوحة إصلاح الشراع، جسّد فيها سورويا آثار ضوء الشمس الذي أصبح علامة فارقة على فنّه. وهناك لوحة أخرى له تشبه هذه اللوحة هي العودة من الصيد ، وهي لوحة عظيمة أيضا في تصويرها وفي تنفيذها.

    Credits
    bookforum.com
    britannica.com
    universetoday.com

    الجمعة، أغسطس 08، 2014

    المرّيخ واحد/2

    في الجزء الأوّل تناولنا بعض الأسباب التي يسوقها المعترضون على مشروع Mars One(أو المرّيخ واحد) الذي يهدف إلى إرسال مركبة مأهولة إلى المريخ. وفي هذا الجزء نستعرض حجج مؤيّدي المشروع والتي يمكن تلخيصها في الأمور التالية:
  • الكثير من الأنشطة التي يمارسها البشر لا تخلو بطبيعتها من عنصر مخاطرة. الطيّار يخاطر عندما يقود طائرة غير مفحوصة. والمستكشف يخاطر عندما يذهب إلى مناطق مجهولة. والجنود يخاطرون إذ يذهبون إلى مناطق صراع. وأيضا روّاد الفضاء يخاطرون بذهابهم إلى الفضاء البعيد. والمجتمعات لا تتطوّر من دون أشخاص يخاطرون بأنفسهم وحياتهم.
    وهؤلاء الأشخاص الذين يريدون الذهاب إلى المرّيخ إنما يبادلون حياتهم بمكان عظيم في كتب التاريخ بخدمتهم العلم ومستقبل البشرية. ويجب ألا يحال بينهم وبين تحقيق ذلك.
  • في ماضي الأرض السحيق، كان هناك نشاط بركانيّ عنيف دفع بالغبار والصخور التي تحتوي على ميكروبات إلى الفضاء الخارجي، ووصل بعض ذلك الركام إلى المرّيخ. وبعض العلماء يعتقدون أن ملايين الأطنان من تربة الأرض موجودة على ارض المرّيخ. وإذا وُجد في ذلك الكوكب حياة فقد جاءت أساسا من الأرض.
    والإشعاع لن يكون مشكلة كبيرة مقارنة بالأخطار الأخرى. فمركبة كيوريوسيتي قامت مؤخّرا بقياس مستويات الإشعاع في المرّيخ، ووجدت أن البقاء على أرضه لعام واحد يزيد فرصة الإصابة بالسرطان بحوالي خمسة بالمائة فقط. ولو كنت تدخّن السغائر هنا على الأرض فإن هذا يزيد فرص إصابتك بالسرطان بحوالي 20 بالمائة. لذا لا داعي لرسم صورة سوداوية عن طبيعة الحياة على المرّيخ، إذ قد يجد فيه البشر ضالّتهم المنشودة بعد أن افسدوا كوكبهم الصغير.
  • هل الأرض جنّة فعلا؟! هي بالتأكيد ليست كذلك. فهناك على الأرض أماكن لا يتمنّى أيّ إنسان أن يذهب أو يهاجر إليها مطلقا. ومع ذلك عاش فيها الناس لملايين السنين. الأرض، في أكثر أوقاتها وأماكنها، لم تكن أبدا جنّة. وبقاؤنا عليها يعتمد على التكنولوجيا إلى حدّ كبير. في شمال الأرض، مثلا، الجوّ ابرد بكثير من جنوبها، وعليك أن ترتدي ملابس أثقل. ونفس الشيء ينطبق على المرّيخ.
    وهناك أناس غادروا أوربّا ولم يعودوا إليها وكان كلّ شيء على ما يرام. وطبيعة المرّيخ طبعا أقسى من استراليا وأمريكا. كما أن شواطئ استراليا أو كوبا أو البرازيل ليست صحراء قاحلة تنوء تحت ثقل المطر الإشعاعي. لكن الرحلة ستوفّر فرصة للإجابة على سؤال كبير كان الإغريق القدماء يطرحونه دائما: هل نحن لوحدنا في الكون؟!
  • أوّل شرط للاستيطان في المرّيخ هو تعديل تضاريس الكوكب أو ما يُسمّى بـ "التيرافورمنغ"، ثم تغيير مسارات المذنّبات التي تصطدم بأرض الكوكب، ثم وجود ماء ومعادن وغلاف جوّي مؤقّت. ولتعديل تضاريس المرّيخ، يحتاج الأمر لمئات وربّما آلاف السنين.
    والبديل الأسلم لمثل هذه الرحلة غير الآمنة هو أن تُرسل بعثة إلى هناك مع نيّة العودة إلى الأرض. الاستيطان الدائم منذ المحاولة الأولى محض جنون. لا يمكن تأسيس حياة مستقرّة هناك إلا بعد عدّة رحلات وبعد أن توضع البنية التحتية اللازمة.
  • لنفترض أن عمر كلّ واحد من المشاركين 30 عاما وأنه سيتدرّب على مدى سبع سنوات، وإذا نجح سيكون عمره 38 عاما عندما يهبط على المرّيخ. في الواقع يجب إرسال أشخاص لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين. هذا مشروع استيطان. فكيف سيتناسلون هناك إذا كانوا فوق الأربعين؟! إن أهم سبب في أنهم ذاهبون هو توسيع فصيلتنا وضمان وصولنا وانتشارنا إلى داخل الفضاء.
    وأكثر المشاكل التي يتوقّع البعض حصولها يُحتمل أن تحدث لو افترضنا أن المستعمرة التي سيقيمها طاقم الرحلة لن تتطوّر بعد أن يصلوا. ولكي يظلّوا على قيد الحياة، يجب شحن أطنان من الموادّ والمؤن إليهم كلّ عام. ولا يجب أن ننسى أن تكاليف الإطلاق من وإلى المريخ مكلّفة للغاية.
  • الشيء الوحيد الذي يمكن أن يمنع حدوث هذه المغامرة هو كلفتها العالية جدّا. لكن ما أن تصل البعثة إلى الكوكب حتى تضع البنية الضرورية لدعم الحياة هناك لسنوات ودون حاجة لانتظار مساعدة خارجية. يجب أن تكون بيئتهم الواقية داخل كهوف المرّيخ حيث تتوفّر لهم حماية طبيعية من ضربات الشمس والإشعاع الكوني.
    لكي يعيش بشر في المرّيخ، يجب حفر مستوطنات تحت أرضه لأن الحياة على سطحه شبه مستحيلة. فهناك مذنّبات وإشعاع وعواصف غبار قويّة. والعيش تحت أرض الكوكب سيمنع كثيرا من تلك المشاكل. لذا يتعيّن أوّلا إرسال معدّات حفر ثمّ بناء أحياء تحت الأرض. وهذا سيستغرق عشرات السنين، لكنّه سينجح في النهاية.
  • هناك من يقول إن فرص نجاح مثل هذه الرحلة هي من واحد إلى صفر. ويجب أن تكون الغاية من ورائها ليس أن يُترك الأشخاص هناك، بل أن يبتكروا وسائل اتصال سريعة للسفر من وإلى الكوكب، وفي نفس الوقت أن يعملوا على تعديل تضاريسه.
    وهناك اعتقاد بأن المرّيخ يمكن أن يعاد إلى وضعه الطبيعي من خلال تعديل تضاريسه. لكن هذه ستكون عملية طويلة ومعقّدة ومصحوبة بمشاكل عديدة. غير أنها ستتحقّق في النهاية.
    وآخر الاكتشافات تقول بوجود ماء في معظم تربة الكوكب وأن استخراج الماء هناك ضروري. أما بالنسبة للطعام فيمكن زراعته في بيوت زجاجية. وأشعّة الشمس هناك قويّة بما يكفي لتحقيق هذا الغرض. كما يمكن الاستعانة بالألواح الشمسية لتوليد طاقة كهربائية.
  • كلّ إنسان بإمكانه أن يظلّ في بيته وأن يستمتع بحياته هنا على الأرض بهدوء. لكن لا يجب أن يكون مبلغ همّنا إحباط وتيئيس كلّ من أراد أن يحاول اكتشاف ما وراء التلّة أو رؤية ما خلف انثناءة النهر. نحن البشر مثل الأطفال. ومهدنا هو الأرض. والطفل الرضيع لا يمكن أن يبقى في مهده إلى الأبد.

    Credits
    community.mars-one.com
    universetoday.com
  • المرّيخ واحد

    لا بدّ وأن بعض القرّاء تابعوا قبل فترة خبر قيام إحدى الشركات الهولندية العاملة في مجال أبحاث العلوم والفضاء برصد مبلغ ستّة مليارات دولار لتسيير رحلة مأهولة إلى كوكب المرّيخ في بداية عام 2023م.
    وفي التفاصيل أن المكوك الفضائي الذي سيذهب إلى الكوكب الأحمر سيحمل على متنه بضعة متطوّعين وسيقطع مسافة تُقدّر بمائتي مليون كيلومتر على مدى سبعة أشهر.
    الرحلة إلى المرّيخ ستكون ذهابا بلا عودة، أي أن المسافرين إلى هناك لن يعودوا إلى الأرض أبدا، بل سيتركون مساكنهم للبعثة التي ستخلفهم بعد أن يموت آخرهم. وستُنقل وقائع الرحلة التاريخية في بثّ مباشر عبر الأقمار الاصطناعية. والغاية من المشروع، كما تقول الشركة الراعية، هي محاولة استكشاف عالم آخر غير الأرض يمكن أن يعيش فيه الإنسان.
    وهناك الآن آلاف المتطوّعين لهذه الرحلة من بينهم عرب. ومن هؤلاء طيّار سعوديّ في الثامنة والثلاثين من عمره. الطيّار، واسمه عبدالله الزهراني، تحدّث للصحافة عن قراره بالمشاركة في الرحلة وقال: أتمنّى أن أكون الطيّار المسلم الوحيد المشارك فيها". طبعا أكبرت في الزهراني إقدامه وجسارته، لكنّي لم افهم سبب إشارته إلى الدين في هذا السياق، أو لماذا يريد أن يكون "المسلم الوحيد" في الرحلة.
    هل السبب يكمن في الإحساس بأن إسهامات العرب في الحضارة المعاصرة تكاد تكون صفرا وأن أوطاننا لا تنتج سوى العنف والتطرّف الديني؟ وأكيد لا يمكن تخيّل أن يأتي صيني أو كوري ويقول: أتمنّى أن أكون المشارك الوحيد من أتباع كونفوشيوس أو بوذا!
    الطريف أن زوجة الطيّار السعودي ترفض حتى الآن مشاركته، إلا انه يأمل أن تغيّر رأيها لأنه يريد من خلال مشاركته خدمة البشرية.
    تعليقات بعض القرّاء على قرار الزهراني لم تكن تخلو هي الأخرى من طرافة، إذ أشاروا إلى أن غياب الزوج عن زوجته لأكثر من سنتين لا يجوز "لأن من حقّها أن تستمتع بمعاشرته ويتمتّع بمعاشرتها". ولحسن الحظّ، فإن الزهراني لا يفكّر بهذه الطريقة، ومن المؤكّد أن حدود مشاغله واهتماماته أوسع من هذا بكثير.
    لكن لنعد الآن إلى الرحلة/المغامرة. هناك من يمتدحها باعتبارها نقلة كبيرة ومهمّة في تاريخ العلم والإنسانية. وهناك من يرى أن المشروع عبثي وأنه سينتهي بمأساة. ويتساءل بعض هؤلاء: كيف يعطي المشاركون موافقتهم على تجربة ستنتهي بموتهم؟!
    المؤيّدون لفكرة الذهاب إلى المرّيخ لهم حججهم، والمعترضون على الفكرة لهم أسبابهم أيضا. ولنبدأ أوّلا بالمعترضين الذين يمكن إجمال وجهة نظرهم في النقاط التالية:
  • الأفراد الذين سيشاركون في الرحلة لن يعودوا إلى الأرض أبدا، أي أن الأمر أشبه ما يكون بأن تحبس شخصا داخل منزل دون أن يفقد عقله. وعلى المشاركين في الرحلة أيضا أن لا يمرضوا أبدا طوال السنوات التي سيقضونها على المرّيخ.
    وإذا عانوا من ضغط أو سكّر أو مرض في القلب، فسيكونون في حالة حرجة جدّا. وإن كانوا محظوظين وكُتبت لهم النجاة من الإشعاع الذي سيقصفهم طوال الرحلة، فسيموتون بعد وقت قليل من وصولهم إلى هناك. وإذا أفهموا كلّ هذه الأمور ثم أصرّوا على الذهاب، فليكن ذلك على مسئوليّتهم.
  • بيئة المرّيخ لا تدعم الحياة البشرية، وعليه فإن هؤلاء الأشخاص سيعيشون طوال ما تبقّى لهم من عمر داخل بيئة مكيّفة واصطناعية. والأسوأ من ذلك أن لا شيء ممّا يؤمّلونه سيصمد أو يتحقّق في أجواء الكوكب القاسية. وكلّ ما سيحتاجونه من طعام يجب أن يُزرع في محميّات. وسيحتاجون إلى معدّات لا يمكن صنعها في المرّيخ في المستقبل المنظور، بل لا بدّ من شحنها من الأرض ثم ضمان إصلاحها وصيانتها هناك، وهذا يتطلّب تكاليف مادّية طائلة.
  • من الواضح أن هؤلاء الأشخاص الذين ينوون الذهاب إلى المرّيخ، لا يدركون فعلا ما هم مقدمون عليه. هل يعرفون، مثلا، أنهم سيقضون بقيّة حياتهم دون أن يستنشقوا عبير زهرة أو يداعبوا طفلا أو يأكلوا وجبة شهيّة أو يمشوا في غابة أو يشعروا بالنظافة والحيوية بعد حمّام دافئ؟ المرجّح أنهم سيقضون بقيّة أعمارهم محبوسين داخل علبة قصدير ومحاطين بصحراء جافّة وقارسة البرد لا هواء فيها ولا حياة، بل غبار سامّ سيقتلهم ببطء في النهاية.
    المتطوّعون للمشاركة في الرحلة، وقبل أن يغادروا إلى المرّيخ، سيُطلب منهم التوقيع على ورقة تقول إن كلّ ما ستؤول إليه الرحلة سيكون على مسئوليّتهم الخاصّة. وهذه الورقة هي أشبه ما تكون بالإقرار الذي يوقّع عليه المريض قبل دخوله غرفة العمليات.
  • لماذا يذهب هؤلاء الناس أصلا، ولماذا يغادرون جنّة الأرض إلى جحيم المرّيخ؟ الذي يريد أن يذهب بلا عودة يجب أن تكون وجهته كوكبا شبيها بالأرض؛ قارّة بدائية محتفظة بنقائها مثل الأمريكتين فيها هواء يمكن استنشاقه ونباتات وحياة. على ارض المرّيخ، لن ينفعك مسدّس ولا محراث. والإثارة في هذه المغامرة ستتلاشى تماما عندما يصلون إلى المرّيخ. وكلّ ما سنراه بعد ذلك هو وقائع موت بطيء ومعلن على الهواء في بيئة معادية وغير مضيافة إطلاقا.
  • بالتأكيد هناك من هؤلاء مَن سيندم على قراره بالذهاب بعد سنة أو اثنتين من وصوله إلى الكوكب الأحمر، هذا على افتراض أنهم سيصلون إلى هناك بسلام. انتاركتيكا، أو حتى الصحراء الكبرى، تُعتبر جنّة مقارنة بالمرّيخ.
    وهؤلاء الأشخاص يتنافسون على أيّ منهم سيُختار لكي يرسل إلى منفى بعيد، وإلى موت مبكّر على الأرجح. ومتابعتهم وهم يموتون ببطء ليس ممّا يريد أن يراه الإنسان على شاشة التلفزيون. إن محاولة استكشاف الكواكب الأخرى شيء، وأخذ الناس ليُتركوا هناك كي يموتوا شيء آخر.
  • على أرض المرّيخ لا توجد نباتات تؤكل ولا حيوانات يمكن صيدها. وأيّ شخص يرغب في الذهاب إلى هناك في رحلة بلا عودة لا بدّ وأن يكون إنسانا مجنونا أو ذا نزعة انتحارية. لذا لا يجب أن يُسمح لهؤلاء الأشخاص بالذهاب.
    تخيّل رحلة طولها عام كامل عبر فضاء بارد ومظلم في صندوق مع بضعة أشخاص آخرين. ستنتهي صلاحيتهم حتى قبل أن يصلوا. هذا اسمه انتحار لا اقلّ ولا أكثر. وبدلا من ذلك لماذا لا يوجّه كلّ منهم مسدّسا إلى رأسه ثم يضغط على الزناد وهو في مكانه؟!
  • كيف يمكن تصوّر أن يعيش إنسان محاصرا داخل علبة بقيّة حياته؟! تحتاج لهواء منعش وفراغ تتمشّى فيه. إن من الجنون أن تذهب إلى صحراء المرّيخ. وهؤلاء الأفراد سيصرخون طلبا للنجدة بمجرّد أن يهبطوا على أرضه ولن يجدوا من ينقذهم. أرضنا جنّة ولا يمكن أن تجد كوكبا مماثلا لها.
    إن أطول مدّة عاشها إنسان داخل كبسولة كانت لبضعة أشهر. ومحطّة الفضاء الدولية ما تزال تعمل إلى الآن بفضل المؤن التي تأتيها بانتظام من الأرض. يجب أن نستيقظ من هذه التهويمات وننظر بجدّية إلى ما يتعيّن علينا أن نفعله لكوكبنا الرائع الجميل الذي يمكن إنقاذه بشيء من المحافظة والانضباط. نحن نستخدم الأرض كمرحاض. فلنترك أوساخنا هنا على الأرض إلى أن نجد طريقة نغيّر بها من أنفسنا.
    تتمّة الموضوع غدا..
  • الأربعاء، يوليو 16، 2014

    بورتريه لـ كارل يونغ

    ما تزال الإشادة بكارل يونغ مستمرّة إلى اليوم باعتباره عالما ثوريّا استطاع أن يغيّر أفكارنا عن علم النفس وقدّم للغرب الروحانية الشرقية وعرّف الناس بعدد من المفاهيم المهمّة.
    الكاتبة والمؤلّفة كلير دون تتحدّث في هذا الكتاب بعنوان "مُداوي الأرواح العليل: بورتريه لكارل يونغ" عن رحلة يونغ لاكتشاف الذات، منذ طفولته إلى بدايات مراهقته وحتى بلوغه ورجولته، بما في ذلك إعادة اكتشافه للروحانية في منتصف عمره.
    كما تتناول المؤلّفة العلاقة الصاخبة التي ربطت يونغ بمعلّمه في احد الأوقات، أي سيغموند فرويد، والدور الهام لتلميذه توني وولف، والرؤى الكاشفة التي خَبِرها يونغ بعد مواجهة عن قرب مع الموت.
    ويضمّ الكتاب أيضا مجموعة من الصور ليونغ وزملائه والبيئات التي عاش وعمل فيها، بالإضافة إلى عدد من اللوحات الفنّية القديمة والمعاصرة التي تعكس تعاليم وأفكار يونغ.
    الفكرة التي تتردّد في أكثر من مكان من الكتاب هي أن مهارة كارل يونغ كمداوٍ ومعالج كان من أهمّ أسبابها اهتمامه المباشر بجروح الآخرين وبجروحه هو.
    وفكرة عنوان الكتاب، "أي المداوي العليل"، اقتبسته المؤلّفة من الأسطورة اليونانية القديمة التي تحكي عن شيرون الذي كان طبيبا يُضرب به المثل في براعته. وقد تعرّض لسهم مسموم أطلقه عليه هرقل. لكن لأنه لم يستطع أن يداوي نفسه، فقد عانى بعد ذلك من جرح لم يندمل أبدا. والعنوان يشير أيضا إلى أن الأذى الذي يتعرّض له الطبيب نتيجة معايشته لمعاناة الناس هو الذي يمنحه جزءا من قدرته على مشافاة جراح الآخرين.
    تقول المؤلّفة في مقدّمة الكتاب إن أمنية حياتها كانت أن تكتب سيرة لحياة كارل يونغ لأنه كان وما يزال بالنسبة لها صديقا قديما وكثيرا ما تلتقي به في الأحلام.
    وتضيف أن رسائله أداة مهمّة للكشف عن شخصيّته. وبعض تلك الرسائل مباشرة ومرحة وغنيّة ومحلّقة. كما أنها تحتوي على خلاصة أفكاره وتكشف عن شخصيّة رجل روحانيّ ومتجذّر في الأرض. ويمكن أن يقال نفس الشيء عن سيرته الذاتية وعن كتاباته العلمية. ومن كلّ هذه الكتابات تستطيع أن تتعرّف على كفاح يونغ وكيف وصل إلى ما وصل إليه.
    كان كارل يونغ يحبّ الطبيعة ورحلات القوارب والنحت والرسم. وجميع هذه الاهتمامات كانت تتعايش جنبا إلى جنب مع المداوي الروحاني الرائد والمفكّر والعالم.
    في الثلاثينات من عمره، بدا كما لو أن يونغ جمع الامتيازات كلّها: وظيفة مرموقة، وصداقة مع فرويد تشبه علاقة الأب بابنه، ورئاسته لرابطة علماء النفس العالمية، وأيضا تمتّعه بحياة زوجية هادئة ومستقرّة.
    وفي سنّ الأربعين، أي بعد انفصاله المؤلم عن فرويد، بدأ استكشافاته ودراساته عن الأحلام ومستويات الروح والحدس.

    كان كارل يونغ يقول عن نفسه: أنا صراع المتضادّات". فقد كان متزوّجا من امرأتين بنفس الوقت وعاش معهما على الملأ لأربعين عاما. وقد وصفه احد الكتّاب في أوقات ضعفه وقوّته بأنه كان الإنسان العظيم الوحيد الذي عرفه.
    وتشير المؤلّفة إلى أن يونغ كتب كثيرا عن الظلّ والشخص النقيض وعن تحليل الأحلام وعملية الخيال النشط. وهي كلّها محطّات على الطريق إلى قبول أنفسنا كما هي. وقد استمدّ أفكاره من تجاربه ومن مرضاه ومن اكتشافه للثقافات والكتابات القديمة.
    أسفاره إلى أفريقيا والهند وأمريكا كانت مهمّة بالنسبة له. وقد استفاد منها، كما استفاد من دراساته للغنوصيّة "أو اللاأدرية" والخيمياء وسخّرها لتأليف كتاب عن اليوغا الصينية.
    كان يونغ يرى في الكبت الروحي مرض العصر والمشكلة الكبيرة لمرضاه الذين هم في منتصف العمر. وكان يعتقد أن لا احد يمكن أن يُشفى حقّا ما لم يستعد موقفه الديني، الذي لا علاقة له بالعقائد أو الانتماء إلى الكنيسة. كما ناقش قضايا فلسفية، مثل الخير والشرّ والمسيحية والجانب المظلم من فكرة الإله والانصهار الصوفيّ.
    وقد أثارت أفكاره جدلا واسعا ونقاشا مع العديد من رجال الدين والمفكّرين من الشرق والغرب. والكاتبة تورد أمثلة عن تلك السجالات، وتنقل عن يونغ قوله ذات مرّة بحنق: هؤلاء يريدون أن يحرقوني كزنديق من القرون الوسطى".
    كان يونغ يردّد أن الربّ هو سرّ الأسرار وأن الحضور الإلهي محسوس في كلّ شيء. وذات مرّة سأله صحفيّ بريطاني: هل تؤمن بالله؟ فأجاب: لا احتاج لأن أؤمن وأنا اعرف". شاهد الرخام على قبره صمّمه هو بنفسه ونقش عليه هذه العبارة: الربّ حاضر سواءً نودي أم لم يُنادى".
    تقول المؤلّفة كلير دون إنها ترى في يونغ نموذجا لإنسان صيغ من اجل زماننا هذا. وتعيد إلى الأذهان قوله انه لا يريد من احد أن يتخذه مثالا. "أريد من كلّ إنسان أن يكون هو نفسه. ولو أراد إنسان في يوم من الأيّام أن يصنع لي مدرسة أو نهجا، فمعنى هذا أنني فشلت في كلّ ما حاولت أن أفعله".
    بالقرب من نهاية حياته، لم يكن كارل يونغ مجرّد عالم نفس ولا فنّان رؤيوي، ولكنه كان إنسانا حكيما فهم ارفع وأسمى ما فينا كبشر.
    ومن عباراته المشهورة قوله إن الوحدة لا تعني عدم وجود أشخاص حول الإنسان، بل تعني عجزك عن إيصال الأشياء التي تعتبرها مهمّة، وعدم قدرتك على المجاهرة بوجهات نظر معيّنة يعتبرها الآخرون غير مقبولة.
    المؤلّفة كلير دون ولدت في ايرلندا وتقيم في سيدني بأستراليا منذ عدّة سنوات. وقد ألقت محاضرات عدّة عن يونغ، كما أشرفت على عدد من البرامج الوثائقية عن فرويد.
    وكتابها هذا عن سيرة حياة كارل يونغ ضروريّ لأيّ شخص مهتمّ بعلم النفس وبالروحانية وتطوير الذات. وهو يتضمّن حوالي 150 صورة قديمة وحديثة ليونغ، بالإضافة إلى لوحات لرينيه ماغريت وبول كلي ويونغ نفسه وبعض الأعمال الفنّية من الثقافات القديمة.

    Credits
    watkinsbooks.com
    shiftfrequency.com

    الثلاثاء، يونيو 17، 2014

    الأرض: 4 نظريات مخيفة


    قد يكون غاليليو تعرّض للتهديد من قبل محاكم التفتيش منذ ما يقرب من 400 سنة. ولكن ما حدث له لم يكن أمرا مرعبا كثيرا. وسواءً كانت الأرض تدور حول الشمس "كما كان يعتقد كوبرنيكوس وغاليليو ونيوتن"، أو العكس "كما في النموذج القديم لبطليموس أو أرسطو"، فإن الكون الذي تخيّله غاليليو ما يزال مكانا هادئا.
    لكن في هذه الأيّام، يواجه علماء الفلك تهديدات تقشعرّ لها الأبدان. وفي ما يلي بعض الأشياء التي تدعو الفلكيين للقلق والتي قد تتسبّب أيضا في إثارة قلق القارئ.
    معظمنا، نحن البشر، يعتقدون أننا ملوك الأرض وأننا نتصارع كي نمدّ ونوسّع هيمنتنا بفضل ما نملكه من أدمغة كبيرة. ولكنّ هذا هو بالضبط ما فعلته الديناصورات من قبل. ففي احد الأيّام، قبل ما يقرب من 65 مليون سنة، اعترض طريقها كويكب صغير واصطدم بالأرض مخلّفا وراءه سحابة من الغبار لم تلبث أن انتشرت في جميع أنحاء الكوكب. وبسبب الانخفاض الشديد في درجات الحرارة الذي أعقب ذلك، ماتت آلاف الأنواع والمخلوقات على الأرض. وانضمّت الديناصورات إلى عملية الانقراض الجماعي تلك. واليوم، وفي أيّ وقت، يمكن أن نتعرّض، نحن أيضا، لانقراض جماعيّ مماثل.

  • الأدلّة على احتمال حدوث اصطدام كويكب آخر بالأرض يمكن أن نجدها من خلال تحليل الاصطدامات التي حدثت في الماضي، مثل ذلك الذي أنهى عصر الديناصورات. لكن ما الذي نعرفه عن ذلك الاصطدام الذي وقع منذ زمن طويل؟ الأدلّة على الاصطدام بدأت تظهر تباعا عندما اكتشف عالم في جامعة كاليفورنيا يُدعى لويس ألفاريز عنصر الإيريديوم في طبقة تتوزّع على جميع أنحاء كوكبنا. وقد عرف أن الطبقة تحتوي على إشعاع يعود إلى 65 مليون سنة. ولأن الكويكبات تكون في بعض الأحيان غنيّة بالمعادن، فقد استنتج العالِم أن فكرة الاصطدام ممكنة ومعقولة.
    التحقّق من هذه النظرية تأكّد عندما وُجدت الحفرة الفعلية التي أنشأها الكويكب لدى ارتطامه بالأرض، وذلك في المحيط قبالة شبه جزيرة يوكاتان في المكسيك. والحفرة مغطّاة الآن بالرواسب. لكن الجيولوجيين ورسّامي خرائط الفضاء تتبّعوا بُنيتها، واكتشفوا مئات الحلقات العملاقة التي تمتدّ مئات الأميال عبر سطح الأرض.
    وبناءّ على هذه الأدلّة، يقدّر العلماء أن الكويكب الذي ضرب الأرض خلال عصر الديناصورات ربّما كان عرضه حوالي عشرة كيلومترات. وهذا خبر سيّئ، لأنه ثبت أن الكويكبات أو النيازك التي لها هذا الحجم تضرب الأرض مرّة كلّ 100 مليون سنة أو نحو ذلك. وبالتالي، قد لا نكون بعيدين زمنيّا عن حادث مماثل.
    وهناك الآن عدّة مشاريع فضائية تقوم بمسح السماء للكشف عن أيّة كويكبات قد تكون في مسار تصادميّ مع الأرض. ويأمل العلماء أنه إن كانت هناك كويكبات عملاقة قادرة على التسبّب بنهاية العالم في طريقها إلينا، أن تكون تلك الكويكبات الآن في مدار حول الشمس، ما يوفّر لسكّان الأرض إنذارا مسبقا لبضع سنوات بأن عليهم أن يفعلوا شيئا لتجنّب كارثة ممكنة.
    وتشير التقديرات إلى أن هناك حوالي 1000 كويكب قريب من الأرض، يبلغ قطر الواحد منها أكثر من كيلومتر "أي انه ما يزال يشكّل تهديدا لكوكبنا". ويذهب علماء الفلك إلى أن هناك فرصة 1% لأن يصطدم احدها بالأرض مرّة كلّ ألف عام. لذلك قد لا يكون الوقت قد حان لبناء مأوى ضخم مثل ذلك الذي صُمّم في أربعينات القرن الماضي. لكن ليس من الحكمة أيضا الركون إلى الهدوء وتصوّر أن لا شيء يدعو للقلق وأن كلّ شيء على ما يُرام.

  • مصدر الخطر الثاني على الأرض قد يأتي من الشمس. في ذروة أيّام الصيف، قد تظنّ أن أشعّة الشمس ساخنة للغاية. ولكنك في الواقع لم ترَ شيئا بعد حتى الآن. فالشمس ستصبح أكثر حرارة في المستقبل. سطح الشمس اليوم تبلغ حرارته حوالي 6000 درجة مئوية "أي حوالي 10000 درجة فهرنهايت". المشكلة هي أن الشمس ليست سوى نجم في منتصف العمر الآن. والنجوم، على عكس البشر، تصبح أكثر سخونة كلّما تقدّم بها العمر.
    العلماء يحدّدون شدّة حرارة الشمس من خلال قياس ضوئها بطريقتين مختلفتين: الأولى هي أن ننظر إلى لون الشمس، والثانية هي أن نجزّيء ضوءها نسبة إلى طيفها اللونيّ.
    الشمس الآن هي في منتصف عمرها الذي يُقدّر بـ 10 بلايين سنة. وفي غضون بضعة بلايين أخرى من السنين، ستبدأ الأجزاء الخارجية من الشمس بالانتفاخ، ما يجعل الأرض أكثر سخونة. وفي نهاية المطاف ستغلي المحيطات والبحار والأنهار وتتبخّر مياهها، ما يجعل بقاء البشر على قيد الحياة احتمالا مستحيلا. في ذلك الوقت، ربّما يكون البشر قد تمكّنوا من صنع صواريخ قادرة على حملهم إلى أماكن أبعد داخل النظام الشمسي، أو حتى إلى أماكن أخرى بالقرب منه.
  • وبعد حوالي 5 بلايين سنة، ستتضخّم الشمس للغاية بحيث تصبح "عملاقا أحمر"، بينما يتمدّد سطحها إلى ما وراء مدار عطارد اليوم. وبحلول ذلك الوقت، ستتفحّم الأرض، ولن يكون أحد موجودا وقتها ليرى الشمس وهي تتخلّى عن طبقاتها الخارجية. صحيح أن هذا الحدث مرعب، لكنّه يوفّر منظرا فلكيّا جميلا. إذ ستنتفخ الطبقات الخارجية للشمس وتتطاير بعيدا في الفضاء لتشكّل سديما ملوّنا مثل سديم الحلَقة المشهور. كما لن يكون احد موجودا على الأرض عندما ينكمش ما تبقّى من نواة الشمس لتصبح قزما ابيض شديد الحرارة جدّا.
    وقد يدهشك أن تعرف أن بعض أجزاء الشمس هي الآن أكثر سخونة بكثير من 6000 درجة مئوية. مركز الشمس نفسه تبلغ حرارته حوالي 15 مليون درجة. والطبقة الخارجية للشمس، أي الهالة الشمسية "أو الإكليل" التي نراها في الكسوف الكلّي، تبلغ حرارتها حوالي مليوني درجة مئوية "أي 4 ملايين درجة فهرنهايت". ولكن تلك الحرارة العالية لا تبيّن لنا سوى أن الجسيمات "أي الإلكترونات والبروتونات وغيرها" في الهالة تدور بسرعة كبيرة جدّا. لكن لحسن الحظ، ليس هناك ما يكفي من تلك الجسيمات لتمسك بكمّية خطيرة من الطاقة.

  • مصدر الخطر الثالث على الأرض هو السوبرنوفا أو النجوم المتفجّرة. صحيح أن شمسنا قد تتسبّب في "شوي" كوكبنا خلال بضع بلايين من السنين. ولكن هناك بعض النجوم الأخرى التي يمكن أن تنفجر، أو تتفجّر إلى الداخل على وجه الدقّة، في أيّ يوم. المعروف انه في نواة أيّ نجم، يحوّل الانصهار الهيدروجين إلى هيليوم والقليل من الهيليوم إلى كربون. يبدو الأمر مؤذيا بما فيه الكفاية، أليس كذلك؟
    لكن في نجم أكثر ضخامة، أي أكثر من كتلة الشمس بخمسة أضعاف أو أكثر، فإن داخل النجم يصبح حارّا جدّا لدرجة أن الكربون في النواة ينصهر ليتحوّل إلى عناصر أثقل كالأكسجين والمغنيسيوم. وتَشكُّل هذه العناصر الأثقل يولّد قدرا كبيرا من الطاقة. وفي نهاية المطاف تتحوّل العناصر إلى حديد، عندما تنفتح كلّ أبواب الجحيم. وعندما يستمرّ الاندماج في نواة النجم، فإن الحديد يأخذ طاقة بدلا من أن يعطيها. لذا عندما يتراكم الحديد في النواة، يتمّ امتصاص الطاقة من مركز النجم، ما يؤدّي إلى انهيار النجم إلى الداخل. وفي غضون ثوان، فإن الطبقات الخارجية تسقط إلى الداخل من ملايين الأميال ويصبح النجم سوبرنوفا أو نجما متفجّرا أو "مستعراً أعظم" كما يُسمّى بالعربية.
    علماء الفلك يعتقدون أن سوبرنوفا أو مستعراً أعظم يتفجّر في مجرّتنا كلّ 100 سنة أو قريبا من ذلك. ولكن لم نرَ أيّ شيء مثل هذا منذ أن رأى الفلكيّون الأوائل مثل تايكو برايي (عام 1572) ويوهانز كيبلر (في 1604) مثل هذا وكتبوا عنه. السبب قد يكون أن معظم النجوم المتفجّرة يُعتقد أنها تكون على الجانب الآخر من المجرّة، وهي مخبّأة عنّا بسبب الغبار في مركز مجرّتنا. وأقرب سوبرنوفا نعرفه اليوم تشكّل مؤخّرا في سحابة ماجلان ، وهي واحدة من المجرّات التابعة لدرب التبّانة، كما أنها اقرب إلينا على الأرض من بعض أجزاء مجرّتنا. وقد انفجرت السوبرنوفا في عام 1987 ووصلت إلى درجة سطوع يكفي لأن يُرى بالعين المجرّدة.
    لقد ظللنا حتى الآن بمأمن من هذه النجوم المتفجّرة بعيدا. ولكن تفجّر أيّ منها بالقرب من منطقتنا على المجرّة يمكن أن يمسحنا عن الخارطة تماما بالأشعّة السينية وبأشعّة غاما وجزيئات أخرى. ومثل هذا الاحتمال واقعيّ جدّا. وكان بعض العلماء قد صوّبوا تلسكوباتهم على جرم محدّد بدا كما لو انه نجم كبير. وعلى مدى السنوات المائة الماضية، أو نحو ذلك، سطع النجم وتغيّر إلى حدّ كبير. ربّما كان سوبرنوفا على وشك الانفجار. أو قد يكون نجما انفجر بالفعل. وربّما يكون الإشعاع الصادر عنه في طريقه إلينا الآن ويُنتظر وصوله في أيّ يوم!

  • مصدر الخطر الرابع على الأرض هو تسارع الكون. الفلكيّ ادوين هابل اكتشف في عشرينات القرن الماضي أن الكون يتوسّع باستمرار. وفي ذلك الوقت، قاس هابل التغيّرات في السماء من خلال جلوسه في العراء والبرد كلّ ليلة وباستخدام تلسكوبه الضخم. ولاحظ أن الطيف الضوئي في السماء أظهر جميع أنماط الألوان وكذلك تحوّلاتها. كما لاحظ من خلال الصور التي التقطها أن المجرّات الأبعد تتغيّر أطيافها أكثر. وفي قفزة عبقرية، استنتج هابل أن الكون آخذ في التوسّع بشكل مستمرّ.
    وفي السنوات القليلة الماضية، أي بعد أن أصبحت التلسكوبات أضخم وأكثر قوّة، تمّ اكتشاف ظاهرة ذات صلة وفاجأت الجميع. فقد تبيّن أن معظم المجرّات الأكثر بعدا كانت تتراجع إلى الخلف بوتيرة أسرع، ما جعلها تبدو أكثر خفوتا ممّا كان متوقّعا. وهذه هي الظاهرة التي أصبحت تُسمّى الآن بالكون المتسارع.
    ويبدو أن هذه النظرية تقول لنا إن مستقبل الكون سيكون باردا ومظلما. وكان بعض العلماء يظنّون أن الكون سيوقف تمدّده في نهاية المطاف ويبدأ في الانكماش. لكن يبدو الآن كما لو أن الكون سيتمدّد إلى الأبد وستبتعد المجرّات وتتباعد عن بعضها البعض وتختفي عن الأنظار. وفي نهاية المطاف، فإن نجوما ستموت وتصل إلى مراحلها النهائية كأقزام بيضاء أو نجوم نيوترونية أو ثقوب سوداء.
    وبعد 50 بليون سنة أو نحو ذلك، سيكون الكون مجرّد بقايا ميّتة لجلال وعظمة الكون كما نعرفه اليوم. ومن المثير للاهتمام أن نعرف أن كلّ التاريخ المدوّن، أي حوالي 5000 سنة، يمثّل فقط واحدا من عشرة في المليون من ذلك الرقم، أي من الـ 50 بليون سنة. ويتطلّب الوصول إلى تلك المرحلة البعيدة من عمر الكون تريليون دورة حياة، طول الدورة الواحدة 50 عاما. لذلك علينا في النهاية أن لا نقلق كثيرا.
    - مترجم بتصرّف عن مقال لـ جي باساتشوف، أستاذ علم الفلك في وليامز كوليج.

    Source
    mentalfloss.com
  • الثلاثاء، مايو 13، 2014

    آلة الزمن/2

    الضوء، بمعناه الواسع، سواءً كان أشعّة شمس أو شعاع قمر أو حتى ضوء شمعة أو مصباح، ظاهرة مثيرة للاهتمام. وستشعر بالدهشة من حقيقة انه وُجد شخص ما في هذا العالم عاش قبل أكثر من 2500 عام وخطر على باله مثل هذا السؤال الغريب والعبقريّ في آن: هل للضوء سرعة يمكن قياسها، أم أن سرعة الضوء لانهائية وبالتالي يستحيل قياسها؟
    اليوم أصبح من المتّفق عليه أن الضوء له بداية ونهاية، وأن سرعته في الفراغ تُقدّر بـ 300.000 كيلومتر في الثانية. وهذا رقم ثابت ومتّفق عليه عالميّا بعد أن تمّ قياسه بالليزر. والمعروف انه عندما تتضمّن أيّة تجربة عنصر ليزر فإن من الصعب التشكيك في نتائجها.
    لكن في القرن الخامس قبل الميلاد، عاش في اليونان فيلسوف يُدعى إمبيدوكليس. وكان هذا الرجل يجادل بأن للضوء سرعة، وبأن تلك السرعة نهائية ومحدودة، أي انه يمكن قياسها. وقد اختلف معه أرسطو الذي ذهب إلى أن الضوء يسافر بشكل فوريّ ولا يحتاج لزمن كي يقطع المسافة بين نقطتين. واستمرّ الجدل الذي ثار بين إمبيدوكليس وأرسطو حول سرعة الضوء طوال الألفي عام التالية.
    وكان من بين من تناولوا هذه المسألة من خلال نظرياتهم وتجاربهم العديد من العلماء الذين أتوا في ما بعد. ومن هؤلاء عالم هولنديّ اسمه ايساك بيكمان عاش في مطلع القرن السابع عشر. وبعد بيكمان بعشر سنوات، جاء غاليليو الذي كان، هو أيضا، يشكّك بأن سرعة الضوء ليست بلا نهاية.
    وبعد غاليليو، أتى عالم دنمركيّ يُدعى اولي رومر. وقد ركّز رومر ملاحظاته على حركة الكواكب نفسها وتوصّل في النهاية إلى أن الضوء يقطع مسافة 220,000 كيلومتر في الثانية. وهذا الرقم كان دقيقا بشكل يثير الدهشة، خاصّة إذا ما علمنا أن رومر أجرى تجاربه قبل 300 عام من ظهور الليزر.
    ورغم أن عالما آخر يُدعى جيمس برادلي أتى برقم أكثر دقّة في عام 1729، إلا أن اسم رومر دخل التاريخ باعتباره الشخص الذي أثبت لأوّل مرّة أن سرعة الضوء ليست لانهائية وتوصّل إلى رقم دقيق إلى حدّ معقول عن تلك السرعة.
    وبعد ذلك جرت محاولات أخرى لقياس سرعة الضوء من قبل العالمَين الفرنسيين ايبولايت فيزيو وليون فوكو والعالم البروسي البيرت مايكلسون والعالم الأمريكي البيرت اينشتاين.
    لقد استغرق الأمر 300 سنة من التجارب والحسابات لتحديد السرعة التي يقطعها الضوء في الفراغ. وأخيرا تمّ التوصّل إلى هذا الرقم الغريب والمثير للإعجاب، أي 300.000 كيلومتر في الثانية.
    وبالإضافة إلى الجدل الذي أثير حول ما إذا كانت سرعة الضوء لا نهائية أم لا، كان هناك نقاش جانبيّ آخر استمرّ على مدى قرون حول ما إذا كان مصدر الضوء العين نفسها أم جسم آخر.
    ومن بين مشاهير العلماء الذين نزلوا إلى حلبة هذا النقاش كلّ من بطليموس وإقليدس اللذين كانا يؤمنان بنظرية أن الضوء ينبعث من العين. ومعظم الذين اعتقدوا بصحّة هذه النظرية كانوا يرون أيضا بأن سرعة الضوء لا بدّ وأن تكون لا نهائية. وكانت حجّتهم في ذلك أننا بمجرّد أن نفتح أعيننا نرى عددا كبيرا من النجوم في السماء ليلا، وأن ذلك العدد لا يزيد عندما ننظر إلى السماء لوقت أطول.
    وفي ما بعد، اكتُشفت ظاهرة أخرى مثيرة للاهتمام تتمثّل في انه إذا تحرّك مصدر ضوء بعيدا عن الناظر، فإن طول الموجة يمتدّ أو يتّسع. وفي حالة الضوء المرئيّ، فإن الضوء يتحوّل إلى الأحمر في الطيف اللوني. ويُعرف هذا بـ "الانزياح الأحمر".
    إدوين هابل كان أوّل من لاحظ الانزياح الأحمر في المجرّة. كان رجلا متعدّد المواهب، كان ملاكما ومحاميا قبل أن يصبح فلكيّا. وقد لاحظ لأوّل مرّة الظاهرة الغامضة المتمثّلة في أن الضوء القادم من المجرّات يُظهر تحوّلات حمراء. وفي عام 1929، استنتج هابل، وكان مصيبا، أن جميع المجرّات تتحرّك بعيدا عن الأرض. كما لاحظ أيضا انه كلّما كانت المجرّات ابعد، كلّما كانت سرعتها في التحرّك بعيدا أكبر، ما يعني أن الكون آخذ دوما في التوسّع.
    الجزء الأكثر إثارة للاهتمام في قصّة الضوء هو ذلك المتعلّق بالسفر بسرعة الضوء. وهناك قانون يقول إن الزمن يتحرّك بشكل أبطأ كلّما ازدادت السرعة. وهذا هو ملخّص نظرية النسبية التي تقول إن الزمن نسبيّ وليس مطلقا.

    ترى هل شعرت ذات مرّة بأن الوقت يمضى بسرعة، وأحيانا أخرى ببطء شديد؟ في بعض الأحيان نشعر بأن الساعات تطير وتصبح كالدقائق عندما نكون بصحبة شخص نرتاح له أو نأنس إليه. وأحيانا نشعر بأن الثواني تطول وتتثاقل إلى ما لا نهاية عندما نعلق في زحمة مرور في يوم قائظ مثلا. ومع ذلك، لا يمكننا تسريع الزمن أو تبطئته لأنه يمضي دائما بنفس المعدّل والوتيرة.
    غير أن ألبيرت آينشتاين لم يفكّر بهذه الطريقة. كانت فكرته أنه، من الناحية النظرية، كلّما اقتربنا من السفر بسرعة الضوء "أي بمعدل 186000 ميل في الثانية"، كلّما بدا أن الزمن يتباطأ من منظور شخص هو بالنسبة لنا لا يتحرّك. وقد أسمى آينشتاين تباطؤ الزمن بسبب الحركة بتمدّد الزمن.
    تخيّل مثلا أن تكون واقفا على الأرض وممسكا بساعة، وأن صديقك يجلس في صاروخ يمرّ من أمامك بسرعة الضوء ويمسك بساعة هو أيضا. لو رأيت ساعة صديقك فستلاحظ أنها تبدو وكأنها تتحرّك بوتيرة أبطأ من ساعتك. صديقك، من جهته، يعتقد أن الساعة التي في الصاروخ تتحرّك بطريقة طبيعية، بينما ساعتك على الأرض تتحرّك بسرعة فائقة. يبدو الأمر محيّرا، أليس كذلك؟
    حسنا، تذكّر أن الأمر استغرق سنوات من آينشتاين ليكتشف هذه الحقيقة. وكان في الواقع ذكيّا جدّا.
    وقد ساق مثالا لإظهار آثار تمدّد الزمن في حكاية اسماها "مفارقة التوأم". قال آينشتاين: لنفترض وجود توأم عمر كلّ منهما عشر سنوات. اسم الأوّل (س) واسم الثاني (ص). ثمّ لنفترض أن والدهما قرّر إرسال (س) إلى مخيّم صيفيّ في نجم يُسمّى "ألفا 3" يبعد عن الأرض 25 سنة ضوئية. ولأن والد (س) يريده أن يصل إلى هناك بأسرع وقت ممكن، فقد دفع رسما إضافيّا وأرسله على متن مركبة فضائية تطير بمعدّل 99.99 في المائة من سرعة الضوء.
    الرحلة إلى النجم "ألفا 3" والعودة منه تستغرق 50 عاما. لكن ما الذي سيحدث عندما يعود (س) إلى الأرض؟ شقيقه التوأم (ص) الذي بقي على الأرض سيصبح عمره 60 عاما، أي انه سيكبر خمسين عاما. ولكن (س) سيعود من رحلته وعمره عشر سنوات ونصف السنة فقط، أي انه سيكبر نصف عام فقط. كيف يمكن أن يحدث هذا؟ (س) كان بعيدا لـ 50 عاما، ولكنه كبر نصف عام فقط. هل يمكن أن يكون قد اكتشف نافورة الشباب الأبدي؟!
    الجواب: لا، على الإطلاق. رحلة (س) إلى الفضاء لم تدم سوى نصف عام بالنسبة له. ولكن على الأرض مرّت 50 سنة. هل هذا يعني أن (س) يمكن له أن يعيش إلى الأبد؟ لا، قد يكون كبر فقط نصف عام خلال الـ 50 عاما التي استغرقها سفره حول الأرض. وبما أن الزمن يمكن أن يبطئ ولكن لا يعود أبدا إلى الوراء، فلا يمكن أو ليس هناك من طريقة يستطيع من خلالها (س) أن يصبح اصغر سنّا.
    ومع ذلك، فإن كلّ شيء نعرفه عن الفيزياء يقول لا شيء يمكن أن يتجاوز سرعة الضوء وأننا لا نستطيع أن نقفز إلى متن صاروخ ونسافر بمعدّل قريب من سرعة الضوء.
    وهناك شبه إجماع بين العلماء بأن سرعة الضوء هي رقم لا يمكن لإنسان أن يتحمّله في أيّة مركبة لفترة طويلة. بل انه حتى السفر بسرعة الضوء ليس كافيا لتغطية الأماكن البعيدة في الكون. وعلى سبيل المثال فإنه حتى مع توفّر سرعة الضوء فإن السفر من كوكبة إلى أخرى قد يستغرق مئات السنين. وتصميم مركبات أو سفن تطير بسرعة الضوء ستكون مكلّفة للغاية ومختلفة كثيرا عن تلك التي تظهر في أفلام ومسلسلات الخيال العلمي.
    والخيال العلمي يحبّ إثارة الاحتمالات والتكهّنات. ومع ذلك هناك الآن علماء يعملون ليل نهار في أماكن كثيرة من العالم وليس في أذهانهم سوى هذا السؤال: كيف يمكن كسر سرعة الضوء في الفضاء بحيث يتمكّن البشر من التعامل مع بقيّة الكون بنفس سهولة تعاملهم اليومي مع كونهم الصغير المسمّى الأرض؟
    وهناك من يتحدّث عن طيّ الفضاء ، أي السفر بأسرع من الضوء والذي يسمح للإنسان بالسفر بين النجوم في أطر زمنية. والفكرة تقوم على بناء سفينة فضاء يمكن أن تُثنى أو تُطوى داخل فقاعة زمكان "زمان-مكان" لكي تتجاوز سرعة الضوء. وهذا يبدو أمرا عظيما من الناحية النظرية. والعلماء أنفسهم يقولون إنها ليست بالفكرة المستحيلة.
    وربّما تتمكّن الأجيال القادمة من البشر من القفز بين النجوم بالطريقة التي نسافر بها هذه الأيّام ما بين المدن. غير أن التطبيق العملي لهذه الفكرة ما يزال أمرا بعيد المنال.

    Credits
    speed-light.info
    einsteinsworld.com