:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


السبت، سبتمبر 21، 2024

يوساميتي: الفردوس الأمريكي


بفضل لوحات البيرت بيرستادت، أصبح لوادي يوساميتي في كاليفورنيا تاريخ، وباتَ أيقونة للبراري الأمريكية. كان بيرستادت أوّل رسّام أمريكيّ يُمسك بالقوّة الرمزية لجبال سييرا نيڤادا ويوساميتي. وعندما رأى الوادي لأوّل مرّة في صيف عام 1863، ذُهل من جماله وكتب إلى صديق له يصفه بأنه "الفردوس الأمريكي".
لوحاته الخمس والعشرون التي رسمها للمنطقة أصبحت محفّزا لحماية تلك الطبيعة البكر. وأشهرها لوحة تصوّر منظرا مثاليّا تظهر فيه مجموعة من الغزلان وهي ترعى بسلام في المروج. ولا بدّ أن فكرة الجنّة كانت في عقل الفنان، لذا رسم برّية مثالية لا تعيش فيها سوى الحيوانات.
وقد أضاف الى المنظر لمسة لامعة من خلال وهج الشمس الغاربة المصطبغ بالألوان الصفراء والبرتقالية المنعكسة على المكان بأكمله. هذه اللوحة وغيرها أضفت طابعا رومانسيّا على يوساميتي باعتباره مكانا رعويا وفطريا وخالدا وغير مأهول، وخلعت عليه طابعا من القداسة والسموّ.
يوصف وادي ومتنزّه يوساميتي بأنه أحد أعظم مَعابد الطبيعة بسبب جمال وسحر طبيعته. وقد تَشكّلَ الوادي من الأنهار الجليدية التي يصل سمكها الى 4000 قدم منذ ما يقرب من مليون عام. ومن هناك، بدأت القطع الكبيرة من الجليد تتحرّك إلى أسفل مشكّلة الوادي على شكل حرف U.
وتدعم المنطقة أكثر من 400 نوع من الكائنات الحيّة، بما في ذلك الأسماك والبرمائيات والزواحف والطيور والثدييات. وتضمّ بعضا من أروع الشلالات على وجه الأرض. ووادي يوساميتي معروف بأشجار السيكويا العملاقة التي يُعتقد أن عمر بعضها يبلغ حوالي 3000 عام. ويمكن أن تنمو هذه الأشجار حتى يصل عرضها إلى 30 قدما وارتفاعها إلى أكثر من 250 قدما.
وقد عاش البشر في الوادي منذ ما يقرب من 8000 عام. وأقدم قبيلة قطنت المنطقة من السكّان الأصليين يُطلق عليها اسم "هواهنيتشي". ولم يكن ذلك الشعب هم السكّان الوحيدون في يوساميتي، فقد عاشت فيه شعوب أخرى مثل البايوت والميوك واليوكوت وغيرهم. وقد تفاعلت هذه القبائل مع بعضها وخاضت الحروب فيما بينها وتاجرت وتزاوجت مع بعضها البعض على مرّ قرون.
في الفترة من 1850 إلى 1851، نشبت حرب بين القبائل الهندية في المنطقة، ما أدّى الى دخول أوّل بعثة من الأمريكيين غير الأصليين الى منطقة يوساميتي. وفي ربيع ذلك العام، قام بعض الهنود بمهاجمة موقع البعثة.
وكانت تصرّفات كتيبة ماريبوسا التابعة للحكومة بمثابة بداية النهاية لقبائل يوساميتي ولقبائل أخرى في كاليفورنيا. وكان للإزالة القسرية لهنود المنطقة من أراضيهم وتدمير منازلهم ومصادر غذائهم أثر مدمّر على أسلوب حياتهم. ومات الكثيرون منهم بسبب الجوع والمرض نتيجة النزوح القسري. ويُعدّ هذا الفصل المأساوي في تاريخ يوساميتي بمثابة تذكير بالآثار المدمّرة للاستعمار وإزالة الشعوب الأصلية من أراضيها.
عالِم الطبيعة الأمريكي من أصل أسكتلندي جون موير كان له دور فعّال في إنشاء متنزّه يوساميتي في عام 1890. وأدّى حبّ موير للحياة البرّية وفهمه العميق للعالم الطبيعي إلى أن يصبح واحدا من أكثر علماء الطبيعة والمحافظين على البيئة تأثيرا في عصره. ثم أصبح عضوا مؤسّسا لنادي سييرا ومدافعا قويّا عن الحفاظ على المناطق الطبيعية. وما يزال إرثه في إلهام الناس لحماية الأماكن البرّية وتقديرها مستمرّا الى اليوم.
زار جون موير يوساميتي لأوّل مرّة عام 1868. وقد أعجب بالمكان لدرجة أنه عاد إليه في العام التالي. كان موير روحا حرّة، وقد وجد عملاً كعامل مزرعة وكراعٍ مقابل 30 دولارا شهريا. وبينما كان موير يرشد قطيع أغنامه إلى مروج تولومني في سييرا نيفادا، كان يدرس النباتات والحيوانات ويرسم المناظر الجبلية. ثم سجّل لاحقا هذه التجارب في كتابه "صيفي الأوّل في سييرا".
وهذا الكتاب يعتبر بمثابة مذكّرات يومية. وهو يشبه رسالة حبّ إلى جبال سييرا نيفادا، حيث يتحدّث عن الجوانب المختلفة لجمالها ويُعرّف القارئ على تضاريسها المختلفة بأسلوب شاعري. وهو يصف الأراضي البرّية كما كانت موجودة في أواخر القرن التاسع عشر. ولم يكن أحد سوى السكّان الأصليين يعرف الجبال أفضل من موير الذي كان لديه متّسع من الوقت للتجوال والانغماس في الجبال.
هنا بضع فقرات مترجمة من كتاب جون موير عن مشاهداته وانطباعاته عن جبال سييرا ووادي يوساميتي..

  • الغابات الصنوبرية في متنزّه يوساميتي، وفي سييرا بشكل عام، تتفوّق على كلّ الغابات الأخرى من نوعها في أمريكا وحتى في العالم، ليس فقط من حيث حجم وجمال الأشجار، ولكن أيضا من حيث عدد الأنواع وعظمة الجبال التي تنمو عليها. وعندما نترك الأراضي المنخفضة العادية ونتجوّل في قلب الجبال، نجد عالما جديدا ونقف في صمت وذهول بجوار أشجار الصنوبر والتنّوب والسيكويا المهيبة، وكأننا في حضرة كائنات متفوّقة وصلت حديثا من نجم آخر، فهي هادئة ومشرقة وشبه إلهية.
  • إن الذهاب إلى الغابة هو العودة إلى الوطن، لأنني أفترض أننا أتينا في الأصل من الغابة. ولكن في بعض غابات الطبيعة، يبدو المسافر المغامر مخلوقا ضعيفا غير مرحّب به، حيث تحاول الوحوش البرّية والطقس قتله، بينما تسدّ طريقه النباتات المتشابكة المسلّحة بالرماح والإبر اللاذعة وتجعل الحياة صراعا صعبا.
  • هنا كلّ شيء مضياف ولطيف وكأنه مخطّط لإسعادك، يلبّي كلّ احتياجات الجسد والروح. حتى العواصف تبدو ودودة وتنظر إليك كأخ. وجمالها وجديّتها المصيرية الهائلة ساحرة على حدّ سواء. حتى المكفوفين يجب أن يستمتعوا بهذه الغابات ويتشمّموا عبيرها ويستمعوا إلى موسيقى الرياح في بساتينها ويلمسوا أزهارها وريشها وأقماعها وجذوعها المتعرّجة.
  • قبل بضع دقائق، كانت كل شجرة متحمّسة تنحني للعاصفة الهادرة، تلوّح وتدور وترمي أغصانها بحماس مجيد مثل العبادة. ولكن على الرغم من أن هذه الأشجار صامتة الآن بالنسبة للأذن الخارجية، فإن أغانيها لا تتوقّف أبدا.
  • في كلّ صباح، بعد موت النوم، تبدو النباتات السعيدة وكلّ مخلوقاتنا الحيوانية الكبيرة والصغيرة وحتى الصخور وكأنها تصرخ: استيقظوا، ابتهجوا، تعالوا وأحبّونا وانضمّوا إلى أغانينا!
  • هذه الأيّام الجبلية الشاسعة الهادئة تحثّ على العمل والراحة في آن! إنها أيّام يبدو كلّ شيء في ضوئها إلهيّا بنفس القدر، تفتح ألف نافذة لتُظهر لنا الله. لن يضعف أبدا أيّ شخص، مهما كان متعبا، في الطريق الذي يكتسب فيه بركات يوم جبليّ واحد. وأيّا كان مصيره، حياة طويلة أو قصيرة، عاصفة أو هادئة، فهو غنيّ إلى الأبد.
  • إن النسر المحلّق فوق جرف شديد الانحدار يذكّر بالكائنات الأخرى التي تعيش في عزلة: الغزلان في الغابة التي ترعى صغارها، والدببة القويّة ذات الفراء الجيّد، وحشد السناجب النابض بالحياة، والطيور المباركة الكبيرة والصغيرة التي تحرّك البساتين وتجّملها، وسُحب الحشرات السعيدة التي تملأ السماء بالطنين المبهج كجزء لا يتجزّأ من أشعّة الشمس الغزيرة.
  • ماذا يستطيع البشر المساكين أن يقولوا عن السُحب؟ بينما نحاول وصف قبابها الضخمة المتلألئة وتلالها وخلجانها وأوديتها المظلمة ووديانها ذات الحوافّ الريشية، فإنها تختفي دون أن تترك أيّ أنقاض مرئية. ومع ذلك، فإن هذه الجبال السماوية العابرة لا تقلّ أهميّة عن الاضطرابات الغرانيتية الأكثر ديمومة تحتها. كلاهما يتشكّلان ويموتان، وفي تقويم الله لا يوجد فرق في المدّة.


  • البحيرة مرآة مثالية تعكس السماء بنجومها والجبال بأشجارها ومنحوتاتها البديعة. وكلّ عظمتها المكرّرة والمضاعفة صورة رائعة ومؤثّرة، تبدو وكأنها تنتمي إلى السماء أكثر من الأرض. عندما نتأمّل النسيج الحريري للجداول الممتدّة فوق الجبال، نتذكّر أن كلّ شيء يتدفّق، يذهب إلى مكان ما، الحيوانات والصخور التي يُقال إنها بلا حياة، بالإضافة إلى الماء.
  • من الغريب أن يتأثّر زوّار يوساميتي قليلاً بعظمتها الجديدة، وكأن أعينهم معصوبة وآذانهم مسدودة. كان معظم من رأيتهم بالأمس ينظرون إلى أسفل وكأنهم غير مدركين تماما لأيّ شيء يدور حولهم، بينما كانت الصخور السامية تهتزّ مع نغمات المياه المتغيّرة العظيمة التي تجمّعت من جميع الجبال المحيطة، مُصدرةً موسيقى تجذب الملائكة من السماء. الربّ نفسه يبشّر بأسمى عِظاته عن الماء والحجر!
  • يبدو من المستحيل أن يتمكّن أيّ شخص من الفرار من التأثير الإلهي لهذه الغابات السرخسية المقدّسة. ومع ذلك، فقد رأيت هذا اليوم راعيا يمرّ عبر واحدة من أجمل هذه الغابات دون أن يُظهر مشاعر أكثر من مشاعر خِرافِه. الهواء هنا معطّر برائحة البلسم والراتنغ والنعناع، وكلّ نفَس منها هديّة من الربّ. وأنا واقف مثل ذبابة على قبّة يوساميتي، أنظر وأرسم وأستمتع، وغالبا ما أستسلم لإعجاب صامت دون أمل واضح في تعلّم الكثير، ولكن مع الشوق والقوّة التي تكمن في داخلي.
  • بعد أن أخبرت مرافقي أنه يجب أن يكون حريصا على ألا يقتل أيّ شيء، لفت نظري لأوّل مرّة الأرنب الصغير الذي يقطع كمّيات كبيرة من نبات الترمس والنباتات الأخرى ويتركها لتجفّ في الشمس لتُستخدم كقشّ، يخزّنها في حظائر تحت الأرض لتدوم طيلة الشتاء المثلج الطويل.
    إن رؤية هذه النباتات المقطوعة حديثا والمكدّسة في أكوام هنا وهناك على الصخور لها تأثير مذهل على الحياة المزدحمة على قمّة الجبل المنعزلة. هؤلاء، صنّاع القش الصغار الموهوبون بعقول لا تختلف كثيرا عن عقولنا، الله هنا يعتني بهم، ويا له من درس.
  • إن المرء ليشعر وكأنه في مسرحية إلهية لا تنتهي. وما أعظم الخطب والموسيقى والتمثيل والمشاهد والأضواء! الشمس والقمر والنجوم والشفق القطبي. إن الخلق بدأ للتوّ ونجمة الصباح ما تزال تغنّي وكلّ أبناء الله يصرخون فرحاً.
  • إن حوض هذا النهر الشهير في يوساميتي صخري للغاية. ويبدو أنه مرصوف بقباب تشبه الشوارع الممهّدة بقطع الحصى الكبيرة. أتساءل عمّا إذا كان سيُسمح لي باستكشافه يوما ما. إنه يجذبني بقوّة، لدرجة أنني على استعداد للتضحية بأيّ شيء لمحاولة قراءة دروسه. أشكر الله على هذه اللمحة منه. إن سحر هذه المياه الجبلية يستعصي على كلّ منطق وغامض مثل الحياة نفسها.
  • ظلال أشجار السنديان الحيّة واضحة ومميّزة بشكل خاص، وهي في غاية الأناقة والرقّة، تارةً ساكنة وكأنها مرسومة على الحجر، وتارةً تنزلق بهدوء وكأنها تخاف من الضوضاء، وتارةً ترقص وتتمايل في دوّامات سريعة ومبهجة، أو تقفز على الصخور المشمسة وتنزل منها في اندفاعات سريعة مثل تطريز الأمواج على منحدرات شاطئ البحر. كم هو حقيقي وجوهري هذا الجمال الظليل.
  • تتمتّع جبال سييرا نيڤادا بأروع طقس وألمع صخور مصقولة كالجليد وأوفر رذاذ من شلالاتها الرائعة وألمع غابات تنّوب وصنوبر فضّي وألمع نجوم وأصفى مياه. وربّما كانت أكثر بريقا من أيّ سلسلة جبلية أخرى، وبحيراتها العاكسة التي لا تُعدّ ولا تُحصى والتي يصبّ فيها المزيد من الضوء، تلتمع وتتلألأ أكثر من أيّ شيء آخر. وما أجمل اللمعان بعد زخّات المطر الصيفي القصيرة وبعد الليالي الباردة عندما تنثر شمس الصباح أشعّتها البلّورية على قمم الجبال وعلى العشب وأشجار الصنوبر.
  • بدا لي أن سييرا لا ينبغي أن تُسمّى نيڤادا أو سلسلة جبال الثلج، بل سلسلة جبال النور. وبعد عشر سنوات قضيتها في قلبها، مبتهجا ومتعجبا، مغمورا في فيضانات ضوئها المجيد ورؤية أشعّة الشمس في الصباح بين القمم الجليدية وإشراقة الظهيرة على الأشجار والصخور والثلوج، وتوهّج الجبال، وألف شلال رائع، لا تزال تبدو لي أجمل سلسلة جبال رأيتها على الإطلاق.
  • عندما تتشكّل السحب اللؤلؤية والمرمرية الرائعة لهذه العواصف في منتصف النهار، لا أهتم بأيّ شيء آخر. لا يوجد جبل أو سلسلة جبال، مهما كانت مغطّاة بالنور الإلهي، لها سحر أكثر ديمومة من تلك الجبال الهاربة من السماء.
  • كنت أسير على شواطئ بحيرة شادو عاما بعد عام دون أن أكتشف أيّ أثر آخر للإنسانية سوى بقايا نار المخيّم الهندي. ولا أشكّ في أن الوقت سيأتي عندما تُحرَث المنطقة بأكملها، ما سيؤدّي إلى ظهور مدن مزدهرة وثروات وفنون وما إلى ذلك. حينها، أفترض أنه لن يتبقّى سوى قِلّة، حتى بين العلماء، ليتأسفوا على انقراض النباتات البدائية.
  • أشعلتُ النار في جذعي صنوبر، والأشجار المجاورة تقترب من دائرتي الساحرة من النور. جذوع الأشجار تعيد ضوءها الذي جُمع ببطء من شمس مائة صيف في خلايا منقطّة وفي حبّات من صمغ العنبر. ومع تدفّق هذا الضوء، تنثال كلّ ثروات حياتها الأخرى وينظر رفاقها الأحياء إلى أسفل كما لو كانوا يشهدون موتهم المثالي والجميل.
  • ولنتذكّر أن هذه الشلالات من مياه الامطار لم تكن تدفّقات صغيرة وعابرة، بل كانت مخلوقات مائية عريضة ونبيلة وسامية في كلّ سماتها. وصخور يوساميتي الجديرة بالثناء تنطلق في رغوة كالسهام من ارتفاع يقارب ثلاثة آلاف قدم، ويمكن سماع أصغرها على بعد عدّة أميال. عاصفة مثالية من الشلالات تنبض بحياتها في أغنية واحدة مذهلة.
  • ركضتُ إلى المنزل في ضوء القمر بخطوات طويلة وثابتة، لأن حبّ الشمس جعلني قويّا. وبين أشجار العرعر والتنّوب، تتلامع بلّورات الصقيع كالنجوم في كلّ السماء أعلاها. كلّ هذا الخبز الجبليّ الضخم ليوم واحد! إنه أحد الأيّام الغنيّة الناضجة التي تطيل حياة المرء. الكثير من الشمس على جانب واحد منها، والكثير من القمر على الجانب الآخر.
  • لا يمكن لأيّ كلمات مكتوبة، مهما جُمعت معا، أن تنقل وصفا مناسبا لعظمة النهر الجليدي ونِسَبه الرائعة وشلالاته وحدائقه وزخارف الغابات والمياه الهادئة بينها والجدار الجليدي الأبيض والأزرق العظيم الممتدّ في المنتصف وقمم الجبال المكلّلة بالثلوج وراءها.
  • إنه يوم مشمس من أيّام يونيو، حيث تتمايل أشجار الصنوبر وتجد نفسك غارقا في الأعشاب والزهور. وإذا نظرت عبر الوادي والبساتين المفتوحة فسترى جدارا من الغرانيت العاري يبلغ ارتفاعه 1800 قدم يرتفع فجأة من بين النباتات الخضراء والصفراء ويسطع بأشعّة الشمس. وأمامه الخريف يلوح مثل وشاح ريشي لامع فضيّ اللون يحترق بضوء الشمس الأبيض. إنه طوفان من الهواء والماء وأشعّة الشمس نُسِج في قماش لترتديه الأرواح.
  • أثناء استيطان البلاد، كان الخبز مطلوبا أكثر من الخشب أو الجمال. وفي عمى الجوع، اعتبر المستوطنون الأوائل، الذين ادّعوا أن السماء دليلهم، أشجار الله مجرّد نوع من الأعشاب الضارّة التي يصعب التخلّص منها. وبالتالي، وبدون النظر إلى المستقبل، شنّ هؤلاء المدمّرون المتديّنون حروبا لا هوادة فيها ولا نهاية لها على الغابات.
  • كلّ المناظر الطبيعية التي في القارّة تقتل الهموم: البحيرات الجميلة المتشكّلة من الأنهار الجليدية، والجبال الشاهقة المغمورة في سماء زرقاء صافية جميلة ومغطّاة بالغابات والأنهار الجليدية، والشلالات المليئة بالطحالب والسراخس في جوفها والتي لا اسم لها ولا عدد، والحدائق المروجية التي تزخر بالأفضل من كلّ شيء. أعطِ شهرا على الأقل لهذا الاحتياطي الثمين. لن يُؤخذ وقت من مجموع حياتك. بدلاً من تقصيرها، سيطيلها إلى أجل غير مسمّى وسيجعلك خالدا حقّا.
  • الآن يأتي الغسَق، يتلاشى لمعان الجبال متحوّلا إلى ظلام ترابي قاتم. لكن لا تدع عادات مدينتك تجذبك بعيدا إلى الفندق. إبقَ على جبل النار الجميل هذا واقضِ الليل بين النجوم، وشاهد بريقها المجيد حتى الفجر. ولسوف تتذكّر هذه المناظر البرّية الجميلة وتنظر بفرح إلى تجوالك في بلاد العجائب القديمة المباركة في "يلوستون".

  • Credits
    gutenberg.org
    albertbierstadt.org