المشاركات

عرض المشاركات من يونيو 10, 2012

المعنى بين الحقيقة والمجاز

صورة
من الأشياء المثيرة للاهتمام التحوّل الذي يطرأ أحيانا على بعض ألفاظ اللغة لتنتقل من حيّز الحقيقة إلى فضاء الاستعارة والمجاز. خذ مثلا كلمة غزْل أو نسيج، التي تحيلنا إلى مهنة قديمة تتطلّب قدرا من البراعة والفنّ. ثم تأمّل كيف غادرت مفردة النسج، الرقيقة والناعمة، معناها الحقيقيّ لتكتسب معنى استعاريّا يرمز إلى الدهاء والخداع والتآمر، كما في قولنا: فلان ينسج حيلة أو يحيك مؤامرة. من المعروف أن العنكبوت ينسج بيته من الخيوط الرقيقة والرفيعة، لكن القويّة بما يكفي للإطباق على فرائسه من الحشرات والهوامّ الصغيرة. وفي ملحمة الاوديسّا، يتحدّث هوميروس عن بينيلوبي زوجة البطل اوديسيوس. كانت مشهورة بوفائها لزوجها لدرجة أنها انتظرت عودته من حرب طروادة عشرين سنة كاملة ورفضت عشرات الخاطبين الذين تقاطروا على بيتها يطلبونها للزواج. كانوا يلحّون عليها بأن تتزوّج احدهم، محاولين إقناعها بأن اوديسيوس مات ولن يعود أبدا. وفي محاولتها لصرفهم وإشغالهم، أبلغتهم أنها لن تتزوّج حتى تنتهي من نسج كفن لوالد زوجها. ولكي "تنسج" خطّتها جيّدا، كانت بينيلوب تنسج غزلها في النهار ثم تنقضه في الليل. أي أنها...

فيتشين: جسر بين ثقافتين

صورة
"كان شتاء عام 1920 واحدا من أصعب الشتاءات في تاريخ الثورة الروسية. كان كلّ شيء يتّجه للأسوأ. وأصبح المواطنون المتحمّسون لرؤية روسيا جديدة وحرّة جائعين ونصف متجمّدين وجدّ مكتئبين. كان الوضع الاقتصادي في البلاد كلّها قد وصل إلى حالة يُرثى لها. أضف إلى ذلك أن الشتاء البارد بشكل غير عاديّ أنهك الناس أكثر وجعلهم فريسة للصقيع والظلام، وقبل كلّ شيء الجوع. وما بين الموجات المخيفة من فقدان التعاطف الإنساني وعدم اكتراث الطبيعة، كان يتعيّن علينا أن نتحوّل إلى الطبيعة وأن نصلّي من أجل الرحمة". - من مذكّرات الكسندرا فيتشين "مسيرة الماضي" في فترة عصيبة من التاريخ، كان نيكولاي فيتشين (1881-1955) يدرس في مدرسة الفنّ في كازان. كان يتنقّل جيئة وذهابا باستخدام القطار على خط موسكو - كازان في عطلة نهاية الأسبوع. وبالإضافة إلى مشاكل النقل ونقص الطعام والوقود، كان من الصعب عليه أيضا تدبير الألوان وقماش الرسم. في سيرته الذاتية، يقول فيتشين عن فترة دراسته آنذاك: كان البرد لا يطاق في الداخل. كنّا نرسم على معاطف الفرو والقفّازات والأحذية الثقيلة. كان من المستحيل خلع المل...

عذراء أورليان

صورة
جان دارك ترفض حتى الآن أن تُوارى الثرى أو تنعم بالراحة الأبدية. حاول أن تكتب اسمها في محرّك بحث أمازون للكتب وستحصل على أكثر من 6000 نتيجة. المحفوظات الوطنية الفرنسية تضمّ، هي أيضا، عشرات آلاف المجلّدات عنها. ما حقيقة ما يقال عن هالة النور التي كانت تحيطها في المعارك وأسراب الفراشات التي كانت تتبع أثرها أينما ذهبت؟ ترى هل هناك شيء ما خاصّ في شخصيّة هذه المرأة يبرّر هذا الاهتمام المستمرّ بقصّتها طوال أكثر من خمسمائة عام بعد موتها؟ ولدت جان دارك قبل 600 عام. وستّة قرون هي فترة طويلة لتخليد ذكرى فتاة. وطبقاً لعائلتها وأصدقائها، لم تكن في بواكير حياتها تعرف أكثر من نسج الملابس والاهتمام بقطعان ماشية أبيها. وقد خلّدها كلّ من شكسبير وفولتير ومارك توين وبرنارد شو وبريخت وفيردي وتشايكوفسكي وروبنز. ومؤخّرا، كانت حياتها موضوعا لمسلسل درامي تلفزيونيّ. عندما كانت جان دارك في السادسة عشرة من عمرها أعلنت نفسها محاربة عذراء أرسلها الله لتخليص فرنسا من أعدائها الإنجليز. كانت تقول إنها تتلقّى وحياً من الملائكة على هيئة أصوات كانت تسمعها مصحوبة بنور عظيم. لكن في العام 1428، ألحّت ...

من موسيقى التراث

صورة
هناك عوامل عدّة أسهمت في تشكيل الموسيقى العربية على مرّ القرون. وأهمّ تلك العوامل تأثّرها بموسيقى ما وراء النهرين وفارس واليونان القديمة واسبانيا وإيران. وهناك عامل آخر لا يقلّ أهمّية ويتمثّل في أن كثيرا من عناصر الموسيقى العربية تداخلت وتمازجت مع الموسيقى التركية زمن الإمبراطورية العثمانية. الموسيقى التركية في ذلك الوقت أنتجت عددا من الأعلام الذين تجاوزت انجازاتهم تركيا ووصلت إلى العالم العربيّ وإيران وبعض بلدان آسيا الوسطى الناطقة بالتركية والفارسية. ومن أشهر أولئك الأعلام تاتيوس أفندي الذي ما تزال أعماله وابتكاراته الموسيقية تحظى بشهرة واسعة وما يزال الناس يتذكّرونها إلى اليوم. ولد تاتيوس أفندي في اسطنبول عام 1858 لعائلة ارمنية تُدعى موناكيان. وبعد أن أنهى دراسته الابتدائية بدأ في تعلّم صناعة المشغولات الفضّية. ثم أصبح يبدي اهتماما بالموسيقى. لذا ترك عمله واشترى آلة قانون مستعملة ثم بدأ تعلّم العزف عليها بمساعدة عمّه الموسيقيّ. وفي ما بعد تعلّم العزف على الكمان وأتقن أساليب الغناء وعزف بصحبة ألمع الموسيقيين في زمانه. معزوفات تاتيوس أفندي الكثيرة والمشهورة تعكس تنوّع التراث...