:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


الاثنين، سبتمبر 23، 2024

خواطر في الأدب والفن


  • يقول رينيه ماغريت في كتابه "كلمات وصور": يمكن للشيء أن يوحي بوجود أشياء أخرى خلفه". ويقول أيضا: الفنّ يمكن أن يكون أكثر تعقيدا ممّا نراه في الحياة الواقعية. يمكنني مثلا أن ارسم طائرا، حتى عندما لا أرى سوى بيضة. لكن هذه البيضة ستصبح يوما ما طائرا. لذا فإنني - بمعنى ما - أتخيّل مستقبلها وأرسمه".
    لم يكن ماغريت يشعر بأيّ انجذاب نحو الأشياء غير المرئية. الخفاء الوحيد الذي كان يعترف به هو خفاء الأشياء التي لا يمكن رؤيتها لأنها مخفية أو مغطّاة بأشياء أخرى. وبالتالي فإن الحجر الكبير المتموضع أو الساقط على باركيه شقّة يمكن أن يُخفي عالما كاملاً خلفه. هل "العالم غير المرئيّ"، وهو عنوان لوحته التي "فوق"، هو العالم الذي تفترضه النافذة "أو الشُرفة؟" ولكنّه غير مرئي داخل حدودها؟
    من ناحية أخرى، فإن البحث عن العالم المعلَن، ولكن غير المحسوس، يبعدنا عن الأدلّة الموجودة أمامنا، والتي يوصي ماغريت بأخذها بعين الاعتبار أوّلاً. إن أيّ شخص يمكنه أن يحتفظ بحجر في شُرفته. وماغريت لا يجعل الحجر يطفو في الهواء ولا يحوّله الى سمكة أو تفّاحة، كما يفعل عادةً في لوحاته. لكن الحالة الطبيعية الظاهرة للصورة تثير بقوّة السؤال الأهم: ما المعنى الذي تحمله هذه الصورة؟
    عندما تواجه صورة لماغريت، فمن غير المجدي البحث عن إشارات إلى شيء آخر. والأكثر فائدة هو التساؤل عن حيرتنا أمام الصورة التي يظهر منها، مثلا، أن الحجر، حتى لو كان مثبّتا على الأرض، يزعجنا لأنه - بحضوره - يحجب الرؤية ويُنكِر وظيفة الشُرفة التي يُفترَض أنها تُظهِر لنا العالم خارجها.
  • ❉ ❉ ❉

  • طلب أحدهم ذات مرّة من "بروس لي" أن ينصحه حول كيفية كسر الطوب بيديه العاريتين. فردّ عليه: إذا كنت تريد كسر الطوب، فيمكنك فقط استخدام المطرقة!"
    منذ زمن طويل وبعض الأشخاص يقومون بتكسير الطوب بأيديهم، ولكن للاستعراض فقط وللترفيه عن الناس. ومع ذلك، أخذ بعض الأشخاص الذين شاهدوا مثل تلك العروض الأمر على محمل الجدّ واعتقدوا أنهم إذا أرادوا كسر الطوب فما عليهم الا أن يتدرّبوا لأجل ذلك.
    أليست الحياة هكذا؟! بعض الناس عليهم أن "يؤدّوا" من أجل أن يكسبوا عيشهم ويبقوا على قيد الحياة. لكن الأشخاص الذين يشاهدون الأداء يعتقدون أن الحياة هكذا، ثم يصبحون أكثر فأكثر توّاقين إلى هذا النوع من الحياة "الأدائية".
    الحياة مسرح كبير كما يقال، وكلّ شيء فيها تقريبا يعتمد على الدراما والتمثيل.
  • ❉ ❉ ❉

  • يذكر المؤلّف لويس مامفورد كيف أن المبشّرين سعوا إلى تحويل السكّان الأصليين عن دياناتهم، بالأقناع حيناً وبالسيف أحياناً، واعدين إيّاهم بالسلام والأخوّة والنعيم السماوي. وفي نفس الوقت خطّطوا لتدميرهم بالمشروبات الكحولية وأجبروهم على تغطية أجسادهم وسخّروهم للعمل في المناجم حتى الموت المبكّر.
    كانت حياة الإنسان البدائي، على حدّ تعبير هوبز، قصيرة ووحشية وبغيضة. وأصبحت هذه الوحشية مبرّرا لنظام مطلق، مثل عالم ديكارت المثالي، تأسّس من خلال عقل وإرادة إله واحد. ومن المؤسف - يضيف مامفورد - أن العداء الذي أظهره الأوروبيّون تجاه سكّان البلاد الأصليين الذين غزوهم انتقل إلى أبعد من ذلك؛ إلى علاقتهم بالأرض.
    فقد عوملت المساحات المفتوحة الشاسعة في القارّتين الأمريكيتين، بكلّ مواردها غير المستغلّة، باعتبارها جزءا من حالة القتل والتدمير. وكان المستعمرون يؤمنون بأن الغابات وُجدت هناك لتُقطع والمروج لتُحرث والحياة البرّية لتُقتل من أجل الرياضة السقيمة، حتى لو لم تُستخدم للغذاء أو الملابس.
    وفي عملية "غزو الطبيعة"، كان الأوروبيّون في كثير من الأحيان يعاملون الأرض بازدراء ووحشية مثلما كانوا يعاملون سكّانها الأصليين، فيقضون على أنواع حيوانية عظيمة مثل البايسون وغيره ويستخرجون التربة بدلاً من تجديدها سنويّا. وحتى اليوم ما يزالون يغزون آخر المناطق البرّية الثمينة لمجرّد أنها لا تزال موطنا للحياة الفطرية والأرواح البشرية المنعزلة.
    والمشكلة أن المناطق البدائية، بمجرّد تدنيسها بالطرق السريعة الواسعة ومحطّات الوقود والمتنزّهات الترفيهية وشركات قطع الأخشاب، لا يمكن استعادتها أو إعادتها الى سابق عهدها أبدا".
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • جلس الإنسان وحيداً غارقاً في حزنه العميق. واقتربت منه جميع الحيوانات وقالت له: لا نحبّ ان نراك حزينا هكذا. أُطلب منّا ما تتمنّى وسوف تحصل عليه. قال الإنسان: أريد أن أتمتّع ببصر حادّ. فردّ النسر: سوف تحصل على عينين كعينيّ. وقال الإنسان: وأريد أن اكون قويّا. فقال النمر: ستكون قويّا مثلي. ثم قال الإنسان: وأتطلّع لمعرفة أسرار الارض. ردّ الثعبان: سوف أريك إيّاها. وهكذا كان الحال مع جميع الحيوانات.
    وعندما حصل الإنسان على كلّ المنح الثمينة التي يمكن للحيوانات أن تقدّمها له، غادر المكان. ثم قالت البومة للحيوانات الأخرى: الآن صار الإنسان يعرف الكثير، وسيستطيع القيام بالعديد من الأشياء. لذا أنا خائفة". وقال الغزال: الإنسان لديه الآن كلّ ما يحتاجه، ولن يكون هناك بعد الآن سبب لحزنه.
    لكن البومة ردّت قائلة: لا، لقد رأيت فجوة عميقة بداخله، كعمق الجوع الذي لا يشبعه شيء. وهذا ما يجعله حزيناً وما يدفعه لطلب المزيد. سيستمرّ في الأخذ بلا هوادة حتى يقول له العالم ذات يوم: لم يتبقَّ لديّ شيء لأعطيك إيّاه".
  • ❉ ❉ ❉

  • من طبيعة الأشياء أن يتحمّل كلّ شخص المسؤولية الكاملة عن نفسه. لكن لا بأس في أن نساعد الآخرين ونتعاطف معهم بقدر ما نستطيع، وفي نفس الوقت أن نتوقّع منهم أن يقدّرونا ويساعدونا في وقت الحاجة. فالحبّ كما يقال يسير في اتجاهين لا اتجاه واحد.
    وهناك نظرية تُسمّى نظرية تقشير البرتقال. وتفترض أنه إذا قشّر شريكك لك برتقالة، فهذا يدلّ على حبّه الحقيقي والصافي. لكن من الأهمية بمكان أن نتعلّم أوّلاً كيف نقشّر برتقالنا. وقبل أن نحبّ الآخرين بشكل كامل ودون تردّد، يجب أن نفهم قيمتنا ونحبّ أنفسنا.
    لذا أعطِ الأولوية لحبّ ذاتك. قشّر برتقالك بنفسك واعطِ لنفسك نفس الحبّ الذي تعطيه للآخرين. كن مساحتك الآمنة. أحيانا وعندما تكون بمفردك، لا بأس أن تكون مستقلاً وألا تعتمد على شخص آخر ليقشّر البرتقال لك نيابةً عنك. إجعل من نفسك الشخصية الرئيسية في قصّتك.
    ولكن هذا لا يعني أننا لا ينبغي أن نسمح للآخرين الذين يرغبون في مساعدتنا في تقشير البرتقال لنا ومشاركتنا متعة النجاح. لكن يجب أن نكون حريصين على ألا نهشّم اللبّ ونفقد العصير. ومن المهم أن نعرف الطريقة التي نحبّ أن نقشّر بها البرتقال وكيف يفضّل الآخرون تقشيره.
  • ❉ ❉ ❉

  • يُعتبر مستنقع أوكيفينوكي، أو "الأرض المرتعشة"، أحد أكثر الأماكن سحرا وغموضا. ويقع في الزاوية الجنوبية الشرقية من جورجيا. ومنذ آلاف السنين ارتبط المكان بسكّان المستنقع الأصليين من قبيلة السيمينول.
    وإحدى أساطير السيمينول من العصور القديمة تتحدّث عن جزيرة غامضة ومعزولة في أعماق نهر أوكيفينوكي كانت تسكنها قبيلة من النساء. وحدث ذات يوم أن قامت مجموعة من السيمينول المغامرين باختراق المستنقع ووصلوا إلى الجزيرة المسحورة حيث تعيش تلك القبيلة. وعندما رأوا النساء ذهلوا لجمالهنّ وأطلقوا عليهنّ "بنات الشمس".
    وبعد أن قدّمت النساء الطعام لزوّارهن، توسّل أفراد السيمينول إليهن أن يسمحن لهم بالبقاء على الجزيرة. لكنهنّ رفضن ذلك الطلب وحذّرنهم من أن رجالهن سوف يعودون قريبا من الصيد، ويجب ان يتوقّعوا حدوث مشاكل لو رأوهم على تلك الجزيرة.
    وقد تظاهر السيمينول بالامتثال لتحذير النساء وغادروا إلى الطرف البعيد من المستنقع. كانت الغاية من عودتهم تأمين التعزيزات اللازمة ليعودوا الى الجزيرة ويقتلوا رجال القبيلة ويأخذوا النساء ليتّخذوا منهنّ زوجات.
    وشقّت المجموعة الشرسة من المقاتلين طريقها بحذر إلى المستنقع للمرّة الثانية. وعندما اقتربوا من الجزيرة الغامضة، استخدموا أقصى درجات الرصد والبراعة لكي يشنّوا هجوما مباغتا. وبينما كانت زوارقهم مبحرة عبر النهر، تردّدت فوقهم صرخة نصفها لإنسان ونصفها لكائن مجهول. وبعد لحظات قليلة اجتاحت موجة مدّ عظيمة المياه الهادئة للمستنقع.
    لكن هذا لم يؤثّر في حماس السيمينول، بل احتفظوا برباطة جأشهم ومضوا في طريقهم الى أن وصلوا إلى نقطة لم يعد يفصلهم فيها عن الجزيرة سوى جدارٍ سميك من الأشجار والنباتات. ووسط صرخاتهم الوحشية وأصوات مجاديفهم المتوتّرة، شقّوا طريقهم عبر أوراق الشجر واندفعوا إلى الأمام. لكنهم توقّفوا فجأة في ذهول.
    ففي المكان الذي كانت تقوم فيه قبل أيّام الجزيرة الأسطورية الجميلة "لبنات الشمس" الساحرات، لم يعد هناك الآن سوى مساحة مفتوحة من مياه المستنقع ترفرف فوقها وتحطّ على سطحها الهادئ أسراب من البطّ البرّي، قبل أن تنطلق في الهواء.
    تقول الأسطورة أنه منذ ذلك اليوم وإلى الآن، لم يُعثر على أيّ أثر لجزيرة النساء تلك ولم يُكتشف أبدا سرّ أو سبب اختفائها الغريب والغامض. ومنذ ذلك الوقت ظلّ الناس يتناقلون خبر تلك الجزيرة جيلا بعد جيل ويروون عنها قصصا وتكهّنات أكثرها شاطحة وأشبه ما تكون بالخيال.

  • Credits
    magritte.com
    archive.org