:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


‏إظهار الرسائل ذات التسميات ماركيز. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ماركيز. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، مارس 03، 2025

زيارة إلى ماكوندو


من الناحية الثقافية والجغرافية، تبدو مدينة قرطاجنّة الكولومبية أشبه بهافانا أو سان خوان أكثر من كونها مدينة أمريكية أنديزية. في عهد الإمبراطورية، كانت المدينة نقطة انطلاق رئيسية للكنوز الذهبية التي كانت تُشحن إلى إسبانيا. واليوم، يحدّ البحر الكاريبي الطريق الرئيسي، وتقع المنطقة السياحية على شريط ضيّق طويل يكتسي باللون الأزرق.
وفي الليل، يرى المرء أناسا من جميع الأعمار، يعزفون موسيقى السالسا أو يتابعون إيقاع الفرق اللاتينية التي تضفي حيوية على المقاهي. وكما هي الحال في معظم أنحاء منطقة الكاريبي الأخرى، فإن حرف السين الأخير في أيّ كلمة يكاد يختفي من اللغة المنطوقة.
بدأ غابرييل غارسيا ماركيز حياته المهنية في قرطاجنّة. في عام 1948، درس القانون ثم تولّى وظيفته الأولى كمراسل لجريدة "إل يونيفرسال"، وهي صحيفة يومية محلية تتخذ مقرّا لها في مبنى أبيض اللون ومتهالك إلى حدّ ما في وسط المدينة القديم والساحر. وعلى الرغم من أن ماركيز عاش هنا لمدّة عامين فقط، إلا أن قرطاجنّة ظلّت معه دائما واستخدمها بعد عقود كنموذج للمدينة في رواية "خريف البطريرك."
وفي كثير من الأحيان، يقف البطريرك "في الرواية" على شرفته المطلّة على البحر، حيث يستطيع أن يستنشق "رائحة المحار الفاسد"، ويتطلّع الى قلعة الميناء و"البيت المرتفع الذي يشبه سفينة ركّاب عابرة للمحيطات"، وهو وصف دقيق لدير "لا بوبا" في قرطاجنّة الذي سُمّي بهذا الاسم لأنه يشبه مؤخّرة سفينة كبيرة. وكما هو الحال في رواية غارسيا ماركيز هذه، فإن الحياة في شوارع هذه المدينة الساحلية عادية ومكثّفة في الوقت نفسه.
في قرطاجنّة رأيت صيدلية ومبنى سكنيّا يحملان اسم "ماكوندو"، على اسم القرية المذكورة في رواية "مائة عام من العزلة". وفي بارانكويلا لاحظت متجرا يحمل نفس الاسم. وغارسيا ماركيز له حضور في مختلف أنحاء كولومبيا. وكثيرا ما تذكره الصحافة والناس العاديون باسمه المحبّب "غابو".
خلال النصف الأوّل من الرحلة التي استغرقت ساعتين، كان البحر الكاريبي على يسارنا، ثم مررنا بمستوطنات ساحلية صغيرة من النوع الذي صوّره ماركيز في قصص مثل "بحر الزمن الضائع". وسرعان ما مررنا على المستنقعات والجبال التي عبرها أفراد عائلة "بوينديا" في بحثهم عن أرض الميعاد. وعلى صدع طويل، كان المحيط على يسارنا، ومستنقع واسع على يميننا. وتذكّرت تعجّب خوسيه بوينديا في الرواية: "يا إلهي! ماكوندو محاطة بالماء من جميع الجهات!".
وعندما توقّفنا في بلدة سييناغا، أشار لي البائع ذو البشرة البرونزية إلى النصب التذكاري المهيب لعمّال شركة "يونايتد فروت" الذين قُتِلوا: هناك، في الساحة الرئيسية، يوجد تمثال بنّي ضخم يبلغ ارتفاعه خمسين قدما على الأقل لرجل أسود ضخم يلوّح بمنجل في يده اليمنى".
تُعرف شعوب منطقة البحر الكاريبي في كولومبيا باسم "الساحليين". وغارسيا ماركيز ينتمي إلى هذه الفئة، وقد نجح بشكل رائع في منح هؤلاء القاطنين في منطقة الكاريبي صورة أدبية ومكانة في الثقافة العالمية، تماماً كما فعل فوكنر مع الجنوب الأمريكي العميق. والأجانب يميلون إلى التفكير في كولومبيا باعتبارها منطقة أنديزية وهندية، ولكن هذه الصورة غير مكتملة. فالساحليون يرون أنفسهم مختلفين عرقياً وثقافياً ومزاجياً عن شعب بوغوتا، الذي يطلقون عليه اسم "الكاتشاكوس" أو "سكّان المرتفعات".
قال ماركيز ذات مرّة: أشعر براحة أكبر في منطقة الكاريبي اللاتينية، في كولومبيا الساحلية وليس في المرتفعات. المرتفعات ظلّت جزءاً من ثقافة استعمارية إسبانية، مهيبة ورمادية وباردة للغاية، ولطالما شعرت أنها بلد آخر. هذان عالمان متعارضان، المرتفعات حيث يعيش الناس في صمت وانطواء، ومنطقة الكاريبي حيث الوفرة الحسّية والضوء والحرارة والأحاديث السريعة. في هذه المنطقة، يُنظَر إلى الحقيقة باعتبارها وهماً آخر، مجرّد نسخة أخرى من وجهات نظر متعدّدة ومحتملة، ويغيّر الناس واقعهم بتغيير تصوّرهم لها".


وقال ماركيز واصفا "الوضع النفسي الكاريبي": الناس هنا يشعرون بوجود ظواهر أو كائنات أخرى، حتى لو لم تكن موجودة. ولابدّ أن تكون هذه الكائنات متأثّرة بالأديان القديمة وبالهنود والسود. إن هذا العالم مليء بالأرواح التي تجدها في كلّ مكان، في بورتوريكو وفي كوبا وفي البرازيل وفي سانتو دومينغو وفي فيرا كروز".
وصلنا إلى أراكاتاكا، مسقط رأس ماركيز، والتي يبلغ عدد سكانها 17 ألف نسمة. تبدو البلدة أصغر كثيرا، ولكن بعد نزهة قصيرة نكتشف أنها ممتدّة. لا توجد طرق معبّدة، والهواء الكثيف مليء بالغبار، ومن بين تلك الطرق الترابية شارع الأتراك. والعديد من المساكن عبارة عن أكواخ خشبية تصطفّ جنبا إلى جنب مع منازل خرسانية. ويسود هدوء استوائي غريب، ومعظم السيّارات متوقّفة في صمت، والنسائم الساحلية لا تجلب الراحة.
ومع حرارة الظهيرة، يستخدم العديد من سكّان البلدة المظلات أو يتردّدون على المقاهي. ودار السينما المفتوحة التي صوّرها غابو في فيلم "ساعة الشرّ" تحوّلت الآن إلى شركة تأمين. الخنازير الصغيرة تمرح والصبية الصغار يلعبون كرة القدم على طول المسارات المؤدّية إلى محطّة السكّة الحديدية المهجورة.
ولا يزال مكتب التلغراف الذي عمل فيه والد غابو يعمل في ساحة البلدة، كما توجد هناك الكنيسة المصفرّة، حيث دارت بعض المشاهد الأكثر إثارة في حياة ماركيز. وبينهما الطريق المؤدّي إلى المقبرة، الذي سارت عليه الأمّ الشجاعة في قصّة ماركيز "قيلولة الثلاثاء".
أثناء زيارتي لمبنى البلدية، قال لي العمدة الحالي الذي عرف غابو شخصيا أنه كان طويلاً عريض المنكبين، يرتدي نظارة شمسية ويركب دراجات نارية. كما ذكر لي بعض الأمثلة على الشهرة العالمية المفاجئة التي اكتسبتها أراكاتاكا. فقد زارت فرق التلفزيون الفرنسية المدينة مرّتين لتصوير لقطات. كما كانت تأتي من حين لآخر حافلات سياحية مليئة بالأوروبيين أو الأميركيين، يخرجون ويلتقطون الصور ثم يغادرون، لأنهم نادراً ما يعرفون الإسبانية".
ذهبت في نزهة مع العمدة وسألته عمّا إذا كانت أراكاتاكا قد اعترفت بابنها الأصلي فقال: توجد في المدرسة الثانوية غرفة أدبية تحمل اسمه، ولكن هناك بعض الاستياء منه. فمنذ أن أصبح مشهوراً عاد مرّة واحدة فقط، وكانت لحضور مهرجان موسيقي. كنت أعتقد أن الحكومة ستعترف بنا، على الأقل من خلال رصف بضعة طرق".
وقدّم لي العمدة أحد كبار السن، وهو شخص متذمّر عمل ذات يوم كحارس في شركة "يونايتد فروت". وتذكّر قائلاً: كانت تلك أوقاتاً طيّبة، كان لدينا الكثير من المال في ذلك الوقت. كما عمل العديد من إخوتي في الشركة. هل تتذكّرون تلك المقاطع من الرواية التي تصوّر أشخاصاً يرقصون وهم يحملون أوراق البيزو المحترقة في أيديهم؟ حسناً، هكذا كان الحال".
ولمّا سألت الرجل عن شعوره تجاه المضربين بدا عليه نفاد الصبر، ثم قال: لقد تسبّب هؤلاء الناس في إحداث الفوضى في كلّ شيء. واسمحوا لي أن أخبركم بأن كلّ ما قيل عن مذابح العمّال غير حقيقي. لم يحدث ذلك قط. وأكثر ما سمعته على الإطلاق هو مقتل رجلين بالرصاص. انظروا، إذا كان هناك حقاً كلّ هؤلاء القتلى "الذين تحدّث عنهم ماركيز"، فأين ألقوا بجثثهم؟".
كان ماركيز قد سُئل ذات مرّة عن مشاهد الاضراب والقتل المذكورة في "مائة عام من العزلة" وما إذا كان قد بالغ في تقدير أعداد القتلى فقال: هذا التسلسل يرتبط بشكل وثيق بوقائع إضراب شركة "يونايتد فروت" في عام 1928، والتي تعود إلى طفولتي، حيث وُلدت في ذلك العام. والمبالغة الوحيدة هي في عدد القتلى. لذا بدلاً من مئات القتلى، رفعت العدد إلى آلاف. ولكن من الغريب أن صحافيا كولومبياً أشار في أحد الأيّام إلى "الآلاف الذين ماتوا في إضراب عام 1928". وكما يقول بطريركنا: لا يهمّ إذا كان شيء ما غير صحيح، لأنه في النهاية سيكون صحيحاً"!

Credits
gale.com

الجمعة، مايو 10، 2024

خواطر في الأدب والفن


  • يروي الكاتب الكولومبي الكبير غارسيا ماركيز أنه عندما كان يعمل مراسلا صحفيا، سمع ذات مرّة عن قصّة بحّار مشهور غرقت سفينته ونجا هو، فذهب للقائه. ولم تكن المقابلة على هيئة سؤال وجواب. كان البحّار يسرد على ماركيز مغامراته وهو يكتبها.
    وعندما نُشر هذا التحقيق على مدى اسبوعين في الجريدة كان بتوقيع البحّار نفسه ولم يذيّله الكاتب باسمه. وبعد ٢٠ عاما، اُعيد نشر التحقيق واكتشف الناس أن ماركيز هو الذي كتبه. ولم يعرف محرّرو الجريدة أن التحقيق جيّد إلا بعد أن كتب ماركيز روايته "مائة عام من العزلة".
    العبرة من هذه القصّة هي أن الناس غالبا ما تستهويهم الأسماء واللافتات والشهرة. ومهما كانت براعتك ككاتب، فإن الناس عادة لن يعرفوا قدرك أو مكانتك أو موهبتك إلا بعد أن يصبح لك اسم وكُتُب وتصير مشهورا وتنال جوائز وأوسمة الخ.
  • كان بيكاسو يعيش في باريس عندما قرّر النازيون تحطيم الحفلة واحتلال العاصمة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية. وإذا كنت تعتقد انهم عاملوه معاملة الملوك فأنت مخطئ. لكنهم أيضا لم يتعرّضوا له أو يؤذوه بشيء.
    كان بيكاسو فنّانا "منحطّا" حسب تعريفهم وعضوا نشطا في الحزب الشيوعي الإسباني، وطوال الوقت كان الديكتاتور الاسباني فرانكو يلحّ على النازيين باعتقاله وترحيله حتى يتمكّن هو من إطلاق النار عليه بنفسه.
    ربّما لو كان شخصا آخر غير بيكاسو لأرسله النازيون إلى أقرب معسكر اعتقال. لكنهم لم يتخلّصوا منه بأيّ طريقة، بل سمحوا له بالاستمرار في عمله الى حدّ ما، ولكن على طريقة "نحن نراقبك يا صديق فانتبه".
    النازيّون لم يفهموا أجواء بيكاسو وفنّه. وقد وصفوا عمله بأنه "فنّ منحط" لأنهم كانوا يتمتعون بموهبة إغفال الأشياء المهمّة والمختلفة.
    بإمكانك تخيّل بيكاسو وهو يجلس في الاستوديو الخاص به في مونمارتر، محاطًا بلوحات يمكن بيع واحدة منها اليوم بأموال تفوق بكثير ما يمكن أن يجنيه انسان في أعوام طويلة. وهو يجلس هناك غير مكترث بشيء أبدا، بينما يخطو النازيّون جيئة وذهابا خارج محترفه.
    ويقال إنه عندما رأى ضابط ألماني لوحة بيكاسو المشهورة "غويرنيكا" التي تصوّر كوارث الحرب، سأل بيكاسو ما إذا كان هو الذي فعل ذلك "أي رسَم اللوحة". فأجاب بيكاسو بدهاء: لا، انت فعلت". وكان ردّا بليغا جدّا إن صحّت القصّة.
    باختصار، عومل بيكاسو من قبل النازيين كما يعامَل شخص غريب في حفل عائلي: تسامحوا معه وتجاهلوه في الغالب، لكنّهم لم يُسكتوه أبدا. واستمرّ بيكاسو في عمله وأثبث أن الفنّ الحقيقي لا يمكن سحقه أو مصادرته.


  • "ما تراه هو كلّ ما هنالك!"
    معنى هذه العبارة أن ما تنظر إليه في لحظة ما هو كلّ ما تراه، وليس هناك أشياء أخرى مخفيّة أو غير مرئية. لكن أذكى العلماء في العالم يقولون إن الأمر ليس كذلك في الواقع.
    تخيّل طيّارا يقود طائرة ليلاً في طقس سّيء. هو لا يستطيع إلقاء نظرة خاطفة على العالم خارج طائرته. وكلّ ما يملكه هو الأدوات الموجودة على لوحة القيادة الخاصّة بالطائرة، أي مؤشّرات السرعة وضغط الهواء وجميع أنواع المفاتيح التي تخبره عن عالم لا يستطيع رؤيته مباشرة.
    هذه المفاتيح موثوقة للغاية وتوفّر للطيّار ما يحتاجه للمناورة بأمان عبر بيئته. هل هي نفس البيئة؟ بالطبع لا. لمجرّد أن قائمة الطعام في مطعم يمكن أن تعطيك معلومات دقيقة عن الطعام، فهي ليست الطعام نفسه. القائمة ليست الوجبة. أو كما يقول رينيه ماغريت: هذا ليس غليونا بل صورته فحسب.
    ظاهريا، معظم الناس لا يمكنهم الخلط بين الاثنين. ومع ذلك هذا هو بالضبط ما يفعله البشر في كلّ وقت. ومن خلال النظر إلى عالمنا باعتباره ماديّا بشكل أساسي. كيف يتعامل الإنسان مع المادّة؟ اننا نفترض أنها حقيقة. لكن المادّة ليست سوى لوحة التحكّم لدينا، إنها الواجهة التي نستخدمها للتفاعل مع الواقع.
    وكلّ ما لدينا هو هذه "المؤشّرات او المفاتيح" التي نلمسها ونشمّها ونشعر بها. لذلك يخبرنا حدسنا أن هذه المؤشّرات هي كلّ ما هو موجود. وبهذا المعنى فإن طريقة تعامل الإنسان مع المادّة هي مثل الطيّارين الذين يطيرون بالآلات. بدون زجاج أمامي شفّاف، لا يمكننا أبدا رؤية الواقع الفعلي "في الخارج".
    كيف تمثّل الكائنات الحيّة بيئتها؟ اكتشف فريق من علماء الأعصاب أن الكائنات الحيّة لا بدّ أن تمثّل بيئتها بطريقة مشفّرة لكي تبقى على قيد الحياة. وكلّ الانواع، بما في ذلك الإنسان، لديها نظامها الخاصّ من الأقراص والمؤشّرات: الأشكال والألوان التي نراها، الأصوات التي نسمعها، والنكهات التي نتذوّقها. وما نراه هو "أفضل تخمين" تطوّري أنشأته بيولوجيّتنا. انه يرسم صورة جميلة، لكن الصورة ليست الحقيقة.
    هذا هو الاستنتاج المذهل الذي توصّل إليه فريق من جامعة كاليفورنيا. لقد أظهروا من خلال التحليل والتجريب أن حواسّنا مبنيّة تطوّريا لتكوين فكرة مفيدة، ولكنّها صورة غير حقيقية للواقع، بل واحدة تناسب بقاءنا.
    وكما يقول أحد العلماء: قد يبدو الأمر معقّدا للغاية، لكنه كلّه يتلخّص في السؤال الأهمّ على الإطلاق: ما هو الواقع؟ وإذا كان مختلفا تماما عن الألوان والأشكال والأصوات والأنسجة التي نسميها "المادّة"، فما هو إذن؟!

  • هذه حكاية قديمة جدّا عن رجل بخيل أخفى كيسا من العملات الذهبية تحت جذع شجرة في حديقته. وكان يذهب الى هناك كلّ أسبوع لينظر إلى الذهب لساعات ثم يغادر. وفي أحد الأيّام، وبطريقة ما، عرف لصّ بمكان الذهب فاستخرجه وسرقه. وعندما أتى البخيل بعد ذلك لينظر إلى كنزه، لم يجد سوى حفرة فارغة.
    فبدأ يصرخ ويلطم حزنا على ما حدث. وجاء إليه جيرانه مسرعين لاستطلاع الخبر. فلمّا علموا بالقصّة سأله أحدهم: هل استعملت شيئا من الذهب؟ فقال البخيل: لا. كنت فقط أنظر إليه كلّ أسبوع."
    فقال له الجار ساخرا: حسنا، مقابل النفع الذي قدّمه لك الذهب، من الأفضل أن تأتي الى هنا كلّ أسبوع كما كنت تفعل وتنظر إلى الحفرة وهذا يكفي."
    والعبرة من القصّة هي أن الثروة ليست مهمّة بحدّ ذاتها، إنما المهم أن نستفيد منها ونستمتع بها سواءً كنّا أغنياءَ أو فقراء.

  • Credits
    suite101.com
    pablopicasso.org

    السبت، يونيو 10، 2023

    روايات ماركيز القصيرة


    بيني وبين غابرييل غارسيا ماركيز بعض الاشياء المشتركة. فقد اكتشف كلانا كافكا اثناء الدراسة في بوغوتا. وعرفنا معا أننا نريد ان نكتب الى الابد بعد ان استعرنا وقرأنا نسختين من رواية "المسخ". وأثبتت قراءتنا لتلك الرواية الصغيرة التي تعد مثالا على الامكانيات التي لا تنتهي للرواية الخيالية، اثبتت انها كانت نقطة تحوّل مركزية في مسارنا معا.
    في مقابلة أجراها عام 1981 مع صحيفة باريسية قال ماركيز: كاد السطر الاول من رواية كافكا ان يطيح بي من فوق السرير. لم أكن اعرف انه مسموح لأي شخص بكتابه اشياء مثل تلك. ولو كنت اعرف هذا لكنت بدأت الكتابة منذ وقت طويل".
    وفي عام 1982 نال ماركيز جائزه نوبل للأدب. ورغم كل الأوسمة والجوائز التي نالها، إلا أنه لم يركن الى الراحة، بل عمل بجدّ أكبر وكتب المزيد.
    وعلى الرغم من انه قد يكون من السهل ان نركّز معظم المديح على روايته "مائة عام من العزلة"، وهي بلا شك اهم كتبه، دعونا ألا ننسى رواياته وقصصه القصيرة، وألا نخدع أنفسنا إذ نعتقد بأن الكتب الكبيرة هي وحدها ما يستحقّ الحديث والمدح.
    والتفكير ينصبّ هنا وبشكل خاص على روايته "ليس للكولونيل من يكاتبه"، ثاني كتاب له. هذه الرواية القصيرة، التي تتحدّث عن ضابط سيّء الحظ ينتظر كل نهاية شهر وبفارغ الصبر معاشه التقاعدي، بعيدة كل البعد عن الواقعية السحرية التي اشتهر بها ماركيز. اذ لا يوجد بها اشباح ولا غجر، ولن تجد فيها اي ذكر للسجّاد الطائر وأطفال التماسيح. ومع ذلك فهي تلفت انتباهنا الى براعة ماركيز المعتادة في منح السرد عمقا وجمالا.
    في هذه الرواية يتعمّق ماركيز في موضوعات الفساد والرقابة بروح الصحفي الذي كانه. كما يتعامل مع الحياة اليومية للكولونيل بتفاصيل دقيقة تشبه عمل الرسّام، وكل ضربه فرشاه تمنح قوّة لكامل السرد. ومشاهد الكولونيل وهو يعدّ القهوة ويتفقّد البريد، الى غير ذلك من الاعمال الروتينية، هي تذكير مفجع بالشيخوخة وبذكريات الامس الذي لن يعود.
    وهناك قصّة أخرى قصيرة بعنوان "في أحد تلك الأيّام"، ورغم انها تتمدّد على صفحات معدودة، الا انها شبه مثاليه في بنائها. وتتحدث عن طبيب اسنان فقير وغير مرخّص اسمه اوريليو اسكوفار يستدعيه عمدة القرية لخلع سنّ مصاب. في البداية يرفض الطبيب، لكنه يذعن بمجرّد تهديده بالعنف. ويخبر اسكوفار العمدة بأن السنّ يجب خلعه باستخدام ملقط ساخن ودون تخدير. ثم يدور حديث قصير بين الرجلين يُفهم منه دور التلاعب والابتزاز في مجتمع فاسد. والجمل القليلة التي يتبادلانها هي أكثر من مجرد كلام.
    ولماركيز أيضا رواية قصيرة أخرى بعنوان "أجمل غارق في العالم"، وهي من بواكير اعماله. وتُظهِر ماركيز وهو يضع جنبا الى جنب الاعتيادي مع الفانتازي. وتتعلق القصة، كما يوحي العنوان، برجل ضخم يغرق ثم تجرف الامواج جثّته الى شاطئ قرية صغيرة. ويتعاطف الناس معه ويتعاملون مع جثّته بكل تكريم واحترام. وبسبب افتتانهن بوزنه الضخم وجماله، تقرّر نساء القرية ان يصنعن له بعض السراويل من قطعة كبيرة من القماش. ولقاؤهن بالرجل الميّت يغيّرهن بشكل جذري.
    لقد رحل عنّا غابرييل غارسيا ماركيز. ولكن لحسن الحظ بقيت اعماله. والعديد من قصصه ورواياته القصيرة، ولكن المثيرة، يجب مقاربتها بنفس الاحترام الذي يُعطى لأعماله الطويلة والكبيرة.

    Credits
    Npr.org

    الخميس، يونيو 28، 2018

    روائيّون كولومبيّون غير ماركيز

    عُرف الأدب الكولومبيّ بتنوّعه وتغيّر مضامينه وأغراضه بحسب التحوّلات والتغييرات التي رافقت تاريخ البلاد. أثناء الاستعمار الاسبانيّ، كان الموضوع الأساسيّ هو الدين. وفي العصر الحديث، أصبح هذا الأدب أكثر تنوّعا من حيث الأفكار والقضايا التي يتناولها.
    غابرييل غارسيا ماركيز هو الوجه العالميّ الأبرز للأدب الكولومبيّ خلال العقود الأخيرة. وقد كتب أهمّ وأشهر روايتين كولومبيتين في العالم، هما "الحبّ في زمن الكوليرا" و"مائة عام من العزلة".
    لكن الشهرة الطاغية لماركيز حجبت إبداع كتّاب آخرين من كولومبيا أنتجوا، هم أيضا، أدبا مهمّا ويستحقّ الإشادة. وبعض هؤلاء بقوا في كولومبيا وتحمّلوا العنف، بينما هاجر آخرون قبل أن تتشكّل ذكرياتهم عن هذا البلد. بعضهم من بوغوتا البعيدة، والبعض الآخر من المناطق الساحلية أو من كالي أو ميديين.
    وفي الحقيقة فإن الأدب الكولومبيّ يتجاوز نطاق "الواقعية السحرية"، فبعض القصص فيه تجري أحداثها عند أطراف عالمنا، بينما تروي قصص أخرى التفاصيل الحقيقيّة للعنف الذي شهدته البلاد في العقود الأخيرة. والمواضيع تتراوح بين الحنين إلى الماضي وإبداء التذمّر والاستياء من أحوال الحاضر.
    وهناك عدد من الكتّاب الكولومبيين المعاصرين، غير ماركيز، ممّن أسهموا وما يزالون في إثراء المشهد الأدبيّ في ذلك البلد الذي قاتل من اجله ذات زمن الكولونيل اوريليانو بونديا الذي خلّده غارسيا ماركيز في تحفته "مائة عام من العزلة".
    ومن أهمّ هؤلاء الكاتب هيكتور فاشيولنسا المولود في مدينة ميديين. وكان هذا الروائيّ قد كتب مقالا في وقت سابق من هذا العام يشرح فيه لماذا دعَم عملية السلام. وحظي مقاله بانتشار واسع، بل وبموافقة من الروائيّ والسياسيّ البيروفي ماريو فارغاس يوسا الذي أكّد بأن عملية السلام في كولومبيا تستحقّ المحاولة.
    وقد خَبِر فاشيولنسا العنف في كولومبيا بشكل شخصيّ ومباشر. فقد قتل جنود غير نظاميين والده عام 1987 لاعتراضه الصريح على جرائم الحرب التي كانت تُرتكب في مناطق الأرياف. وأشار الكاتب إلى تلك الحادثة في قصّته المشهورة "النسيان" التي اقتبس عنوانها من قصيدة لبورخيس كان والده يخبّؤها في جيبه عندما أُطلقت عليه النار.
    ويتحدّث فاشيولنسا في كتاب آخر له عن مجتمع ميديين من خلال علاقة إحدى العائلات بمنزلهم الريفيّ. وفي رواية أخرى له بعنوان "انغوستا" كتبها عام 2005 وفازت بأكثر من جائزة، يسرد الكاتب قصّة قرية خيالية بهذا الاسم تقع في وسط جبال الانديز وتشبه قرية ماركيز المتخيّلة "ماكوندو". وأنغوستا هي من عدّة أوجه صورة مصغّرة لكولومبيا نفسها. وقد فازت النسخة الصينية من هذه الرواية بجائزة أفضل رواية مترجمة في الصين عام 2005.
    وهناك كاتب آخر هو سانتياغو غامبوا الذي يُعتبر احد أشهر الأسماء في الأدب الكولومبيّ المعاصر. وهو أيضا صحفيّ. وقد تلقّى تعليمه في مدريد وباريس. وتجاربه التي مرّ بها في أوربّا قادته لأن يكتب "متلازمة أعراض اوليس"، وهي رواية تُذكّر بباريس كما رسمها خوليو كورتاثار قبل سنوات عندما وصفها بأنها كئيبة وممطرة وباردة وغير مضيافة.
    رواية غامبوا تتناول قصصا عديدة عن المهاجرين وتحكي علاقتهم بأوطانهم الأصلية وبالبلدان المضيفة، وكيف أن كون المرء أجنبيا يستلزم إعادة تحديد شخصيّته وقناعاته.
    أما روايته الأخرى "صلوات الليل" فهي عبارة عن سرد للعلاقة بين شقيقين من عائلة واحدة، وأحداثها تجري بين كولومبيا وتايلاند واليابان والهند.
    هناك أيضا الكاتب الفارو موتيز "الصورة"، وهو شاعر وروائيّ وكاتب مقالة، وسبق أن نال عدّة جوائز. وقد وصفه غابرييل غارسيا ماركيز ذات مرّة بأنه "احد أعظم الكتّاب في عصرنا". موتيز توفّي عام 2013، وإحدى أشهر رواياته عنوانها "تنوّع إبداعيّ". وقد فَتَن احد أبطالها، وهو ماكرول فييرو، مخيّلة محبّي الأدب في أمريكا اللاتينية. وماكرول يسافر إلى الأمازون ويتوقّف في بنما ويعبر جبال الانديز ويبحر في الكاريبي ثم يواصل رحلته إلى أن يصل إلى البحر المتوسّط.
    والأشخاص الذين يسافر معهم متنوّعون، منهم قبطان هولنديّ يعاني من الاكتئاب، وامرأة من سكّان تريستا الأصليين، بالإضافة إلى رفيقه اللبنانيّ الذي يحلم بامتلاك سفينة. والتنوّع في الأماكن والشخصيات تتخلّله قصص عن تجارة السلاح ومغامرات البحث عن الكنوز والذهب.
    وهناك أيضا الكاتبة لورا ريستريبو التي اشتُهرت بروايتها "الهذيان" التي تسرد فيها قصّة زوجة تصاب بالجنون ويحاول زوجها معرفة ماذا حدث لها. ثم يدرك أن ما أصابها له ارتباط بالتاريخ العنيف لكولومبيا وبالأفكار المتوارثة من زمن الاستعمار كالطبقية والذكورة. وقد نالت الكاتبة عن هذه الرواية جائزة أدبية عام 2004.
    وهناك أيضا الكاتب انطونيو كاباليرو المعروف في كولومبيا بأعمدته الصحفية المعمّقة وبأعماله الروائية. روايته بعنوان "بلا علاج" تتناول انطباعاته عن لحظة من تاريخ كولومبيا. وبطل الرواية كاتب من بوغوتا يبحث عن إلهام خارجيّ، لكنه في النهاية يتأثّر بالظروف السائدة في مدينته.
    وفي العادة فإن معظم الأدب في كولومبيا يميل إلى تفسير أحداث البلاد من منظور الريف، لكن هذا الكتاب يتناول تلك الأحداث برؤية مختلفة ويستحضر مدينة بوغوتا التي تُعتبر أحيانا جزيرة داخل بلد.
    وأخيرا هناك الكاتب خوان فاسكيز الذي تتّسم كتاباته بنكهة خاصّة. روايته "صوت الأشياء المتساقطة" تحكي معظم تاريخ كولومبيا من خلال قصّة حياة بطلها وهو أستاذ جامعيّ يُدعى يامارا. والتاريخ المشترك في الرواية يتمحور حول تجارة المخدّرات وما تبعها من أحداث العنف الذي زرع بذوره بارون المخدّرات المشهور بابلو اسكوبار.

    Credits
    theculturetrip.com

    الجمعة، فبراير 27، 2015

    خواطر في الأدب والفن

    بين الدبلوماسية والفنّ


    تقول القصّة إن هنري الثامن ملك انجلترا كان يبحث لنفسه عن زوجة جديدة. وقد اخبره بعض المقرّبين منه عن أرملة جميلة، هي كريستينا ابنة ملك الدنمارك الذي تربطه علاقة قربى مع بعض أباطرة روما القدماء.
    في ذلك الوقت، أي حوالي منتصف القرن السادس عشر، لم يكن من المتيسّر دائما أن يرى الرجال النساء اللاتي يريدون الاقتران بهنّ. وكان الملوك والأمراء كثيرا ما يقرّرون زيجاتهم بناءً على صورة للمرأة المراد الزواج منها.
    كان عمر هنري وقتها يقترب من الخمسين، وكان متزوّجا من ثلاث نساء، لكنه كان يفكّر في الاقتران بامرأة رابعة. والأميرة الدنماركية لم تكن قد تجاوزت الثامنة عشرة من عمرها.
    لكن كان على الملك أن يعرف أوّلا مستوى جمالها ونوعية شخصيّتها. وكان قد سمع عنها كلاما مشجّعا من بعض أفراد حاشيته. لكنه كان بحاجة لشيء ما أكثر من مجرّد السماع. لذا أرسل رسّام البلاط هانس هولبين في مهمّة إلى الدنمارك كي يرى الزوجة الموعودة ويرسمها.
    كانت الدنمارك في ذلك الوقت ما تزال منتمية إلى أفكار القرون الوسطى وكانت فيها طبقة نبلاء قويّة وثقافة فروسية.
    وقد ذهب هولبين إلى الدنمارك ومكث فيها بضعة أسابيع رسم خلالها لوحة من الواقع للأميرة. الصورة التي رسمها لها كانت بديعة بالفعل وتبدو فيها كامرأة جميلة من عصر النهضة ترتدي ملابس حداد وعلى وجهها ابتسامة تشبه الموناليزا.
    ويبدو أن هنري فُتن بملامح المرأة وبجمالها. وعلى الفور طلب يدها، غير أن كريستينا لم تكن في عجلة من أمرها.
    والفكرة التي يتناقلها الناس جيلا بعد جيل وردّدها المؤرّخون وكتّاب السيَر من تلك الفترة هي أن كريستينا رفضت في النهاية الاقتران بالملك البدين والمريض.
    بورتريه كريستينا لهانس هولبين يُعتبر اليوم احد أشهر الصور الملكية في تاريخ انجلترا، وهو من مقتنيات الناشيونال غاليري بلندن. والبورتريه مثال على امتزاج الدبلوماسية باللغة البصرية، وأيضا على المكانة السياسية العالية التي كان الرسّامون يتمتّعون بها في عصر النهضة.

    ❉ ❉ ❉

    استهلالات روائية


    أحيانا تقرأ رواية فيأسرك الاستهلال أو الكلمات الأولى فيها، تجد أنها تضرب على وتر خفيّ ومن ثمّ تحرّضك على الاستمرار في القراءة. العبارة الأولى في أيّة رواية تُعتبر حاسمة ومهمّة جدّا لأنها تثير اهتمام القارئ من جهة، وكثيرا ما توحي بشيء ما من الأسلوب الخاصّ أو المتفرّد للكاتب من جهة أخرى.
    أعظم استهلال قرأته لرواية هو كلمات غارسيا ماركيز التي بدأ بها روايته "مائة عام من العزلة". يكتب ماركيز في مستهلّ هذه الرواية قائلا: بعد سنوات طويلة، وأمام فرقة الإعدام، تذكّر الكولونيل أورليانو بوينديا عصر ذلك اليوم البعيد الذي اصطحبه فيه والده كي يتعرّف على الثلج لأوّل مرّة. كانت ماكوندو يومئذ قرية صغيرة من حوالي عشرين بيتا من القصب بُنيت على ضفّة نهر".
    لاحظ هذا المزج الفريد بين ما هو شخصي وتاريخي، ثم المفارقة بين دلالتي النار "أي الإعدام بالرصاص" والثلج وكيف أن ماركيز جمع بين هذين العنصرين في لحظات الموت، أي تلك اللحظات التي تذوب فيها الفوارق بين المتضادّات.
    هذا الاستهلال حادّ وصادم، ومن الطبيعي أن يطرح القارئ تساؤلات عن السبب في إعدام الكولونيل مثلا، وكيف يمكن أن يكتشف الإنسان شيئا هو في الأصل معروف وموجود في الطبيعة منذ الأزل؟
    ومن أفضل الاستهلالات الأخرى أيضا تلك الجملة الشهيرة التي يبدأ فيها ليو تولستوي روايته "آنّا كارينينا" متحدّثا عن الفرق بين العائلات السعيدة وغير السعيدة بقوله: كلّ العائلات السعيدة تتشابه. لكنّ لكلّ عائلة تعيسة طريقتها الخاصّة في التعاسة."
    فكرة تولستوي مثيرة للاهتمام مع أنها تتطلّب لحظات لاستيعابها وفهمها. واستهلاله الرائع يخبرنا بأن هذه الرواية هي عن الذكريات والعزلة وعن تقلّب الأحوال وتبدّل الأزمنة.

    ❉ ❉ ❉

    بارت: موسيقى متقشّفة


    قبل سبعينات القرن الماضي، كان الايستوني آرفو بارت موسيقيّا ثوريّا يعيش تحت رحمة النظام السوفياتي. ومن وقت لآخر، كان يختبر مستوى الحرّيات الجديدة لعصر ما بعد ستالين من خلال التجريب الموسيقيّ.
    واليوم أصبح بارت معروفا بأسلوبه الموسيقيّ الذي يطلق عليه البعض "التقليلية الصوفية"، والذي يمزج فيه بين أهمّ سمات التقليلية كالتكرار والبساطة النغمية مع إحساس عميق بالتوق الروحي.
    معزوفة بارت بعنوان "مرآة في المرآة" تأخذ السامع إلى عالم من التأمّل والسموّ الروحي من خلال توظيف آلات موسيقية أساسية كالبيانو والكمان والتشيللو.

    ❉ ❉ ❉

    فالادون: من موديل إلى رسّامة


    عندما يتقاطر على منزلك أشخاص مثل تولوز لوتريك ورينوار وبيير دو شافان ليرسموك، فمن المرجّح انك تمتلك شيئا يستحقّ أن ينظر إليه الآخرون.
    وإذا درست أعمال هؤلاء الروّاد الفرنسيين الثلاثة، فسرعان ما سترى الملامح المقدّسة لسوزان فالادون وهي تحدّق فيك وجها لوجه أو ترمقك بنظرة جانبية خفيفة.
    ولدت سوزان فالادون في فرنسا في سبتمبر من عام 1865 لعائلة متواضعة. وقد أجبرتها الظروف على أن تبحث لنفسها عن عمل وهي ما تزال في سنّ المراهقة. وعندما بلغت الخامسة عشرة من عمرها، عملت بهلوانة في سيرك. وقد اضطرّها سقوطها من إحدى المراجيح لأن تغيّر مهنتها، فعرضت نفسها على الرسّام بيير بوفي دو شافان لتعمل عنده كموديل في مرسمه في حيّ مونمارتر.
    تخيّل فتاة جميلة وشابّة تعمل لوحدها مع رسّام عاطفي. لنتذكّر انه خلال أعوام الطفرة الانطباعية في باريس القرن التاسع عشر، كانت الموديلات في كثير من الأحيان يؤدّين دور العشيقات لأرباب عملهن. وسوزان لم تكن مختلفة عن البقيّة. كانت معروفة على الخصوص بعلاقاتها الحميمة مع كلّ من رينوار و دو شافان.
    غير أن الآنسة فالادون لم تكن تكتفي بدور الجميلة والمغرية بالنسبة للرسّامين. فخلال الوقت الذي كانت تعمل فيه كموديل، كانت أيضا تولي اهتماما بالموادّ والأساليب التي يستخدمها أرباب عملها. واكتشفت في النهاية أنها تجيد استخدام الألوان وممارسة الرسم. وشيئا فشيئا صارت فنّانة معروفة.
    ومع مرور السنوات، أصبحت مشهورة بسبب استخدامها للألوان الحيّة والتوليف الجذّاب وتمثيلها الجريء للأنثى العارية. كانت ترسم غالبا بالباستيل والألوان الزيتية. واستطاعت أن تحصل على دخل ثابت وسمعة محترمة. وكانت تعرض لوحاتها باستمرار. ثم أصبحت أوّل رسّامة أنثى تلتحق بالجمعية الوطنية للفنون الجميلة.
    إذا لم يكن هذا كلّه كافيا لإقناعك بموهبة وشهرة سوزان فالادون، فقد يفاجئك أن تعرف أن هناك فوّهة بركان خامد على كوكب الزهرة سُمّيت على اسمها تكريما لها واعترافا بمكانتها وموهبتها.

    ❉ ❉ ❉

    أقوال


    هنا بعض العبارات وقصاصات الورق التي قرأتها واحتفظت بها مؤخّرا. بعضها يثير الاهتمام والبعض الآخر يحرّض على التفكير والتأمّل..

  • الناس الذين يحاولون قراءة ما بداخلك لا ينصفونك، لأنهم لا يقدّرون الجهد الذي تبذله دائما كي تصبح إنسانا أفضل، وهي مهمّة صعبة تستحقّ أن تُلاحظ وأن تُقدّر.
    - مارلين روبنسون
  • بعض البشر لا يشعرون بأنهم يؤلمونك، لأنك تسامحهم دائما. ولأنك تسامحهم دائماً فإنهم لا يشعرون بخطئهم. أحيانا تكون صفاتنا الجميلة هي سبب مشاكلنا.
  • مفزع عدد تلك التعاليم الدينية مقارنة بما فعله أجلاف هذا الكوكب من البشر في المائة عام الأخيرة فقط.
  • وإنّي لأهوى النومَ في غيرِ حينهِ
    لعلّ لقاءً في المنام يكونُ
    تُحدّثني الأحلامُ أني أراكمُ
    فيا ليتَ أحلامَ المنامِ يقينُ!
    - قيس لُبنى
  • إذا لم يملأ المسلمون قلوبهم بالحبّ بدل الخوف والغضب، بالعشق بدل الحقد والرّعب، فسيمسون في آخر العهد أمّة بلا عهد؛ مجرّد جوقة من القتلة والمجرمين وقطّاع الطرق والمعتوهين.
  • لا تتعجّب من عصفور يهرب وأنت تقترب منه وفى يدك طعام له. فالطيور، على عكس بعض البشر، تؤمن بأن الحرّية أغلى من الخبز.
    - د. ابراهيم الفقي
  • من مصائبنا نحن العرب أن من يحارب طغاتنا أكثر منهم طغيانا وإجراما بما لا يقاس. لنتصوّر كيف تحارب كلّ من داعش والنصرة نظام الأسد ليقيموا نظاما من عندهم بدلا منه!
  • يا اللي بتبحث عن إله تعبده
    بحث الغريق عن أيّ شيء ينجده
    الله جميل وعليم ورحمن رحيم
    إحمل صفاته وانتَ راح توجده
    - صلاح جاهين
  • يتعلّم الطفل التمايل على أنغام الموسيقى والتصفيق قبل أن يتعلّم كيفيّة تركيب جُملة كاملة. الموسيقى حياة بعكس ما أوهمنا به أعداء الحياة!
  • كيف لأمّة تفكّر ليل نهار في الموت وعذاب القبر أن تنتج أو تتحرّك من مكانها، امّة كلما مسّها ضرّ قالت هذه عقوبة من الله وشرط من أشراط الساعة؟!
  • تعريف الديّوث هو الرجل السويّ المحترم الذي يمنح أسرته حقّ الاختيار وهامشا من الحرّية دون أن يكترث لكلام السعوديين.
  • لا يهمّني ما تؤمن أو ما لا تؤمن به. ما يهمّني هو كيف نستطيع أن نعيش سويّة في مجتمع واحد دون أن يقتل احدنا الآخر.
  • البارحة نايم وفي نومي حلمت
    شايب يناديني ويسألني بذوق
    ما دام ربّي في السما والبشر تحت
    حبّيت أنا اعرف ليه ما نسجد لفوق؟!
  • لماذا يجب أن نقتل الآخرين دفاعا عن الله؟ أليس الله بقادر على أن يتخلّص من أعدائه؟!
  • أجمل ما في حرّية الانترنت أنها في غياب أيّ رقيب عدا الله، تمنحك الفرصة للتعرّف على حصّتك من نبل السلوك وطهارة الضمير.
  • عندما تجد نفسك مضطرّا لإقناع الكثيرين بأن قتل المختلف عنك في الدين أو المذهب جريمة، فتأكّد بأنك تعيش وسط مجرمين.
  • من الواجب تحديد جنس الموت ومعرفة إن كان ذكراً أو أنثى. فإن كان ذكراً وجبت مقارعته حتى النهاية، وإن كان أنثى وجب الاستسلام لها حتى الرمق الأخير.
    - معمّر القذّافي
  • ترى ماذا لو قرّر حفنة من الطليان المتخلّفين إحياء الإمبراطورية الرومانية؟ وماذا لو قرّر أحفاد الاسكندر إحياء إمبراطورية جدّهم؟ هل لاحظتم مستوى الجنون الذي عندنا؟!
  • إن كنت لا ترى غير ما يكشف عنه الضوء ولا تسمع غير ما يعلن عنه الصوت، فأنت في الحقيقة لا تبصر ولا تسمع.
    - جبران
  • انتبه لله الذي في تصوّرك، فقد يكون فقيها وليس إلها!
  • لا تشارك في أيّة ثورة إلا إذا كان قادتها يحملون أقلاماً وآلات موسيقية وأدوات رسم.
  • العِناق هو أن تأتي بعطر وتعود بعطرين!

    Credits
    theguardian.com
    archive.org
    books.google.com
  • الخميس، ديسمبر 20، 2012

    عن الكتب والقراءة

    قراءة كتاب جيّد هو احد الأشياء المفضّلة عند الكثيرين، لأن القراءة تعلّم الإنسان وتُكسبه المزيد من المعارف والخبرات. وبعض الناس يتوقون لأن يقرءوا أكثر وأكثر، لكنهم لا يعرفون كيف.
    بداية، لا تقرأ لأنك ينبغي أن تقرأ، بل اقرأ من اجل المتعة. إبحث عن الكتب التي تتحدّث عن قصص وتجارب مثيرة، عن أناس يفتنونك، عن عوالم جديدة ترغب في أن تسافر إليها وتستكشفها. إنسَ الكتب الكلاسيكية، عدا تلك التي تلبّي هذه الشروط.
    حاول أن تختار وقتا مناسبا للقراءة. عادة لا يتوفّر لدينا الوقت الكافي لقراءة المزيد من الكتب، ربّما لأننا نعمل كثيرا، ولدينا المزيد من الارتباطات، كما أننا نقضي وقتا أطول ممّا ينبغي في مشاهدة التلفزيون.
    إبدأ بعشر دقائق فقط إذا كان من الصعب أن تجد وقتا أطول للقراءة. حتى عشر دقائق تعتبر بداية معقولة. ثم حاول أن تقرأ لعشرين أو ثلاثين دقيقة، ولو كان ثمن ذلك إسقاط بضعة أشخاص من جدولك اليومي.
    عندما تبدأ القراءة، ألغِ كافّة الأشياء التي تصرف انتباهك عن الكتاب. إبحث عن مكان هادئ، ولا تفكّر في فعل أشياء أخرى وأنت تقرأ.
    القراءة نوع من السحر وهي كفيلة بتغيير كلّ شيء في حياتك. حاول أن تجعل القراءة عادة اجتماعية. إبحث عن أصدقاء يحبّون القراءة أو تعرّف عليهم في الانترنت. هناك عالم كامل من القرّاء في العالم الافتراضي، ويمكنك التحدّث معهم عن الكتب التي تقرؤها وتلك التي يقرءونها.
    جرّب نادياً للقراءة. صحيح أن القراءة عمل فردي في الأساس، ولكنّها أيضا عادة اجتماعية.
    إجعل القراءة عاملا لكسر روتينك اليومي. واقرأ يوميا وباستمرار حتى لو كانت مدّة القراءة لا تتجاوز الخمس أو العشر دقائق كلّ يوم. وكلّما كنت أكثر انتظاما كلّما تجذّرت لديك عادة القراءة أكثر فأكثر.
    لا تجعل من القراءة عملا روتينيا. ولا تدرجها ضمن قائمة الأعمال التي يتوجّب عليك القيام بها. كما لا يجب أن تكون القراءة جزءا من برنامج تحسين الذات الخاصّ بك، بل جزءا من خطّتك لجعل حياتك أكثر إمتاعا وتميّزا.
    تخلّ عن أيّ كتاب متى ما وجدته مملاً. أنت تقرأ لأن القراءة متعة. وإذا كان الكتاب غير ممتع، فألقه بعيدا. حاول أن تقرأ فصلا منه على الأقل، ولكن إن أحسست انك ما تزال لا تحبّه، فاتركه.
    إكتشف الكتب المدهشة. تحدّث إلى أشخاص آخرين يعشقون الكتب، واقرأ استعراضات الكتب التي تنشرها الصحف ومواقع الانترنت، وحاول اكتشاف محلات بيع الكتب القديمة.
    لا تقلق بشأن سرعتك في القراءة. سرعة القراءة هي شيء جيّد بالنسبة للبعض. ولكنّ القراءة البطيئة عملية عظيمة أيضا. عدد الكتب ومعدّل القراءة لا يهمّان أبدا. المسألة ليست منافسة. أنت تقرأ لكي تستمتع بالكتاب. القراءة تشبه الاستمتاع بالطعام أو الشراب الجيّد. لذا خذ وقتك، واقرأ ببطء ودون تعجّل.

    معظم الناس اليوم يفضّلون قراءة الروايات. الرواية ما يزال لها سحرها الخاص. وهي، بمعنى ما، آلة زمنية تنقلك إلى عقول أشخاص رائعين وتتيح لك متعة السفر عبر العالم. كما أنها استكشاف مذهل للحبّ والموت والجنس وعالم المجرمين والحكايات الخيالية.
    هناك روايات كثيرة ومدهشة يمكن أن تستمتع بقراءتها وتثري بها مكتبتك. وفي ما يلي قائمة ببعض أفضل الروايات العالمية وضعها شخص يعشق القراءة ويمارس الكتابة. هذه القائمة هي لروايات فقط، أي لا مذكّرات ولا قصص قصيرة ولا دواوين شعر. وقد وُضعت بتسلسل عشوائي وليست مرتّبة بحسب أفضليّتها. وبالتأكيد هناك الكثير من الكتب العظيمة التي قد ترى أن القائمة تخلو منها.

  • الحبّ في زمن الكوليرا للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز: رواية مشوّقة عن حبّ رجل لامرأة أثمر بعد انتظار دام 50 عاما. من خلال نثره الشاعريّ والفخم، يتحدّث ماركيز عن العلاقات الإنسانية وعن الحبّ والزواج والشيخوخة.
  • مهد القطّة للكاتب الأمريكي كيرت فونيغوت: لا يمكن أن تملّ من قراءة مؤلفات هذا الكاتب البارع. ومهد القطّة هي ولا شكّ أفضل كتبه. الرواية هزلية وساخرة، وفكرتها الأساسية تقول إن عالمنا كلّه مقام على الخداع والنظريات الزائفة وأنه برغم الاختراقات العلمية والتكنولوجية الكثيرة ما يزال هذا العالم لغزا وسيظلّ كذلك.
  • الرجل البطيء للكاتب الاسترالي جون كويتسي: هذا الكاتب يُعتبر احد أعظم الكتاب الأحياء اليوم. وبإمكانك أن تختار أيّا من كتبه وتطمئنّ إلى انك اخترت كتابا ممتازا. رواية الرجل البطيء عبارة عن حكاية تدور أحداثها على الحدود الفاصلة ما بين الواقع والخيال ويناقش فيها الكاتب مسائل مثل الحبّ والموت ومعنى الوطن والخير من خلال شخصيات صيغت بعمق وفهم.
  • صورة الفنّان في شبابه للكاتب الايرلندي جيمس جويس: رواية حداثية عظيمة كتبت بلغة راقية. ما يميّز هذه الرواية أيضا براعة الراوي في سرد الأحداث.
  • غاتسبي العظيم للكاتب الأمريكي سكوت فيتزجيرالد: هذا الكاتب شاعري بامتياز. وروايته هذه، الصغيرة نسبيّاً، تتضمّن الكثير من القوّة والجمال. غاتسبي العظيم تتناول قصّة حبّ عن أمريكا تجري أحداثها في عشرينات القرن الماضي.
  • آنا كارينينا للكاتب الروسي ليو تولستوي: واحدة من أعظم الروايات في جميع العصور. كارينينا عبارة عن قصص متشابكة بشكل لا يُصدّق يحكيها راوٍ متجوّل وذو معرفة لا تحدّها حدود.
  • خفّة الكائن التي لا تُحتمل للكاتب التشيكي ميلان كونديرا: رواية كلاسيكية عظيمة تدور أحداثها في تشيكوسلوفاكيا في أواخر ستّينات القرن الماضي. كونديرا يستكشف في روايته هذه عبثية الوجود الإنساني بلغة جميلة ومكثّفة.
  • المتكهّن العصبي للكاتب الأمريكي وليام غيبسون: رواية خيالية رائعة يتخيّل فيها الكاتب عالما تحكمه الشركات الكبرى ومنظمّات الجريمة بدلا من الشعوب. إقرأ هذه الرواية إن كنت من محبّي روايات الخيال العلمي التي تتحدّث عن الكمبيوتر والسايبرسبيس.
  • اسم الوردة للكاتب الايطالي امبيرتو ايكو: رواية فلسفية تدور أحداثها في دير ايطالي في العام 1327م. الدير يضمّ كنزا من نفائس الكتب المخبّأة خلف متاهة من الأسرار والحكايات الغامضة.
  • النوم الكبير للكاتب الأمريكي ريموند تشاندلر: إحدى أفضل روايات الجاسوسية. في هذا الكتاب يأخذ تشاندلر هذا النوع من الكتابة إلى آفاق جديدة. وهناك أجيال من الكتّاب الذين ترسّموا خطاه، لكنّه يظلّ الأفضل، وكتاباته ما تزال وثيقة الصلة بالواقع اليوم.
  • بجعات برّية للكاتبة الصينية يونغ تشانغ: هذه الرواية تتناول أجزاء من التاريخ الحديث للصين من خلال قصّة ثلاثة أجيال من النساء الصينيات. كما تناقش الكاتبة تأثير حكم ماو تسي تونغ على الصين ونضال النساء في ظلّ قيود الثورة الثقافية واستبداد الحزب الشيوعي. بيع من هذه الرواية أكثر من 10 ملايين نسخة وترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة. تشانغ كرّست عشر سنوات من حياتها لكتابة هذه الرواية وكانت شاهد عيان على الجانب المتوحّش واللاإنساني للشيوعية.
  • الفتاة ذات القرط اللؤلؤي للكاتبة الأمريكية تريسي شيفالييه: تجري أحداث الرواية في هولندا في القرن السابع عشر وتتمحور حول لوحة للرسّام الهولندي المشهور فيرمير. نُشرت الرواية عام 2000 وأصبحت أفضل الكتب مبيعا. تُرجمت إلى أكثر من 30 لغة ثم تحوّلت إلى فيلم سينمائي.
  • جنرال الجيش الميّت للكاتب الألباني إسماعيل قادري: تأمّلات عن النتائج الكارثية للحروب. بطل الرواية ضابط ايطالي ترسله بلاده لاستعادة جثث الايطاليين الذين قتلوا على الأرض الألبانية أثناء الحرب العالمية الثانية. الرواية تتذكّر بحزن قتلى الحروب وضحاياها، لكنها أيضا تكشف عن براعة وجمال أسلوب هذا الكاتب الذي يُعتبر اليوم احد أهمّ الروائيين في أوربا والعالم.
  • الأزتيك للكاتب الأمريكي غاري جينينغز: رواية مدهشة من روايات الخيال التاريخي. جينينغز درس موضوع روايته بعناية وبإلمام كبير بالتفاصيل. إذا أعجبتك هذه الرواية فاقرأ روايته الأخرى والتي لا تقلّ إمتاعا بعنوان "الرحّالة" عن أسفار ماركوبولو.
  • إسمي أحمر للكاتب التركي اورهان باموك: رواية مثيرة تجمع بين الغموض والرومانسية والفلسفة وتدور أحداثها في اسطنبول في القرن السادس عشر أثناء حكم السلطان العثماني مراد الثالث. تُرجمت الرواية إلى أكثر من 20 لغة ونالت العديد من الجوائز العالمية.
  • أن تقتل عصفورا بريئا للكاتبة الأمريكية نيللي هاربر لي: قصّة جميلة تجري أحداثها في بلدة جنوبية صغيرة مع شخصيّات لا تنسى. نُشرت الرواية عام 1960 وحقّقت نجاحا كبيرا ونالت عليها الكاتبة جائزة بوليتزر لذلك العام.
  • كافكا على الشاطيء للكاتب الياباني هاروكي موراكامي: هذا الكاتب واسع الخيال جدّا وروايته هذه مختلفة كثيرا عن معظم كتب الخيال العلمي. يمكنك أن تتخيّل حدوث أيّ شيء وأنت تقرأ لـ موراكامي.
  • مولد فينوس للكاتبة البريطانية سارة دونانت: تحكي الرواية عن قصّة حبّ تجري أحداثها في فلورنسا في القرن الخامس عشر. الرواية احتلّت قائمة أفضل الروايات مبيعا في بريطانيا عام 2003م.
  • لا تدعني أذهب أبدا للكاتب الياباني كازو ايشيجورو: من الصعب وصف كتابة ايشيجورو، فهو يتلاعب بأدوات السرد التقليدية ويستغلّ فضول القارئ لاستكشاف ما سيحدث لاحقا. هذه الرواية يمكن تصنيفها ضمن أدب الخيال العلمي لأن أحداثها تجري في المستقبل، مع أنها لا تتضمّن الكثير من الخيال.
  • الإخوة كارامازوف للكاتب الروسي دستويفكسي: رواية كلاسيكية رائعة يستكشف فيها الكاتب دواخل النفس البشرية تحت الظروف الصعبة. دستويفكسي يعالج مسائل وجودية قبل أن تظهر الوجودية.
  • فتاة بفستان أزرق كحلي للكاتبة الأمريكية سوزان فريلاند: رواية تاريخية قويّة تتضمّن 8 حكايات تروي فيها الكاتبة قصّة أستاذ جامعي يدعو احد زملائه إلى بيته ليريه لوحة ضائعة لـ فيرمير بنفس الاسم تصوّر امرأة شابّة تنظر عبر نافذة وترتدي ثوبا ازرق كحلياً. معظم الحكايات في الرواية مجلّلة بالحزن والتوق، وصورة الفتاة تمثّل شيئا ما مفقودا أو لا يمكن بلوغه.
  • حضرة المحترم للكاتب المصري نجيب محفوظ: رواية رائعة تتحدّث عن مساوئ البيروقراطية كما يجسّدها رجل يضحّي بكلّ فرصه في أن يعيش حياة طبيعية وسعيدة ويركّز كلّ اهتمامه على الوظيفة والترقية. مع الأيّام يتحوّل اهتمام الرجل بالسلطة والمكانة الاجتماعية إلى هاجس فينتظر موت رئيسه ليصعد السلّم ويجلس مكانه. وينتهي به الأمر في عالم الغانيات والأشرار ويدرك متأخّرا بأن حياته لم يكن لها معنى أو هدف.
  • الخلق للكاتب الأمريكي غور فيدال: يتتبّع الكاتب في هذه الرواية خطى دبلوماسي فارسيّ متخيّل من الحقبة الإخمينية يُدعى سايروس "أو قوروش" يلتقي الفلاسفة الكبار في ذلك الوقت، من سقراط إلى زارادشت ومن بوذا إلى كونفوشيوس ولاو تسو وغيرهم. .
  • النمر الأبيض للكاتب الهندي ارافيند ادياغا: رواية ساخرة أثارت كثيرا من الجدل بتسليطها الضوء على جوانب مظلمة من تاريخ الهند الحديث. الكاتب يصوّر الهند كمجتمع يهيمن عليه الفساد والتمييز والعبودية. ورغم أن ارافيند فاز بجائزة البوكر على هذه الرواية، إلا أنها أثارت عليه حنق الهنود وسخطهم.
  • بيرسيبوليس للكاتبة الإيرانية مرجانة ساترابي: سرد جميل لحكايات من زمن الثورة الإيرانية. كما تروي الكاتبة قصّة مغادرتها القسرية إلى خارج البلاد بعد الثورة ومن ثمّ عودتها إلى إيران بعد سنوات طويلة في المنفى. ساترابي تتناول في هذا الكتاب تاريخ إيران الحديث بأسلوب مؤثّر وساخر.

  • Credits
    modernlibrary.com
    quora.com

    السبت، يوليو 07، 2012

    القوّة الخفيّة للأحلام

    ذات ليلة، حلم الاسكندر المقدوني أنه يراقص إله الغابات "ساتاير" الذي يأخذ شكل فرس جامح. وقد استدعى مفسّرا ليشرح له معنى الحلم. فقال له: هذه بشارة لك بأنك ستفتح مدينة صُوْر". وقد بنى المفسّر نبوءته على أساس أن المقطع الأخير من اسم إله الغابات يطابق اسم صُوْر باللاتينية. وفي نفس تلك السنة، فتح الاسكندر صُوْر بالفعل وضمّها إلى امبراطوريّته الواسعة.
    الرئيس الأمريكي ابراهام لينكولن داهمه في إحدى الليالي حلم غريب. رأى نفسه جالسا ليلا داخل قاعة فسيحة ومضاءة. وفجأة تناهت إليه أصوات رصاص، وشعر بأنه يسقط على الأرض فاقدا الوعي. وهُرع باتجاهه أشخاص كان بعضهم يصيح والبعض الآخر يبكي. وبعد ذلك بأيّام، أي في الخامس عشر من ابريل عام 1865م، اغتيل لينكولن برصاصة في الرأس أطلقها عليه احد الأشخاص بينما كان يحضر عرضا في احد مسارح ولاية إلينوي.
    الزعيم النازيّ ادولف هتلر رأى ذات مرّة حلما مزعجا جعله يقفز من سريره مرعوباً. وبعد لحظات، اخترقت قذيفة مدفع جناح المبنى الذي كان يستخدمه كمكتب وقتلت كلّ من كان فيه.
    كارل يونغ، المفكّر وعالم النفس السويسريّ المشهور، حلم في إحدى الليالي أن طوفانا عظيما غمر كافّة أرجاء أوربّا ووصلت مياهه إلى قمم جبال سويسرا، ثمّ تحوّلت المياه إلى دماء. وبعد أشهر من ذلك الحلم الغريب، انطلقت شرارة الحرب العالمية الأولى.
    الموسيقيّ الايطالي جيوسيبي تارتيني أمضى أشهرا عديدة وهو يبحث، دون جدوى، عن خاتمة مناسبة لتحفته المشهورة سوناتا الشيطان. وذات ليلة، حلم انه عثر على زجاجة على شاطئ البحر وبداخلها شيطان محبوس. وقد توسّل إليه الشيطان أن يطلق سراحه. وتوصّل الاثنان إلى صفقة. ناول تارتيني كمانه للشيطان، وذُهل لروعة وجمال عزفه. وعندما استيقظ من حلمه، حاول أن يستعيد ما سمعه في الحلم. وقد كتب تارتيني بعد ذلك يقول: سوناتا الشيطان هي أفضل ما كتبت. غير أنها اقلّ جمالا بكثير من الموسيقى التي سمعتها في الحلم".
    هذه فقط بعض الأمثلة التي تدلّل على القوّة الخفيّة والغامضة للأحلام وعلى أهميّتها وحضورها الدائم في حياة الإنسان.
    تخيّل، على سبيل المثال، دور الأحلام في الأدب والفنّ. العديد من الأعمال الأدبيّة المشهورة ظهرت بفضل حلم رآه الكاتب في منامه: فرانكنشتاين لـ ميري شيللي، والشفق لـ ستيفاني ماير، ودكتور جيكل ومستر هايد لـ روبيرت ستيفنسون.. والقائمة تطول.
    وهناك الكثير من الروايات التي تستند حبكتها الرئيسية على عنصر حلم. في رواية المسخ لـ فرانز كافكا، مثلا، يستيقظ غريغور سامسا بطل الرواية من حلم ذات صباح ليجد نفسه وقد تحوّل إلى صرصار ضخم.
    وهناك عدد لا يُحصى من الكتّاب الذين وظّفوا قصص الأحلام في رواياتهم: جوزيف كونراد، آرثر ميللر، جيمس جويس، شكسبير، لويس كارول، دستويفسكي، جورج اورويل، ايتالو كالفينو، ادغار الان بو وغابرييل غارسيا ماركيز.. وغيرهم.
    الأحلام أيضا حاضرة بقوّة في الفنّ التشكيليّ. العديد من لوحات هنري روسّو وسلفادور دالي وجاسبر جونز وهنري فوزيلي وغيرهم كانت نتاج أحلام.
    وفي السينما أيضا استخدم مخرجون كثر صور الأحلام في أفلامهم مثل انغمار بيرغمان، ارسون ويلز وفيدريكو فيلليني وسواهم. كما ألهمت الأحلام عددا من الموسيقيين من أمثال هاندل، شوبيرت وفاغنر وغيرهم.
    أهميّة وقوّة الأحلام معروفة وراسخة. ومن معابد العصور القديمة، إلى مختبرات النوم في العصر الحاضر، حاول البشر أن يفهموا الأحلام وأن يفسّروها.
    وأقدم الأحلام المسجّلة وجدت في وثائق يعود تاريخها إلى ما يقرب من 5000 عام، في بلاد ما بين النهرين أو الهلال الخصيب. السومريون، أوّل مجموعة ثقافية قطنت تلك المنطقة، تركوا سجلات للأحلام يعود تاريخها إلى عام 3100 قبل الميلاد. ووفقا لتلك الكتابات المبكّرة، كانت الآلهة والملوك، مثل الملك العالم آشور بنيبعل من القرن السابع، يبدون اهتماما كبيرا بالأحلام.
    ومن ضمن أرشيف هذا الملك من الألواح الطينية، تمّ العثور على أجزاء من ملحمة الملك الأسطوريّ غلغامش. في هذه القصيدة الملحمية، وهي واحدة من أقدم القصص الكلاسيكية المعروفة، يسرد غلغامش أحلامه المتكرّرة على أمّه الإلهة نينسون التي قدّمت أوّل تفسير مسجّل لحلم. كما اتخذت أحلامه كنبوءات. المواقف المدوّنة في ملحمة غلغامش توفّر مصدرا قيّما للمعلومات حول المعتقدات المتعلقة بالأحلام في العصور القديمة.

    العبرانيون القدماء كانوا يعتقدون أن الأحلام هي عملية اتصال مع الله. الشخصيّات التوراتية، مثل سليمان ويعقوب ونبوخذ نصّر ويوسف، كلّهم زارهم الربّ أو الأنبياء في أحلامهم وساعدوهم في توجيه قراراتهم. كان من المسلّم به والمقبول أن أحلام الملوك يمكن أن تؤثّر على أمم بأكملها وعلى مستقبل شعوب بأسرها. التلمود، المكتوب ما بين عامي 200 و 500م، يتضمّن أكثر من 200 إشارة لأحلام. وهو يشير إلى أن الأحلام غير المفهومة هي "مثل الرسائل التي لم يتمّ فتحها".
    قدماء المصريين أيضا أولوا اهتماما خاصّا بأحلام قادتهم الملكيين، بالنظر إلى أن الآلهة كانوا أكثر عرضة للظهور فيها. سيرابيس، إله الأحلام المصريّ، كانت له معابد لحضانة الأحلام. وقبل الذهاب إلى هذه المعابد، يصوم الحالمون ويصلّون كي يضمنوا رؤية أحلام سعيدة.
    الصينيون اعتبروا أن روح الحالم هي العامل المهمّ في توجيه الحلم. كانوا يعتقدون أن "الهون" أو الروح تغادر الجسد أثناء الحلم لتتواصل مع أرض الأموات.
    كتاب الأوبنيشاد، ظهر ما بين 900 و 500 قبل الميلاد. وهو يتناول منظورين عن الأحلام: الأوّل يرى أنها مجرّد تعبير عن الرغبات الداخلية. والثاني يشبه الاعتقاد الصيني عن الروح التي تغادر الجسد أثناء النوم لتعود عندما يستيقظ الجسد ثانية.
    القرن الخامس قبل الميلاد شهد ظهور أوّل كتاب يونانيّ معروف عن الأحلام. وقد كتبه انتيفون الذي كان رجل دولة من أثينا. في تلك الفترة، ساد بين الإغريق اعتقاد بأن الروح تغادر جسد الإنسان الحالم. اوسكولابيوس كان معالجا إغريقيا، وكان على اتصال بالطوائف التي بدأت في ممارسة حضانة الأحلام. كان يزور النائمين ويقدّم لهم المشورة والنصح.
    أبقراط، والد الطبّ ومعاصر سقراط، ألّف كتابا اسماه "عن الأحلام". وكانت نظريّته بسيطة: في النهار تستقبل الروح الصور، وفي الليل تعيد إنتاجها. وهذا هو السبب في أننا نحلم".
    أرسطو كان يعتقد بأن الأحلام ليست محصّلة وحي إلهي، وإنّما مؤشّرات عن أوضاع داخل الجسم. كما افترض بأن المؤثّرات الخارجية تكون غائبة أثناء النوم. ولهذا فإن الأحلام هي مظاهر وعي عميق بالأحاسيس الداخلية التي يُعبّر عنها على هيئة صور في الأحلام.
    جالينوس ركّز على الحاجة لملاحظة الأحلام بعناية بحثا عن أيّ رسائل قد تتضمّنها. معاصره ارتيميدوراس وضع كتابا عن تفسير الأحلام يعتبره البعض أفضل مصدر عن الأحلام في العصور القديمة. وهو يصف نوعين من الأحلام: الأوّل يتنبّأ بالمستقبل، والثاني يتعامل مع مسائل الحاضر.
    في أوربّا العصور الوسطى، كانت الأحلام كثيرا ما تُدرّس في سياق علاقتها بالله. والسؤالان النموذجيان اللذان كانا يُطرحان عادة في تلك الفترة هما: هل الأحلام مرسلة من الله للصالحين وأصحاب الكرامات؟ أم أنها مرسلة من الشياطين إلى الخاطئين والمذنبين؟!
    في القرن العشرين، مُنحت الأحلام حياة جديدة على يد سيغموند فرويد الذي احدث تغييرا جذريّا في دراسة الأحلام مع ظهور كتابه المشهور "تفسير الأحلام".
    فرويد رأى أن الأحلام عبارة عن رغبات لم تتحقّق، أو محاولات من اللاوعي لحسم صراع من نوع ما، وأن الرمز أو الصورة التي تظهر في حلم قد تنطوي على معان متعدّدة.
    كان فرويد يركّز على الدوافع البيولوجية للفرد، الأمر الذي باعد بينه وبين العديد من زملائه مثل يونغ وأدلر. كما أن تعويله الكبير على دور الدافع الجنسيّ في الأحلام دفع معارضيه لوصفه بـ "عدوّ للبشر" لأنه تعامل مع البشر كما لو أنهم حيوانات برّية.
    وفي حين أن نظريّاته ودراساته النفسية عن الأحلام شابتها بعض العيوب المنطقية والافتراضات المتحيّزة، إلا أن انجازات فرويد في هذا الميدان لا يمكن إغفالها أو التقليل من شأنها.

    موضوع ذو صلة: المدن والذاكرة

    Credits
    plato.stanford.edu
    simplypsychology.org

    الخميس، ديسمبر 22، 2011

    أصداء الليالي العربية


    عندما تُرجم كتاب ألف ليلة وليلة إلى الانجليزية والفرنسية في بدايات عصر التنوير الأوربّي، أصبح أفضل الكتب مبيعاً بين المثقّفين الغربيين، في حين كان ما يزال يُنظر إليه في العالم العربي باعتباره مجرّد مجموعة من الحكايات الشعبية الرخيصة.
    وعلى امتداد تاريخها الطويل، فتنت الليالي العربية الكثير من الكتّاب والفنّانين، من غوستاف فلوبير وأوسكار وايلد وغارسيا ماركيز، إلى نجيب محفوظ وإلياس خوري وريمسكي كورساكوف ودوغلاس فيربانكس وآخرين.
    الباحثة والروائية مارينا وورنر تحاول من خلال هذه الدراسة استكشاف قوّة كتاب ألف ليلة وليلة وأثره الكبير والواسع في الثقافة الغربية المعاصرة.

    في بعض الليالي المؤرّقة، وعلى الرغم من المفروشات الوثيرة في غرفة نومه الملكية أو الأنغام المهدّئة التي يعزفها له موسيقيّوه أو حتى الاهتمام الرائع الذي تبديه واحدة أو أكثر من محظيّاته الثلاثمائة، لم يكن الخليفة العبّاسي العظيم هارون الرشيد يستطيع النوم بسهولة.
    كان من عادة الخليفة أن يتمشّى بصحبة مرافقه المفضّل مسرور في حدائق القصر أو في أسواق بغداد متنكّرا. وكان أحيانا يستدعي العلماء ليتبادلوا معه أطراف الحديث كعلاج يعينه على أرق الليل. وعندما تفشل كلّ هذه الأساليب، كان يأمر مرافقه بأن يجلب له من دمشق علي بن منصور الذي اشتهر بظرفه كي يخفّف عنه تأثير ساعات الليل الطويلة بحكاياته المسلّية والمؤنسة. وفي النهاية كان ذلك النوع من القصص هو ما يجلب الهدوء إلى قلب الخليفة ويعينه على النوم.
    هارون الرشيد المسهّد يظهر كشخصية رئيسية في حكايات ما قبل النوم المعروفة بالليالي العربية أو قصص ألف ليلة وليلة. والباحثة مارينا وورنر تشير في كتابها الجديد والبديع عن ذلك العمل إلى أن ألف ليلة وليلة هو في الأساس كتاب عن القصص التي تُروى في السرير. وهي محقّة تماما في هذا الوصف. فالقصص الليلية تتوسّع في الخيال وتصبح معقولة وواضحة عندما يتوارى الظلام خلف المصابيح. هذه القصص عادة لا تسحرنا في ضوء النهار. لكن عندما تسمع صوت الراوي في الظلمة، يُخيّل إليك أنه آتٍ من أقدم ذكريات الإنسان وأن لديه مقدرة شبحية على تمثيل جميع الأصوات التي تأتي من الماضي السحيق.
    حكايات الليالي العربية تتمتّع بخاصية مُعْدية، وهي سهولة انتقالها وترديدها على الألسن. وعندما نسمع حكاية فإننا لا يمكن إلا أن ننقلها لآخرين. هذا الجانب الذي لا يقاوم من السرد القصصي صُوّر بشكل فاتن في الليلة التاسعة والأربعين بعد المائة، حيث يقوم ثعلب بخداع ذئب ويستدرجه للوقوع معه في حفرة. وهناك يتبادل الاثنان الحكايات والحكم والأمثال جيئة وذهابا. أي أنه، حتى في أصعب الحالات والمواقف، هناك حاجة إلى رواية الأساطير والحكايات وتداولها.
    ونفس هذا الحافز هو ما يدفع شهرزاد إلى المحافظة على إدهاش السلطان الضَجِر شهريار وتشويقه ليلة بعد ليلة كي تتمكّن من النجاة من المصير المشئوم الذي حلّ بسابقاتها، أي قطع الرأس عند بزوغ الفجر. وتحت تأثير سحر السرد الذي تتمتّع به شهرزاد، ننسى تقريبا حقيقة أنها تغزل حكاياتها تحت التهديد المستمرّ بالموت.
    الجانب المتغيّر في الليالي، والمتمثّل في السفر عبر الزمن والتمازج بين ثقافات وحضارات مختلفة، فارسية وعربية وهندية وتركية ويونانية ومصرية وإسلامية ومسيحية، هو من العناصر التي تفتن المؤلّفة وورنر على ما يبدو. وهي ترى فيه مفتاحا فريدا للعمليات التخيّلية التي تحكم رمزية الصور وغرابة وغموض القوّة في الثقافة الحديثة.
    وتخصّص المؤلّفة جزءا من كتابها للحديث عن الجنّ "أو الجان" الذين يتصرّفون مثل الآلهة اليونانية، أي بلا منطق وأحيانا تحت تأثير الهوى والنزوات العابرة. كما تتحدّث عن شخصيّة الملك سليمان، سيّد الجنّ في نسختهم الإسلامية، وتورد عنه قصصا لا تختلف كثيرا عن قصص غلغامش وميرلين وبروسبيرو وغاندالف.
    وفي هذا الكتاب أيضا، تناقش الكاتبة كيف أن حكايات الليالي العربية تختبر الحدود بين الأشخاص والأشياء. مثلا، تتحدّث عن الرؤوس المقطوعة التي تتكلّم وعن الكتب التي تقتل أصحابها وعن البساط الذي يطير، محاولةً ربط هذه الظواهر السحرية بأشياء في عالمنا الحديث، كالسينما وسلع الحياة اليومية وماركات المصمّمين وغير ذلك من الأدوات والأشياء التي تحدّد سماتنا وشخصيّاتنا.
    وورنر فيها، هي أيضا، شيء من شهرزاد، على الرغم من أنها تنسج حكاياتها في ظروف اقلّ خطرا. شهرزاد تسرد الحكايات التي كانت قد قرأتها وحفظتها. وصوتها هو حلقة في سلسلة من الحكايات التي تعود إلى العصور القديمة. ودور الكاتبة هنا هو ترسّم خطى نموذجها.
    العديد من القصص التي يتضمّنها كتاب ألف ليلة وليلة تجري في بغداد الأسطورية أو تستمدّ أصولها من مصادر فارسية أقدم. وبعض القصص نجد لها صدى في الحكايات المصرية القديمة من القرن السابع قبل الميلاد. و وورنر متنبّهة إلى هذه الأصداء المبكّرة، لكنها أكثر اهتماما بالتأثير الثقافي والأدبي لـ الليالي العربية على الموسيقيين والفنّانين والكتّاب.
    المعروف أن كتاب ألف ليلة وليلة تمّ جمعه لأول مرّة في مصر المملوكية كي يستعين بحكاياته رواة القصص والكتّاب المتجوّلون أو من يُعرفون بـ "الحكواتيين" الذين شكّلوا نقابة خاصة بهم ووجدوا لهم جمهورا بين روّاد المقاهي المصرية والسورية.
    ورغم أن الكتاب كان في البداية مثار احتقار الأدباء العرب الذين اعتبروه "زبالة شعبية"، إلا أنه أصبح يتمتّع بشعبية عالمية بعد أن ترجمه إلى الفرنسية الباحث انطوان غالان ونشره في اثني عشر مجلّدا خلال السنوات من 1704 إلى 1717م. وقد طهّر غالان الليالي من الشبق والشذوذ الجنسي، وأضاف إليها حكايات أملاها عليه صديق لبناني، وربمّا اخترع هذا الأخير حكايتين أصبحتا من أشهر حكايات الليالي، هما "علاء الدين والمصباح السحري" و"علي بابا والأربعون حرامي".
    ترجمة غالان لـ ألف ليلة وليلة كان تأثيرها ساحقا. فمن فولتير وغوته، إلى هانز كريستيان اندرسن ووليم بيكفورد، وصولا إلى خورخي لويس بورخيس وايتالو كالفينو، أصبح كتاب الليالي العربية ملء السمع والبصر. ولم يكن تأثير الكتاب مقتصرا على الكتّاب والأدباء، وإنما امتدّ ليشمل الملحّنين الموسيقيين "مثل موزارت" والرسّامين والمصمّمين ومخرجي الأفلام السينمائية الذين وقعوا هم أيضا تحت تأثير سحر هذا الكتاب العجيب.
    ترجمة غالان لليالي تشكّل أساس التاريخ النصّي لكتاب مارينا وورنر، مثلما كانت تلك الترجمة أصلا للترجمات الأوربّية اللاحقة من الكتاب. وقد ساعدت تلك الترجمة في تشكيل نظرة الأوربّيين إلى الشرق باعتباره مكانا قديما وغير واقعي بعض الشيء، يسكنه الملوك القتلة والفاسقون والنساء الناعمات والمحظيّات الماكرات.
    يتألّف كتاب وورنر عن ألف ليلة وليلة من خمسة أقسام وعشرين فصلا. ويتضمّن إعادة سرد لخمس عشرة حكاية من بينها "الصيّاد والجنّي"، و"مدينة النحاس" التي يمكن اعتبارها أعظم قصّة منفردة في الليالي العربية، بالإضافة إلى "علاء الدين" التي توصف بالحكاية اليتيمة لأنه لم يُكتشف نصّها العربي الأصلي إلى اليوم. وبعد كلّ حكاية، تنهمك المؤلّفة في استكشاف سياقاتها ودلالاتها وتشعّباتها الأوسع نطاقا.
    والكاتبة بارعة في وصف ما تسمّيه بـ "الشيئية" في القصص، أي الدور المشئوم الذي تلعبه الأدوات والأشياء المنزلية في مصائر البشر.
    كما يشتمل الكتاب على فصل مخصّص للحديث عن مخرجة الأفلام الألمانية لوت راينيغر التي صنعت هي وزوجها في عشرينات القرن الماضي فيلم ظلّ صامت عن مغامرات الأمير احمد، وهي إحدى الحكايات التي يرد ذكرها في ألف ليلة وليلة.
    وورنر ترى في السحر بكافّة أشكاله مفتاحا لفهم العالم المحتشد في ألف ليلة وليلة. السحر ليس مجرّد فنّ غامض، بل طريقة كاملة للتفكير وللحلم بالمستحيل. وهنا بالذات تكمن قوّته الهائلة في فتح العقل على عوالم جديدة من الإنجاز، بحكم أن الخيال يسبق الواقع دائما. السحر كان دائما مرتبطا بالحكمة، وبفهم قوى الطبيعة، وبالبراعة التي تسمح للإنسان بفعل أشياء ما كان ليحلم بها من قبل. والنموذج الأسمى لهذا التفكير السحري هو كتاب الليالي، ببُسُطِه الطائرة وكنوزه الدفينة وكشوفاته المفاجئة.
    غير أن سحر ألف ليلة وليلة ليس مجرّد سحر خيالي، فهو يعتمد على افتراضين غير معلنَين. فطبقا للمعتقدات الإسلامية، فإن عامل السببية أو ربط الأسباب بالنتائج هو من قبيل الأوهام. وما نعتبره سببا، ليس في واقع الأمر سوى من تقدير الله. فهو يعيد خلق العالم في كلّ لحظة. وكلّ ما يحدث هو نتيجة مباشرة لإرادته. والأحداث المحيّرة والرائعة التي تموج بها الليالي العربية هي تصوير دراماتيكي لهذه الفكرة الراديكالية. والعديد من المفكّرين المسلمين يتحدّثون عن ما يسمّونه بالعربية "الألفة"، أي تلك العلاقة الحميمة التي تجمع الأشياء المتباينة بعضها ببعض. هذا النوع من التفكير، الذي يربط اصغر الحشرات على الأرض بأبعد نجمة في السماء، يمكن أن يفسّر العديد من الانتكاسات والتحوّلات المفاجئة في الليالي. وطبقا لهذا التفكير، فإن الأشياء ليس لها جوهر أو ماهيّة ثابتة. وما نراه في الظاهر قد لا يعكس بالضرورة أصل الشيء وحقيقته.
    حتى التمييز بين الأرواح والجمادات، بين الأشياء الواعية واللاواعية، يذوب في التفكير السحري لرواة الحكايات، ما يضفي على السرد سيولة وحيوية.
    بالنسبة للمفكّرين الغربيين، فإن غرابة الليالي العربية فتحت رؤى جديدة للتحوّل: أحلام الطيران، الكائنات التي تتحدّث، القيمة الافتراضية للنقود، وقوّة الكلمة وقدرتها على إحداث التغيير. حكايات ألف ليلة تخلق صورة شعرية عن المستحيل وعن المعرفة والقوى السرّية. وفوق هذا كلّه، أصبح الغربيون مفتونين بالاعتقاد أن المعرفة الحقيقية تكمن في مكان ما آخر؛ في عالم غامض من الصور والأعاجيب.
    كتاب مارينا وورنر عن سحر الليالي العربية هو عمل فريد من نوعه، يمكن أن تقرأه وأنت جالس إلى جوار المدفأة. لكنه بنفس الوقت كتاب موسوعي، ومن السهل أن تفكّر في أن تضيف إليه مواضيع أخرى مثل العمالقة، على سبيل المثال، أو الدراويش أو الواقعية السحرية. "مترجم".


    الجمعة، أكتوبر 29، 2010

    دردشة مع فرناندو بوتيرو

    الرسّام الكولومبي فرناندو بوتيرو شخص مثير للجدل. النقّاد لا يستسيغونه كثيرا. بينما يتنافس جامعو الأعمال الفنية على شراء واقتناء لوحاته. شهرته في بلده كولومبيا لا تختلف عن شهرة مواطنه الروائي غارسيا ماركيز. ورغم ارتباطه الكبير بوطنه، إلا انه لا يقضي فيه أكثر من شهر واحد في السنة لأسباب أمنية. وفي كلّ الأحوال، لا ينام بوتيرو في بيته إلا بصحبة شخصين أو ثلاثة، كما يستخدم في تنقّلاته اليومية سيّارة مضادّة للرصاص.
    بوتيرو حلّ مؤخّرا في لندن، وكانت تلك مناسبة للحديث معه وسماع بعض الحكايات منه عن الاختطاف والفساد وسرّ حبّه للنساء البدينات.

    بوتيرو رجل غاضب غالبا. وقد أتى إلى لندن لحضور أوّل معرض يقام للوحاته في المملكة المتّحدة منذ 26 عاما. "لا أحد دعاني إلى هنا. وإحساسي أن هذا الأمر قد يكون مجرّد مصادفة". غير أن بوتيرو يعتقد انه محظور. "لقد ظلّ النقّاد يكتبون عنّي طوال حياتي بغضب وحنق".
    لوحات بوتيرو، التي يصوّر فيها جنرالات كولومبيا وصالات الرقص ومحلات الدعارة والرهبان والأساقفة وأفراد الطغمة العسكرية الحاكمة، معروفة في جميع أنحاء العالم.
    بعض نقّاد الفنّ المعاصر يصفون لوحاته بأنها مبتذلة ومثيرة للشفقة وأحيانا ساذجة.
    غير أن السفر مع الرسّام في موطنه كولومبيا يعطي فكرة مختلفة عن الطريقة التي ينظر إليه بها الناس هناك.
    الكثيرون هناك يعتبرونه بطلا قوميا ورمزا ثقافيا أكثر منه فنّانا أو مبدعا. في بلدته ميديين، يحاط بحشود من الناس الذين يريدون رؤيته أو الطلب منه أن يترك لهم توقيعه على أيّ شيء يحملونه.
    بوتيرو يُعتبر ولا شكّ واحدا من انجح الرسّامين بالمعنى التجاري والشعبي. ولوحاته تتعامل مع عدد كبير من القضايا التي كانت وما تزال تقع في قلب العملية الإبداعية والفنية في أمريكا اللاتينية في القرن العشرين.
    وصوره على اتساع نطاقها وتنوّع موضوعاتها تمنح جمهوره نظرة بانورامية عن كلّ ما هو نبيل وسيّئ في المجتمع الحديث على طرفي الأطلنطي وفوق وتحت خط الاستواء.
    كلمة بوتيرو أصبح لها معنى عام. في الإدراك الجمعي، يمكن أن يشير الاسم إلى رجل أو امرأة أو شيء متحرّك أو ساكن، ضخم ومستدير. وبالنسبة للكثيرين فإن بوتيرو يمثّل احتفاءً بالإثارة الحسّية أو العربدة والشهوانية. لكن من خلال المعارض الفنّية وعبر شوارع وميادين المدن الأكثر شهرة في العالم حيث تتواجد لوحاته وتماثيله، أصبحت أعماله معروفة ومميّزة جدّا مع أن معانيها ظلّت غامضة.
    في الأسبوع الماضي ذهبت لتناول الشاي مع فرناندو الجميل وذكّرته بتلك المقولات المُرّة عن فنّه. واكتشفت أن تأثيرها عليه يشبه تأثير الصدمة الكهربائية. ينظر بوتيرو بعصبية ثم يومئ بعنف إلى بعض لوحاته المعلّقة على جدران الغاليري ويقول: هذا فنّ حديث ومعاصر بمعاييري أنا. الرسم لم يمت، حتى إن كان هؤلاء النقّاد يعتقدون ذلك. إنهم يقتلونك ويسخرون منك. لقد ظلّوا يحاولون قتلي طوال حياتي. إنهم يغضبون ويصرخون في وجهي دائما".
    يهدأ بوتيرو قليلا ويبدو كما لو انه يبحث عن مساحة للتنفّس. ثمّ يقول: لو كان فنّي فظيعا، فلماذا تبادر المتاحف إلى شراء لوحاتي. ولماذا تتزايد الكتب التي تتحدّث عنّي وعن لوحاتي. لقد عرضت أعمالي في أكثر من ستّين معرضا. ومديرو المتاحف يحترمون لوحاتي أكثر من الأولاد الذين يأتون من معاهد الفنّ وينصّبون أنفسهم نقّادا ويستخدمونني ككيس للملاكمة".
    ويقتبس بوتيرو عن نيكولا بوسان مفهومه لمعنى الفنّ بالقول انه عبارة عن مجموعة من الأشكال والألوان التعبيرية التي تمنح المتعة. المتعة كانت هدف الرسّامين منذ 500 عام. والقليل جدّا من الرسّامين كانوا يبحثون عن الجمال، مثل غويا".
    قلت لـ بوتيرو: لو قلت هذا الكلام في حفل عشاء لعدد من الفنّانين المعاصرين فسيبتسمون من كلامك ويعتبرونه موضة قديمة. قال بصوت منخفض: نعم، هم الآن يقولون إن الجمال ضرب من الدعارة. ولكنّي أقول لك إنني إن اهتممت بما يقوله الآخرون فلن افعل شيئا على الإطلاق. لديّ قناعاتي الخاصّة وأنا لا اهتمّ بما يقوله أو يفعله غيري".

    هل هذه مجرّد نوبة غضب أم حركة تمرّد يقودها رجل فرد لمناهضة اتجاهات الفنّ في عصرنا؟ بحسب بوتيرو، فإن التعبيرات الرديئة للفنّ اليوم هي ممّا يستحقّ الرثاء، وهناك الكثير مما يمكن أن يقال عن الموضوع".
    ويضيف: في نهاية القرن التاسع عشر كان الفنّ مدهشا. كان هناك رينوار ومونيه وسيزان. وفي نهاية القرن العشرين أصبح الفنّ مثيرا للسخرية وسيّئا للغاية. حال الفنّ اليوم يشبه حال الإمبراطور الذي يظهر متجرّدا من ملابسه. الناس خائفون جدّا من أن يُصنّفوا بأنهم غير طليعيين ويخشون من أن يُطردوا من عربة الطليعية. الأمر مضحك جدّا".
    إحدى أكثر اللحظات أهمّية في تاريخ تطوّر فرناندو بوتيرو حدثت عندما اشترى متحف الفنّ الحديث في نيويورك لوحته المسمّاة "الموناليزا في سنّ الثانية عشرة". في هذه اللوحة وفي غيرها من أعمال بوتيرو نرى بوضوح وعن قرب خصائص أعضاء شخصيّاته التي يمكن التعرّف عليها بسهولة. في الموناليزا، حوّل بوتيرو الطبيعة الايطالية في الخلفية إلى منظر من أمريكا الجنوبية مع لقطة لبركان ثائر.
    بوتيرو يمزج رسم الأشخاص بإحساس جميل بالمرح والتعاطف الإنساني الذي لا نراه في أعمال غيره. وهو يتناول المرح والدعابة بعد أن كانا حكرا على رسّامي الكاريكاتير. هذه الحساسية تجاه تقلّبات الوجود الإنساني والاعتراف بجاذبية المتع الدنيوية هي خصائص تميّز فنّ بوتيرو وتضفي على أعماله سمات إنسانية عميقة.
    والأفكار الرئيسية التي شغلت خيال بوتيرو مثل الدين والسياسة والجنس والإثارة والحياة اليومية في كولومبيا والحياة الساكنة ومصارعة الثيران، كلّ هذه الأفكار والمواضيع تعامل معها بطريقة خاصّة وكنموذج لنظرة الرسّام وفهمه الخاصّ للعالم.

    لم يتأثّر بوتيرو بأعمال الرسّامين الايطاليين وحدهم، بل اخترق العوالم الأكثر خفّة للنهضة الشمالية. فقدّم لوحة فان ايك بعنوان زواج ارنولفيني في هيئة جديدة ومنحها حضورا معلميا في سياق بيئة القرن الحادي والعشرين. ووجد في روبنز نظيرا مثاليا له بسبب طموحاته الكبيرة. روبنز عُرف بلوحاته التاريخية الضخمة ومشاهده الميثية التي تشبه مناظر هوليوود وبحفلات الصيد واللوحات الدينية التي كان يملؤها بصور الرهبان والقدّيسين والعذروات الفاتنات والمثيرات.
    لكن من بين جميع رسّامي عصري النهضة والباروك، لم يشعل احد اهتمام بوتيرو ولم يجذب انتباهه أكثر من الرسّام الاسباني العظيم دييغو فيلاسكيز. كان فيلاسكيز دائما مصدر الهام وتحدّ للرسّامين من اسبانيا وأمريكا اللاتينية. وكان بوتيرو قد رأى لوحات فيلاسكيز عيانا في مدريد عندما كان يدرس في أكاديمية سان فرناندو عام 1952م. كان متحف برادو المكان الذي اجتذبه. وسرعان ما أصبح فيلاسكيز وغويا معلّميه الأكثر أهمّية في تلك الفترة.
    في بعض لوحات بوتيرو إحساس بالوعي والنقد الاجتماعي. في إحداها يتناول أهمّية الذات ودور الفساد السياسي. رئيس الجيش يرتدي لباسا عسكريا جميلا بينما تتدلّى الأوسمة من صدره وعنقه. زوجته أو خليلته تلبس فستانا مصنوعا من فرو الثعالب النفيس. رأس الحيوان المسكين يتدلّى إلى وسط الفستان. غرور السيّدة تؤكّده ملابسها الزاهية والباهظة الثمن. وفي لوحة السيّدة الأولى، تظهر زوجة الرئيس ممتطية صهوة جواد بينما تظهر خلفها غابة من أشجار الموز.
    أسأل بوتيرو عن رأيه في داميان هيرست. فيقول: هيرست؟ انه رجل ذكي، ذكيّ جدّا. لكن لا أعتقد أن ما يقدّمه فنّ عظيم. لديه إبداع يذكّرني بما تفعله وكالات الدعاية والإعلان. الفنّ شيء مختلف تماما. فنّ داميان هيرست فيه أفكار وإثارة. وإذا فرزنا الفنّ عمّا سواه فلن يبقى عنده فنّ كثير".

    ولد فرناندو بوتيرو قبل 70 عاما في مدينة ميديين التي كانت قرية صغيرة ضائعة في جبال الأنديز قبل أن تتحوّل اليوم إلى مدينة كبيرة تشتهر بالكوكايين وبالبنوك.
    في بوغوتا، وفي سنّ التاسعة عشرة بدأ يخالط الطليعيين الكولومبيين، ثم اخذ يرسم لوحات تذكّر بمرحلة بيكاسو الزرقاء.
    وشيئا فشيئا، بدأ بوتيرو في السير على خطى فان ايك وديورر وروبنز وفيلاسكيز وغويا وريفيرا. ثم توجّه إلى أوربا ليدرس أعمال الرسّامين الكبار في متحفي برادو واللوفر. كان اللوفر قلعة ملكية بناها فيليب الثاني في أواخر القرن التاسع عشر. لكن كولومبيا هي التي كانت دائما في عقل بوتيرو. شوارعها، ناسها، جبالها، مناظرها البحرية؛ كلّ هذه الأشياء هي التي أعطته فنّه.
    وفي سنّ الخامسة والعشرين أصبحت لوحات بوتيرو متميّزة وبات من السهل التعرّف عليها.
    حياة فرناندو بوتيرو غنيّة بالزوجات وبالأطفال. فقد تزوّج من غلوريا زيا وزيرة الثقافية الكولومبية السابقة ورُزق منها بطفلين. ثم تزوّج من سيسيليا زامبرانو وأنجب منها طفلا. وتزوّج من الفنّانة اليونانية صوفيا فاري التي يعيش معها اليوم متنقّلا بين باريس وتوسكاني.
    في التسعينيات أصبحت حياة بوتيرو وفنّه قاتمين، تماما مثل كولومبيا التي كانت تترنّح تحت عجلة العنف السياسي والحرب على المخدّرات. وفي عام 1994 اختطفه مجهولون اقتحموا منزله عنوة. وفي العام التالي انفجرت قنبلة تحت إحدى منحوتاته في شارع بـ بوغوتا، ما أدّى إلى مقتل 27 شخصا.
    ابن بوتيرو الأكبر، وهو وزير دفاع سابق، قضى في السجن حوالي ثلاثين شهرا لتقاضيه رشوة بـ 6 ملايين دولار من كارتيل كالي للمخدّرات.
    ولم يتحدّث بوتيرو مع ولده لمدّة ثلاث سنوات بعد الإفراج عنه. وقبل تسع سنوات حُكم على الابن بستّة وثلاثين شهرا أخرى في السجن بتهمة السرقة.
    إن من الصعب الإمساك بحياة بوتيرو. لكن فهم فنّه يبدو أكثر صعوبة. وعلى العكس من زوجاته، تبدو نساؤه المرسومات على درجة من الضخامة والبدانة.
    يقول بوتيرو محاولا شرح الأمر: أمريكا وبريطانيا تعبدان كيت موس وفيكتوريا بيكهام وبوش سبايس والجسد الاسطواني النحيل، خاصّة عندما يكون تجسيدا للضعف. البروتستانتية نفسها هي ثقافة نحافة وإنكار. ويضيف: حياة أمريكا اللاتينية والشعوب الناطقة بالبرتغالية والإسبانية والفرنسية "باستثناء كندا" هي حياة فائضة. إننا نعيش حياتنا كاملة. نشرب كثيرا. نمارس الحبّ كثيرا. نشرب الشمبانيا كثيرا. بينما انتم البروتستانت تشربون الماء". إذن فالحياة الكاملة هي السبب في أن راهبات بوتيرو وممرّضاته يبدين حسّيات على نحو مخجل، بينما يظهر جنرالاته منتفخين بلحم أردافهم التي تبرز من داخل زيّهم العسكري.

    من الواضح أن بوتيرو ابتكر أسلوبه الخاصّ في الرسم والذي تمسّك به طوال حياته منذ كان مراهقا. كان متعاطفا مع شخصيّات روبنز وقد درس أسلوب المعلّم الهولندي بعمق. لكن فنّ بوتيرو هو عن الحياة في كولومبيا. لماذا، إذن، لم يعش في كولومبيا؟ لماذا يقضي معظم السنة في باريس؟ ولماذا عاش 14 عاما في نيويورك، وطن البروتستانت الذين ينكرون الحياة؟! الجواب هو أن بوتيرو لا يشعر بالأمان في كولومبيا. منظّمات الجريمة والمخدّرات تحكم قبضتها على الريف وعلى المدن الصغيرة مثل ميديين وغيرها.
    وقد كان بوتيرو نفسه هدفا للاختطاف وربّما ما هو أسوأ. وفي عام 2000 بدأ يرسم مناظر من العنف الكولومبي. وفي عام 2007 رسم سلسلة من اللوحات التي تصوّر بعضا من مشاهد التعذيب التي جرت في سجن أبو غريب العراقي.
    ويوافق بوتيرو على أن كولومبيا هي اليوم أكثر أمنا ممّا كانت عليه قبل عهد الرئيس الجديد. لكنّه ما يزال يكتفي بالإقامة فيها مدّة شهر واحد فقط في السنة.
    "في كلّ الأحوال، لا استطيع النوم في البيت إلا برفقة شخصين أو ثلاثة ينامون معي. هذا مع أنني محميّ جيّدا وأتنقّل في سيّارة مصفّحة".
    فرناندو بوتيرو يحتاج لأن يبقى في أوربّا. ففيها تسعة وتسعون بالمائة من المتعاملين معه وطالبي لوحاته.
    أقول له: أنت رجل من هذا العالم وتعيش بسعادة في المنفى. يردّ بصوت أجشّ: لا، أنا رجل من كولومبيا، أنا كولومبي مائة بالمائة. موضوعاتي كولومبية، ولم اشعر بكوني أمريكيا بعد أن عشت في أمريكا لأربعة عشر عاما. كما لا أحسّ بانتمائي لـ فرنسا مع أنني أعيش في باريس منذ سنوات. لو كُتب لحياتي سيناريو مختلف لكنت عشت بسعادة في كولومبيا. كولومبيا مكان صعب. إنها ارض أمراء الحروب وتجّار المخدّرات ورجال العصابات. ولكي أنمو وينمو فنّي معي، كان عليّ أن أغادر. كان من الضروريّ بالنسبة لي أن اخرج من ذلك المكان كي أنمو وتنمو معي نسائي البدينات". "مترجم بتصرّف".

    الخميس، أكتوبر 21، 2010

    نوبل ونموذج فارغاس يوسا

    بالنسبة للمعجبين بكتابات ماريو فارغاس يوسا، فإن فوزه الأسبوع الماضي بجائزة نوبل للأدب أعاد شيئا من المكانة والاعتبار لجائزة ظلّت تتجاهل دائما المرشّحين الأكثر استحقاقا كـ غراهام غرين وخورخي لويس بورخيس، على سبيل المثال لا الحصر.
    وقد بدا الآن أن تلك الحفنة من الرجال الطاعنين في السنّ والقابعين في ستوكهولم تمكّنت أخيرا من اتخاذ قرار صائب. وعلى النقيض من الصيني ليو شياوبو الذي فاز بجائزة نوبل للسلام هذا العام والذي انفجر باكيا في زنزانته الصينية عند سماعه خبر فوزه، ضحك الأديب البيروفي السبعيني ماريو فارغاس يوسا عندما علم الأسبوع الماضي بنبأ فوزه بجائزة نوبل للأدب لهذا العام.
    الالتزام العميق لـ يوسا بالأدب وكذلك حياته الشخصية المثيرة للجدل قد لا يناسبان، حسب قوله، النموذج المتوقّع لحائز على الجائزة في القرن الحادي والعشرين. ومن المؤكّد أن نموذجه الخاصّ هو فلوبير الذي بنى مكانته بألم عظيم وبالكثير من الصبر والعمل والعناد والاقتناع.
    في فيلم وثائقي اُخرج عنه عام 1990، يقول ماريو فارغاس يوسا: بالنسبة إليّ، الأدب يعني ما كان يعنيه للكثير من كتّاب القرن التاسع عشر. انه ليس التخصّص وليس المهنة التي تضطرّ فيها لعزل نفسك. الأدب أسلوب حياة يفتح الباب أمام الكاتب كي ينهل العديد من الخبرات والتجارب".
    روايات يوسا، من "العمّة جوليا وكاتب السيناريو" إلى "الطريق إلى الجنّة" إلى "موت في الانديز" إلى "حفلة التيس" وغيرها، تقدّم مجموعة متنوّعة وواسعة من التجارب التي تضرب بجذورها عميقا في مشاعر الكاتب وتناقضاته الحياتية. وقد قال ذات مرّة: كلّ شيء كتبته كان مبنيّا على تجربة شخصيّة".
    "كان الرجل طويلا ونحيلا جدّا وكان يظهر دائما بهيئة جانبية. كانت بشرته غامقة وعيناه تحترقان بنار أبدية". بهذه الطريقة يبدأ ماريو فارغاس يوسا روايته "حرب نهاية العالم" التي يعتبرها أفضل رواياته. وقد قرأت هذه الرواية قبل أكثر من عشرين عاما وما تزال موضوعة فوق رفوف مكتبتي. وأتصوّر انه لا يمكنني أبدا أن أنساها لأنها أحرقت شيئا ما بداخلي. بل ويمكنني القول أيضا إنها تركت عليّ بصمات اكبر من تلك التي تركتها الرواية التي توصف عادة بأنها أهمّ عمل أدبي كُتب باللاتينية في القرن العشرين وهي رواية "مائة عام من العزلة" لـ غارسيا ماركيز.
    في عام 1990، عندما رشّح ماريو فارغاس يوسا نفسه لمنصب الرئاسة في بلده بيرو، انتقده مستشاروه على تردّده في نبذ النظام السياسي القديم وإحجامه عن المواجهة المباشرة مع زعيم منظمة الدرب المضيء. وكان فشل يوسا في تلك الانتخابات مبعث ارتياح للكثيرين. الكاتب الكوبي غييرمو كابريرا انفانتي كان قد عبّر عن قلقه في أن يكرّر يوسا نموذج فاكلاف هافل التشيكي، عندما كتب يقول: بالتأكيد سيتمكّن ماريو فارغاس يوسا من توقيع اسمه على المراسيم والقرارات. لكنه لن يستطيع كتابة صفحة واحدة بعد أن يصبح رئيسا".
    والغريب أن افتقار يوسا لـ "غريزة القاتل" في السياسة خدمه أكثر ممّا خدم خصومه السياسيين. والمهندس الزراعي الذي هزم يوسا ومن ثمّ فاز برئاسة الجمهورية، أي ألبيرتو فوجيموري، هو الآن نزيل السجن على خلفية اتهامه بالفساد وانتهاك حقوق الإنسان.
    وعلى الرغم من أن يوسا يقيم اليوم في نيويورك، إلا انه يمارس في بلده سلطة حقيقية اكبر من تلك التي يمارسها الرئيس البيروفي الحالي آلان غارسيا. وبينما يحاول غارسيا بطريقة يائسة حماية نفسه من اتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، لا سيّما المذبحة التي راح ضحيّتها حوالي 250 عضوا في منظمة الدرب المضيء الماويّة، فإن ماريو فارغاس يوسا هو الذي يتحدّث ويعمل من أجل بيرو دون أن يؤثّر ذلك على نتاجه الأدبي.
    في بعض الأحيان لا نتذكّر سوى بعض التفاصيل الصغيرة من كتب سبق وأن قرأناها منذ زمن بعيد. لكن عندما نعاود قراءة الصفحة الأولى من كتاب، فإن كلّ التفاصيل سرعان ما تبدأ في الكشف عن نفسها بطريقة آلية.
    "الرجل النحيل والطويل القامة وذو العينين الحارقتين تشبه ملامحه ملامح المسيح وهو يتجوّل في القرى النائية التي يغطّيها الغبار. وهو يبكي عندما يرى الكنائس المهدّمة ويصلّي موليا وجهه نحو الأرض لمدّة ساعة أو اثنتين. وعندما يبكي فإن النار السوداء في عينيه تتحوّل إلى ومضات مضيئة ومرعبة".
    هذا هو احد شخصيّات يوسا الروائية. لكن هذا الشخص الكاريزماتي يصبح في رواية أخرى معلّما شرّيرا من نوعية جيم جونز الذي يقود قطيعه نحو الدمار. وفي ما بعد يتحوّل نفس هذا الرجل إلى زعيم روحي لحركة تمرّد تهدف إلى توحيد وتعبئة الفقراء ضدّ القوى القمعية التي تحكم البرازيل .
    إنها رواية تحكي عن ثورة حقيقية حدثت في القرن التاسع عشر. وقد كتبها يوسا بطريقة قاتمة، لكن جريئة ورائعة.
    يوسا سبق وأن قال ذات مرّة أننا عندما نقرأ رواية، فإننا نتحوّل إلى كائنات مسحورة هي تلك التي يضعنا الروائي في خضمّها". وعندما تقرأ هذه الرواية، تشعر بأنك مسحور ومنجذب إلى عالمها المليء بالمعجزات والخطايا والدماء والمعارك والنزوات.
    عاش ماريو فارغاس يوسا فترة من شبابه في باريس عندما كان يعتنق الفكر الشيوعي في أواخر الخمسينات. وكانت له نقاشات عنيفة دافع فيها عن سارتر ضدّ بورخيس مع أصدقاء مثل كابريرا انفانتي الذين كانوا يقولون بخلاف ذلك.

    وأحد النقاشات الأخرى المشهورة هو ذلك الذي نتج عنه لكمة قويّة سدّدها يوسا إلى عين الروائي الكولومبي الكبير غابرييل غارسيا ماركيز وتركت على وجهه أثرا لا يُمحى.
    كانت زوجة يوسا، واسمها باتريشيا، تعبّر عن مخاوفها من احتمال أن يكون زوجها قد أضاع قلبه في مكان آخر. وقد نصحها غارسيا ماركيز بقوله: إذا كنت ترغبين في استعادة ماريو فلا يوجد سوى طريقة واحدة: يجب أن تتظاهري انك على علاقة برجل آخر يغار زوجك منه. وأنا اعرف انه لا يغار في هذا العالم سوى من رجل واحد فقط هو أنا". ويبدو أن باتريشيا طبّقت نصيحة ماركيز على زوجها. وعندما رأى فارغاس يوسا غارسيا ماركيز في المكسيك بعد ذلك بسنوات، بادر الأوّل إلى تسديد لكمة خاطفة إلى عين الثاني ما يزال أثرها باقيا إلى اليوم. وكانت تلك الحادثة سببا في إحداث القطيعة النهائية بين رجلين كان كلّ منهما يحترم الآخر ويودّه بعمق. بل إن يوسا كان قد اختار أدب ماركيز موضوعا لأطروحته للدكتوراة.
    اليوم وبعد مرور 28 عاما على فوز غارسيا ماركيز بجائزة نوبل للأدب، لا يبدو أن لـ فارغاس يوسا منافسين واضحين في عالم الأدب. ومع ذلك فإن دافعه للكتابة ما يزال هو نفسه. "في حالتي، الأدب هو نوع من الانتقام. إنه يمنحني ما لا تستطيع منحي إيّاه الحياة الحقيقية. كلّ المغامرات، وكلّ المتع، وكلّ المعاناة، وكلّ التجارب التي لا يمكن أن أعيشها إلا في الخيال". ينتمي ماريو فارغاس يوسا إلى جيل الطفرة من كتّاب أميركا اللاتينية الذين نضجوا في ستّينات القرن الماضي. كان يساريا في سنوات شبابه. وكان اليسار الأمريكي اللاتيني يحظى في بعض الأوقات ببريق خاصّ لدى بعض أعضاء لجنة نوبل الذين سبق وأن منحوا جائزة الأدب إلى شخصيات يسارية مثل الشاعر التشيلي بابلو نيرودا عام 1971 والروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز عام 1982م. ولم يكن منح الجائزة لـ ماركيز بسبب انه كتب تحفة أدبية نادرة هي "مائة عام من العزلة" فقط، وإنما أيضا لأن الرواية كانت تتحدّى الدكتاتوريات الوحشية اليمينية التي عاثت الخراب في المنطقة خلال سنوات الحرب الباردة.
    عندما كان غارسيا ماركيز يمارس السباحة مع صديقه الرئيس الكوبي فيديل كاسترو، كانت تطلّعات ماريو فارغاس يوسا اليسارية تتبخّر بفعل ممارسات الفساد السياسي والاقتصادي التي كانت تترسّخ في الكثير من حكومات أميركا اللاتينية.
    وعندما وجّه يوسا تلك اللكمة إلى عين ماركيز عام 1976، كان ذلك أيضا مؤشّرا على التوتّر السياسي والإيديولوجي الذي سينشأ مستقبلا ما بين الأديب البيروفي ومجموعة اللحى والقبّعات التي تُحكِم قبضتها على القارّة.
    في حقبة الثمانينات، كانت أمريكا اللاتينية واقعة في شرك الإفلاس الناتج عن انتهاج سياسات اقتصادية فاشلة. وقد فقد أدباء المنطقة آنذاك جزءا من بريقهم أيضا. ومع ذلك ففي العام 1990، فاز بجائزة نوبل للأدب الكاتب المكسيكي اوكتافيو باث. وكان باث، مثل فارغاس يوسا اليوم، يدافع عن الأفكار الرأسمالية والديمقراطية في القارّة الأمريكية اللاتينية.
    صحيح أن ماريو فارغاس يوسا لم يكن سياسيا جيّدا عندما جرّب العمل بالسياسة. لكن على الأقل، فإن الحكم في أمريكا اللاتينية يتحرّك الآن بعيدا عن الرمز الهمجي الذي تحدّث عنه يوسا في روايته "البيت الأخضر" والتي تصرّ إحدى الشخصيّات فيها على العيش في إحدى غابات البيرو "لأن الناس هناك أفضل وأجمل".
    هذا التطوّر يمكن أن تدين به أميركا اللاتينية إلى كتّاب مثل فارغاس يوسا الذي وفّرت كتاباته التسجيلية عن أحداث الغابة السياسية اللاتينية رؤية يمكن للناس من خلالها أن يتلمّسوا بعضا من آمال القارّة ومخاوفها.


    Credits
    csmonitor.com
    theguardian.com