:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الخميس، يونيو 19، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • في القرن السادس الميلادي، أبحر الراهب الآيرلندي بريندان وثمانية عشر راهبا آخر من آيرلندا عبر المحيط، في رحلة استغرقت سبع سنوات بحثا عن جنّة أرضية ذُكرت في بعض الكتب القديمة. وتذكر الأساطير الكلتية المبكّرة أن تلك الجزيرة لم تكن تظهر إلا عند غروب الشمس في ضباب المحيط الأطلسي، وقد أُطلق عليها "الجزيرة المباركة الخالية من العواصف، حيث جميع الرجال فيها صالحون وجميع النساء طاهرات".
    وأثناء رحلة بريندان ورفاقه، عثروا على جزيرة جرداء، فقرّروا التخييم فيها ليلا وأشعلوا نارا. ثم بدأت الجزيرة تهتزّ فجأة، ففرّ الرهبان مذعورين إلى قواربهم وتركوا الطعام والنار خلفهم. لكن القديّس حثّهم على عدم الخوف، مؤكّدا أن ما حدث سببه أن "سمكة كبيرة تجاهد ليل نهار لتضع ذيلها في فمها، ولكن لا تستطيع".
    وقد وصل الراهب ورفاقه إلى جزر الكناري التي كانت آنذاك نهاية حدود العالم المعروف. وفيما بعد وصلوا، ليس فقط إلى جزر هيبريدس وجزيرة فارو "أو جزيرة الخراف"، بل وحتى إلى شواطئ أمريكا التي يقال إنهم وصلوها قبل كولومبوس بوقت طويل.
    وليس من الواضح حتى اليوم أين تقع الجزيرة أو الأرض الموعودة التي كانوا يبحثون عنها. وهناك إشارات إلى بِرك طينية دافئة وبلّلورات قد توحي بطبيعة آيسلندا. ويشير السياق اللاحق إلى "جزيرة منوّمة" قد تكون إحدى جزر الأزور. وغير بعيد عنها جزيرة أخرى واسعة جدّا و"مغطّاة بفاكهة بيضاء وأرجوانية ولم تكن فيها أشجار أو أيّ شيء يتحرّك مع الريح". وبعد ستّة أيّام من الإبحار، نزلوا في جزيرة خصبة بها "عنب كبير كالتفّاح وعطر كرائحة بيت مليء بالرمّان".
    ويذكر كتاب "بريندان الملّاح" الذي يحكي وقائع رحلة القدّيس ورفاقه أنه كان من بين المخلوقات الغريبة التي قابلوها في رحلتهم حوت لطيف تظاهر بأنه جزيرة حتى يتمكّنوا من إقامة قدّاس الفصح على ظهره. "لم يكن ذلك الحوت يحمل لنا أيّ ضغينة. وفي زيارتنا الأخيرة، أظهر بعض المشاعر الرقيقة عندما اصطحبنا في رحلة وداع قصيرة!"
    لم يكن الكلت وحدهم من آمنوا بوجود جنّة أرضية في المحيط الغربي، بل تخيّل الإغريق أيضا هذه "الجزيرة المباركة" وراء أعمدة هرقل. وزعمت أساطيرهم أنها "مأهولة بالبشر الذين منحتهم الآلهة الخلود"، وأنها معروفة باعتدال مناخها ووفرة الثمار والخيرات فيها.
    عندما نتأمّل الأساطير الأوربيّة، لا ينبغي أن نشكّك في أن الناس في الماضي كانوا يعتبرون تلك القصص مقبولة، بل إنها مثّلت قضايا حيوية للغاية. وقد تأثّر الفكر الأوروبّي بشدّة بالإيمان بمملكة بريستر جون وجزر التوابل السبعة آلاف التي عثر عليها ماركو بولو في الشرق الأقصى، وبإمكانية وجود نهر نيلٍ ثانٍ في أفريقيا.
    واليوم، بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة يسهل بلوغ أبعد نقطة فيها خلال ساعات فقط، ربّما يصعب تصوّر الحماس الشديد الذي كان يبديه العلماء والجغرافيون لإمكانية الإبحار حول العالم دون خطر "الضياع على الحافّة" كما كانوا يتصوّرون. كان التغلّب على الخوف من العالم المجهول هو الدافع الحقيقي للإنجاز في عصر الاكتشافات الطويل في أوربّا.
  • ❉ ❉ ❉

  • من أحبّ الأشياء إلى نفسي قراءة الكتب في الأماكن التي وقعت فيها أحداثها. قرأت رواية "الموت على ضفاف النيل" لأغاثا كريستي أثناء إبحاري في النيل، ورواية جين أوستن في باث، ورواية "أغنية القبّرة" لـ ويلا كاثر أثناء وجودي في منزل متنقّل بين كولورادو ونيويورك، ورواية "قطار الليل إلى ممفيس" لإليزابيث بيتر وأنا على مقربة من هناك "في مصر وليس تينيسي".
    كما قرأت رواية "روميو وجولييت" أثناء نومي في قصر من القرن السادس عشر حُوِّل إلى نُزل للشباب في ڤيرونا. ويوما ما، أودّ أن أقرأ رواية "الموت في كينيا" على سهول وادي ريفت، ورواية "رومانس" لسوزان نابير أثناء تجوالي في نيوزيلندا. وهذا الأسبوع قرأت رواية "هذه كلماتي: مذكّرات سارة براين، أراضي أريزونا" أثناء تخييمنا على حدود ولاية يوتا وأريزونا مع والديّ.
    فكرة قراءة كتاب في الموقع الذي جرت فيه الأحداث جديدة عليّ. في الواقع، بدأتُ بقراءة رواية "منتصف الليل في حديقة الخير والشر" عندما كنّا في سافانا جورجيا. لكن ما إن هبطت الطائرة في يوتا، حتى اكتشفت أنني لم أُكمل قراءة نصف الكتاب.
    أظنّ أنه عندما تتاح للبشر آلات السفر عبر الزمن، سيكون هناك عصور لا تُحصى أرغب في زيارتها بسبب الروايات. إن جمال الكتب يتمثّل في أنها تستطيع أن تنقلنا إلى مكان وزمان مختلفين دون الحاجة إلى مغادرة مقاعدنا المريحة. لورا مونكور
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • بعض الاقتباسات..
    ◦ المدارس لا تهدف إلى مساعدتك في أن تصبح مواطنا مثقّفا، بل إلى مساعدة البلاد على تحسين اقتصادها وقدرتها التنافسية وتعزيز الابتكار وتشجيع التنمية الاقتصادية وتدريب الموظّفين لسوق العمل. ف. ميشيل
    ◦ كلمة الله المقدّسة تتردّد على شفاه الجميع. لكنّنا نرى كلّ شخص يقدّم نسخته الخاصّة من كلمة الله لغاية وحيدة، هي استخدام الدين كذريعة لجعل الآخرين يفكّرون مثله. سبينوزا
    ◦ الكتاب شيء مادّي، وفي عالم الأشياء المادّية، الكتاب ليس سوى مجموعة من الرموز الميّتة. ثم يأتي القارئ المناسب والكلمات، أو بالأحرى الشعر الكامن وراء الكلمات. وبقدر ما أعرف، لم يكن للكتاب أيّ فائدة عند الإغريق. إنها حقيقة بالفعل. ومعظم كبار معلّمي البشرية، من فيثاغوراس الى سقراط والمسيح ومحمّد وبوذا لم يكونوا كتّابا بل متحدّثين. بورخيس
    ◦ إذا استطعت أن تقترب من تعقيدات العالم، سواءً أمجاده أو أهواله، بموقف من الفضول والتواضع، مدركا أنه مهما كان عمق ما رأيته فأنت لم تخدش سوى السطح، عندها ستجد عوالم داخل عوالم وجمالا لم تكن تتخيّله من قبل، وستتقلّص انشغالاتك الدنيوية إلى حجمها الطبيعي، وستكتشف أنها ليست مهمّة على الإطلاق في المخطّط الأكبر للأشياء. دانيال دينيت
    ◦ لطالما كانت البرّية ملاذي وسلواي منذ صغري. وكان الناس دائما يثيرون حيرتي. لذلك، اعتمدت على ما يريحني وقصدت أماكن بعيدة عن المدن والطرق السريعة وفوضى المجتمع البشري التي لا تطاق. لديّ أصدقاء أحبّهم بالطبع، وهم أكثر من مجرّد بشر؛ أقصد الكلاب والقطط وأشجار الحور، بالإضافة إلى أماكن ساعدتني على التعافي من الألم والحزن. وبالنسبة لي ليست تلك مجرّد "أماكن" مثل التي في القصص، بل شخصيات فاعلة. وقد توصّلت إلى أن الإنسان الكامل هو الذي يحبّ بلا تمييز، سواءً البشر المعيبين الذين نشاركهم حياتنا أو عجائب الحياة والجمال الذي يشاركنا نفسه. سوزان مارش
    ◦ عبر فترات التاريخ، كان وجود الغابات ضروريا لإنشاء قوّة بحرية حقيقية. ولو ذهبت إلى إنغلترا اليوم، فلن تجد الكثير من الغابات فيها. وإذا ذهبت إلى تركيا، فستجد هناك غابات، لأنه أعيد زراعتها قبل 40 عاما. كان الرومان قد أزالوا الغابات من كامل المنطقة الممتدّة من الشرق الأوسط إلى أوروبّا كي يبنوا بخشبها أسطولهم البحري الضخم.
    وفي بعض الأماكن، ومع الوقت، عادت بعض تلك الغابات المقطوعة الى طبيعتها، وفي أخرى لم تعد أبدا. نقص الأشجار في أرض العرب حال دون امتلاكهم قوّة بحرية معتبرة. لكنهم تمكّنوا من ذلك أخيرا، عندما أصبح لهم إمبراطورية. وما أن ترسّخت امبراطورتهم حتى ذهبوا الى بعض الأراضي التي كانت مليئة بالأشجار والغابات كلبنان وبلاد الفرس. وقد استفادوا من وجود تلك الغابات التي أمكن قطعها وتحويلها إلى سفن. روي كاساغراندا
    ◦ القمر رفيق وفيّ، لا يفارقنا أبدا. إنه موجود دائما، يراقبنا. كما أنه ثابت، يعرفنا في لحظات نورنا وظلمتنا، ويتغيّر إلى الأبد كما نتغيّر نحن. كلّ يوم، هو نسخة مختلفة من ذاته. أحيانا يكون ضعيفا وشاردا، وأحيانا قويّا ومشرقا. القمر يدرك معنى أن تكون إنسانا: متردّدا ووحيدا ومثقلا بالعيوب. طاهرة مافي
    ◦ الحياة أشبه برحلة بحرية. ماذا أفعل؟ أختارُ القبطان والمركب والتاريخ وأفضل وقت للإبحار. وإذا هبّت عاصفة أفعل الشيء الوحيد الذي أستطيعه: الغرق، ولكن بلا خوف أو صراخ، لأني أعلم أن من يُولد لا بدّ له أن يموت. إبيكتيتوس
    ◦ أعرف خبيرا بارزا في زراعة البساتين، تذوّقَ ثمار أشجار عديدة: مانغو الهند والأفوكادو الأمريكي والدوريان التايلاندي والبرسيمون الصيني وطماطم نيوزيلندا وفاكهة الخبز من هاواي. وأظنّ أنه لو شاء، لاستطاع تحديد هل الفاكهة التي أكلها أسلافنا العُصاة في الجنّة كانت موزة أم سفرجلة أم مشمشة أم رمّانة؟ يبدو أن التفّاحة هي الأقلّ احتمالاً. فيسلافا شيمبوريسكا

  • Credits
    dailystoic.com
    szymborska.org.pl/en

    الثلاثاء، يونيو 17، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • إحدى قصصي المفضّلة من الأساطير اليونانية قصّة "كلايتي وهيليوس"، ربّما لأنها لا تتضمّن تحوّلا أو موتاً عنيفا أو انتقاماً دامياً. كما أنها تُعتبر مثالا لكيفية امتزاج المشاعر الإنسانية مع الطبيعة. فعندما تصبح عاطفة الحبّ عظيمة بحيث لا يعود احتواؤها ممكنا داخل الإنسان، فإنها تتّخذ لها شكلا جديدا في الطبيعة.
    كانت "كلايتي" واحدة من الحوريّات المولودات لإله البحر أوقيانوس وزوجته تيثيس. وقد وقعت في حبّ هيليوس إله الشمس ورمز النور، الذي كثيرا ما يظهر في الرسم بجمال مذهّب وهو يجرّ عربة الشمس عبر السماء.
    عاشت كلايتي طوال حياتها وهي معجبة بهيليوس وتنظر إليه من بعيد. لكنه لم يقبل حبّها، وبدلا من ذلك وقع في حبّ امرأة من البشر تُدعى ليوكوثيا بعد أن ذهب لرؤيتها متنكّرا.
    كلايتي الغيورة تكتشف علاقة ليوكوثيا وهيليوس وتخبر والدها، فيثور غضبا ممّا اعتبره انتهاكا لعفّة ابنته ويأمر بدفن ليوكوثيا حيّة. وعندما يعلم هيليوس بهذا، يتملّكه حزن شديد ويحرق شجرة مُرّ عطِرة على قبر ليوكوثيا تحيّة لذكراها. وبعد ذلك، يتجاهل كلايتي ويهجرها تماما.
    بعد هجران هيليوس لها، أصبحت كلايتي تتجنّب الناس والأمكنة. كانت فقط تجلس على الأرض وتحدّق في اتجاه واحد فقط؛ في المسار السماويّ الذي يتبعه هيليوس. طوال اليوم كانت تنظر إلى الشمس. وتدريجيّا أصبح جسدها متجذّرا في الأرض ووجهها متّجها نحو الشمس، وتحوّلَ شعرها إلى بتلات ذهبية وجسدها إلى جذع. وأخيرا، تحوّلت كلايتي إلى زهرة، وبدأ الناس يطلقون عليها اسم "الزهرة التي تنظر إلى الشمس" أو عبّاد الشمس.
    وكان هذا شكلا من أشكال التحوّل الذي يظهر كثيرا في الأساطير اليونانية القديمة، وكان بمثابة أداة لإصلاح حبّ كلايتي، ولتخليد ألمها وانتظارها اليائس على هيئة نبات أبدي. وهكذا ولدت زهرة عبّاد الشمس كرمز لجروح الحبّ والشوق الدائم.
    عبّاد الشمس هو أيضا رمز للانتظار. وما دام الزمن لا يتوقّف، فإن الشمس تشرق مرّة واحدة على الأقل في اليوم. وهذا الانتظار هو استعارة لحبّ لا يمكن بلوغه ورمز لشوق لا ينتهي. والفكرة تتكرّر كثيرا في الشعر الغنائي القديم وفي روايات الرومانسية الحديثة وتؤكّد على استمرار العاطفة وثبات الذاكرة.
    الإسم العلمي لعبّاد الشمس هو (Helianthus annuus). و"هيليوس" تعني الشمس و"أنوس" تعني النبات السنوي في الأساطير. وفي بعض أجزاء اليونان، تنتشر حدائق تحمل اسم كلايتي، وهناك أيضا مهرجانات يُعتبر عبّاد الشمس رمزها الرئيسي. كما تظهر هذه الأزهار كثيرا كمنحوتات ترمز إلى دورة الحياة.
    وفي الرسم، غالبا ما صُوّرت كلايتي من قبل رسّامي ما قبل الرافائيلية والرمزية في القرن التاسع عشر. كما وُظّف شعرها الطويل ووجهها المشمس كرموز للحزن الكلاسيكي. وبهذه الطريقة، تجاوزت قصّة كلايتي وعبّاد الشمس التقليد الأسطوريّ البسيط لتصبح إرثا عاطفيّا يربط بين المشاعر الإنسانية والطبيعة ومنظومات الرموز المتوارثة منذ آلاف السنين.
  • ❉ ❉ ❉


  • "الخمسة الكبار" كان اسما لمجموعة من خمسة ملحّنين روس بارزين عاشوا في سانت بطرسبورغ في القرن التاسع عشر وعملوا معا من عام ١٨٥٦ إلى عام ١٨٧٠ لتأليف نمط موسيقي كلاسيكي وطني مميّز. كانت المجموعة تتألّف من الموسيقيين بالاكرييف وسيزار كوي وموسورسكي وريمسكي كورساكوف وبورودين.
    وقد اتخذ هؤلاء الموسيقيون من أسلوب "فرانز ليست" أساسا لبُنية فضفاضة تشبه القصيدة السيمفونية، وبذا تمكّنوا من تجنّب القوانين الغربية الصارمة في شكل السوناتا، وركّزوا بدلا من ذلك على محتوى الموسيقى وليس على قوانين التناظر الشكلية.
    وكانت إحدى الملامح المميّزة للخمسة هي اعتمادهم على الاستشراق، فألّفوا العديد من الأعمال "الروسية" في جوهرها والشرقية في أسلوبها. والخيط الشرقي في الموسيقى الكلاسيكية الروسية يظهر كعلامة أو مجاز، أو كجغرافيا متخيّلة، أو فانتازيا تاريخية. وقد انجذب الموسيقيون الروس إلى الثقافات الشرقية لأن روسيا بلد مترامي الأطراف وذو ثقافات متعدّدة.
    ومن أمثلة الموسيقى الشرقية الروسية مقطوعة البيانو "إسلامي" لبالاكرييف و"الأمير ايغور" لبورودين و"شهرزاد" لكورساكوف و"صور في معرض" لموسورسكي. وقد استلهم بالاكرييف فكرة كتابة موسيقى "إسلامي" بعد رحلة له إلى القوقاز. ويقول في إحدى رسائله: الجمال المهيب للطبيعة الخلّابة هناك وجمال السكّان المتناغم معها تركت في نفسي انطباعا عميقا. وقد تعرّفت هناك على أمير شركسي مسلم كان يزورني باستمرار ويعزف ألحانا شعبية على آلته الموسيقية الشبيهة بالكمان. وأحد هذه الألحان يُدعى "إسلامي"، وهو لحن راقص أسعدني كثيرا فبدأت بتأليفه للبيانو".
    كان الاستشراق قد أصبح في الغرب، وعلى نطاق واسع، أحد أبرز ملامح الموسيقى الروسية وسمة من سمات الشخصية الوطنية الروسية. وبصفته زعيم "الخمسة"، شجّع بالاكرييف استخدام الموضوعات والتناغمات الشرقية لتمييز موسيقاهم "الروسية" عن السيمفونية الألمانية.
    وهناك عملان روسيان رئيسيان يهيمن عليهما الاستشراق بالكامل، هما المتوالية السيمفونية المسمّاة "عنتر" لريمسكي كورساكوف وقصيدة "تمارا" السيمفونية لبالاكرييف. وتدور أحداث "عنتر" في شبه الجزيرة العربية قديما وتمزج بين اسلوبين مختلفين من الموسيقى، الغربية "الروسية" والشرقية "العربية".
    في مذكّراته، يقدّم ريمسكي كورساكوف الصورة التالية لمجموعة الخمسة الكبار:
    كانت أذواق الجماعة تميل نحو غلينكا وشومان والرباعيات الأخيرة لبيتهوفن. ولم يكونوا يكنّون كبير احترام لماندلسون، بينما كانوا يعتبرون موزارت وهايدن عتيقين وساذجين، ويوهان سيباستيان باخ متحجّرا. وشبّه بالاكرييف شوبان بسيّدة مجتمع عصبية. وكان بيرليوز موضع تقدير كبير منهم، وقالوا القليل عن فاغنر. وكانوا يعترفون بسمعة روبنشتاين كعازف بيانو، ولكنهم كانوا يعتقدون أنه لا يمتلك موهبة ولا ذوقاً كملحّن.
    وقد أثّر أعضاء مجموعة الخمسة على العديد من كبار الملحّنين الروس الذين جاءوا بعدهم، مثل غلازونوف وبروكوفييف وسترافينسكي وشوستاكوفيتش. كما أثّروا أيضا على الملحّنين الرمزيين الفرنسيين مثل موريس رافيل وكلود ديبوسي من خلال لغتهم النغمية الجذرية.
  • ❉ ❉ ❉

  • بعض الاقتباسات...
    ◦ عادةً، أذهب إلى الغابة وحدي، بلا صديق، فجميعهم مبتسمون ومتحدّثون، وبالتالي غير مناسبين. لا أرغب حقّا في أن يشاهدني أحد وأنا أتحدّث إلى طائر أو أعانق شجرة سنديان عتيقة. لديّ طريقتي في الصلاة، ولديك طريقتك. علاوة على ذلك، عندما أكون وحدي يمكنني أن أختفي. يمكنني الجلوس على قمّة كثيب رملي ساكناً كشجرة حتى تمرّ الثعالب بلا اكتراث. أستطيع سماع الورود وهي تغنّي بصوت يشبه الهمس. إذا سبق لك أن ذهبت إلى الغابة معي، فلا بدّ أنني أحبّك كثيرا. ميري أوليفر
    ◦ ولدتُ عام 1939، ونُشرتْ رواية "مزرعة الحيوانات" عام 1945. وقرأتها في سنّ التاسعة. كانت ملقاة في المنزل، وظننتها كتابا عن الحيوانات الناطقة. والقول بأنني شعرت بالرعب من هذا الكتاب هو أقلّ من الحقيقة. كان مصير حيوانات المزرعة قاتما، والأغنام غبيّة للغاية. الأطفال يتمتّعون بإحساس قويّ بالظلم، وكان الشيء الذي أزعجني في الرواية أكثر من سواه هو عبارة: كانت الخنازير حقيرة وكاذبة وغادرة". مارغريت آتوود
    ◦ هل المعرفة مفيدة؟ وهل يجب أن تكون مفيدة أصلا؟! هناك اقتباس يتكرّر كثيرا من تشوانغ تزو فيلسوف القرن الرابع قبل الميلاد، يقول فيه: يعرف جميع الناس ميزة كونهم مفيدين، ولكن لا أحد يعرف ميزة كونه عديم الفائدة". كان تزو يعتقد أنه في عالمنا الفوضوي، يمكن لأصحاب السلطة أن يتلاعبوا بسهولة بمن يتمتّعون بالموهبة والطموح، بل قد يحولّونهم الى حملان جاهزة للتضحية. وفي المقابل، من المرجّح أن يكون أولئك الذين يفتقرون إلى الموهبة أو الطموح محميين من الأذى لأنه لا أحد يكترث بهم. ومع ذلك، عندما يقتبس الناس هذا القول اليوم، فإنهم غالبا ما يفعلون ذلك خارج السياق، ما يجعل دلالاته أوسع وأكثر غموضا. هو آنيان
    ◦ نزلنا من السيارة لنستنشق الهواء، وفجأة غمرتنا السعادة عندما أدركنا أن في الظلام من حولنا عشبا أخضر عطِرا ورائحة سماد طازج ومياها دافئة. نحن في الجنوب! لقد رحل الشتاء! أضاء فجر خافت براعم خضراء على جانب الطريق. أخذتُ نفَسا عميقا، عوى قطار مسرعاً عبر الظلام. خلعت قميصي وابتهجت. جاك كيرواك
    ◦ ويل لك يوم يُقال إنك انتهيت من لوحة! هل تنتهي اللوحة؟ يا له من هراء! إنهاؤها يعني التخلّص منها، قتلها، تخليصها من روحها، توجيه ضربة قاضية لها؛ أسوأ ضربة للرسّام وللوحة على حدّ سواء. بيكاسو
    ◦ يعتبرنا الآخرون متفوّقين بسبب ثقافتنا وميولنا الفكرية؛ فتقنياتنا تمكّننا من قيادة السيارات واستخدام برامج معالجة النصوص والسفر لمسافات طويلة جوّا. ويعيش بعضنا في منازل مكيّفة ونستمتع بوسائل الإعلام. نعتقد أننا أذكى من سكّان العصر الحجري، ولكن كم من البشر المعاصرين يستطيعون العيش بنجاح في الكهوف، أو يعرفون كيفية إشعال النار في الحطب للطهي، أو صنع الملابس والأحذية من جلود الحيوانات، أو صنع الأقواس والسهام التي تُطعم أسرَهم؟ جيمس لوفلوك
    ◦ صداقة مستحيلة مع شخص اندثر ولا وجود له إلا في حروف مصفرّة. نزهات طويلة بجانب جدول تخفي أعماقه أواني خزفية. أحاديث عن الفلسفة مع طالب خجول أو ساعي بريد. عابر سبيل بعيون فخورة لن تعرفه أبدا. صداقة مع هذا العالم تزداد كمالاً لولا رائحة الدم المالحة. ذلك الرجل العجوز الذي يرتشف قهوته في سان لازار والذي يذكّرك بشخص ما. وجوه عابرة في القطارات المحليّة. وجوه سعيدة لمسافرين متّجهين ربّما إلى حفلة راقصة رائعة أو إلى قطع رأس. وصداقة مع نفسك، فأنت في النهاية لا تعرف من أنت. آدم زاغايوسكي

  • Credits
    leadingmusicians.com
    paleothea.com