:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، أكتوبر 11، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • اسم اللوحة التي فوق "فون في ضوء القمر". والـ "فون" مخلوق معروف في الأساطير، نصفه إنسان ونصفه الآخر ماعز. ويظهر في وسط الصورة وهو يعزف على مزمار أو ناي أمام قطيع من الماعز في حقل شبه مظلم. وفي السماء فوق، يسطع قمر يضيء المشهد بنور خافت. وظلام الحقل وضوء القمر يحوّلان المشهد إلى شيء شبحي تقريبا.
    يقول الكاتب ايريك غيرالدو أنه عندما بحث عن هذه اللوحة، اكتشف أنها غير موجودة في أيّ متحف معروف، كما أنها لا تظهر في كتب الفنّ الشائعة. ثم تبيّن أنها مخفيّة في إحدى مجموعات الفنّ الخاصّة، أي أن قلّة قليلة من الناس هم الذين رأوها عيانا.
    ويضيف: إنها واحدة من تلك اللوحات التي تشعر عند اكتشافها وكأنك تعثّرت بسِرّ. وهنا يكمن الجزء المثير للاهتمام فيها. فالفنّان الذي رسمها لم يكن مجرّد رسّام. كان ليون سبيليارت (1881-1946) شابّا بلجيكيّا لا يتجاوز عمره 18 عاما عندما رسم الصورة. وقد عاش في أرقٍ دائم، وكان مهووسا بنيتشه وإدغار آلان بو".
    كان سبيليارت يرسم لوحات ليلية يضمّنها رؤى غريبة كانت مرايا لعقله. وقد نتج عن ذلك المزيج الغريب من الشباب والمرض والهوس صور غير عاديّة لدرجة أنها تبدو سابقة لعصرها.
    وفنّه عموما يتّسم بغلبة الألوان الداكنة والموضوعات الغامضة والمناظر الطبيعية المهجورة والكثير من الدراما. وقد استخدم في رسم هذه اللوحة حبرا هنديّا مخفّفا وقلم تلوين أسود. هنا لا نرى ألوانا زاهية، فقط الأسود والرماديّ والأبيض وتدرّجاتها. واختيار الفنّان لهذه الألوان ليس مصادفة، لأنه أراد خلق شيء هجين يعكس تماما روحه التجريبية.
    لكن ما الذي تعنيه هذه اللوحة حقّا؟ طقوس وثنية؟ لعبة بريئة؟ أم عرض لفنّان معذّب؟!
    في ذلك الوقت، أي مطلع القرن الماضي، كانت أوربّا تشهد تحوّلات كبيرة، فالعلم يتقدّم والمدن تنمو والتصنيع يتمدّد ويتّسع. لكن كان هناك في نفس الوقت انجذاب كبير للأحلام والغيبيات واللاعقلانية. وتلك كانت لحظة ولادة الرمزية، وهي حركة فنّية وأدبية تمرّدت على الواقعية والانطباعية. وفي حين سعى بعض الرسّامين إلى تصوير الحياة اليومية، أراد الرمزيون، بمن فيهم سبيليارت، النظر إلى الداخل؛ إلى النفس وعالم اللاوعي.
    كان الرمزيون يرون أنه يجب على الفنّانين البحث عن حقيقة أعلى في عملهم. ومثل الرومانسيين من قبلهم، تحوّلوا إلى معجم بصري غنيّ عاطفيّا ومعقّد نفسيّا. وبينما حقّق الرومانسيون ذلك من خلال رسم العالم الطبيعي، اتّبع الرمزيون نهجا أكثر تجريدا. وكما يوحي الاسم، استخدموا لغة "رمزية" لنقل العالم الداخلي للأفكار والمشاعر.
    في نفس تلك الفترة، نشر سيغموند فرويد كتابه "تفسير الأحلام" الذي فتح باب اللاوعي على مصراعيه. وفي الموسيقى، قدّم كلود ديبوسيه لأوّل مرّة قطعة موسيقية استلهمها من قصيدة لمالارميه تتحدّث عن "فون" يحلم في منطقة وسيطة بين الواقع والخيال. وفي الأدب، كان إدغار آلان بو ما يزال يؤثّر على جيل كامل من الأدباء بأسلوبه المظلم والكئيب. وكان نيتشه يتحدّى الأخلاق التقليدية بفلسفته المستفزّة وأفكاره الشاطحة.
    وقد استوعب سبيليارت كلّ هذا. فحيوانه الأسطوريّ الذي يعزف الناي تحت ضوء القمر مع قطيع من الماعز تبدو كالظِلال، كان انعكاسا لعصر مهجوس بالغموض والرموز وبإعطاء شكل ملموس للأشياء غير المرئيّة.
    في الأساطير الرومانية، كان الفون روح الغابات والحقول، وارتبط بالخصوبة والطبيعة البرّية. ونظيره اليوناني، أي الساتير، كان رفيقا لديونيسوس. وكان كلاهما يصوَّر على هيئة مخلوق نصفه إنسان ونصفه ماعز. كان الفون ملحّنا يعزف الناي ويجسّد الفرح والحيوية وأكثر الأشياء والدوافع بدائيةً وجُموحا. ولهذا السبب، كان يُنظر إليه إما كشخصية مرحة وحسّية ومشاكسة، أو ككائن مظلم ومرتبط بالشهوة والشيطان.
    وهناك من النقّاد من رأوا أن الفون هو نوع من "الأنا البديلة" لسبيليارت الذي كان مصابا بالأرق ومريضا ومهووسا بآلان بو ونيتشه. وربّما يرمز أيضا إلى الفنّان نفسه الذي يحاول تهدئة مخاوفه وشياطينه الداخلية.
    وكلّ هذه العناصر غذت خيال الفنّان بمزيج من الكآبة والفلسفة المتطرّفة والرؤى المظلمة. وليس من المستغرب أن يكون "الفون" المغنّي تحت القمر مولوداً من الأرق المحموم؛ من عقل شخص يعيش بين الواقع والهذيان الليلي. والنتيجة مشهد من عالم آخر ذي طابع شرّير بعض الشيء. سبيليارت نفسه لم يُعطِ تفسيرا واضحا لهذه اللوحة، بل ترك تلك المهمّة للمتلقّي.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • عندما أرسل امبراطور الصين مبعوثا لدعوة الفيلسوف تشوانغ تزو كي يعيّنه رئيسا للوزراء، كان الأخير يصطاد، وروى للمبعوث حكاية. قال: بعد أن نفقَت سلحفاة، وُضعت جثّتها في معبد، وأصبح الناس يعبدونها ويبجّلونها باعتبارها "سلحفاة إلهية". ثم سأل تشوانغ تزو رسول الامبراطور: بالنسبة لهذه السلحفاة، هل من الأفضل أن تُترك عظاما للناس ليعبدوها بعد الموت، أم أن تعيش وتلعب في الطين والماء؟". فردّ المبعوث: الأفضل أن تعيش وتمرح في الوحل". فقال تزو: يمكنك العودة الآن. أنا أيضا أفضّل أن أمرح هنا في الوحل!"
  • ❉ ❉ ❉

  • أغنية البجعة The swan song عبارة مجازية يعود أصلها إلى اليونان في القرن الثالث قبل الميلاد. وتُستخدم للإشارة الى الجهد أو الفعل الأخير الذي يسبق الموت. وأصلها اعتقاد قديم مؤدّاه أن البجعة، المعروفة بصمتها طوال حياتها، تؤدّي أغنية حزينة قبل موتها. وذكرَ العبارة كلّ من اوفيد وفرجيل في كتاباتهما واستلهمها موسيقيّون وشعراء كثُر.
  • ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات...
    ○ في حياة المرء، من الصعب مقابلة صديق قديم. يتباعد الناس عن بعضهم البعض مثل النجوم. الليلة يحدث هذا على ضوء شمعة. رجلان كانا شابّين منذ وقت ليس ببعيد، شَعرهما الآن تحوّل إلى بياض. وإذ أكتشفُ أن نصف أصدقائنا قد ماتوا، أشعر بالصدمة ويمتلئ قلبي حزنا.
    لم أكن أعرف أن عشرين عاما ستمرّ قبل أن أتمكّن من رؤيتك ثانية. عندما غادرتَ كنتُ ما أزال عازبا. الآن كلّ هؤلاء الأولاد والبنات في صفّ واحد، يحيّون باحترام صديق والدهم القديم، ويسألون أين كنت.
    وبينما نتحدّث لبعض الوقت، يقدَّم لي شراب، ويُقطع ثوم ربيعي معمّر في مطر الليل، ويُطهى أرزّ أصفر. يقول مضيفى: الاجتماع صعب، ومع نخْب واحد يشرب كلّ منا عشرة أكواب. لكن عشرة أكواب لا تجعلني ثملا، لذا نشرب لفترة أطول قليلا. ستفرّقنا الجبال غدا، وتظلّ أحوال الدنيا غير مؤكّدة وغير واضحة. دو فو

    ○ أكتب الروايات منذ أكثر من أربعين عاماً، ولكني لم أمرّ قطّ بما يُعرف عادة بـ "قفلة الكتابة أو انسداد الأفق الإبداعي". قد يبدو الأمر وكأنني أتمتّع بموهبة هائلة. لكن السبب الحقيقي بسيط جدّا، فأنا لا أكتب أبداً إلا إذا كانت الرغبة في الكتابة ساحقة. وحينها كل ما عليّ فعله هو إطلاق يدي وتركها تحلّق في الهواء، وبعدها تتدفّق الكلمات بلا عناء.
    ومنذ البداية، اكتشفت صوتي وأسلوبي الخاصّين، ليس بإضافة ما أعرفه بالفعل ولكن بالاستغناء عنه. فكّر في عدد الأشياء التي نلتقطها في سياق الحياة. سواءً اخترنا أن نسمّيها معلومات كثيرة أو أمتعة زائدة، لدينا هذا العدد الكبير من الأشياء للاختيار من بينها. لذلك عندما نحاول التعبير عن أنفسنا بشكل إبداعي، تصطدم كل هذه الخيارات ببعضها البعض ونتوقّف مثل محرّك متعطّل ونصبح مشلولين. وأفضل ملاذ لنا هو تنقية نظامنا المعلوماتي، من خلال إلقاء كلّ ما هو غير ضروري في سلّة المهملات، لكي نسمح لعقولنا بالحركة بحرّية مرّة أخرى. هـ. موراكامي

    ○ يمكن لأيّ شخص أن ينظر إلى فتاة جميلة ويراها جميلة. ويمكن للفنّان أن ينظر إلى فتاة جميلة ويرى فيها المرأة العجوز التي ستكونها مستقبلا. ويمكن للفنّان البارع أن ينظر إلى امرأة عجوز ويرى الفتاة الجميلة التي كانت عليها في الماضي. لكن الفنّان العظيم يمكنه أن ينظر إلى امرأة عجوز ويصوّرها كما هي تماما، ويجعل الناظر يرى الفتاة الجميلة التي كانت عليها.
    وأكثر من ذلك، يمكن للفنّان العظيم أن يجعل أيّ شخص يرى أن هذه الفتاة الجميلة لا تزال على قيد الحياة وأنها ببساطة سجينة جسدها المنهك. وبإمكان هذا الفنّان أيضا أن يجعلك تشعر بالمأساة التي لا تنتهي، وهي أنه لم تولد فتاة قطّ وشعرت أنها تجاوزت الثامنة عشرة في قلبها مهما فعلت بها السنوات القاسية. ر. هينلاين

  • Credits
    leonspilliaert.be/en
    harukimurakami.com

    الخميس، أكتوبر 09، 2025

    نصوص مترجمة


    ○ لو سألْنا هيغل اليوم عن مدى إمكانية إنزال تاريخ العالم القديم على واقعنا، فإنه ولا شك سيهزّ لحيته بانفعال وسيجيب بالنفي. كان هيغل يرى ان التعلّم من التاريخ فكرة مثيرة للسخرية، لأن التاريخ يقتصر على زمان ومكان وشعب محدّد. مثلا كان شيشرون يتحدّث عن العالَم الروماني في القرن الأوّل قبل الميلاد. وكان إيبكتيتوس يتحدّث عن العالم اليوناني في القرن الأوّل الميلادي. وكان كونفوشيوس يتحدّث عن سلالة تشو الصينية.
    وأيّ نصيحة يمكن أن يقدّمها هؤلاء ستكون محض صدفة او استنادا مضلّلا إلى التراث. أي أننا لا نستطيع التعلّم منهم. لكن هذا لا يعني أن هيغل كان يعتقد أن التاريخ لا طائل منه، بل اعتقدَ أن الأشياء الوحيدة التي يمكننا تعلّمها من التاريخ هي مبادئ عامّة ومجردّة. وحتى هذه المبادئ ستكون فضفاضة جدّا لدرجة أن تصبح عديمة الفائدة بالنسبة للمؤرّخ "البراغماتي" اليوم. هـ. لويد

    ❉ ❉ ❉

    ○ على الشعراء الصامتين المنعزلين أن يتعلّموا صنع حذاء وصيد سمكة وإصلاح الثقوب في سقف. فكل ما يتصنّعونه هو ثرثرة معذّبة ودامية ويائسة أمام كلمات العالم الحقيقية. فمن منا يعرف قافية لخشخشة موت رئة مثقوبة بالرصاص أو قافية لصرخة إعدام؟! من يعرف المقياس الإيقاعي للشعر عن الاغتصاب؟ من يعرف المقياس الشعري لقعقعة مدفع رشاش؟ من يعرف كلمة عن صرخة عين حصان ميّت سكتت حديثا ولم تعد السماء تنعكس فيها ولا حتى القرى المحترقة؟!
    عودوا إلى دياركم أيّها الشعراء واذهبوا إلى الغابات واصطادوا السمك واقطعوا الحطب، وافعلوا ما يحلو لكم. اصمتوا، أسكِتوا صرخة قلوبكم الوحيدة، فلا قافية ولا وزن لها، ولا مسرحية ولا قصيدة ولا رواية نفسية ولا موسوعة ولا مطبعة تحمل كلمات أو رموزا لغضبكم الكوني الصامت ولرغبتكم في الألم ولأحزانكم العاشقة.
    لسنا بحاجة إلى شعراء يحافظون على قواعد النحو. نحتاج إلى الذين يتمتّعون بشعور دافئ وأجشّ ومنتحب. أولئك الذين يسمّون الشجرة شجرة والأنثى أنثى ويقولون نعم ولا بصوت عالٍ وواضح. و. بورشرت

    ❉ ❉ ❉

    ○ في عام ١٦٨٣، ذهب عالم الطبيعة الألماني الموسوعي إنغلبرت كامبفر إلى اليابان وقضى هناك عقدين من الزمان في كتابة أوّل دراسة غربية لتاريخ اليابان وثقافتها ونباتاتها. وتضمنت تلك الدراسة أوّل وصف نباتي لشجرة الجِنكا (ginkgo) الفريدة التي صادفها في ناغازاكي.
    كانت هذه الشجرة قد اكتُشفت قبل ذلك بقرون من قبل الرهبان اليابانيين المتجوّلين. وقد تأثّروا بجمالها الفريد وبخصائصها الطبّية التي أصبحت عنصرا أساسيّا في الطبّ الصيني. وبدأوا يزيّنون بها المعابد والأضرحة المنتشرة في أنحاء اليابان.
    وقد أسرت هذه الشجرة الخيال الغربي بهندستها المذهلة ورقصها الدرامي مع الكلوروفيل، كما ألقت بسحرها على الجماهير والملوك على حدٍّ سواء. وعندما رأى الشاعر الألماني غوته، الذي كان وقتها المستشار الشخصي لدوق فايمر، أشجار الجنكا في الحدائق الملكية عام ١٨١٥، أضاءت خياله باستعارة عن طبيعة الحبّ والذات، وترجم ذلك بقصيدة كتبها في رسالة إلى صديق، موقّعة بورقة جِنكا مضغوطة.
    كان غوته في ذلك الوقت أبرز شاعر في أوروبّا. وكما روّج لأسماء الغيوم التي نستخدمها اليوم، أسهمت قصيدته تلك في انتشار جنون الجنكا الذي اجتاح أوروبّا ثم أمريكا. وسرعان ما أغرق المزارعون ومخطّطو المدن حدائقهم النباتية والعامّة بتلك الأشجار.
    ثم اكتشف العلماء حفريات الجنكا التي يبلغ عمرها مئات ملايين السنين، وبدأوا يتساءلون عن كيفية تطوّر النباتات البرّية الأولى. واليوم تصطفّ أشجار الجِنكا في شوارع مدن لا تُحصى وتُصدر حفيفا في العديد من حدائق العالم. وقد شهدت أقدم تلك الأشجار الباقية في البرّية ولادة أديان رئيسية وزوال حضارات عظيمة. ماريا بوبوفا

    ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

    ○ من أصعب الأمور تحليل مصدر إلهام المؤلّفات الموسيقية. تتداخل عوامل كثيرة في العمل الإبداعي. الحبّ بلا شك مصدر إلهام لا ينضب. وهو يلهم أكثر من أيّ شيء آخر. الحبّ هو اكتساب السعادة وقوّة العقل. إنه انكشاف آفاق جديدة من الطاقة الفكرية. جمال الطبيعة وعظمتها يساعدان أيضا.
    الشعر يلهمني كثيرا. من بين جميع الفنون، أحبّ الشعر أكثر من الموسيقى. أجد بوشكين رائعا. وأقرأ لشكسبير وبايرون باستمرار باللغة الروسية. لديّ دائما كتب شعرية حولي. الشعر يلهم الموسيقى، وهناك الكثير من الموسيقى في الشعر . إنهما شقيقان توأم.
    المرأة أيضا وبلا شك مصدر إلهام دائم. لكن عليك أن تهرب منها وتبحث عن العزلة، وإلا فلن تؤلّف أو تنجز شيئا. فكّر فيها، ولكن كن بمفردك في العمل الإبداعي واحمل الإلهام في قلبك وعقلك.
    النوع الجديد من الموسيقى لا يبدو أنه يبدع من القلب، بل من العقل. وملحّنوه يفكّرون أكثر ممّا يشعرون. وليس لديهم القدرة على جعل أعمالهم أعلى شأنا. أشعر كأنني شبح يتجوّل في عالم غريب. لا أستطيع التخلّي عن أسلوب الكتابة القديم، ولا اكتساب الجديد. لقد بذلت جهدا كبيرا لأفهم الأسلوب الموسيقي المعاصر، لكن لم أستطع. سيرغي رحمانينوف

    ❉ ❉ ❉

    ○ يحظى الملل بسمعة سيّئة في عالمنا الحديث. نعامله كفايروس يجب علاجه، ومع ذلك قد يكون أحد آخر بوّابات البصيرة المتبقية. وقد تعلّمت أن أتعايش مع الملل وأن أتركه يتمدّد ويؤلم قليلا. وكثيرا ما ينفتح شيء ما بعد ذلك الانزعاج الأوّلي. يبدأ ذهني بالشرود، ولكن ليس بلا هدف. ينقّب في الذكريات القديمة ويربط بين نقاط لم أكن أعلم أنها مترابطة، ويُظهِر شظايا من الحقيقة لم أجد وقتا لاستشعارها.
    وبعض أكثر أفكاري إبداعا وأكثر اكتشافاتي صدقا لم تأتِ من بذل المزيد من الجهد، بل من التخلّي عن الماضي. وهناك أبحاث تؤيّد هذا. فقد وُجد أن الملل يمكن أن يعزّز الإبداع وحلّ المشكلات. وعندما تنتقل أدمغتنا إلى "الوضع الافتراضي"، نبدأ في الوصول إلى طبقات أعمق من التفكير. بمعنى آخر، الملل لا يُخمد العقل، بل يحرّره. روني كنغ

    ❉ ❉ ❉

    ○ الساحرة، تلك الشخصية الغامضة والمثيرة للجدل، شهدت تطوّرا طويلا ومعقّدا في الثقافة الغربية. فمن آلهة قويّة في الأساطير اليونانية القديمة، إلى رموز شرّيرة وشيطانية في العصور الوسطى، إلى شخصيات معقّدة في الأدب والفنّ الحديثين، تعكس أسطورة الساحرة المفاهيم الاجتماعية والعلاقات بين الجنسين عبر عصور مختلفة.
    في الأساطير اليونانية القديمة، كانت صور الساحرات ملهمة وفاتنة. لكن مع ظهور المسيحية في أوروبّا، بدأت عملية شيطنتهنّ تدريجيا. وفي عام ١٤٨٤، ألّف كاهنان كتاباً شرحا فيه بالتفصيل أساليب التعرّف على الساحرات، ما أشعل شرارة محاكمات الساحرات في أوربّا، والتي استمرّت ثلاثة قرون وأُعدم خلالها حوالي مائة ألف شخص، غالبيتهم العظمى من النساء.
    وكانت لمطاردة الساحرات في العصور الوسطى دوافع اجتماعية ودينية معقّدة. فقد أدّت أزمة الإيمان التي أحدثها الإصلاح البروتستانتي، إلى جانب الاضطرابات الاجتماعية والكوارث الطبيعية، إلى الحاجة إلى كبش فداء. وأصبحت النساء، وخاصّة ذوات المعرفة والمهارة، أكثر الأهداف عرضةً للخطر.
    ومع ذلك فتصوير شكسبير للساحرات في مسرحية "ماكبث" كان بعيدا عن ذلك التوجّه الشيطاني. فبدلا من كونهنّ شرّيرات، صوّرهن كشخصيات غامضة ومتناقضة وأشبه ما يكون بمُتنبّآت وشاهدات على المآسي الإنسانية. وكان هذا النهج يعكس موقف شكسبير النقدي تجاه حركة مطاردة الساحرات التي كانت سائدة في ذلك الوقت.
    وخلال العصر الرومانسي، بدأت صورة الساحرة تتخذ طابعا أكثر تعقيدا وإنسانية، حيث مزج شعراء مثل كيتس وشيلي أحاسيس الساحرات بالطبيعة والوحشية والجمال والحبّ، مع إظهار القوى الكامنة للمرأة وتأثيرها على العالم الواقعي.
    وفي الأدب والفنّ الحديث، أصبح تصوير الساحرات أكثر تنوّعا. ففي روايتي "هاري بوتر" لـ جي كي رولينغ و "سيّد الخواتم" لـ توكين، لم تعد الساحرات مجرّد رموز للشر، بل صرنَ يتمتّعن بإنسانية ومشاعر أغنى. ويعكس هذا التغيير تركيز المجتمع الحديث على المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. ج. برينغل

    Credits
    themarginalian.org
    yaledailynews.com

    الثلاثاء، أكتوبر 07، 2025

    الرأسمالية ونهاية النوم


    في فيلم "ميتريكس" (1999) الشهير، تُستخدم الأجساد النائمة كبطاريّات ومصادر طاقة للآلات التي سيطرت على البشر. وربّما تكون هذه هي الرغبة الأبرز في الرأسمالية المعاصرة التي تسعى الآن للاستحواذ على انتباهنا وحركتنا ووظائف أدمغتنا اليقِظة بالكامل، أي تشغيل كلّ شيء وتحقيق الربح حتى من النوم.
    الفيلسوف جوناثان كريري يذكر في كتابه "الرأسمالية المتأخّرة ونهاية النوم" أن الرأسمالية تهتمّ بالنوم كتجربة جوهرية للسلبية والعزلة وانعدام التواصل وقلّة الإنتاجية. والنوم يُعدّ عائقا طبيعيا أمام القيم البراغماتية التي ترسّخت في المجتمعات الرأسمالية الحديثة على مرّ القرون، وهي مبادئ الإنتاجية والكفاءة والعقلانية.
    وهذا الكتاب يجدّد بعمق مفهومنا للنوم ويستكشف أسباب تآكله وارتباطه بديناميكيات الرأسمالية الحديثة. كما يتطرّق إلى التهديدات الرئيسية لعالم اليوم والعواقب الإنسانية المحتملة. ويشير الى بعض العواقب الوخيمة لتوسّع العمليات المتواصلة لرأسمالية القرن الحادي والعشرين. فالسوق اليوم يعمل على مدار الساعة ويدفعنا إلى نشاط مستمر ويؤدّي إلى تناقص أشكال التعبير المجتمعي والسياسي ويدمّر نسيج الحياة اليومية.
    ويؤكّد الكاتب طوال الوقت أننا، في ظلّ الرأسمالية الحديثة، لسنا سوى وحدات قابلة للاستغناء عنها في نهاية المطاف للحفاظ على استمرار الاقتصادات. وفي مواجهة تيّار الإنتاج والاستهلاك المستمر، يقترح أن نستعيد النوم كوسيلة لمقاومة الحسابات العقلانية للسوق.
    مسألة النوم في الرأسمالية تُلقي بعض الضوء على المنطق العام لنظام الإنتاج المتواصل والمستمرّ بلا نوم والعمليات المعرفية والتواصل والمراقبة. وفي هذه المنطقة الجديدة من اللامبالاة بين العمل والحياة، يتمتّع النوم بمكانة خاصّة، فهو الوقت الوحيد غير المخصّص للعمل. وهذا ما يجعله متناقضا، فمن وجهة نظر رأس المال يُعتبر سلبيّا، ومن وجهة نظر العامل المعاصر الذي يعمل طوال حياته، يُعتبر إيجابيّا.
    هذا الاهتمام الجديد بالنوم بدأ بالظهور في وسائل الإعلام والمجال العام، بالإضافة إلى الرغبة في توظيف النوم كنوع من "رأس المال" البيولوجي الطبيعي، وكمورد يمكن إدارته وحسابه بشكل فردي. وانتشار المؤسّسات التي تدرس النوم اليوم، بالإضافة إلى كتب المساعدة الذاتية الشائعة حول "كيفية النوم بشكل أفضل"، هي أيضا نتاج لهذا الوضع، وكذلك النوادي الليلية والإنترنت والخدمات المتاحة على مدار الساعة، وما إلى ذلك.
    من المهم فهم كيفية النظر إلى ظاهرة النوم عبر تاريخ الفكر الفلسفي والسياسي. يمكن للمرء أن يتتبّع عدّة نماذج للتفكير في النوم. بعضها سلبي للغاية، كما هو الحال في مشروع أفلاطون للدولة المثالية. فنظام هذه الدولة المتصوّرة يُلغي النوم بشكل عام لأنه، بحسب منطق أفلاطون، عندما يكون مواطنو هذه الدولة نائمين فإنهم يفقدون الاتصال بالمنطق والعقلانية والجسم السياسي للمجتمع. كما يرى أنه "من العار ومن غير اللائق أن يكرّس رجل عاقل ليلةً بأكملها للنوم".
    وعندما يكون الرجال والنساء نائمين، فإنهم يصبحون عديمي الفائدة ولا يمكن السيطرة عليهم وغير معقولين. بل إن أفلاطون يقول "إن النائم ليس بأفضل حالا من الإنسان الميّت"!


    ومن هذا المنظور، ظهرت لاحقا شخصية "الملك الوَسْنان"، أي الذي يغلبه النوم، في الفكر اللاهوتي في العصور الوسطى. وفي العديد من الثقافات، وليس فقط في أوروبّا، ترتبط طقوس السلطة ارتباطا وثيقا بممارسة اليقظة. مثلا، يصوِّر قانون الحكّام النبلاء في الصين الحاكم النموذجي كشخص يسهر ليله بلا انقطاع ويقضي لياليه في التأمّل في رفاهية رعيّته وتحسين حكمه. كما أن السلطة الحديثة، بحسب فوكو ودولوز، ترتبط بشكل وثيق بمجموعة من أجهزة المراقبة والتحكّم والتتبّع التي لا تتوقّف عن العمل، ونتيجة لذلك فهي "لا تنام". وهذا الأداء المتواصل، أو يقظة السلطة، يغطّي جسد المجتمع بأكمله.
    النظام الرأسمالي يعطي الأولوية للوقت اليقظ والنشط، مفضّلا إيّاه على السلبية وعدم الإنتاجية. والفلسفة الكلاسيكية والحديثة تقومان على نموذج الذات اليقظة التي لا تنام. وهدف الفلسفة في ممارساتها العامّة هو إيقاظ الناس. وقد وصف سقراط نفسه "بالذباب الذي يعضّ الناس لإيقاظهم".
    الفيلسوف المعاصر آلان باديو يكرّر هذه الاستعارات عن "عقدة اليقظة"، فيكتب في إحدى مقالاته أن الفيلسوف هو "حارس الحقيقة" الذي يحافظ على يقظته حتى في الليل "لأن علينا حماية الفكرة الجديدة الهشّة. فعندما يحلّ الليل لا ننام، لأننا يجب أن نحمل أفكارنا طوال الليل. فالفيلسوف ليس سوى حارس ليليّ بائس في المجال الفكري".
    ما نشهده إذن هو استعمار الرأسمالية التدريجي لكلّ ركن من حياتنا، بحيث نعمل أو نستهلك طوال ساعات يقظتنا. والوقت الوحيد الذي نتحرّر فيه من هذا القيد المزدوج بأن نكون إمّا نعمل أو نستهلك باستمرار هو عندما ننام. ولكن حتى هذا الملاذ الأخير يتعرّض للهجوم، فليس من قبيل الصدفة أن يُطلق على النوم لقب "آخر حدود الرأسمالية".
    ظاهرة قلّة النوم عادة ما تُعزى إلى التكنولوجيا، وخاصّة الهواتف الذكيّة وغيرها من التقنيات المعتمدة على الشاشات. لكن ما نشهده ليس مجرّد تكنولوجيا بل أكثر، إنه وظيفة استيلاء الرأسمالية على حياتنا الداخلية واستعمارها وتكييفها.
    والرأسمالية المتأخّرة تنظر إلى النوم غالبا من منظور الإنتاجية. لذا يُتوقّع من العامل المثالي أن يحقّق أقصى إنتاجية، ما يؤدّي إلى ثقافة تقلّل من قيمة الراحة. وغالبا ما تمجّد الروايات المجتمعية ثقافة العمل الجاد، حيث يرتبط الأرق بالطموح والنجاح "من طلب العلا سهر الليالي" و"لا تحبّ النوم لكيلا تصبح فقيرا" و"ابقَ مستيقظا وسيكون لديك طعام فائض". الخ. وهكذا يمكن أن يصبح إعطاء الأولوية للنوم ضرباً من العيب.
    ويلاحظ المؤلّف أن الجزء الضخم من حياتنا الذي نقضيه نائمين متحرّرين من مستنقع الاحتياجات المصطنعة تعتبره الرأسمالية المعاصرة والشَّرِهة إهانة كبرى لها لأنه يربك استراتيجياتها لاستغلاله أو إعادة تشكيله.
    هذا الكتاب مكتوب بأسلوب رائع. ويتناول مواضيع تتراوح من التكنولوجيا إلى الأدب، ومن المسرح إلى النظرية الاجتماعية، ومن السينما إلى الاقتصاد. ومؤلّفه جوناثان كريري يذكّرنا أن النوم ليس ضروريا لنا فقط لاستئناف العمل والحفاظ على سلامتنا العقلية، بل إنه أحد المعاقل الحاسمة والأخيرة المتبقية ضدّ هيمنة الرأسمالية الجامحة.

    Credits
    xenopraxis.net

    الأحد، أكتوبر 05، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • كان الشاعر اليوناني قسطنطين كڤافي (1863-1933) شاعر "شيخوخة وإنجازات قديمة نصفها منسي"، بحسب سكوت برادفيلد، مؤلّف كتاب عن حياة الشاعر وشعره. وعلى عكس معاصره المعجب به ت. س. إليوت، لم يرَ كڤافي ان التاريخ ينتهي "بأنين" بل بتنهيدة طويلة هادئة وممتعة من الذكريات. وبالنسبة للأخير، عندما تقترب الحياة والتاريخ من نهايتهما، بدأ الشعر.
    ولِد كڤافي لعائلة موسرة في الإسكندرية بمصر عام 1863. وأدّى الكساد العالمي عام 1873 إلى تفكيك تجارة العائلة. كما دفعت الصراعات السياسية المختلفة، مثل حرب انغلترا ومصر عام 1882، كڤافي وعائلته الى الهجرة الى ليفربول فالقسطنطينية. ثم عاد اخيرا مع والدته ليستقرّا بشكل دائم في مسقط رأسه الإسكندرية، حيث قضى بقيّة حياته.
    عاش الشاعر في عصر مضطرب مثل عصرنا، ولكنه كان دائما يجد وقتا للاستمتاع بمباهج الشعر الأقلّ اضطرابا والأكثر ديمومة. كان رجلا منعزلا نسبيّا، تفاعلَ مع أحداث عصره وشخصياته، مع الحفاظ على إحساسه الخاص بالزمن والتاريخ من خلال سلسلة من التأمّلات الشعرية الفريدة. ولم يبدُ قط أنه حقّق إنجازات عظيمة أو نال شهرة أدبية بقدر ما كان ينتج ويستمتع بالكتب والشوارع والشعر والعشّاق والأصدقاء. وعاش حياته، تماما كما كتب قصائده، كسلسلة من الأسرار الجميلة.
    كان أحد المؤثّرات الفكرية التي كوّنت كڤافي كتاب إدوارد غيبون "تاريخ انحدار وسقوط الإمبراطورية الرومانية". لكن بعض أعمق التأثيرات الشخصية في الشاعر كانت المباهج الخاصّة التي تمتّع بها مع أقرانه من الشباب الذين التقى بهم خلال تجواله في الإسكندرية.
    في ديوانه "بانتظار البرابرة"، وهو ربّما أشهر أعماله، يستعدّ ملك ومواطنو مملكة مجهولة للتخلّي عن جميع طقوسهم وزخارفهم ومؤسّساتهم استعدادا لغزو "البرابرة" الذين يتوقّع الراوي أنهم "سيشعرون بالملل من أساليب البلاغة والخطابة". "والآن، ماذا سيحلّ بنا بدون البرابرة؟ كان هؤلاء الناس بمثابة حلّ من نوع ما". وفي قصيدة "إيثيكا"، ينصح الراوي شخصية مجهولة الاسم تشبه أوديسيوس بقوله: لا تتعجّل رحلتك بأيّ شكل من الأشكال. فالأفضل أن تدوم سنوات طويلة، وأن ترسو في الجزيرة كرجل عجوز أغناه كلّ ما حصل عليه في الطريق".
    وبحسب برادفيلد، عندما لم يكن كفافي يكتب، كان إما يقرأ أو يحدّث أصدقاءه عمّا يكتبه ويقرأه. ومن الصعب أن نفكّر في شاعر آخر، مثله، استطاع أن يقضي حياته متجوّلا في حانات ومطاعم مدينته المطلّة على الميناء، ومع ذلك لا يذكر المحيط إلا مرّة واحدة كموضوع شعري.
    وعلى عكس الرومانسيين الآخرين، لا ينجذب كڤافي إلى روعة الجبال والوديان، بل إنه يسارع إلى صرف نظره عنها، مفضّلا الانغماس في الذكريات والانطباعات التي تستحضرها الطبيعة. قد يقدّر جمال الطبيعة لفترة وجيزة، لكن سرعان ما تُستبدل هذه الرؤى بخيالاته وذكرياته وأيقونات المتعة.
    وهناك شيء عميق من الأنانية في كڤافي، فكلّ شيء في حياته يبدو وكأنه نصب تذكاري لذاته. وهو يصف ذلك الجزء من حياته الذي لم يكن سرّا، ولكنه لم يخرج أبدا متألّقا في ضوء النهار بقوله: شمعة واحدة تكفي. ضوؤها الخافت أنسب، سيكون أكثر جاذبية عندما يأتي الحب، عندما تأتي ظلاله. شمعة واحدة تكفي. الليلة لا يمكن للغرفة أن تحتوي على الكثير من الضوء. هكذا سأحلم برؤية أن الحبّ يأتي".
    عند كڤافي، الحاجة إلى الضوء تكاد تكون عارضة. إنها لا تمثّل سوى مساحة في الظلام حيث يمكن للفرد أن "يحلم برؤية". وباستخدام شمعة واحدة مدعومة بالتأمّل، يجعل الغرفة كاملة".
    كان هناك شيء مميّز في أعمال كڤافي وشخصيته استقطبَ في نهاية المطاف معجبين من جميع أنحاء العالم. وقد سافر الكثير منهم إلى الإسكندرية لزيارة منزله ومشاركة وجبات المقاهي والأحاديث، بمن فيهم كتّاب مثل كازانتزاكيس وفورستر. الأخير كتب وصفا لا يُنسى للشاعر: رجل يوناني يرتدي قبّعة من القش، يقف بلا حراك تماما بزاوية طفيفة بالنسبة للكون".
    وحتى بعد وفاته بفترة طويلة، سكنت روح كڤافي معظم الرؤى الأدبية الحديثة للإسكندرية وتردّدت في رباعية الإسكندرية للورانس داريل.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • كورنيليس بيغا (1631-1664) كان أحد رسّامي العصر الذهبي الهولندي. عاش وعمل في هارلم وكان ابنا لنحّات وصائغ. أشهر لوحاته هي التي فوق ويصوّر فيها خيميائيّا في معمله. والناس يتذكّرون هذا الرسّام لقصّة وفائه الغريب لزوجته. قيل إنه لما أُصيبت زوجته بالطاعون، وكان يحبّها كثيرا، لم يترك غرفتها برغم محاولات أمّه والأطبّاء منعه بالقوّة ونُصحهم له بألا يقترب من فراشها خوفا من أن تصيبه العدوى.
    وعندما اوشكت الزوجة على الموت، تصرّف كالمجنون وكاد أن يدخل عليها عنوة ليودّعها في لحظاتها الأخيرة. وعندما مُنع أخذ عصا من الخشب ومدّها إليها فقبّلتها من أحد طرفيها وقبّلها هو من الطرف الآخر قبل أن تفارق الحياة. لكنه أصيب هو بالطاعون ومات بعدها بأيّام.
    ويقال إن أعماله الفنّية من بين الأفضل من نوعها، وهي معروضة في معارض وخزائن الفنّ الأكثر احتراما في هولندا وفي غيرها.
  • ❉ ❉ ❉

  • من المصطلحات الشائعة والحديثة نسبيا "التعهيد الجماعي للمعرفة Crowdsourcing Knowledge". ويشير إلى عملية الحصول على الأفكار أو الرؤى والمعلومات من مجموعة كبيرة من الأشخاص، عبر الإنترنت غالبا. ويستفيد هذا النهج من الذكاء الجماعي وخبرة مجموعة متنوّعة من الأشخاص، بدلاً من الاعتماد على مجموعة صغيرة فقط من الخبراء أو المنظّمات. أي أن "التعهيد الجماعي للمعرفة" يسخّر قوّة التعدّدية والتنوّع لتوليد رؤى وحلول وتصوّرات جماعية.
  • ❉ ❉ ❉

  • يقول عازف البيانو الهنغاري أندراس شيف: منذ أن كنت في السادسة عشرة من عمري، كنت أبدأ كلّ يوم بعزف باخ لمدّة نصف ساعة. باخ يظلّ هو الأساس. في أعماله، تتفاعل الجوانب العاطفية والفكرية والجسدية للموسيقى على النحو الأمثل".
    وفي حفلاته، يكشف شيف عن نفسه كمفسّر بارع لأعمال باخ وهايدن وبيتهوفن وشوبرت وشوبان وبارتوك. لكنه يتميّز أكثر في أنه يستطيع عزف موسيقى موزارت دون أيّ تعليق زائد عن الحاجة، ما يتيح لها أن تتألّق بكلّ بريقها الأصلي الطبيعي وغير المصطنع أو المغشوش.
  • ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات...
    ○ لاحظت أن قدرتي على التواصل الهادف تتعمّق بعد فترات من العزلة. وعلى العكس، يمكن للروابط الغنيّة مع الآخرين أن تهيّئني لعزلة أعمق. إنها ليست قوّتين متعارضتين، بل إيقاعات متكاملة. ونحن بحاجة لكليهما. ثورو أدرك هذا عندما انزوى إلى الغابة، ليس هربا من الناس، بل كي يجد نفسه. وكتب: ذهبت إلى الغابة لأنني أردت أن أعيش حياة متأنّية". كان يعتقد أن ضجيج المجتمع يغيّم قدرتنا على معرفة ما هو مهم حقّا.
    في العزلة، ينقشع الغبار وتصبح الأشياء أكثر وضوحا ونبدأ بسماع ما لم نسمعه من قبل، صوتنا الخاص. لكن تجربة ثورو ليست عالمية. ولطالما مارسَت التقاليد الأصلية في الأمريكتين وأفريقيا وأستراليا العزلة المتعمّدة من خلال رحلات البحث عن الرؤى والتجوّل جنبا إلى جنب في سياقات جماعية. توماس وولف

    ○ بلغ صعود وانهيار حضارة وادي السند درجة من الشمولية، بحيث أن وجودها ظلّ مخفيّا بين الأنقاض حتى عشرينات القرن العشرين، حين لاحظ علماء الآثار أن جميع أنقاض مئات المدن شكّلت مجتمعا هو الأكثر تعقيدا في العالم آنذاك؛ مجتمعا أكبر من مجتمعات مصر أو بلاد ما بين النهرين، حيث بلغ عدد سكّان كلّ مدينة ما يصل إلى 60 ألف نسمة. لكن الانحدار بدأ حوالي عام 1900 قبل الميلاد، وهُجرت المدن عام 1700 قبل الميلاد، وتبع ذلك مسار انحداري استمرّ 400 عام أخرى وانتهى بانقراض تلك الحضارة. ب. كلارك.

    ○ بعض الأماكن معادية لكافّة أشكال الحياة. وأتعسها هي تلك التي كانت صحّية ذات يوم وتسكنها الآن أرواح فاسدة. وربّما كان هناك تيّار خفيّ مظلم يلفّ القارّة الأمريكية ويجري تحت سطح جمالها الطبيعي الهائل. وعلى الرغم من أن البرّية الأمريكية هي الظلّ لما كانت عليه من قبل، إلا أنه ما يزال يتردّد فيها صدى الطاقة التي أخافت أوائل المستعمرين الأوربيين عندما هبطوا على شواطئها لأوّل مرّة.
    ونيو إنغلاند وأوكلاهوما مثالان للمكان الذي تبدو فيه الأرواح معلّقة وثقيلة، والتربة مبلّلة بدماء السكّان الأصليين ومتشقّقة بفعل تأثير طاقة الديناصورات التي ماتت هناك منذ زمن طويل. وتقول أسطورة قديمة إن روح المكان لا تمارس تأثيرها الكامل على الوافدين الجدد إلى أن يموت الساكنون القدامى أو يمتصّهم المكان تماما. م. ساندرز.

  • Credits
    wilderness.net
    poets.org