سينيكا: بين الفيلسوف والسياسيّ
إذا كان حلم الشعراء والفلاسفة أن يسيطروا على رجال السلطة، فلا شكّ أن الفيلسوف الرومانيّ سينيكا كان مهيّأ تماما لفعل ذلك. كان هذا الرجل، المولود في اسبانيا قبل ألفي عام، من أكثر الشخصيات فتنةً وإثارةً للجدل في الأزمنة القديمة. كان خطيبا مفوّها ومؤلّفا و"واعظا أخلاقيّا" بلغة هذه الأيّام. وأحد أشهر أقواله التي تُقتبس عنه دائما هو قوله: لم نُعطَ حياة قصيرة، بل نحن من يجعلها كذلك، ولدينا الكثير من الوقت لكنّنا نضيّعه". وفي أعماله الفلسفية الأخلاقية، يؤكّد سينيكا على أن مفتاح الحياة الفاضلة هو التحرّر من العواطف، وأن الفضيلة ضرورية للسعادة وكافية لخلقها. وهناك كلام آخر كثير له يحاول من خلاله أن يساعدنا في التغلّب على مشاكل الحياة، كالفقر والغضب والفشل وغير ذلك. كان سينيكا أحد منظّري الفلسفة الرواقية التي ترى أن الإنسان يجب أن يتحرّر من انفعالات الفرح أو الحزن وأن يُخضِع كلّ تصرّفاته وأفعاله لأحكام الضرورة. والمفارقة أن هذا الفيلسوف، صاحب الأفكار الإنسانوية والتعاليم الأخلاقية كما عبّر عنها في كتاباته، هو الذي علّم احد أكثر أباطرة روما استبداداً ودمويةً، أي نيرون، بل وعم...