:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


‏إظهار الرسائل ذات التسميات ماليفيتش. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ماليفيتش. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، أبريل 09، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • في إحدى القرى البعيدة، عاش الأهالي حياة بسيطة ومتواضعة. كان كلّ منهم متحفّظا ومنشغلا بتأمين رزقه. لكن ذات يوم هطلت أمطار غزيرة ومفاجئة. فلجأ القرويون على عجل إلى حانة قريبة. وداخل الحانة، كان هناك أيضا رجل غريب. وعلى الرغم من أنه لم يكن مبلّلاً، إلا أنه كان ينظر إلى أسفل وكأنه يخفي شيئا.
    امتلأ الجزء الداخلي من الحانة بالضحكات المصحوبة بصوت المطر. ونسي أهل القرية سلوكهم المتحفّظ والصامت المعتاد، وأخذوا يتبادلون الأحاديث والمزاح ونمت بينهم علاقة حميمية غامضة. ووجد الرجل الغريب نفسه منجذباً إلى الدائرة. وعندما عُرض عليه مشروب، شعر ببعض الراحة والاسترخاء. ثم تمتم قائلاً: هذه القرية تتغيّر عندما تمطر، أليس كذلك؟"
    في النهاية، عندما توقّف المطر، ودّع أهل القرية بعضهم البعض، حاملين مشاعر دافئة في قلوبهم. وقال الرجل الغريب وهو يغادر: دعونا نلوذ بملجأ يحمينا كلّما أمطرت السماء".
    كانت تلك الكلمات تحمل معنى أكبر من مجرّد تحيّة. كانت تذكيرا لأهل القرية بالروابط التي تشكّلت بينهم أثناء تواجدهم في ملجأ المطر وبأهميّة دعمهم لبعضهم البعض مستقبلا.
    لكن بعد أن غادر الرجل، ارتفع ثانية جدار رقيق بين أهل القرية. نسي الجميع الحميمية اللحظية وعادوا إلى حياتهم اليومية الصامتة. فكّر الرجل بألم أن ملجأ المطر في القرية يشير إلى رابطة عابرة، وليس ارتباطا عميقا. وربّما كانت هذه هي الطبيعة الحقيقية لأهل القرية. الناس يجتمعون بسبب المطر، ولكن في لحظة سطوع الشمس يبدأون في المشي كلّ في مساره المنفصل.
  • ❉ ❉ ❉

  • كان المعلّم يحبّ رسم الأسماك ولا يتحمّل أن يراها تُقتل وتُؤكل. لذلك كثيرا ما كان يدفع مالاً للصيّادين مقابل تحرير الأسماك التي اصطادوها. وذات يوم، نام المعلّم أثناء الرسم ورأى في الحلم انه تحوّل الى سمكة وبدأ يلعب مع الأسماك الأخرى في النهر.
    وعندما استيقظ، رسم لوحة للسمكة التي حلم بها. وفيما بعد مرض المعلّم، وبينما كان فاقدا للوعي، منحه إله البحر رغبته في أن يحوّله الى سمكة، مكافأة له على إنقاذه العديد من الأسماك خلال حياته. ولكن عندما أصبح المعلّم سمكة، أمسك به أحد أصدقائه وأكله. وهنا عاد المعلّم إلى جسده البشري ليواجه الصديق الذي أكله ولينتقم منه!
  • ❉ ❉ ❉

  • عُرف سقراط بشجاعته وحكمته في كلّ ما قاله. وكان أيضا عظيما في صمته. كان الوحيد الذي أقرّ لنفسه أنه لا يعرف شيئا.
    يقول نيتشه: أنا معجب بشجاعة سقراط وحكمته، هذا الوحش الساخر عازف المزمار الأثيني، الذي جعل أكثر الشباب غطرسة يرتجفون ويبكون. لم يكن فقط أعقل ثرثار على مرّ العصور، بل كان عظيما بنفس القدر في الصمت.
    تمنّيت فقط لو أنه ظلّ صامتا أيضا في لحظات حياته الأخيرة، لربّما حاز مرتبة أعلى روحيّا. لقد ذهب إلى موته بالهدوء الذي كان يغادر به المنتدى عند الفجر، وأصبح المثل الأعلى الجديد لشباب أثينا من النبلاء".
  • ❉ ❉ ❉



    ❉ ❉ ❉

  • لم يكن الرسّام الروسي كازيمير ماليفيتش ملتزما بالمعايير الفنّية السائدة في زمانه، بل ابتكر تقنيات ثورية ألهمت أجيالا متعاقبة من الفنّانين في جميع أنحاء العالم. وما تزال أعماله تحظى بتقدير كبير حتى بعد مرور سنوات عديدة على رحيله.
    ومن لوحات ماليفيتش المعروفة "رجل إنغليزي في موسكو" التي رسمها عام 1914. ورغم أنها ليست لوحة تجريدية بحتة كأعمال ماليفيتش اللاحقة ذات الملمح "التفوّقي"، إلا أنها تتميّز بتركيز واضح على التجريد والأشكال الهندسية وتمتليء بالنصوص والرموز. فهناك، مثلا، سمكة وسيف معقوف وشمعة وسلّم وسهم أحمر وملعقة حمراء. كما تتضمّن اللوحة أجزاءً من كلمات روسية مثل "جزئي" و"كسوف الشمس".
    وبعض النقّاد يرون أنه قد لا يكون هذا المزيج من الأشياء والكلمات مترابطا، وقد تعني جميعها شيئا ما أو يفترض أنها توحي بشيء. المعروف أن ماليفيتش تأثّر بالأدباء الروس الطليعيين، وقد ضمّن نصوصا روسية ومقاطع نصّية واستعارات في لوحتين له على الأقلّ غير هذه.
    لكن من هو "الرجل الإنغليزي" الذي يظهر في اللوحة مرتديا قبّعة عالية ومعطفا، ونصف وجهه مغطّى بسمكة بيضاء؟! أحد النقّاد يشير الى أن ماليفيتش يروي قصّة رحلة إنغليزي ذهب في زيارة الى موسكو. وفي هذه الحالة، فإن التفاصيل في الصورة تشير إلى ما قد يكون لاحظه هذا الرجل هناك، أي عام 1914، وبالتحديد قبل ثلاث سنوات من الثورة الروسية.
    ويضيف أن العنوان يشير إلى قصاصات بصرية للأشياء التي لاحظتها عين هذا الأجنبي أثناء زيارته. والكلمات المجزّأة والمختلطة تصبح منطقية عندما يلاحظها شخص لا يفهم اللغة. والسيف المعقوف يبدو روسيّ الطراز، وهو شيء يمكن أن يلاحظه أجنبي ويعتبره غريبا.
    لكن هناك أشياء أخرى في اللوحة لا يمكن تفسيرها بسهولة. مثلا لماذا يلفت انتباه رجل إنغليزي في موسكو مرأى سمكة بيضاء أو شمعة مضاءة مثلا؟! يبدو ان الصورة تشير الى عناصر لغز معقّد ومن الصعب تفسيره.
    بالإضافة إلى استلهام ماليفيتش الكولاج التكعيبي، ربّما استوحى أيضا شيئا من أسلوب جورجيو دي تشيريكو الذي كان معاصرا له. لكن هناك من يقول إن الإنغليزي ليس إنغليزيا بالضرورة، بل يمكن أن يكون مجرّد استعارة تجمع الشرق بالغرب والمدينة بالريف.
    وأيّا ما كان معنى اللوحة، وسواءً كانت الأشياء غير ذات صلة على الإطلاق أو تحمل نوعا من المعنى الرمزي، يبدو أن "الإنغليزي" في العنوان هو بريطانيّ بلا اسم ويرتدي ملابس أنيقة، وقد جاء إلى موسكو ليراقبها بعيون أجنبي.
    ومع أن المعنى الكامن وراء اللوحة غير مؤكّد ومثير للجدل، إلا أن البعض يعتقد أنها ربّما كانت تعكس شغف ماليفيتش بثقافات أوروبّا الغربية.
  • ❉ ❉ ❉

  • سنموت وهذا ما يجعلنا محظوظين. فمعظم الناس لن يموتوا أبدا لأنهم لن يولدوا أبدا. الأشخاص الذين كان من الممكن أن يكونوا هنا في مكاني لكنهم في الواقع لن يروا نور النهار، يفوقون عدد رمال شبه الجزيرة العربية. ولا شكّ أن هؤلاء الأشباح الذين لم يولدوا يضمّون شعراء أعظم من كيتس وعلماء أعظم من نيوتن.
    نعرف هذا لأن مجموع الأشخاص المحتملين الذي يسمح به حمضنا النووي يفوق بكثير مجموع الأشخاص الحقيقيين. وفي مواجهة هذه الاحتمالات المذهلة، أنا وأنت، في طبيعتنا العادية، نحن هنا. نحن القلّة المتميّزة الذين ربحنا يانصيب الميلاد رغم كلّ الصعاب، كيف نجرؤ على التذمّر من عودتنا الحتمية إلى تلك الحالة السابقة التي لم تنهض منها الغالبية العظمى أبدا؟ ريتشارد دوكينز
  • ❉ ❉ ❉

  • لأنني كسول جدّا وأبعد ما أكون عن الطموح
    تركتُ العالم يدبّر أموره.
    في حقيبتي أرزّ يكفيني عشرة أيّام
    وحزمة أغصان بجانب المدفأة.
    لماذا أتحدّث عن الوهم والتنوير؟!
    أجلسُ مسترخيا
    منصتاً إلى مطر الليل على سطح منزلي
    وساقاي ممدودتان. ريوكان

  • Credits
    kazimir-malevich.org

    الجمعة، أبريل 19، 2024

    ماليفتش والتفوّقية


    في 19 ديسمبر 1915، افتُتح معرض للأعمال الفنّية الراديكالية في سانت بطرسبرغ في روسيا. وقد تجاوزت العديد من القطع المعروضة حدود الشكل والأسلوب. لكن إحداها كانت مثيرة للجدل بشكل خاص.
    كانت اللوحة معلّقة في زاوية الصالة، في مساحة كانت تُخصّص عادةً للأيقونات الدينية. وكان اسمها "المربّع الأسود" لكازيمير ماليفيتش. أحد الحضور سخر من بساطة اللوحة مدّعيا أنه "حتى الطفل يمكن أن يرسم مثلها!"
    وذهب آخر إلى أبعد من ذلك، فكتب يقول ان "المربّع الأسود" من شأنه أن "يقودنا جميعا إلى هلاكنا!". بساطة اللوحة الظاهرية تثير الحنق والارتباك. لكن نظرة فاحصة تكشف أن عمل ماليفيتش ليس فقط أكثر تعقيدا ممّا يبدو للوهلة الأولى، بل قد لا يكون حتى لوحة لمربّع أسود على الإطلاق.
    وعلى الرغم من اسمها، ستجد أن الشكل المركزي للوحة ليس أسود ولا مربّعا تماما. وأضلاعه ليست متوازية أو متساوية في الطول، كما أن الشكل لا يتموضعُ تماما على القماش.
    وبدلاً من ذلك، وضع ماليفيتش النموذج بعيدا عن التوازن قليلا، ما يعطيه مظهرا حركيّا. كما أن اللون الأبيض المحيط به يمنحه نوعية حيّة ومهتزّة. وقد كشف التحليل الفنّي أن ماليفيتش كان قد استخدم القماش قبل ذلك للوحتين أخريين.
    ولو نظرت الى اللوحة اليوم، ستلاحظ وجود تشقّقات كثيفة في الطلاء نتيجة للتقادم وعوامل الجفاف. وهذه التشقّقات تكشف عن أجزاء من اللون الأصفر المغبر والأحمر النابض بالحياة والزمرّدي الباهت. وكلّها تشير إلى المراحل المتعدّدة التي قطعها ماليفيتش قبل أن يصل إلى الشكل النهائي للوحة.
    وتتجلّى عمليّته الإبداعية في ضربات الفرشاة القويّة والمعروضة بفخر وهي تتحرّك في العديد من الاتجاهات. كما لوحظ أن خيوطا من الشَعر، بالإضافة الى بصمات ماليفيتش نفسه، متأصّلة في الطلاء، ما يُضفي ملمسا مجازيّا وحرفيّا إلى العمل.
    من نواحٍ عديدة، يمكن القول إن تاريخ ماليفيتش بأكمله جزء لا يتجزّأ من "المربّع الأسود". والمعروف أنه ولد في أوكرانيا لأبوين يتحدّثان البولندية، وعاش هناك حتى وفّر أخيرا ما يكفي من المال لتغطية تكاليف الرحلة إلى موسكو. وعند وصوله إليها في عام 1904، انهمك في تجريب جميع الأساليب الفنّية الطليعية في المدينة.
    وقد رسم بأسلوب الانطباعيين واستوعب ما بعد الانطباعية ومرّ بمرحلة المستقبلية ثم تأثّر بالتكعيبيين. وبحلول عام 1913، كان على وشك تحقيق اختراق. وكان يدرك أنه حتى أكثر الفنّانين تطوّراً كانوا لا يزالون يرسمون أشياء من الحياة اليومية فقط.


    كان ماليفيتش منجذبا بشكل لا يقاوَم إلى ما أسماه "الصحراء حيث لا شيء حقيقيّ سوى الشعور". وهكذا أصبح الشعور جوهر عمله. وكانت النتيجة "المربّع الأسود" وأسلوبا جديدا أسماه "التفوّقية أو السوبريماتيزم Suprematism"، حيث يصبح الشعور بالوحدة هو الأسمى.
    وسيتحقّق هذا من خلال ما أسماه باللاموضوعية Non-objectivity، وهي خروج متطرّف للغاية عن عالم الأشياء لدرجةِ تَجاوُز التجريد.
    بالنسبة للفنّان التفوّقي، الوسيلة المناسبة هي تلك التي توفّر التعبير الكامل عن الشعور النقيّ وتتجاهل الموضوع المقبول بحكم العادة. فالموضوع في حدّ ذاته لا معنى له بالنسبة للفنّان، وأفكار العقل الواعي لا قيمة لها. كما أن الظواهر المرئيّة للعالم الموضوعي لا يعوّل عليها في حدّ ذاتها؛ الشيء المهم هو الشعور.
    كان ماليفيتش يؤمن بأن التبسيط والتشويه اللذين ميّزا الفنّ التجريدي كانا في النهاية بلا معنى، نظرا لأنهما ما يزالان يركّزان على تصوير أشياء العالم الحقيقي. وبالنسبة له، فقط ما هو غير تمثيليّ أو تجسيديّ تماما هو الجديد حقّا.
    وكان يرى أن الفنّ ليست وظيفته خدمة الدولة والدين أو توضيح تاريخ الأخلاق. كما لا يجب أن يكون له أيّ علاقة بالموضوع في حدّ ذاته. وبرأيه يمكن أن يوجد الفنّ في حدّ ذاته، بدون "أشياء".
    ومن آرائه الأخرى أن كلّ شكل حقيقي هو عالَم مستقل. وأيّ سطح بلاستيكي يعدّ أكثر حيوية من الوجه الذي تحدّق منه عينان وابتسامة. والمربّع ليس شكلاً من أشكال اللاوعي، إنه طفل ملوكي حيّ، وهو الخطوة الأولى للإبداع الخالص في الفنّ.
    وبينما أثار هذا النهج المتطرّف قلق النقّاد، سار ماليفيتش فيه قدما ولم يتراجع. فأمضى العقد التالي في شرح أعماله التفوّقية في مقالات، وعلّم أفكاره لجيل جديد من الفنّانين.
    لكن بعد صعود ستالين إلى السلطة في عشرينيات القرن العشرين، اعتُبرت الأساليب الطليعية، مثل التفوّقية، غير منتجة او مفيدة للدولة الشيوعية. وفي نهاية المطاف، أصبح من الخطر إنتاج أيّ فنّ خارج "الواقعية الاشتراكية"، وهي أسلوب فنّي قسريّ يحتفل بالقادة السوفييت و"العمّال الأبطال".
    في عام 1930، ألقت السلطات السوفيتية القبض على ماليفيتش لنشره "أفكارا تخريبية!" وتحت الضغط الشديد، عاد إلى رسم الاشخاص، فرسم الفلاحين وهم يقفون كالروبوتات في الأماكن الكالحة والمُتربة. لكن حتى هذه اللوحات كانت ما تزال تحتفظ ببصيص من أفكاره السابقة.
    وتدريجيّا، فقد الشخوص في لوحاته أذرعهم ووجوههم، ثم تحلّلوا نهائيّا مع اكتمال سيطرة الميكنة على الريف. وخلال هذا الوقت، رسم ماليفيتش أيضا صورة لنفسه، وبدا أنه قد تخلّى عن التفوّقية تماما. لكن يده المفتوحة في الصورة أخذت شكلاً رباعيا، وفي الزاوية كان هناك مربّع أسود صغير!
    كان هذا رمزا لرجل عانى من الحروب والثورات، لكنّه لم يتوقّف أبدا عن محاولات خلق فنّ جديد؛ ملجأٍ للشعور النقيّ الذي يكمن وراء ثقل الأشياء ومعاناة عالمٍ منقسمٍ على نفسه.


    Credits
    kazimir-malevich.org