:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، أغسطس 30، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • هذا البورتريه رسمته الفنّانة المكسيكية فريدا كالو لنفسها عام 1940، وأرادت من خلاله إبراز موضوع الهوية والمشاعر المعقّدة. وفيه تَظهر الرسّامة بشعر قصير بعد أن قصّت شعرها الطويل الذي يظهر متناثرا حولها. الشعر المقصوص يرمز للتمرّد والاستقلالية وتوكيد الفردانية وتحدّي أدوار الجندر التقليدية.
    كما أن الرسّامة ترتدي بدلة وربطة عنق رجالية، بدلاً من الفستان المكسيكي التراثي الذي اعتادت أن تظهر به. وفي هذا أيضا تلميح الى هويّتها الخاصّة، المركّبة والمتعدّدة الأوجه، ورفضها للأعراف المجتمعية.
    في الصورة أيضا، تحمل الفنّانة مقصّا في يد وخصلة شعر باليد الأخرى. وبتناولها المقصّ وقصّ شعرها، تؤكّد استقلاليتها ورفضها لتوقّعات المجتمع التي فُرضت عليها كامرأة. أي أن للمقصّ في اللوحة رمزية قويّة، اذ يجسّد قدرة كالو على التصرّف وتحكّمها بجسدها وهويّتها.
    كانت كالو قد قصّت شعرها بعد شهر من طلاقها من زوجها الرسّام دييغو ريفيرا، ثم رسمت لنفسها هذه اللوحة بعد ذلك بوقت قصير. وفي أعلى الصورة، تظهر نوتة موسيقية مصحوبة بكلمات من أغنية شعبية مكسيكية تقول: انظر، إذا كنتُ أحببتك فذلك بسبب شعرك. الآن وقد أصبحت بلا شعر، لم أعد أحبّك".
  • ❉ ❉ ❉

  • "ضوء القمر الساطع يضيء واجهة السرير
    فيبدو كما لو كان صقيعا على الأرض.
    أنظر إلى الأعلى فأرى القمر اللامع في السماء
    وأنظر إلى الأسفل فأملأ ذهني بذكريات مدينتي".
    قصيدة "لي باي" هذه عنوانها "خواطر في ليل صامت"، وهي من أشهر القصائد الصينية التي كُتبت في عهد سلالة تانغ. والقصيدة قصيرة كما هو واضح ولا تستخدم سوى كلمات قليلة، لكنها مفعمة بالشغف والحنين .وما تزال تدرَّس كجزء من مناهج الأدب الصيني، وكواحدة من أقدم أعمال الشعر الصيني نظرا لبساطتها النسبية واستخدامها المباشر والفعّال للصور الشعرية الوثيقة الصلة بالقيم الكونفوشية.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • أُعجب عالم الأنثروبولوجيا جيمس موني بمركزية الماء في عالم الشيروكي. وكان قد أمضى في نهاية القرن التاسع عشر موسما عاش فيه مع بعض الأمريكيين الأصليين في جبال سموكي "الدخان" العظيمة بولاية كارولاينا الشمالية.
    وسجّل موني في دراسة له كيف أن الشيروكي تصوّروا الأرض على أنها "جزيرة كبيرة تطفو فوق بحر من الماء، معلّقة من كلّ من الجهات الأربع الأصلية بحبل يتدلّى من قبّة السماء. وعندما يشيخ العالم ويتآكل، سيموت الناس وتنقطع الحبال، فتغرق الأرض في لجّة المحيط ويعود كلّ شيء إلى الماء".
    كما كتب عن الأهمية الروحية التي يوليها الشيروكي لأنهارهم وجداولهم وبِركهم المحلية وقال إنه كان يذهب مع مجموعة منهم كلّ صباح عند بزوغ الفجر إلى جدول متدفّق، حيث يواجهون شروق الشمس ويغمرون أنفسهم في الماء الجاري، مجسّدين نوعا من الولادة الجديدة. واستنتج أن الذهاب إلى الماء "جزء من طقس لنيل العمر المديد وكسب ودّ النساء والشفاء من مرض مهلك وجلب الرخاء للعائلة مع كلّ عودة للقمر الجديد".
    لعدّة قرون، قبل تهجير شعب الشيروكي قسرا من أوطانهم الأصلية بدءا من عام 1838 خلال معركة درب الدموع، ارتبط نهر تينيسي ارتباطا وثيقا بالشيروكي، لدرجة أن المستوطنين الإنغليز والإسبان والفرنسيين غالبا ما كانوا يشيرون إليه ببساطة باسم "نهر الشيروكي". ومفردة الشيروكي التي تعني النهر، أو "الرجل الطويل"، تستحضر شيئا من الجوهر المقدّس لذلك النهر وغيره من الأنهار التي اعتبرها الشيروكي كيانات حيّة تتمتّع بشخصيّات وسمات فريدة.
    وبينما رأى المستوطنون الأوربّيون في نهر تينيسي مصدرا للفرص الاقتصادية، عارض شعب الشيروكي أيّ تحويل كبير لمجرى النهر أو بناء سدّ فوقه. ومن وجهة نظرهم "فإن ما تفعله عندما تُغيّر مجرى النهر هو تدميره. فالأنهار التي لا تتدفّق وتشكّل بِرَكاً راكدة كبيرة من المياه، كما هو الحال في السدود، تُعتبر مياها ميّتة. وعندها يفقد النهر شخصيته وأهميّته الروحية والشعائرية".
    اليوم، في جبال سموكي، حيث أمضى جيمس موني فترة مع قبيلة شيروكي الشرقية، وحيث فرّ عدد كبير منهم في عهد الرئيس جاكسون لتجنّب التهجير، تتدفّق عشرات الأميال من الجداول المحمية بمحاذاة مناطق غابات هادئة، مارّةً بوسط مدينة شيروكي، بينما تُبذل جهود لتجديد جداول المياه الجبلية.
  • ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات...
    ○ إن إضفاء طابع رومانسي على العالم هو ما يجعلنا ندرك سحره وغموضه وعجائبه. ويجب أن ندرّب حواسّنا على رؤية العادي على أنه غير عادي، والمألوف على أنه غريب، والدنيوي على أنه مقدّس، والمحدود على أنه لانهائي. نوفاليس

    ○ لا تحمل معك أثناء ترحالك إلا ما تستطيع حمله دائما: لغات أخرى ومعرفة بالبلدان والشعوب. ولتكن ذكرياتك حقيبة سفرك. ألكسندر سولجينتسين

    ○ قصّة بيرسيوس اليونانية الكلاسيكية هي مظهر مبكّر لحكاية شعبية واسعة الانتشار، صنّفها فلكلوريو القرن العشرين تحت اسم "قاتل التنانين". هل كان هناك بيرسيوس بدائي أنقذ عذراء من تهديد استثنائي، من نوع من التضحية البشرية مثلا؟ من الصعب الإجابة على هذا السؤال، ولكن ليس من الصعب تخيّل مدى قدَم الحادثة البدائية عن قاتل التنانين.
    فهي منتشرة في ثقافات كثيرة، ولا يمكن تصوّر وجود صلة أدبية بينها وبين اليونان القديمة، حيث نشأت أسطورة بيرسيوس. ومع ذلك، فإن المجموعة المشتركة من الزخارف في النسخ المتعدّدة من الأسطورة تُظهر بوضوح نوعا من العلاقة الوراثية أو الترابط التاريخي. هل نحتاج إلى العودة آلاف السنين قبل أوّل تسجيل لقصّة بيرسيوس للعثور على بيرسيوس البدائي هذا؟ من الأسهل بكثير أن نفهم أن الحكاية الشعبية انتشرت ببساطة وأن أحد مظاهرها كان في اليونان القديمة. ر. أدامز

    ○ لا يرى أيّ فنّان عظيم الأشياء على حقيقتها. لو فعل ذلك، لتوقّف عن كونه فنّانا. مارك توين

    ○ كانوا يُلقّبونه بـ بيتر النَسيان "أي كثير النسيان". في إحدى المرّات، وصل إلى المعهد الموسيقي ولم يجد التشيللو الذي كان يحمله. قال بابتسامة عريضة: ربّما ضاع في الطريق. مشى عائدا إلى غرفته. ولم يجد التشيللو هناك. ثم تذكّر لفافة الخبز التي اشتراها من المخبز المجاور. وكان التشيللو هناك مع الرغيف أيضا. قال بيتر: لديّ ذاكرة قويّة. وأضاف اقتباسا من فيلسوف مشهور: الذاكرة هي القدرة على النسيان". وبنفس الذاكرة، نسي أيضا الأسماء والمواعيد والوعود. نسي المكان الذي ركن فيه سيارته، فاضطرّوا للبحث عنها في نصف المدينة في منتصف الليل. كان ينتظر ساعتين مبكّرا في المطعم الخطأ، وللمرأة الخطأ. وقال إن النسيان هو شرط السعادة. باتريشيا دي مارتيلييه

    ○ أتركْ بابك الأمامي والخلفي مفتوحين. دع الأفكار تأتي وتذهب. فقط لا تقدّم لها الشاي! شونريو سوزوكي

    ○ ما الحياة سوى رقصة من الأشكال الزائلة. أليس كلّ شيء في تغيّر دائم: أوراق الأشجار في الحديقة، ضوء غرفتك وأنت تقرأ هذه الكلمات، الفصول، الطقس، هذا الوقت من اليوم، الأشخاص الذين يمرّون بك في الشارع. وماذا عنّا؟ ألا يبدو كلّ ما فعلناه في الماضي حلما الآن؟ الأصدقاء الذين نشأنا معهم، أماكن الطفولة، تلك الآراء والأفكار التي كنّا نتمسّك بها بشغف مطلق ثم تركناها الآن خلفنا؟ الآن، في هذه اللحظة، تبدو لك قراءة هذا الأسطر حقيقية تماما. لكن حتى هذه الأسطر ستصبح قريبا مجرّد ذكرى. سوجال رينوشي

    ○ إهتمّ بالحياة كما تراها، بالناس والأشياء، بالأدب والموسيقى. فالعالم ثريّ جدّا وينبض بالكنوز الغنيّة وبالأرواح الجميلة والأشخاص المثيرين للاهتمام. هنري ميلر

    ○ قصّة دراكيولا في الثقافة الحديثة كثيرا ما تهيمن عليها مشاهد عنف مروّعة ومعارك ملحمية بين وحوش ذات أنياب حادّة وصيّادين يحملون أوتادا. لكن مصّاص دماء رواية "برام ستوكر" يتميّز ببراعة مقلقة؛ إنه أقرب إلى "مخلّص من الفساد" منه إلى جزّار ملطّخ بالدماء. ولعلّ أفضل تفسير لشخصية "دراكيولا ستوكر" هو أنه مرض خبيث يسلب من يحبّ صفاته الفاضلة ويستبدلها خلسة بشرّ خالص لا يموت.
    في النصف الأوّل من الرواية، يجسّد ستوكر ببراعة الحزن والصدمة المرتبطين بمشاهدة هذه العملية المخيفة والشعور بالعجز عن تغييرها. وفي النصف الثاني، يقدّم عملا جديرا بالثناء بنفس القدر، مُظهرا كيف يمكن للشجعان أن يتّحدوا ويتكاتفوا في أعقاب الخسارة لمنع المزيد من المآسي. مايلز ريمار

    ○ الطريقة الوحيدة للتعامل مع عالم غير حرّ هي أن تصبح حرّا تماما، لدرجة أن يصبح وجودك نفسه فعل تمرّد. ألبير كامو

    ○ لا تبحث عن النجاح، فكلّما طاردته وجعلته هدفا، أضعتَه. فالنجاح كالسعادة، لا يُسعى إليه بل يجب أن يأتي من تلقاء نفسه. وهو لا يأتي إلا كأثر جانبي غير مقصود لتفاني المرء في سبيل قضية أعظم منه. وينطبق الأمر نفسه على النجاح: دعه يحدث دون أن تبالي به. أريدك أن تنصت لما يمليه عليك ضميرك وأن تنفّذه على أكمل وجه. عندها ستدرك أن النجاح سيلاحقك على المدى البعيد، لأنك لم تعد تفكّر فيه. فيكتور فرانكل

  • Credits
    chinahighlights.com
    fridakahlo.org

    الخميس، أغسطس 28، 2025

    نهاية العالم والحلم الأمريكي


    تعجّ الثقافة الشعبية الأمريكية بنبوءات عن يوم القيامة وسيناريوهات نهاية العالم وكأننا نعيش في أواخر العصور الوسطى. ووفقا للسينما والتلفزيون، فإن مصّاصي الدماء والمستذئبين والزومبي والكويكبات والغزاة القادمين من الفضاء سيقتحمون الأراضي الأمريكية يوماً ما.
    في المسلسل التلفزيوني "ثورة"، يتسبّب حدث غامض في توقّف جميع الأجهزة الكهربائية حول العالم عن العمل. ويؤدّي هذا الى نتائج كارثية تتضمّن خسائر فادحة في الأرواح، مثل تحطّم الطائرات على الأرض، وتفكّك جميع المؤسّسات الاجتماعية، وإجبار الناس على الاعتماد فقط على مهاراتهم الشخصية للبقاء على قيد الحياة، وانهيار الحكومات في جميع أنحاء العالم.
    كما يؤدّي الحادث الى انقسام الولايات المتحدة إلى عدد من الوحدات السياسية الأصغر، في تعارض واضح مع كلّ ما تعلّمه الأمريكيون عن "أمّة واحدة غير قابلة للتفكّك". وجوهر سيناريوهات نهاية العالم هذه هو أن تتقلّص الحكومة أو تختفي تماما. ويبدو أن تلك المسلسلات تعكس شعورا بأن الحكومة الأمريكية قد تضخّمت أكثر من اللازم وباتت بعيدة جدّا عن هموم المواطنين العاديين ولم تعد تستجيب لاحتياجاتهم ومطالبهم.
    وفي الحالات التي يتسبّب فيها الحدث المروّع المتخيَّل حدوثه بحلّ الحكومات، فإن هذه المسلسلات تعيد الناس فعليّا إلى ما يسمّيه المنظّرون السياسيون حالة الطبيعة. وكما لو كنّا نقرأ توماس هوبز أو جون لوك أو جان جاك روسو، نرى كيف يشكّل الناس عقدا اجتماعيا. ولا يعود الجمهور محصورا في المؤسّسات القائمة بالفعل، بل إنه يتمكّن من إعادة تقييمها ومعرفة ما إذا كان يحتاج إليها حقّا، بل قد يرى نفسه أفضل حالا في ظلّ ترتيبات أخرى أو ربّما بدون حكومة على الإطلاق.
    في المسلسل التلفزيوني "السماوات المتساقطة"، تدمّر كائنات فضائية غازية الحضارة كما نعرفها، وتقضي على الحكومات في جميع أنحاء العالم. تدور أحداث المسلسل في بوسطن وما حولها، ويُعقد اجتماع في بلدة نيو إنغلاند، حيث تتاح للشخصيات فرصة مناقشة شؤونهم الخاصّة ومسارات العمل في غياب أيّ سلطة سياسية عليا. وقد تُركت الشخصيات لوحدها، إذ دمّرت الكائنات الفضائية، في ضربة قاصمة للحضارة، دوائر الاتصال، وخاصّة الإنترنت الذي يُعدّ مثالا واضحا على التقدّم التكنولوجي الذي طالما لعب دورا مهمّا في صياغة الحلم الأمريكي.
    وبطبيعة الحال تفتقد شخصيات "السماوات المتساقطة" شبكة الإنترنت، لكنها تتعلّم العيش بدونها وتستحدث أساليب اتصال أكثر حميمية، وربّما أكثر إرضاءً. ويعدّ فقدان التكنولوجيا الحديثة سمة مميّزة لجميع هذه السيناريوهات الدرامية المروّعة، تعكس علاقة الحبّ والكراهية التي تربط الأمريكيين بآلاتهم وأجهزتهم. وجميع هذه المسلسلات تتبنّى موقفا مناقضا للحداثة بشكل عام، وربّما خيبة أمل حقيقية منها، وإحساسا بأن كلّ التقدّم التكنولوجي الذي يفخر به الامريكيون لم يجعلهم أكثر سعادةً، بل على العكس من ذلك، جعلتهم التكنولوجيا بائسين بنزعها الصفة الشخصية عن علاقاتهم وبتقييدها لحرّياتهم.
    ومن الواضح أن شخصيات هذا المسلسل نادمة على فقدان مزايا الحضارة الحديثة. ويتمنّى الكثير منهم لو كان ما يزال بإمكانهم الوصول إلى التكنولوجيا الطبّية المتقدّمة التي كانت متاحة في المستشفيات الكبيرة والرئيسية.
    وفي المسلسل تفقد الشخصيات كلّ ما كان يشكّل الحلم الأمريكي، مثل جميع ممتلكاتهم الماديّة ووضعهم الاجتماعي ووظائفهم، وبالطبع منازلهم المرفّهة. ولكن هذا يعني أنه يمكنهم الآن التركيز على بعضهم البعض. فلم تعد الوظائف تشتّت انتباههم وتلهيهم عن التزاماتهم العائلية. وبالنسبة للكبار، أصبحت الأبوّة والأمومة وظيفتهم بدوام كامل. وبعد أن كانوا في الماضي معتادين على أن يضعوا حياتهم المهنية قبل حياتهم العائلية، أصبحوا الآن مستعدّين للتضحية بأيّ شيء من أجل أطفالهم.
    لقد فقدت الشخصيات كلّ ما كان يجعل حياتهم تبدو جديرة بالاهتمام، لكنهم اكتشفوا أن عناصر الحلم الأمريكي تلك كانت مُلهيات، وفي أسوأ الأحوال عقبات أمام سعادتهم الحقيقية وشعورهم بالإنجاز. وبعد تحرّرهم من الهموم الماديّة والمؤسّسات الرسمية، أُتيحت لهم الآن فرصة البحث عمّا يجعل الحياة ذات معنى حقيقي، وهو التفاني للأصدقاء وخاصّة للعائلة.
    وفي المسلسل التلفزيوني "الموتى السائرون"، ينتشر وباء الزومبي بسرعة في جميع أنحاء العالم، ما يؤدّي إلى إبادة جميع السكّان، باستثناء بقايا من البشر. وفي كلّ سيناريوهات نهاية العالم هذه، فإن أيّ شيء يؤدّي إلى نهاية العالم يؤثر على الأرض بأكملها بشكل أو بآخر في وقت واحد. وما يزعج الناس هو الشعور بأنهم يفقدون السيطرة على حياتهم في عالم من المؤسّسات التي لا تتفاعل مع الناس ولا تهتمّ بأحد. وحقيقة أن كلّ هذا يحدث على نطاق عالمي هو أمر مثير للقلق بشكل خاص.
    في هذا المسلسل أيضا يصبح الزومبي رمزا لقوّة العولمة التي تُذيب جميع الفروق الثقافية. ويفقد الزومبي فرديّتهم وحرّية إرادتهم وكلّ ما يجعلهم بشرا. ومن خلال عقلية القطيع التي يتّصفون بها، يصبحون تحديدا نوع البشر الذين تسعى المؤسّسات لإنتاجهم ويمثّلون الرعايا المستسلمين الذين ترغب بهم الحكومات سرّا. وتحويل الناس إلى زومبي هو صورة قويّة لما تحاول الحكومات فعله بمواطنيها، وهو خلق مجتمع متجانس وموحّد عاجز عن التصرّف باستقلالية.
    ومن خلال تجريد كلّ المؤسّسات التي تشكّل الحضارة الحديثة، يقدّم لنا مسلسل "الموتى السائرون" ما كان الغرب يقدّمه في الثقافة الشعبية الأميركية: صورة للعيش على الحافّة، ورؤية لما يكون عليه الحال بدون حكومة مستقرّة، ومواجهة تحدّي حماية النفس والأسرة بلا معين، وتعلُّم معنى الاستقلال والاعتماد على الذات.
    ويلعب الزومبي الدور المسند تقليديّا للهنود الحمر في أفلام الغرب الأمريكي: جحافل من البرابرة المتربّصين على حدود المجتمع المتحضّر والمهدَّد بالإبادة. ومثل الهنود في العديد من أفلام الغرب، فإن الزومبي مجهولو الهويّة والاسم تقريبا، لا يتكلّمون أبدا، وقد يقتلون عشوائيا، والهدف الواضح هو تبرير إبادتهم جماعيّا. وتشبه رحلة شخصيات هذا المسلسل عبر أراضي جورجيا المدمّرة قوافل عربات أفلام الغرب الأمريكي، فهم يتنقّلون من خطر لآخر ويقاتلون أو يتفاوضون مع الجماعات المتنافسة ويعانون من نقص الإمدادات ويبحثون عبثا عن ملجأ ويؤخّرهم البحث عن رفاق مفقودين ويمزّقهم الخلاف على تحديد وجهتهم.


    يشير بعض الكتّاب إلى أن من أسباب وفرة أفلام نهاية العالم حقيقة أن البشر يشعرون بانزعاج عميق من فكرة أن حياتنا لا تشكّل سوى فترة زمنية قصيرة للغاية من تاريخ العالم وأننا نشعر بأننا عالقون في المنتصف. فالكثير حدث قبل ولادتنا، وسيحدث الكثير بعد موتنا. ولفهم هذه الحقيقة المربكة، نبحث عن "نمط متماسك" ونستثمر في فكرة أننا نجد أنفسنا في قلب قصّة.
    ويجادل كتّاب آخرون بأننا تبنّينا الاعتقاد بأن بداية الإنسانية كانت فترة ازدهار وتقدّم. أما الفترة الوسطى، وهي العصر الذي نعيش فيه الآن، فتتميّز بـ"الانحطاط"، حيث تراجعَ ما كان جيّدا وأصبح بحاجة إلى "تجديد". وللدخول في عصر جديد، لا بدّ من تحمّل عملية تطهير مؤلمة "أو مرعبة"، ما يتيح لنا تفسير الفوضى و"الأزمة" التي نراها تتكشّف من حولنا. كما تتيح قصص النهاية للأفراد التأمّل في موتهم وفهم حياتهم ومكانهم في الزمن وعلاقتهم بالبداية والنهاية. أيضا هذه الأفلام تسمح للمشاهدين "بالتغلّب على مشاعر الفوضى والارتباك" من خلال تعريضهم لأساليب سردية وسينمائية تغيّر تجاربهم الطبيعية عن الزمان والمكان.
    والأفلام، التي تتناول أحداث دمار عالمي، مثالية لرسائل "البقاء على قيد الحياة". ففيها تحاول الشخصيات إما منع وقوع كارثة وشيكة أو الاستعداد للنجاة من كارثة حتمية. ويضطرّ الناجون الى الكفاح من أجل البقاء في عالم ديستوبي أو شرّير. ويتجلّى هذا الكفاح في تصوير الناجين وهم يبحثون عن الطعام ويتجنّبون العصابات المتجوّلة في عالم ما بعد نهاية العالم ويُظهِرون مهارات خارقة في البقاء والقتال، كمطاردة الحيوانات البرّية وهزم مجموعات قطّاع الطرق الصحراويين.
    لكن أحيانا قد تؤدّي هذه الأفلام إلى تدريب المشاهدين على العجز. إذ يبدؤون في التقليل من شأن مشاكلهم عند مقارنة نضالاتهم بأحداث الحياة والموت التي يرونها على الشاشة، ويصبحون أقلّ تحفيزا لإجراء التغييرات اللازمة في حياتهم.
    من جهة أخرى، فإن هذه التصوّرات عن نهاية العالم كما تعبّر عنها السينما هي نتاج التركيبة النفسية والاجتماعية والسياسية والأيديولوجية للمجتمع الأمريكي. وهي تنتقد الهياكل الاجتماعية القائمة، في محاولة للاستجابة للأزمات الاجتماعية الحالية، وتنظر إلى النظام القائم على أنه فاسد وأناني وجشع ولا يستحقّ الحفاظ عليه أو الاستمرار فيه.
    الكاتبة إ. روزن ترى أن قصص نهاية العالم ليست سردا متفائلا حيث يتدخّل الله لتصحيح الأمر وإعادة النظام إلى عالم مضطرب ومكافأة المؤمنين، بل هي قصص تحذيرية تتنبّأ بالاحتمالات القاتمة وتعكس غضب الربّ العقابي والجماعي على عالم منحط. أي أن هذه القصص تفترض أن لا أحد يستحقّ الإنقاذ وأن الجميع يجب أن يعاقَبوا.
    النسَخ الجديدة من قصص نهاية العالم تتضمّن انهيار النظام الاجتماعي ومعاقبة خطايا البشر والتشاؤم بشأن قدرة البشرية على إعادة تأهيل نفسها. وعلى عكس قصص نهاية العالم القديمة، لا تفترض القصص الجديدة نهاية سعيدة ولا توجد فيها "معجزة إلهية" ولا أمل في إعادة تأهيل البشر. فالانحطاط كامل لدرجة أن النهاية لا يمكن أن تكون إلا كذلك ولا يوجد شيء بعد هذه النهاية ولا أمل في جنّة جديدة على الأرض، لأنه لا يوجد شيء يستحقّ الإنقاذ". ورسالة هذه الأفلام واضحة: إذا لم يغيّر البشر أساليبهم، فستقع الأحداث التي يرونها على الشاشة وستتسبّب في انقراض الجنس البشري.
    وفي بعض هذه الأفلام، لا يقع الحدث المروّع بسبب خطأ بشري أو لامبالاة أو عيب. مثلا، فيلم "حزن" من عام 2011 ينتهي باصطدام كوكب مارق بالأرض على أنغام مقدّمة ريكارد فاغنر لأوبرا تريستان وإيزولدا. هذا الفيلم جريء وغير منضبط ومتشائم. ورسالته هي أن الأرض شرّيرة ولا داعي للحزن عليها ويجب أن تُترك لمصيرها فلن يفتقدها أحد".
    الملاحَظ أن جميع التنبّؤات عن نهاية العالم، وعلى مدى آلاف السنين الماضية، يجمعها شيء واحد مشترك، هو أنه لم يتحقّق أيّ منها على الإطلاق. وقائمة هذه التنبّؤات الفاشلة تُعزى إلى الكثير من الأسماء المهمّة، مثل الفيلسوف الروماني سينيكا والمسيحيين الأوروبيين والمورمون والمذنّب هالي وشهود يهوه وبوّابة السماء ونوستراداموس وآخرين.
    لكن كلّ هذه النبوءات تحمل أيضا رسالة أعمق، وهي أنه على الرغم من أن نهاية العالم أمر لا مفرّ منه، بعد أن يتجاوز عمر الأرض خمسة مليارات سنة وتموت الشمس، إلا أنه لا يوجد أساس عقلاني أو علمي للاعتقاد بأن تلك النهاية المفترضة أصبحت وشيكة.

    Credits
    scene360.com
    spu.edu

    الثلاثاء، أغسطس 26، 2025

    نصوص مترجمة


  • كان أحد أعمامي يأمل أن يصبح رسّاما كبيرا. في مراهقته، فاز بمِنَح دراسية وجوائز مهمّة، لكنه فقد بصره بسبب السكّري. كنت في العاشرة وهو في العشرينات من عمره، عندما كنّا نسير معا ذات يوم في شارع مزدحم بالمشاة في بوينس آيرس. وفجأة قال أحدهم: ها هو بورخيس"! نظرتُ ورأيتُ بورخيس، فقلتُ لعمّي: هذا بورخيس".
    كان قادما نحونا، وهو ممسك أيضا بذراع صديق أو معجب، ثم صرخ عمّي الكفيف والفكاهي: بورخيس! كيف حالك؟ تبدو رائعا". حوّل بورخيس نظره إلى المكان الذي أتى منه صوت عمّي الكفيف، وتبادلا النظرات دون أن يَريا بعضهما، وأنا واقف بينهما غير مصدّق لما أراه.
    في ذلك الوقت، لم أكن قد قرأتُ أعمال بورخيس، ولكن كنتُ أعرفه جيّدا. كان من السهل أن ألتقي به في الشارع، وكان حاضرا باستمرار على شاشات التلفزيون، حيث كان موضوعا للعديد من المقابلات المطوّلة، وحتى لعروض الكوميديا القصيرة. كان الكوميديون يقلّدونه. كان فريدا من نوعه، بصوته وأسلوبه في الكلام وتواضعه المتغطرس وسعة اطلاعه التي تكاد تكون مجنونة وأسلوبه المهذّب والصارم في تقويض محاوريه.
    بعد سنوات قليلة من ذلك اللقاء مع بورخيس، ومع عدم وجود فرصة لرؤيته مرّة أخرى ولفترة طويلة، قرأت أوّل كتاب له: "تاريخ عالمي للعار". وأعتقد أنني قرأت كتب بورخيس بعد ذلك بنفس الطريقة التي قرأ بها هو ألف ليلة وليلة وستيفنسون وتشيسترتون وآلان بو وويلز. قرأته كما لو كان مؤلّف كتب أطفال بالمعنى النبيل للكلمة، ككاتب تأسيسي، كصانع قصص مثالية، كواحد من أولئك الرواة الذين يفتحون الباب لنا للّعب في كتب أخرى.
    وفي أحد الأيّام، في إحدى صالات الألعاب الرياضية، حدث أن اصطدمتُ برجل عجوز خفيف الوزن. طار الرجل في الهواء، ممسكا بعصاه، وأخذ يصرخ صرخات مكتومة قبل أن يسقط على وجهه. ثم اكتشفتُ أن ذلك الرجل لم يكن سوى بورخيس نفسه، وأنني ربّما قتلتُه.
    كانت تلك أهمّ لحظة في حياتي! من كان يعلم أن ذلك الاصطدام بالأدب العظيم سيُشعل شرارة قصص أخرى، أو سيمثّل نهايتي ككاتب. فما جدوى كتابة أيّ شيء إن سُجِّلْتُ في التاريخ بصفتي قاتل بورخيس؟!
    لحسن حظّي، ظلّ بورخيس حيّا. رأيتُه مُستلقيا على ظهره وعصاه على صدره، يفتح فمه ويغلقه كأحد طيور الكناري بحثا عن أكسجين. كانت تلك تجربتي الكبرى مع الأدب، ويزعجني قليلا ألا أتمكّن من التذكّر، مهما حاولت، إن كنتُ قد ساعدته على النهوض أم لا. لا أظنّ أنني فعلت.
    لقد رويت تلك القصّة مرّات عديدة. وأصبحتْ مثل الورقة الرابحة في جعبتي أو في ياقة أحد الكوميديين. وهكذا حدث اصطدامي الحقيقي بالأدب.
    عندما جلستُ لأقرأ بورخيس، لم أفعل ذلك رغبة في تحليله وإعادة بنائه لاحقا أمام لجنة من الممتحنين، أو من أجل خطّة نظرية حتمية لكيفية المضيّ قدما في عملي، بل من أجل متعة الاستمتاع بشخصية عظيمة.
    وهنا أصل إلى سرّ علاقتي الشخصية جدّا مع بورخيس. أتذكّر الانفجار الشخصي الكبير الذي مررت به عندما قرأتُ ذات صباح استوائي، وربّما ممطر "من يتذكّر وهو يقرأ تحت المطر!"، تلك الصفحة القصيرة بعنوان "بورخيس وأنا"، والتي يعترف بورخيس فيها "لا أعرف أيّنا الاثنين يكتب هذه الصفحة"، وحيث يطمس بورخيس الخطّ الفاصل بين المؤلّف والشخصية ويشوّه هويّة القارئ.
    ما شعرتُ به وقتها هو أنه لا يمكن للمرء أن يكسب عيشه من الأدب فحسب، بل يمكن أن يعيش الأدب، والأدب يمكن أن يحيا في الكاتب ومن خلاله. كان بورخيس، بالنسبة لي، وسيظلّ الكاتب العظيم الذي يفهم الكُتّاب كشخصيات عظيمة وكقُرّاء عظماء.
    بورخيس كقارئ/كاتب، ابتدع بأسلوبه تقليدا أدبيّا أرجنتينيا افتراضيّا ومراوغا، لم يكن يحفر في التربة بل في الجدار الذي تُعلّق عليه الكتب. الجدار الذي يؤوي عبقرية أمين مكتبة أعمى ومتعدّد الأشكال ومنحرفا، يوصي بأشياء كثيرة دفعة واحدة، مقتنعا بأن الخلاص والجنّة يعيشان دائما داخل كتاب، كتاب يحتوي الكون بأسره. رودريغو فريسن
  • ❉ ❉ ❉


  • يمثّل موزارت لمعظمنا الأناقة والذكاء والرقّة والألفة، وما إلى ذلك. ولو كان هذا كلّ شيء، لظلّ مجرّد فنّان من عصره. لكنه يختلف عن غيره من المؤلّفين من أواخر القرن الثامن عشر الذين أنتجوا موسيقى سهلة وراقية وغنائية ومرِحة لطبقة النبلاء.
    وصل موزارت إلى هذا العالم كروح سامية، وظلّ فيه حوالي ثلاثين عاما، ثم تركه غنيّا ومبارَكاً بزيارته. كانت عبقريته عالمية مثل جميع الفنّانين العظام. لم يلتقط فقط إحساس وروح عصره، بل جسّد أيضا روح الإنسان، إنسان كلّ العصور، الإنسان بكلّ رغباته وتطلّعاته وتناقضاته.
    عندما كنّا في موسكو قبل فترة، سمعت الكاتب الكبير بوريس باسترناك يقول: رغم كلّ شيء، أنا مفعم بالبهجة، فنّي موجود كسجلّ لمأساة الوجود البشري، يتغذّى من الأحزان. وفنّي هو كلّ بهجتي". وهكذا هو حال أعظم الأرواح المبدعة، وهكذا كان حال موزارت.
    قد يفاجئ هذا الكلام بعض الناس ممّن اعتادوا وصف موسيقى موزارت بالأرستقراطية. وكم من الناس سمعتهم يصفونها بـ"الرنّانة". يقولون: لا داعي لكلّ هذه التعقيدات البسيطة في موسيقاه. أعطني جرأة في الموسيقى: بيتهوفن، برامز، التراجيديا، العظمة".
    لكن هذا النوع من الكلام لا يعني سوى شيء واحد: أنهم لا يعرفون موزارت. لا يمكن لأحد أن يستمع إلى موزارت وينصت إليه باهتمام، بكلتا أذنيه، دون أن يختبر ما أسماه باسترناك "مأساة الوجود البشري".
    هل تشعر في موسيقى موزارت بذلك الحزن، ذلك الجوهر الثمين، حتى وهي محاطة بإطار من القرن الثامن عشر؟ إن موسيقاه تهرب باستمرار من إطارها، لأنه لا يمكن احتواؤها في قالب. وهي في جوهرها خالدة. إنها موسيقى كلاسيكية لرومانسي عظيم، وموسيقى حديثة وخالدة لكلاسيكي عظيم. ليونارد بيرنشتاين
  • ❉ ❉ ❉

  • في القرن السادس عشر، كان مصطلح "بيرو" يُطلق على أمريكا الجنوبية بأكملها، وليس فقط على أراضي الدولة التي تحمل هذا الاسم اليوم. وكانت أراضي أتاوالبا، آخر إمبراطورية للإنكا في بيرو، غنيّة بالذهب والفضّة. وفي أبريل عام 1545، تسلّق نبيل هنديّ ضئيل يُدعى دييغو غوالبا تلّة بحثاً عن ضريح، فسقط أرضا بفعل رياح قويّة. ووجد نفسه ممسكاً بكتل ضخمة من الفضّة بيديه، فأبلغ بذلك بعض المغامرين الإسبان في المنطقة المجاورة.
    وبعد مزيد من البحث، اكتُشفت خمسة عروق غنيّة بالفضّة. وتبع ذلك اندفاع محموم للبحث عن المعدن الثمين. وقتها كانت الفضّة، وليس الذهب، هي التي أصبحت في نظر العالم رمزا للثروات التي تُجنى بسرعة. وبالنسبة للفرنسيين في القرن السادس عشر، أصبحت مفردة "بيرو" مرادفة للثروة الهائلة.
    آنذاك وُصفت رواسب بوتوسي في بيرو، "الواقعة اليوم في بوليفيا"، بأنها "جبل فضّي" يبلغ قطر قاعدته ستّة أميال ويقوم على هضبة نائية ومهجورة ترتفع 12 ألف قدم فوق مستوى سطح البحر.
    ومن عام 1503 إلى عام 1660، قُدِّر أن 16 ألف طن متري من الفضّة وصلت إلى إشبيلية بإسبانيا، أي ثلاثة اضعاف موارد الفضّة الموجودة في أوروبا في ذلك الوقت. بينما دخَلَ 185 طنّا متريّا من الذهب إلى إشبيلية من العالم الجديد خلال الفترة نفسها. كانت الفضّة العنصر الرئيسي في ثروة إسبانيا الخيالية. وكانت تلك الثروة خيالية فعلا، لأن آثارها على الحكم الإسباني كانت غير متوقّعة، وأدّت على المدى الطويل ولأسباب متعدّدة إلى الإفلاس وتراجع نفوذ إسبانيا في الشؤون العالمية. كاسي كورتنغ
  • ❉ ❉ ❉

  • أحببت الفراشات وكنت مفتونا بها منذ الصبا، عندما عرّفني والدي على هذه المخلوقات الساحرة. وعندما كبرت، ازداد شغفي بها وألّفت كتابا عنها تحدّثت فيه عن حضورها الدائم في أحلامنا وفي الأدب والموسيقى والفنّ والثقافة الشعبية. وأعرف أن الكثيرين بدأوا يصبحون من مراقبي الفراشات ويدركون كيف يمكن لهذا النشاط الممتع أن يفيدهم عقليا وجسديّا وروحيا.
    إن فوائد التواجد في الهواء الطلق في أحضان الطبيعة والمشي بوتيرة هادئة والوقوف ساكنا وتعلّم الرؤية والنظر باهتمام والانتباه الكامل لهي من الأمور المفيدة والمجزية كثيرا. الكاتب فلاديمير نابوكوف هو مثال على رجل الفراشات العظيم. ولم يكتب أحد آخر بمثل هذا الشعور أو الجمال عن الفراشات.
    وأعتقد أن هناك دروسا يمكن استخلاصها من مشاهدة الفراشات. فنحن قد نتعلّم شيئا من طيرانها الرقيق والرشيق وكيف أنها لا تستقرّ طويلا بل تمضي قدما. وهي تعلّمنا شيئا عن العيش بِخفّة، لا أن نغرق في وحل الركود، وأن نحافظ على مرونتنا وقابليّتنا للتكيّف، وأن نمشي رويداً على الأرض، لا أن نتخبّط في أمور مدمّرة، وأن نقدّر تعقيد وهشاشة ما حولنا. نايجل أندرو
  • ❉ ❉ ❉

  • تتعرّض الحيوانات البرّية في بيئاتها الطبيعية لمواقف عصيبة ومختلفة، مثل البحث عن مجموعات وأماكن آمنة للعيش، والحصول على الطعام وتجنّب التعرّض للافتراس، وتحمّل الأمراض والإصابات دون علاج.
    وبينما يُتوقّع أن تُوفَّر للحيوانات الأسيرة أماكن آمنة للعيش وغذاء كافٍ ورعاية بيطرية عند الحاجة، إلا أنها لا تحصل بالضرورة على هذه الحقوق البسيطة. وحتى لو حصلت عليها، فهذا لا يعني بالضرورة أنها تتمتّع بحياة أسعد أو أفضل من أقاربها في البرّية المفتوحة.
    ويمكن أن نتخيّل وجود حالات قد يستفيد فيها الحيوان من إبعاده عن البرّية. مثلا، إذا كان يتعرّض للضرب باستمرار ككبش فداء أو يتضوّر جوعا أو يعاني من مرض أو إصابة خطيرة.
    ومع ذلك قد يقول قائل: هذا شعور طبيعي عندما يكون فردا في جماعة، ويجب أن تُمنح له فرصة عيش حياته الطبيعية. ففي النهاية، هذا ما تطوّر ليصبح عليه. قبل سنوات، أدركت معنى أن تكون حيوانا برّيا وأن تكون حيوانا أسيرا.
    ففي عالم يشهد هيمنة بشرية متزايدة، في حقبة تُسمّى "عصر الأنثروبوسين" الذي تحوّل إلى " موجة من اللاإنسانية "، من الواضح أننا كثيرا ما نتدخّل في حياة أنواعٍ لا تُحصى. نسرق حياتها وبيئاتها ونسرق أطفالها ومستقبلها. ومن المحتمل جدّا أن تعاني الحيوانات البرّية من اضطرابات نفسية مختلفة، بما في ذلك اضطراب ما بعد الصدمة وأمراض سلوكية أخرى. مارك بتكوف

  • Credits
    borges.pitt.edu
    wolfgang-amadeus.at

    الأحد، أغسطس 24، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • كانت الفنّانة الأوكرانية سونيا ديلوناي (1885-1979) شخصية بارزة في حركة الفنّ الطليعي في باريس. وقد خاضت مع زوجها الرسّام روبير ديلوناي مغامرة فنّية تستند الى تباينات الألوان وذوَبان الشكل من خلال الضوء. وأسّس الزوجان معا حركة فنّية ارتبطت بهما حتى بعد وفاتهما، وهي حركة الأورفية (orphism). الشاعر والناقد الفنّي غيوم أبولينير هو الذي اختار هذا المصطلح لوصف نسختهما الفريدة من التكعيبية، متذكّرا الاقتران القديم بين الفنّ والموسيقى الذي جسّده العازف والشاعر الأسطوري أورفيوس.
    وقد واصلت سونيا ديلوناي استكشاف هذه الحركة الفنّية بعد وفاة زوجها، وأصبح اسم الحركة "التزامنية Simultanism"، وهي فرع من الأورفية. وغالبا ما اقترن اسم ديلوناي بأسماء فنّانين مثل بيكاسو وماتيس وكاندنسكي. وقد رسّخت مكانتها كشخصية رائدة أعادت رسم الحدود بين الفنون الجميلة المختلفة.
    وهي لم تشارك زوجها فقط في تأسيس الأورفية، بل كانت أيضا أوّل فنّانة حيّة يقام لها معرض استعادي في متحف اللوفر عام ١٩٦٤. وقد تجاوزت رؤيتها الفنّية حدود اللوحات، حيث دمجت الفنّ في الحياة اليومية من خلال المنسوجات والتصميم الداخلي والأزياء.
    لوحتها "الهالات الكهربائية" (1914) هي أفضل مثال على براعتها في الألوان والأشكال. ويظهر النسيج فيها نابضا بالحياة بفضل خطوطها النشطة والمتقاطعة والدوّارة التي تعطي انطباعا بالحركة. وعنوان اللوحة يلمّح إلى استكشاف الضوء واللون. وقد استلهمت الرسّامة موضوع الصورة من الهالات الملوّنة للمصابيح الكهربائية في أحد شوارع باريس. وتتركّز النقطة المحورية في الصورة على دائرتين متداخلتين كبيرتين صُنعتا بواسطة أقواس أو أشكال منحنية من الألوان الأساسية والثانوية الموضوعة بجوار بعضها البعض.
    ولو أمعنت النظر في اللوحة سترى أضواءً من الألوان المُشعّة التي تتخلّل اللوحة بأكملها، وكشكا طويلا به كتب، بالإضافة الى أجزاء من شخصيات غامضة في النصف السفلي من اللوحة، وقد امتصّتها الألوان الزاهية للضوء الكهربائي.
    يقول النقّاد إن براعة ديلوناي تتمثّل في قدرتها على تصوير هذا المفهوم في صورة تجريدية، ما يضفي على سطح القماش هذا السطوع. وينعكس تأثير عمق اللوحة في مزيج الألوان والأشكال المتباينة، مؤلّفةً ما يبدو وكأنه سيمفونية بصرية.
    كان اللون أحد أبرز العناصر في فنّ ديلوناي، وكان له ارتباط خاص بطفولتها في أوكرانيا، حيث تأثّرت بالفنون الشعبية والتطريز المليء بالألوان. وقد مهّدت موهبتها الاستثنائية وابتكاراتها في مجالي الضوء واللون الطريق أمام أجيال من الفنّانين لاستكشاف الإمكانات اللامحدودة للفنّ التجريدي.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • تتساءل باتريشيا دي مارتيلييه (1957 - 2009): ما الذي يجمع بين العاشق والكاتب والفيلسوف؟ وتجيب: الثلاثة ينتهي بهم المطاف لأن يصبحوا خالي الوفاض تماما: العاشق، لأنه لا مفرّ من رحيل محبوبه مؤقتا أو دائما. والكاتب، لأنه يحاول عبثا التعبير باللغة عمّا لا يُقال. والفيلسوف، لأن عقله لا يمنحه سوى الشك، وبالتالي لا يقين".
    في الثالثة عشرة من عمرها، نشرت دي مارتيلييه روايتها الأولى بعنوان "ملك البرّية". بطل الرواية أسد صغير أُسر في الغابة وأُجبر على مشاهدة أمّه وهي تُسلخ حيّة. ثم يُؤخذ الشبل إلى سيرك، حيث يُدرّب على أداء جميع أنواع الألعاب والحيل. وهناك يمزّقه صراع داخلي، إذ يكتشف مصدوماً أنه أصبح متعلّقا بسيّده البشري، أشرس أنواع الحيوانات على الاطلاق. لكنه في الوقت نفسه يتوق إلى الحريّة.
    يتمكّن الأسد من الهرب من السيرك ويعيش في الغابة لفترة. لكن القصّة لا تنتهي نهاية جيّدة. حيث يؤسر مجدّدا، وفي محنته، يُلقي بنفسه على القضبان حتى يُصاب بجروح بالغة، ثم يقتله أحد الحرّاس رحمةً به. باتريشيا، ذات الثلاثة عشر عاما، تحثّ أسَدها على التأمّل قائلة: لك أن تُقرّر بنفسك ما ستفعله بحياتك. لكن مهما تخيّلت وحاولت، فإن جميع الطرق تؤدّي إلى نفس المصير: الموت".
  • ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات...
    ○ اللغة منديل تنظيف منعش ورطب برائحة الليمون. اللغة هي نسمة الله، الندى على تفّاحة طازجة، مطر الغبار الناعم الذي يتساقط في شعاع شمس الصباح عندما تسحب من رفّ كتب قديم مجلّدا منسيّا. اللغة حفلة عيد ميلاد طفولة نصف متذكَّرة، صرير على الدرج، عود ثقاب متقطّع موصول بلوح زجاجي مجمّد، هيكل دبّابة متفحّمة، الجانب السفلي من صخرة غرانيتية، أوّل نموّ ريشي على الشفة العليا لفتاة متوسّطية، خيوط عنكبوت اكتسحها حذاء قديم منذ زمن طويل. ستيفن فراي

    ○ أتذكّر الحكاية القديمة الطريفة عن آينشتاين وهو يدرّس الرياضيات لفتاة صغيرة من جيرانه، لكن هذه المرّة ألقيت نظرة على مراسلات آينشتاين مع الناس العاديين الذين كتبوا إليه يطلبون منه النصيحة ويعبّرون له عن آرائهم، محاولين إظهار تقديرهم له. وقد اعجبت، ليس فقط بصدق ردوده، بل بقدرته على تخصيص بعض وقته للردّ على رسائل الناس، رغم كثرة انشغالاته وانطوائيّته المعروفة وحبّه للعزلة.
    وحقيقة أن الناس من جميع الأطياف، بمن فيهم الأطفال، شعروا بالحاجة إلى التواصل معه رغم استحالة فهمهم لمساهماته في الفيزياء، تشير إلى حاجة إنسانية فيهم. نعم كان آينشتاين شخصية مشهورة في مجتمع مهووس بالشهرة، لكن يبدو أن هناك شيئا ما في طريقة تعامل العامّة معه أعمق بكثير من مجرّد هوس المشاهير المعتاد، ما يوحي بأن آينشتاين استغلّ حاجة أعمق لديهم.
    لقد بلغت مكانة آينشتاين حدّا دفع مجلة "تايم" إلى اختياره وتمجيده كرجل القرن، ليس لأن هيئة تحرير المجلة قادرة على تقديره، بل لأنها اضطرّت إلى ذلك حفاظا على مصداقيتها ولإضفاء بعض الكرامة على حضورها البائس. ومع ذلك، فإن اللغز الكامن في قلب الصورة الرسمية لآينشتاين هو لامبالاته النفسية بالمؤسّسات والهياكل الرسمية للتعلّم والبحث وتأكيده الدائم على السعي وراء الأسئلة الأساسية والحفاظ على الفكر متجدّدا وحيوياً ومستقلاً. رالف دامين

    ○ ما فائدة الأحلام؟ لماذا نقضي شطرا من نومنا في رؤية قصص غريبة لا نتذكّرها إلا بشكل مبهم عندما نستيقظ؟ من أين تأتي هذه القصص، وماذا تعني؟ معظم الإجابات التقليدية تفترض أن الأحلام هي في الواقع قصص، أي أن لها معنى وتُروى لسبب. وأقدم نظريات الأحلام ترى أنها "رسائل من أقارب متوفّين أو من الآلهة". وقد تكون هذه الرسائل بسيطة أو معقّدة أو مباشرة أو غامضة لدرجة تتطلّب مساعدة تفسيرية من عرّاف أو شامان. ولكن في كلّ حالة، تُفهم الأحلام على أنها تواصل، كأن شخصا آخر يخبرنا بشيء ما أثناء نومنا.
    في إطار العلم، أصبح من غير المعقول وجود كيانات كهذه تخاطبنا، لكن نموذج الأحلام كرسائل لم يفقد جاذبيّته. وقد رأى فرويد ويونغ أن الأحلام قد تكون رسائل من أنفسنا، طالما أن هناك جزءا من أنفسنا لا نستطيع الوصول إليه مباشرة. إيليا فارير

  • Credits
    moma.org
    archive.org