المشاركات

عرض المشاركات من فبراير 8, 2009

من أحاديث زوربا

صورة
كانت السماء صافية تماما والنجوم تبدو كبيرة متدلية من السماء ككرات من نار، بينما بدا الليل مثل وحش اسود كبير يجثم على الشاطئ. وازدحمت الكنيسة الدافئة بالقرويين. فوقف الرجال في المقدّمة أمام النساء، وعقد الجميع أيديهم فوق صدورهم. بينما اخذ الأب ستيفانوس، بقامته الطويلة وثوبه الموشّى بالذهب ووجهه الشاحب بعد صيام أربعين يوما، يروح ويغدو بخطى واسعة ويترنّم بأعلى صوته وبسرعة لكي يعود على عجل إلى بيته حيث تنتظره مائدة مثقلة بالحساء والشواء وسائر الأطعمة الشهيّة . ولو لم تقل الكتب المقدّسة أن النور ولد في مثل هذه الليلة لما نشأت الأسطورة وملأت الدنيا، ولمرّ الحادث كأيّ ظاهرة طبيعية عادية دون أن يلهب الأخيلة. لكن النور الذي ولد في صميم الشتاء أصبح طفلا والطفل أصبح إلها دانت له النفوس والأرواح عشرين قرنا. كنت سعيدا وقلت لنفسي: هذه هي السعادة الحقيقية. أن يعيش الإنسان بلا مطامع ويعمل ويكدّ كأنّ له ألف مطمع. وأن يحبّ الناس ويعمل لخيرهم دون أن يكون في حاجة إليهم. وأن يأكل ويشرب ويشترك في أعياد الميلاد دون أن يتورّط في المتاعب أو يقع في الفخاخ. وأن يسير على الشاطئ والنجوم فوقه والبحر إلى يمينه والأ...

محطّات

صورة
أفرغ كأسك قرأت بالأمس قصّة جميلة وذات مغزى عن حدود المعرفة وعن قابلية الإنسان لاستيعاب أفكار وتصوّرات جديدة. تقول القصّة إن شابّا وصل إلى درجة من العلم بحيث تمكّن من قراءة معظم كتب المعرفة والحكمة القديمة، وزاد على ذلك بأن حصل على ارفع الشهادات الأكاديمية الحديثة. وقد سمع الشابّ عن معلّم عظيم يسكن الجبال ويقصده الناس لطلب الحكمة والمعرفة بأحوال وأمور الدنيا. وفي احد الأيّام قرّر الشابّ الذهاب إلى ذلك المعلّم في صومعته البعيدة كي يُجري معه نقاشا وليلتمس لنفسه منه بعض الحكمة. وعندما وصل إلى مكان المعلّم بدأ يحدّثه عن العلوم والمعارف والشهادات التي حصل عليها وعن الكتب التي قرأها في مسيرته لطلب العلم. وبينما كان الشابّ منهمكا في الحديث عن نفسه وصل الشاي. وأخذ المعلّم يصبّ الشاي في كأس حتى فاض الكأس عن آخره. لكنّه استمرّ يسكب الشاي في الكأس إلى أن تدفّق على الطاولة ومن ثمّ على الأرض. وهنا قطع الشابّ حديثه عن نفسه وقال منبّها المعلّم: لقد فاض الكأس عن آخره. ولا يمكنه أن يستوعب المزيد". فابتسم المعلم وقال: إنك تبدو مثل هذا الكأس تماما. كيف يمكنني أن أعلّمك الحكمة ما لم تفرغ ...

خواطر في الأدب والفنّ

صورة
استعادة الليل منقذ. وكثيرا ما يفعل. الليل يخفي بسحره الأخطار الكامنة والألم والهواجس العميقة. النهار يأتي بمفاجئاته المخيفة، بالصراع والتهيّج وعدم الارتياح. النهار يذكّرنا بالانضباط وبالسلوك الذي يتعارض عموما مع التفكير. النهار يجعلنا خاضعين للرغبة والسلطة والطموح. لكن الليل مسألة مختلفة. إنه يأتي من كوكب آخر، من عالم مختلف. الليل يجلب الرياح والظلام وستارة بلا اسم. الليل مختلف، لأنه ينقذنا من مزيد من الآلام والجراح. الليل يعيدنا إلى حالتنا الأصلية. يحمينا من المزيد من الأسئلة ويتركنا في سلام. الليل سبب طبيعي لأن نحيا من بين أسباب كثيرة لأن نموت. في الليل، نحن بعيدون عن الجموع، عن الأصدقاء، وعن التملّق بما فيه تملّقنا نحن. وإذا كان الليل متملّقا أيضا، فهو متملّق أمين. الليل لا يقدّر بثمن، لأنه يمنحنا المرآة التي نرى فيها أنفسنا وتكشف عن رغباتنا الدفينة التي هي أصدق أفكارنا. الليل يمنحنا تلك الكآبة اللذيذة ويوفّر لنا ملاذا من الجنون المتسارع للنهار، من الوجوه الرطبة لضوء النهار. الليل يسمح لنا بإغراق أنفسنا في مياه الأحلام العميقة وفي سيكولوجيا العقل الباطن. الليل عاد...

موسيقى التضاريس

صورة
شاهدت منذ أيّام على شاشة إحدى القنوات الأجنبية برنامجا تسجيليا. وفي الواقع لا أدري ما إذا كان هذا الوصف دقيقا أم لا. لكن إجمالا، كان البرنامج أو الفيلم يعرض لقطات متتابعة وطويلة نسبيا لطبيعة ذات تضاريس متنوّعة، من صحارى شاسعة وجبال شاهقة وبحيرات وأنهار جليدية وخلافه. كان واضحا أن تلك اللقطات من صنع مصوّر بارع وفنّان مبدع. ولم يكن هناك تعليق أو كلام. فقط صور متتابعة يرافق كلا منها موسيقى تناسب المشهد وتخلق في نفس المشاهد انطباعا ما. الأمر المثير للاهتمام أن الموسيقى التصويرية المستخدمة لم تكن تحتوي سوى على عدد قليل جدّا من الآلات الموسيقية. ومن ثمّ، كان يتخلّلها العديد من الفراغات والوقفات الصامتة. غير انه ذلك النوع من الصمت الذي تتشكّل ضمنه الرموز والمعاني والظلال. ذلك الصمت الذي "لا يقول شيئا ولا يترك شيئا لا يقال"، على حدّ تعبير الفيلسوف الصيني لاو تسو. كان ثمّة صور لرياح وغيوم ومطر وأشجار وبحيرات وغابات. وأخرى لأراض جافّة ونباتات قاسية وصحارى جرداء ومتّسعة تشعر وأنت تراها أنها منسوجة من الزمن وأنه يلزمك عصورا بأكملها حتى تعبرها وتجتازها. الموسيقى نفسها تعمّق هذا...

أجواء روسيّة

صورة
أوّل مرّة سمعت فيها موسيقى موديست موسوريسكي "ليلة على الجبل الأجرد" كانت منذ سنوات في احد برامج الدراما أو لعله كان برنامجا وثائقيا. والحقيقة أن هذه القطعة بالذات ليست من تلك النوعية من الموسيقى التي يتمنّى الإنسان أن يسمعها في كلّ حين. فهي موسيقى متوتّرة، مظلمة بل وعنيفة إلى حدّ ما. لكنها مشهورة جدّا، وقد عرفها الناس أكثر بعد أن وظفت في الفيلم المشهور اوديسّا الفضاء. والمقطوعة تذكّرنا أجواؤها إلى حدّ كبير بالموسيقى المسماة طيران الفالكيري لـ ريتشارد فاغنر، وبموسيقى ريتشارد شتراوس هكذا تحدّث زرادشت Thus Spoke Zarathustra المستوحاة من عنوان رواية لـ فريدريك نيتشه. موسوريسكي استلهم هو الآخر معزوفته من قصّة قصيرة للكاتب الروسي غوغول يمزج فيها بين حكايات الجان والقوى الغريبة بأسلوب فلسفي وتأمّلي. وتزدحم القصّة بمشاهد الغربان والساحرات والأرواح والأشباح والليل والظلام وأجراس الكنائس. إلى آخره. والانطباع الذي تثيره هذه الموسيقى في النفس هو مزيج من الخوف والترقّب. وما يكثف هذا الإحساس في نفس السامع بدايتها الدراماتيكية الصاخبة التي تصوّر لحظة وصول الآلهة السوداء إلى الجبل الأجرد. ث...