ونادرا ما نكون على تماسٍّ مباشر معه، بل يبدو أن العالم الحديث مصمّم على منعنا من التواصل معه بتغطيته بوهم لا ينتهي من التسلية والهواجس والإدمان ومشتّتات الانتباه من كلّ نوع. لكن التوق موجود ومتأصّل فينا كرغبة تضغط من أجل أن تتحرّر. وتوحي لوحتان فنّيتان عظيمتان بهذا التوق في عنوانيهما: لوحة غوغان "من نحن؟ من أين أتينا؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟" ولوحة دي تشيريكو "حنين إلى اللانهائي". وسواءً أدركتَ ذلك أم لا، فإن مجرّد كونك إنسانا يعني التوق إلى التحرّر من الوجود الدنيوي بجدرانه وقيوده. هيوستن سميث
❉ ❉ ❉
كان شعب لاكوتا متعريّا حقيقيّا وعاشقا للطبيعة على الدوام، يحبّ الأرض وكلّ ما فيها، ويزداد تعلّقه بها مع التقدّم في العمر. وقد أحبّ كبار السنّ التراب حرفيّا، فبجلوسهم أو استلقائهم على الأرض يشعرون بقربهم من قوّة الأمومة. وكانوا يحبّون خلع أحذيتهم والمشي حفاةً بأقدامهم على الأرض المقدّسة. وقد بُنيت خيامهم على الأرض، وصُنعت مذابحهم من التراب. وكان لتراب الأرض عندهم خصائص مهدّئة ومقوّية ومطهّرة وشفائية.
ولا يزال الهنديّ العجوز يجلس على الأرض مباشرة بدلا من الارتفاع فوقها. فالجلوس على الأرض يعني القدرة على التفكير بعمق أكبر والشعور أكثر بأسرار الحياة والاقتراب من الحيوانات الأخرى من حوله. والمشي، بفضل دعم الأرض والشعور بجاذبيتها وملامستها مع كلّ خطوة، هو بحدّ ذاته تفريغ للمشاعر الضارّة وجلب للطاقة الإيجابية. فريدريك غروس
❉ ❉ ❉
❉ ❉ ❉
ولمدّة عامين، عانيت من القلق والحيرة. لم أكن أعرف شيئا عن حرب كانودوس، بل لم أكن قد سمعت عنها من قبل. وكان أحد أوّل الأشياء التي قرأتها عنها باللغة البرتغالية هو كتاب "اوس سيرتوس" أو "تمرّد في المناطق النائية" للكاتب البرازيلي يوكليدس دا كونيا. كان هذا الكتاب أحد الاكتشافات العظيمة في حياتي كقارئ، وهو لا يقلّ أهميّة عن قراءة "الفرسان الثلاثة" في صباي، أو "الحرب والسلام" و"مدام بوفاري" و"موبي ديك" بعد أن كبرت.
أذهلني تماما ذلك الكتاب، إنه أحد أعظم الأعمال التي أنتجتها أمريكا اللاتينية. بقراءته تكتشف لأوّل مرّة ما لم تكن تعرفه عن ذلك الجزء من العالم. فأمريكا اللاتينية ليست مجموع وارداتها، وليست أمريكا ما قبل الإسبان أو المجتمعات الأصلية، ولكنها مزيج من هذه العناصر التي تتعايش بطريقة قاسية وأحيانا عنيفة. مأساة أمريكا اللاتينية هي أنه في مراحل مختلفة من التاريخ، وجدت بلداننا نفسها منقسمة وفي خضمّ حروب أهلية وقمع ومجازر جماعية مثل تلك التي وقعت في كانودوس. التعصّب وعدم التسامح يُثقلان كاهل تاريخنا. لذا فإن الرجل الذي أدين له حقّا بالفضل في تحفيزي لكتابة "حرب نهاية العالم"هو يوكليدس دا كونيا. ماريو فارغاس يوسا
❉ ❉ ❉
❉ ❉ ❉
لا أؤمن بوجود رجال صالحين أو أشرار. أؤمن بأن أفعالنا هي الخير والشر، وليس الرجال والنساء الذين يرتكبونها. أفضلنا قد يفعل الشر، وأسوأنا قد يفعل الخير. عرفت رجال مافيا تولّوا مسؤولية إطعام الفقراء في مناطقهم، وعرفت رجال شرطة كانوا قساة بلا رحمة. نحن البشر حيوانات قادرة على فعل الخير أو الشر. وكلّنا نفعل الأمرين، بدرجة أو بأخرى.
رجال المافيا الذين عرفتهم في الثمانينات كانوا في الغالب رجالا شرفاء. أعلم أن هذا يبدو غريبا ومتناقضا لمن لم يعيشوا في ذلك العالم قط، لكنها حقيقة تجربتي. عاش رجال العصابات من المدرسة القديمة وفقا لقواعد شرف صارمة، وكانوا دقيقين للغاية في الالتزام بها. ولم أرَ في حياتي رجل مافيا يرفع يده على امرأة أو طفل، ولم أعرف قط من نقضَ وعده لي أو تخلّى عنّي في وقت الشِدّة. غريغوري روبرتس
❉ ❉ ❉
وطبقا لتقاليد هنود الغرب الأمريكي، تُعتبر جبال روكي حدود العالم المعروف. كانت هذه القمم تحمل السماء وتطارد أرواح العواصف وعمالقة الحجر وآكلي لحوم البشر ذوي البطون الضخمة. ومنها امتدّ غربا الطريق الجوفي المؤدّي إلى أرض الموتى. وفي داكوتا الجنوبية، كان هناك تلّ الشياطين الصغار، وهم أقزام شرّيرون ذوو رؤوس ضخمة، كانت قبائل البراري تقف في رهبة خوفا من سهامهم.
وكانت هناك سبعة جبال مقدّسة في أرض النافاهو، أربعة منها عند الجهات الأربع، وثلاثة عند المركز. وقد منحت الأسطورة كلا منها لونه الخاص وجواهره وطيوره ونباتاته. كان أحد الجبال مثبّتا على الأرض بوميض برق، وآخر بشعاع شمس، وثالث بقوس قزح. وبروح يونانية تقريبا، كان هنود غيانا ينشدون أمجاد الصخور الحمراء المغطّاة بالغيوم. وكان فوقها نسور بيضاء تحيط بها دائرة سحرية وحرّاس من الشياطين. كيرك سبولدينغ