المعنى بين الحقيقة والمجاز
من الأشياء المثيرة للاهتمام التحوّل الذي يطرأ أحيانا على بعض ألفاظ اللغة لتنتقل من حيّز الحقيقة إلى فضاء الاستعارة والمجاز. خذ مثلا كلمة غزْل أو نسيج، التي تحيلنا إلى مهنة قديمة تتطلّب قدرا من البراعة والفنّ. ثم تأمّل كيف غادرت مفردة النسج، الرقيقة والناعمة، معناها الحقيقيّ لتكتسب معنى استعاريّا يرمز إلى الدهاء والخداع والتآمر، كما في قولنا: فلان ينسج حيلة أو يحيك مؤامرة. من المعروف أن العنكبوت ينسج بيته من الخيوط الرقيقة والرفيعة، لكن القويّة بما يكفي للإطباق على فرائسه من الحشرات والهوامّ الصغيرة. وفي ملحمة الاوديسّا، يتحدّث هوميروس عن بينيلوبي زوجة البطل اوديسيوس. كانت مشهورة بوفائها لزوجها لدرجة أنها انتظرت عودته من حرب طروادة عشرين سنة كاملة ورفضت عشرات الخاطبين الذين تقاطروا على بيتها يطلبونها للزواج. كانوا يلحّون عليها بأن تتزوّج احدهم، محاولين إقناعها بأن اوديسيوس مات ولن يعود أبدا. وفي محاولتها لصرفهم وإشغالهم، أبلغتهم أنها لن تتزوّج حتى تنتهي من نسج كفن لوالد زوجها. ولكي "تنسج" خطّتها جيّدا، كانت بينيلوب تنسج غزلها في النهار ثم تنقضه في الليل. أي أنها...