بفضل لوحات البيرت بيرستادت، أصبح لوادي يوساميتي في كاليفورنيا تاريخ، وباتَ أيقونة للبراري الأمريكية. كان بيرستادت أوّل رسّام أمريكيّ يُمسك بالقوّة الرمزية لجبال سييرا نيڤادا ويوساميتي. وعندما رأى الوادي لأوّل مرّة في صيف عام 1863، ذُهل من جماله وكتب إلى صديق له يصفه بأنه "الفردوس الأمريكي".
لوحاته الخمس والعشرون التي رسمها للمنطقة أصبحت محفّزا لحماية تلك الطبيعة البكر. وأشهرها لوحة تصوّر منظرا مثاليّا تظهر فيه مجموعة من الغزلان وهي ترعى بسلام في المروج. ولا بدّ أن فكرة الجنّة كانت في عقل الفنان، لذا رسم برّية مثالية لا تعيش فيها سوى الحيوانات.
وقد أضاف الى المنظر لمسة لامعة من خلال وهج الشمس الغاربة المصطبغ بالألوان الصفراء والبرتقالية المنعكسة على المكان بأكمله. هذه اللوحة وغيرها أضفت طابعا رومانسيّا على يوساميتي باعتباره مكانا رعويا وفطريا وخالدا وغير مأهول، وخلعت عليه طابعا من القداسة والسموّ.
يوصف وادي ومتنزّه يوساميتي بأنه أحد أعظم مَعابد الطبيعة بسبب جمال وسحر طبيعته. وقد تَشكّلَ الوادي من الأنهار الجليدية التي يصل سمكها الى 4000 قدم منذ ما يقرب من مليون عام. ومن هناك، بدأت القطع الكبيرة من الجليد تتحرّك إلى أسفل مشكّلة الوادي على شكل حرف U.
وتدعم المنطقة أكثر من 400 نوع من الكائنات الحيّة، بما في ذلك الأسماك والبرمائيات والزواحف والطيور والثدييات. وتضمّ بعضا من أروع الشلالات على وجه الأرض. ووادي يوساميتي معروف بأشجار السيكويا العملاقة التي يُعتقد أن عمر بعضها يبلغ حوالي 3000 عام. ويمكن أن تنمو هذه الأشجار حتى يصل عرضها إلى 30 قدما وارتفاعها إلى أكثر من 250 قدما.
وقد عاش البشر في الوادي منذ ما يقرب من 8000 عام. وأقدم قبيلة قطنت المنطقة من السكّان الأصليين يُطلق عليها اسم "هواهنيتشي". ولم يكن ذلك الشعب هم السكّان الوحيدون في يوساميتي، فقد عاشت فيه شعوب أخرى مثل البايوت والميوك واليوكوت وغيرهم. وقد تفاعلت هذه القبائل مع بعضها وخاضت الحروب فيما بينها وتاجرت وتزاوجت مع بعضها البعض على مرّ قرون.
في الفترة من 1850 إلى 1851، نشبت حرب بين القبائل الهندية في المنطقة، ما أدّى الى دخول أوّل بعثة من الأمريكيين غير الأصليين الى منطقة يوساميتي. وفي ربيع ذلك العام، قام بعض الهنود بمهاجمة موقع البعثة.
وكانت تصرّفات كتيبة ماريبوسا التابعة للحكومة بمثابة بداية النهاية لقبائل يوساميتي ولقبائل أخرى في كاليفورنيا. وكان للإزالة القسرية لهنود المنطقة من أراضيهم وتدمير منازلهم ومصادر غذائهم أثر مدمّر على أسلوب حياتهم. ومات الكثيرون منهم بسبب الجوع والمرض نتيجة النزوح القسري. ويُعدّ هذا الفصل المأساوي في تاريخ يوساميتي بمثابة تذكير بالآثار المدمّرة للاستعمار وإزالة الشعوب الأصلية من أراضيها.
عالِم الطبيعة الأمريكي من أصل أسكتلندي جون موير كان له دور فعّال في إنشاء متنزّه يوساميتي في عام 1890. وأدّى حبّ موير للحياة البرّية وفهمه العميق للعالم الطبيعي إلى أن يصبح واحدا من أكثر علماء الطبيعة والمحافظين على البيئة تأثيرا في عصره. ثم أصبح عضوا مؤسّسا لنادي سييرا ومدافعا قويّا عن الحفاظ على المناطق الطبيعية. وما يزال إرثه في إلهام الناس لحماية الأماكن البرّية وتقديرها مستمرّا الى اليوم.
زار جون موير يوساميتي لأوّل مرّة عام 1868. وقد أعجب بالمكان لدرجة أنه عاد إليه في العام التالي. كان موير روحا حرّة، وقد وجد عملاً كعامل مزرعة وكراعٍ مقابل 30 دولارا شهريا. وبينما كان موير يرشد قطيع أغنامه إلى مروج تولومني في سييرا نيفادا، كان يدرس النباتات والحيوانات ويرسم المناظر الجبلية. ثم سجّل لاحقا هذه التجارب في كتابه "صيفي الأوّل في سييرا".
وهذا الكتاب يعتبر بمثابة مذكّرات يومية. وهو يشبه رسالة حبّ إلى جبال سييرا نيفادا، حيث يتحدّث عن الجوانب المختلفة لجمالها ويُعرّف القارئ على تضاريسها المختلفة بأسلوب شاعري. وهو يصف الأراضي البرّية كما كانت موجودة في أواخر القرن التاسع عشر. ولم يكن أحد سوى السكّان الأصليين يعرف الجبال أفضل من موير الذي كان لديه متّسع من الوقت للتجوال والانغماس في الجبال.
هنا بضع فقرات مترجمة من كتاب جون موير عن مشاهداته وانطباعاته عن جبال سييرا ووادي يوساميتي..
الغابات الصنوبرية في متنزّه يوساميتي، وفي سييرا بشكل عام، تتفوّق على كلّ الغابات الأخرى من نوعها في أمريكا وحتى في العالم، ليس فقط من حيث حجم وجمال الأشجار، ولكن أيضا من حيث عدد الأنواع وعظمة الجبال التي تنمو عليها. وعندما نترك الأراضي المنخفضة العادية ونتجوّل في قلب الجبال، نجد عالما جديدا ونقف في صمت وذهول بجوار أشجار الصنوبر والتنّوب والسيكويا المهيبة، وكأننا في حضرة كائنات متفوّقة وصلت حديثا من نجم آخر، فهي هادئة ومشرقة وشبه إلهية.
إن الذهاب إلى الغابة هو العودة إلى الوطن، لأنني أفترض أننا أتينا في الأصل من الغابة. ولكن في بعض غابات الطبيعة، يبدو المسافر المغامر مخلوقا ضعيفا غير مرحّب به، حيث تحاول الوحوش البرّية والطقس قتله، بينما تسدّ طريقه النباتات المتشابكة المسلّحة بالرماح والإبر اللاذعة وتجعل الحياة صراعا صعبا.
هنا كلّ شيء مضياف ولطيف وكأنه مخطّط لإسعادك، يلبّي كلّ احتياجات الجسد والروح. حتى العواصف تبدو ودودة وتنظر إليك كأخ. وجمالها وجديّتها المصيرية الهائلة ساحرة على حدّ سواء. حتى المكفوفين يجب أن يستمتعوا بهذه الغابات ويتشمّموا عبيرها ويستمعوا إلى موسيقى الرياح في بساتينها ويلمسوا أزهارها وريشها وأقماعها وجذوعها المتعرّجة.
قبل بضع دقائق، كانت كل شجرة متحمّسة تنحني للعاصفة الهادرة، تلوّح وتدور وترمي أغصانها بحماس مجيد مثل العبادة. ولكن على الرغم من أن هذه الأشجار صامتة الآن بالنسبة للأذن الخارجية، فإن أغانيها لا تتوقّف أبدا.
في كلّ صباح، بعد موت النوم، تبدو النباتات السعيدة وكلّ مخلوقاتنا الحيوانية الكبيرة والصغيرة وحتى الصخور وكأنها تصرخ: استيقظوا، ابتهجوا، تعالوا وأحبّونا وانضمّوا إلى أغانينا!
هذه الأيّام الجبلية الشاسعة الهادئة تحثّ على العمل والراحة في آن! إنها أيّام يبدو كلّ شيء في ضوئها إلهيّا بنفس القدر، تفتح ألف نافذة لتُظهر لنا الله. لن يضعف أبدا أيّ شخص، مهما كان متعبا، في الطريق الذي يكتسب فيه بركات يوم جبليّ واحد. وأيّا كان مصيره، حياة طويلة أو قصيرة، عاصفة أو هادئة، فهو غنيّ إلى الأبد.
إن النسر المحلّق فوق جرف شديد الانحدار يذكّر بالكائنات الأخرى التي تعيش في عزلة: الغزلان في الغابة التي ترعى صغارها، والدببة القويّة ذات الفراء الجيّد، وحشد السناجب النابض بالحياة، والطيور المباركة الكبيرة والصغيرة التي تحرّك البساتين وتجّملها، وسُحب الحشرات السعيدة التي تملأ السماء بالطنين المبهج كجزء لا يتجزّأ من أشعّة الشمس الغزيرة.
ماذا يستطيع البشر المساكين أن يقولوا عن السُحب؟ بينما نحاول وصف قبابها الضخمة المتلألئة وتلالها وخلجانها وأوديتها المظلمة ووديانها ذات الحوافّ الريشية، فإنها تختفي دون أن تترك أيّ أنقاض مرئية. ومع ذلك، فإن هذه الجبال السماوية العابرة لا تقلّ أهميّة عن الاضطرابات الغرانيتية الأكثر ديمومة تحتها. كلاهما يتشكّلان ويموتان، وفي تقويم الله لا يوجد فرق في المدّة.
لوحاته الخمس والعشرون التي رسمها للمنطقة أصبحت محفّزا لحماية تلك الطبيعة البكر. وأشهرها لوحة تصوّر منظرا مثاليّا تظهر فيه مجموعة من الغزلان وهي ترعى بسلام في المروج. ولا بدّ أن فكرة الجنّة كانت في عقل الفنان، لذا رسم برّية مثالية لا تعيش فيها سوى الحيوانات.
وقد أضاف الى المنظر لمسة لامعة من خلال وهج الشمس الغاربة المصطبغ بالألوان الصفراء والبرتقالية المنعكسة على المكان بأكمله. هذه اللوحة وغيرها أضفت طابعا رومانسيّا على يوساميتي باعتباره مكانا رعويا وفطريا وخالدا وغير مأهول، وخلعت عليه طابعا من القداسة والسموّ.
يوصف وادي ومتنزّه يوساميتي بأنه أحد أعظم مَعابد الطبيعة بسبب جمال وسحر طبيعته. وقد تَشكّلَ الوادي من الأنهار الجليدية التي يصل سمكها الى 4000 قدم منذ ما يقرب من مليون عام. ومن هناك، بدأت القطع الكبيرة من الجليد تتحرّك إلى أسفل مشكّلة الوادي على شكل حرف U.
وتدعم المنطقة أكثر من 400 نوع من الكائنات الحيّة، بما في ذلك الأسماك والبرمائيات والزواحف والطيور والثدييات. وتضمّ بعضا من أروع الشلالات على وجه الأرض. ووادي يوساميتي معروف بأشجار السيكويا العملاقة التي يُعتقد أن عمر بعضها يبلغ حوالي 3000 عام. ويمكن أن تنمو هذه الأشجار حتى يصل عرضها إلى 30 قدما وارتفاعها إلى أكثر من 250 قدما.
وقد عاش البشر في الوادي منذ ما يقرب من 8000 عام. وأقدم قبيلة قطنت المنطقة من السكّان الأصليين يُطلق عليها اسم "هواهنيتشي". ولم يكن ذلك الشعب هم السكّان الوحيدون في يوساميتي، فقد عاشت فيه شعوب أخرى مثل البايوت والميوك واليوكوت وغيرهم. وقد تفاعلت هذه القبائل مع بعضها وخاضت الحروب فيما بينها وتاجرت وتزاوجت مع بعضها البعض على مرّ قرون.
في الفترة من 1850 إلى 1851، نشبت حرب بين القبائل الهندية في المنطقة، ما أدّى الى دخول أوّل بعثة من الأمريكيين غير الأصليين الى منطقة يوساميتي. وفي ربيع ذلك العام، قام بعض الهنود بمهاجمة موقع البعثة.
وكانت تصرّفات كتيبة ماريبوسا التابعة للحكومة بمثابة بداية النهاية لقبائل يوساميتي ولقبائل أخرى في كاليفورنيا. وكان للإزالة القسرية لهنود المنطقة من أراضيهم وتدمير منازلهم ومصادر غذائهم أثر مدمّر على أسلوب حياتهم. ومات الكثيرون منهم بسبب الجوع والمرض نتيجة النزوح القسري. ويُعدّ هذا الفصل المأساوي في تاريخ يوساميتي بمثابة تذكير بالآثار المدمّرة للاستعمار وإزالة الشعوب الأصلية من أراضيها.
عالِم الطبيعة الأمريكي من أصل أسكتلندي جون موير كان له دور فعّال في إنشاء متنزّه يوساميتي في عام 1890. وأدّى حبّ موير للحياة البرّية وفهمه العميق للعالم الطبيعي إلى أن يصبح واحدا من أكثر علماء الطبيعة والمحافظين على البيئة تأثيرا في عصره. ثم أصبح عضوا مؤسّسا لنادي سييرا ومدافعا قويّا عن الحفاظ على المناطق الطبيعية. وما يزال إرثه في إلهام الناس لحماية الأماكن البرّية وتقديرها مستمرّا الى اليوم.
زار جون موير يوساميتي لأوّل مرّة عام 1868. وقد أعجب بالمكان لدرجة أنه عاد إليه في العام التالي. كان موير روحا حرّة، وقد وجد عملاً كعامل مزرعة وكراعٍ مقابل 30 دولارا شهريا. وبينما كان موير يرشد قطيع أغنامه إلى مروج تولومني في سييرا نيفادا، كان يدرس النباتات والحيوانات ويرسم المناظر الجبلية. ثم سجّل لاحقا هذه التجارب في كتابه "صيفي الأوّل في سييرا".
وهذا الكتاب يعتبر بمثابة مذكّرات يومية. وهو يشبه رسالة حبّ إلى جبال سييرا نيفادا، حيث يتحدّث عن الجوانب المختلفة لجمالها ويُعرّف القارئ على تضاريسها المختلفة بأسلوب شاعري. وهو يصف الأراضي البرّية كما كانت موجودة في أواخر القرن التاسع عشر. ولم يكن أحد سوى السكّان الأصليين يعرف الجبال أفضل من موير الذي كان لديه متّسع من الوقت للتجوال والانغماس في الجبال.
هنا بضع فقرات مترجمة من كتاب جون موير عن مشاهداته وانطباعاته عن جبال سييرا ووادي يوساميتي..
إن رؤية هذه النباتات المقطوعة حديثا والمكدّسة في أكوام هنا وهناك على الصخور لها تأثير مذهل على الحياة المزدحمة على قمّة الجبل المنعزلة. هؤلاء، صنّاع القش الصغار الموهوبون بعقول لا تختلف كثيرا عن عقولنا، الله هنا يعتني بهم، ويا له من درس.
Credits
gutenberg.org
albertbierstadt.org
gutenberg.org
albertbierstadt.org