صفحة مشرقة من الماضي
عندما تقرأ سيَر بعض علماء المسلمين القدامى وحال مجتمعاتهم التي كانوا يعيشون فيها، ثم تقارن ذلك بحال مجتمعاتنا اليوم، لا بدّ وأن تشعر بالحزن والخجل لما وصلنا إليه من تخلّف فكري ونكوص حضاري. سيرة حياة أبي بكر محمّد بن زكريّا الرازي توفّر صورة واضحة لما كنّا عليه في الماضي وما أصبحنا عليه اليوم. لم يكن الرازي مجرّد طبيب مشهور، بل كان أيضا احد أعظم المفكّرين في زمانه. وقد ألف أكثر من مائتي كتاب غطّت اهتمامات شتّى. لكن أشهر أعماله على الإطلاق هو كتابه المسمّى "الحاوي في الطبّ" الذي اشتغل عليه لأكثر من خمسة عشر عاما. كان الرازي عالما تجريبيا كبيرا. ولم يكن يؤمن بالتفكير الدوغماتي المستند إلى الحلول الجاهزة. وهذا كان واضحا في احتفاظه بسجلّ لكلّ مريض في عيادته يدوّن فيه مسار المرض ونتائج العلاج أوّلا بأوّل. لكن ما اكسب الرازي شهرةً لا تقلّ أهمّية عن شهرته في مجال الطبّ هو تفكيره الفلسفي العقلاني المستند إلى ربط النتائج بالأسباب ونبذ الخرافة والتفكير الغيبي. كان الرازي يؤكّد على الدوام أن جميع البشر متساوون بطبيعتهم وأن الله انعم عليهم جميعا بالعقل الذي لا يجب أن يحرف الإنسان باتجاه ا...