:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


‏إظهار الرسائل ذات التسميات رسم. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات رسم. إظهار كافة الرسائل

الخميس، سبتمبر 11، 2025

خواطر في الأدب والفن


  • في إحدى المناطق الشاسعة من المحيط الهادئ، تقع جزيرة مرجانية صغيرة تُسمّى "ايفالوك". بعد الحرب العالمية الثانية، عرضت البحرية الأمريكية أحد أفلام هوليوود على شعب هذه الجزيرة لتسليتهم وتعزيز حسن النيّة معهم. كان الفيلم أكثر شيء عنيف ومروّع شاهده سكّان الجزيرة على الإطلاق. وقد أزعجهم العنف الذي رأوه على الشاشة لدرجة أن بعضهم مرضوا لعدّة أيّام.
    وفيما بعد، جاء أحد علماء الأنثروبولوجيا إلى الجزيرة لإجراء دراسة، وسأله السكّان المحليّون بشكل متكرّر: هل كان ذلك صحيحا؟ هل هناك بالفعل أناس في أمريكا قتلوا أشخاصا آخرين؟!
    يقول بعض العلماء اعتمادا على دراسات أُجريت على قبائل معزولة عن الحياة الحديثة وتتغذّى على النباتات والحيوانات البرّية أن الحرب ليست جزءا فطريّا من الطبيعة البشرية، بل هي سلوك تبنّاه البشر في مراحل متأخّرة من تطوّرهم.
    وافترضَ العلماء أنه منذ حوالي 12 ألف سنة، كان جميع البشر يعيشون في هذا النوع من المجتمعات الذي شكّل حوالي 90 بالمائة من مسارنا التطوّري. ومع انتقال الصيّادين وجامعي الثمار إلى الزراعة، أصبحت المجموعات أكثر إقليمية وصارت بُنيتها الاجتماعية أكثر تعقيدا. ومع استقرار البشر، أصبحت الحرب أكثر هيمنةً وحضورا.
    وذكرت الدراسة أنه إذا ما وُجد أن بعض مجتمعات ما قبل التاريخ عنيفة، فإن العنف في النهاية ثقافي وليس بيولوجيّا. كما دعت إلى وقف النظرة السلبية السائدة للحضارة الحديثة باعتبارها حضارة عنيفة، من خلال إثبات أن بعض مجتمعات ما قبل التاريخ كانت هي أيضا عنيفة بقدر ما ومنخرطة في حروب متكرّرة كانت بعضها مدمّرة للغاية.
    وهناك كتّاب عديدون تناولوا تحديدا استمرار ما أسموه "بالخرافات الخاطئة" التي يردّدها يعض علماء الأنثروبولوجيا وعلماء الاجتماع حول صلاح البشر البدائيين. فقد وقعت مذابح وعمليات قتل جماعي بين الإسكيمو و"هنود الغراب" وعدد لا يُحصى من الجماعات الأخرى قبل حوالي 13 ألف عام، أي قبل ايّ اتصال بالأوربيّين. كما تمّ القضاء على قبيلة "السكاكين الصفراء" في كندا بسبب المجازر التي ارتكبها هنود آخرون، واختفت تلك القبيلة نهائيا من التاريخ بعد ذلك بوقت قصير.
    وبالمقابل، أقام أحد علماء الاجتماع مع مجموعة قبلية في غينيا الجديدة. وفي هذه المجموعة، كان جميع الرجال يعيشون في منزل كبير، بينما كانت النساء والأطفال يعيشون في أكواخ فردية. ولم يجد الباحث أن الحرب كانت شائعة بينهم كما لم يشهد أي صراع مع الجماعات المنافسة. وقال إنه وجد أن بعض أكثر الشعوب "بدائيةً" على وجه الأرض كانت في الواقع مسالمة إلى حدّ كبير مقارنةً بالدول الحديثة المتقدّمة.
    وأضاف: كثيرا ما تُصوَّر الشعوب القبلية على أنها "متوحّشة وعنيفة". لكن الحرب لم تكن شائعة كثيرا قبل ظهور الزراعة، أي عندما كان معظم البشر، إن لم يكن كلّهم، يعيشون كباحثين عن الغذاء".
  • ❉ ❉ ❉

  • كان الرسّام الفرنسي هوبير روبير يحظى بدعم العديد من الرعاة والنقّاد والفنّانين على حدّ سواء في القرن الثامن عشر. كما حظي بإشادة واسعة في الفترة المسمّاة بالحقبة الجميلة. وقد تمتّع روبير بمديح بعض من أهمّ الشخصيات الأدبية الفرنسية، من الفيلسوف دينيس ديدرو الذي أطلق عليه لقب "روبير الأطلال"، إلى إدمون دي غونكور ومارسيل بروست بعد أكثر من قرن.
    وتمكّن الرسّام من تسلّق السلّم الاجتماعي في فرنسا بفضل مهارته الفطرية كفنّان، وأصبح نجما دائم الظهور في الصالونات والفعاليات الاجتماعية المختلفة. وكانت لوحاته علامة تجارية لما يقرب من 50 عاما. وقد عُرفت صوره باسم "كابريتشي"، وهو مصطلح يشير إلى التقاليد الزخرفية لتصوير الآثار المعمارية الخلابة التي تطوّرت في روما الباروكية وبلغت ذروتها بين الرسّامين الإيطاليين مع جيوفاني باولو بانيني، الذي شعر روبير تجاه أعماله بألفة عميقة.
    لكن القرن العشرين لم يكن كريما معه، فقد مرّ أكثر من 80 عاما منذ أن كان موضوعا لمعرض استعادي كبير. لكن معرضا اُقيم للوحاته مؤخّرا في اللوفر صحّح هذا الوضع وأعاد الى الرسّام بعض الاعتبار.
    في عام ١٧٥٤، وفي سنّ الحادية والعشرين فقط، دُعي روبير للانضمام إلى حاشية الكونت دي ستانفيل في روما، حيث استوعب أكبر قدر ممكن من المدينة الخالدة، وأتيحت له فرصة قبوله في الأكاديمية الفرنسية بروما، وهو تكريم لا يُمنح عادةً إلا للقليلين.
    وقد مكث في المدينة أحد عشر عاما أخرى، وخلال تلك العطلة الرومانية وُضعت أسس مسيرة روبرت الفنّية، وهي ركائز ستظهر وتعاود الظهور على الآثار المعمارية التي ملأَت رسوماته ولوحاته طوال حياته. وتشير صوره لفنّانين في بيئاتهم الرومانسية المتداعية إلى أن عالمي الخيال والواقع كانا على خطّ رفيع بالنسبة له. وقد أصبحت مناظره الخيالية عن الآثار الرومانية التي تُصوَّر في الهواء الطلق علامة مميّزة.
    بالنسبة لديدرو، يمكن ترجمة الآثار المرسومة إلى شعر. وقد سلّطت صور روبير الضوء على "الرعب الجميل" الذي اعتبره ديدرو بالغ الأهمية لقوّة هذه الأعمال.
    وعندما رأى الأخير لوحات روبير لأوّل مرّة في الصالون، كتب يقول: الأفكار التي توقظها الآثار في داخلي عظيمة. كلّ شيء يتلاشى، كلّ شيء يفنى، كلّ شيء يمر. وحده العالم يبقى، وحده الزمن يدوم".
    كان هوبير روبير غزير الإنتاج لدرجة أنه من السهل نسيان عدد أعماله. لكن يبقى شيء واحد مهم وواضح، وهو فهمه وتفسيره المذهل للفناء وهشاشة الحياة. وربّما يكون هذا الشعور بالموت والخوف من الضياع هو الذي غذّى حاجته للتواصل الاجتماعي المستمر.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • استلهم عشرون كاتبا بلجيكيا وهولنديا أفكارا وأشعارا من مجموعة الاعمال الفنّية التي يحتفظ بها متحف ماوريتسهاوس في لاهاي. وقد تأمّلوا بعض لوحات القرن السابع عشر من منظور التاريخ البديل ثم جسّدوها في نصوص قصيرة. إميلي بارييل وجدت في لوحة فيرمير "ديانا وحوريّاتها" موضوعا لخاطرة شعرية قالت فيها: ‬
    تريد ديانا أن تعرف لماذا تحوّلت إحدى حوريّاتها إلى شجرة، فيما أصبح الآن موقف سيّارات مهجور في مبنى مكاتب متهالك يعود تاريخه إلى ستّينيات القرن العشرين. في الماضي، تقف الإلهة ديانا في غابة. تنظر إلى تلك البطّة الغريبة هناك. يقف فيرمير حاملا لوحته تحت الأغصان القريبة ومردّدا لحنا. تقول ديانا: كيف يُعقل أن يصدر هذا الضجيج من فم صغير كهذا؟" تهزّ حورياتها رؤوسهن وهنّ يشحذن سهامهنّ للصيد. يمرّ أبوللو مرتديا ملابس رثّة، بدلة من ثلاث قطع.
    تلاحظ إحدى الحوريات أن أبوللو يضع إكليل غار على رأسه. تفتقد دافني بعض الأغصان. كلّ رسّام على مرّ التاريخ صوّرها هي وحورياتها بأجساد ملفوفة بالقماش. تحت الأغصان القريبة، يمزج فيرمير اللون الأخضر الحمضي ليلبّس مواضيعه فساتين. يهزّ أبوللو كتفيه. تستغرق الأصوات النسائية وقتا أطول للوصول إليه. يراقب فيرمير كلّ ما يحدث، ويصوّر أربع حوريات صامتات يحوّلن نظرهنّ عن ديانا، بينما حورياتها يهززن رؤوسهنّ ويسحبن أقواسهن.
  • ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات...
    ○ الفقراء لا يدركون أن وظيفتهم في الحياة هي ممارسة الكرم. جان بول سارتر

    ○ كلّ ما يفعله الإنسان في الحياة، حتى الحب، يحدث في قطار سريع يتجه نحو الموت. "تدخين الأفيون" هو الخروج من القطار وهو لا يزال في طريقه، هو الانشغال بشيء آخر غير الحياة أو الموت. ج. كوكتو

    ○ لا أبحث عن البهجة ولا عن المرح. قلبي، بعد سنوات مرهقة من الحداد على الموتى، لم يعد يتقبّل المرح. ثم إن جدران قلعتي مهدَّمة والريح تهبّ باردةً عبر الأسوار والنوافذ المكسورة. أحبّ الظلال وأرغب في أن أكون لوحدي مع أفكاري. برام ستوكر

    ○ الترياق للغباء الجماعي ليس الذكاء فقط، بل الشجاعة في الاعتراف بأنك لا تعرف. سقراط كان أحد أوائل أبطال التفكير النقدي. قال مرّة: الحقيقة الوحيدة هي أن تعرف أنك لا تعرف شيئا". ولم يكن هذا انتقاصا من الذات، بل دعوة للبقاء فضوليّا ومتواضعا فكريّا ومستمرّا في السؤال، في مواجهة عالم غامض وواسع.
    الجميع يريدون التحدّث، ولكنْ قليلون يريدون الاستماع. المفارقة هي أن المفكّرين الحقيقيين غالبا ما يكونون هادئين، لأنهم يعلمون أن الحكمة لا تنمو من الضوضاء ولكن من الصمت، من التأمّل. وهذا هو السبب بالتحديد وراء تفكير المفكّرين النقديين. وهؤلاء غالبا ما يهمَّشون ويُتجاهلون في ثقافة تكافئ السرعة. التفكير البطيء فرَصُه ضئيلة، لكن لا ينبغي التخلّي عنه. مارشال ماكلوهان

    ○ الأمان في الغالب خرافة، لا وجود له في الطبيعة. وتجنُّبه ليس أكثر أمانا على المدى البعيد من التعرّض المباشر له. الحياة إما مغامرة جريئة، أو لا شيء. هيلين كيلر

  • Credits
    artic.edu
    mauritshuis.nl

    الثلاثاء، سبتمبر 09، 2025

    نصوص مترجمة


  • كان منشغلا بالفلسفة. وكان دائما يحمل ورقة مخطوطة في يده وسيغارة مشتعلة بين أصابعه. وعندما ينتهي من سيغارة، كان يشعل الأخرى لا شعوريا. ليس للتدخين، بل للتفكير. دخان متواصل. وفي مرحلة ما، أصبحت السيغارة إيقاع أفكاره وسُمّا ينهش رئتيه. كان سبب وفاته سرطان الرئة. لكن الجميع كان يعلم أنه مات من كثرة التفكير.
    هل ثمّة فلسفة هنا؟
    تزامُن التأمّل والتدمير "أو الطبيعة المزدوجة للوجود". الفلسفة هي عمل تعميق أفكار الإنسان، ولكنها بالنسبة لهذا الرجل كانت أيضا عملا من أعمال إنكار الذات. التبغ يشجّع على التأمّل، ولكنه أيضا يستحثّ الموت. حالة وجودية متناقضة حيث تتعايش "المعرفة والموت" و"الاستكشاف والنهاية".
    التفكير هو التفاني حتى الموت. "كلّ فكرة جعلتني أقرب إلى الموت". الفلسفة قد لا تكون هي الحرّية، بل الإدمان على "الأسئلة التي لا يمكن وقفها". السغائر عقد مع الموت. في كلّ مرّة أشعلَ فيها الرجل النار، كان يوقّع على موته. كان يعلم هذا، لكنه لم يُقلع، لأن السغائر بالنسبة له كانت "الميزان الذي يقيس به ثقل الحياة".
    الفلسفة ليست مطاردة الدخان بحثا عن إجابات، بل هي دفن الأسئلة في الدخان. د. ياماشيتا
  • ❉ ❉ ❉

  • كما يليق بملحمة حربية، تمتلئ الإلياذة بأمثلة عن الموت بطريقة وحشية. وبعض المجازر المروّعة تُرتكب تحديدا لإرهاب العدو. مثلا، قتلَ أغاممنون قائد القوات اليونانية هيبولوكوس التعيس وقطع ذراعيه ثم ركل جثّته ليقذفها بين حشد من المقاتلين الطرواديين "كجذع شجرة". وضربَ محارب يونانيّ آخر مقاتلا طرواديا في وجهه ثم قطع رأسه ورفعه في الهواء بطرف رمحه، ما تسبّب في إرهاب الطرواديين الآخرين.
    كان العالم القديم يعجّ بالعنف. ولا داعي لأن نقصُر الحديث على هوميروس. فمعظم الأساطير اليونانية تتسم بالعنف بشكل أو بآخر. كما كان الفنّ اليوناني نفسه عنيفا، وبدا كما لو أن بعض الرسّامين كانوا يستمتعون بتصوير الدم والقتل العنيف. ولا يزال العنف يهيمن على العالم الحديث. وهذه مشكلة لا يمكننا حلّها إلا عندما نعتبر حياة كلّ إنسان مهمّة ومتساوية، وكلّ خسارة تستحقّ البكاء. وقد يمرّ وقت طويل قبل أن نصل إلى تلك المرحلة المستنيرة. جوش برايرز
  • ❉ ❉ ❉

  • إيزابيل آيندي هي المؤلّفة الإسبانية الأكثر قراءةً في العالم. وهي تعرف كيف تروي قصّة مقنعة. روايتها "روحي إينيس" تستند إلى شخصية تاريخية. وقد بُنيت الرواية حول أكبر قدر ممكن من التاريخ المعروف المحيط بإينيس دي سواريز، إحدى أوائل النساء الإسبانيات اللاتي وصلن إلى العالم الجديد في أوائل القرن السادس عشر.
    يُروى الكتاب بضمير المتكلّم، بصوت إينيس كامرأة مسنّة تتذكّر حياتها وتحكي قصّتها لابنة زوجها قبل أشهر قليلة من وفاتها. ومثل إيزابيل آيندي نفسها، فإن إينيس ناجية شرسة وبارعة الحيلة.
    وتبدأ الرواية بحياة دي سواريز المبكّرة في إسبانيا، ثم كيف شقّت طريقها إلى العالم الجديد، البرّي وغير المتحضّر في معظمه، وهو أمر غير مألوف لامرأة في ذلك الوقت. في النهاية، أصبحت زوجة لأحد الغزاة الكبار، بيدرو دي فالديفيا، ورافقته في رحلته الاستكشافية من بيرو إلى المناطق البرّية في الجنوب، لاستكشاف ما يُعرف الآن بتشيلي وغزوها في النهاية.
    تقدّم الرواية قصصا آسرة عن عالم الاستعمار الإسباني المبكّر لبيرو، وتتضمّن ظهور بعض الغزاة الأوائل مثل بيزارو وألماغرو. كما نقف على التوتّر بين الإسبان والإنكا المهزومين بعد أقلّ من جيل من غزو بيزارو لإمبراطورية الإنكا.
    أبرز ما في الكتاب هو وصف إينيس للمصاعب والتحدّيات التي واجهتها هي والغزاة في الوصول إلى تشيلي ومحاولتهم ترسيخ موطئ قدم لهم في مواجهة مقاومة هنود المابوتشي الشرسين. وفي نهاية المطاف، وبعد الكثير من المشقّة والقتال، تمكّنوا من إقامة وجود هشّ أصبح فيما بعد مقعدا للحضارة الإسبانية، بعيدا عن مراكز قوّتهم الأخرى في العالم الجديد.
    يمكن أن تكون هذه الرواية شيّقة وممتعة لمن يهتمّون بالتحدّيات التي واجهها الأوروبيون في بدايات استيطانهم لأمريكا الجنوبية. وتصوير المؤلّفة للسكّان الأصليين وثقافتهم رائع. ويبدو أن آيندي بذلت جهدا كبيرا في البحث كي تحكي قصصهم بأقصى دقّة ممكنة. ج. شولتز
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • رسم الفنّان الفرنسي، الروسي الأصل، مارك شاغال لوحة "سقوط إيكيروس" عام ١٩٧٥، أي في أواخر حياته. وكان شاغال قد عانى من اضطرابات وصدمات نفسية، منها فراره من فرنسا التي احتلّها النازيّون إلى الولايات المتحدة عام ١٩٤١، والوفاة المبكّرة لزوجته الحبيبة بعد ذلك ببضع سنوات. في هذه اللوحة، يسقط شخص مجنّح من السماء على حشد من الناس في قرية.
    والمنظر هو تجسيد شاغال للأسطورة اليونانية عن إيكيروس الذي صنع له والده أجنحة من الريش والشمع ليتمكّن من الفرار من سجنه في جزيرة كريت. وقد حذّر الأب إيكيروس من الطيران قريبا من الشمس، ولكن ما أن ارتفع إلى السماء حتى غمره شعور بالقوّة والسرعة، فطار أعلى فأعلى الى أن ذاب جناحاه وهوى الى حتفه.
    من اللافت أن أحد أصول كلمة "خطر" يعود إلى الكلمة الإنغليزية الفرنسية daunger التي تعود إلى منتصف القرن الثالث عشر وتعني "الغرور". وكان هذا تذكيرا بأن الخطر والغرور غالبا ما يقترن كلّ منهما بالآخر. لذا كان إيمان إيكيروس بقدرته على التحليق بمفرده دون مراعاة للقيود والإمكانات سبيلا إلى هلاكه. اينوم اوغورو
  • ❉ ❉ ❉

  • "إنها تمطر"، قال الأب لاميرو. وتابع: قبل نصف قرن بالضبط، أتيتُ إلى اليابان في يوم كهذا. في الماضي، كان أباطرة هذا البلد رجالا ذوي مكانة عظيمة، لكن كلّ ذلك تغيّر عندما استولى العسكر على السلطة ونقلوا العاصمة إلى كاماكورا. وتُرك الإمبراطور الشابّ في كيوتو ليقايض توقيعه بالمخلّلات والأرز. كان ذلك في القرن الثالث عشر. ثم في عشرينات القرن العشرين، ذهبت إلى كاماكورا للدراسة في بعض المعابد البوذية".
    توقّف الأب لاميرو لبرهة، وبدا عليه التأمّل. ثم فرك ذراع كرسيّه المصنوع من شعر الخيل وتابع كلامه: بالنسبة لي كانت أفضل السنوات في اليابان هي عشرينات القرن الماضي. كنت شابّا، وعندما وصلت كان كلّ شيء هنا رائعا بالنسبة لي. كانت دراستي في كاماكورا، ولكنني كنت آتي إلى طوكيو في عطلات نهاية الأسبوع، إلى هذا المنزل بالذات، الذي كان مليئا بالقطط.
    كانت طوكيو آنذاك مبنية بالكامل من الخشب، وكلّ ليلة كانت هناك نار على مسافة قريبة سيرا على الأقدام. لا يوجد شيء أكثر تحفيزا من مشاهدة النار عندما تكون صغيرا. في ليالي الجمعة، كنّا نعقد اجتماعاتنا هنا، وإذا ذهبنا لرؤية النار، فإن مناقشاتنا كانت دائما أكثر حيوية. ومنذ الحرب، كنت نباتيّا صارما، باستثناء العسل والبيض. للأرز تأثير خاص على اليابانيين بعد ساعة أو ساعتين من تناوله، وهو بلا شك السبب الرئيسي وراء تفضيلهم للخارج. إدوارد ويتيمور
  • ❉ ❉ ❉

  • لدى الماوري قيم قبلية معيّنة، فما يفيد الجماعة يفيد الفرد، والعكس ليس بالضرورة صحيحا. وفي مجتمع الماوري المثالي، يسود تقاسم الموارد والالتزامات. وغالبا ما تكون التضحية مطلوبة. ويُقدَّر الوفاء تقديرا عاليا، ولا يُحتفى بروح المنافسة إلا في الرياضة، بينما يُحتقر الجشع والأنانية. والنتيجة مجتمع يُهتمّ فيه بالجماعة أكثر من الفرد. ومن نتائج ذلك أيضا أن الماوري، من وجهة نظر البيض، غالبا ما يبدون غير طموحين، بينما يبدو البيض، من وجهة نظر الماوري، قساة ومعزولين وباردِي القلوب. كريستينا تومسون
  • ❉ ❉ ❉

  • كان يا ما كان، كان هناك ولد، عاش في قرية لم تعد موجودة، في منزل لم يعد موجودا، على حافّة حقل لم يعد موجودا، حيث كان كلّ شيء ممكنا. يمكن للعصا أن تكون سيفا، ويمكن للحصاة أن تكون ماسة أو شجرة أو قلعة. كان يا ما كان، كان هناك ولد يعيش في منزل أمام الحقل، وفتاة لم تعد موجودة.
    ابتكرا ألف لعبة. كانت ملكة وهو ملك. في ضوء الخريف، كان شعرها يلمع كإكليل. كانا يجمعان العالم كلّه في حفنات صغيرة، وعندما تُظلم السماء، يفترقان وفي شعرهما أوراق. كان يا ما كان، كان هناك ولد أحبّ فتاة، وكان ضحكها سؤالا أراد أن يقضي حياته كلّها في الإجابة عنه. ن. كراوس

  • Credits
    isabelallende.com/en
    marcchagall.com/fr

    الأربعاء، سبتمبر 03، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • في كتابه بعنوان "نيتشه: حياة حرجة"، يتناول رونالد هايمان حلما رآه الفيلسوف الألماني في منامه في وقت مبكّر من حياته. وينقل عن نيتشه قوله: سمعت موسيقى الكنيسة تعزف في جنازة. وعندما نظرت لأتحقّق مما يحدث، رأيت قبرا ينفتح فجأة ويخرج منه والدي المتوفّى ملفوفاً في كفن. ثم سارع أبي إلى الكنيسة وعاد ومعه طفل صغير يُمسك به من ذراعه.
    رأى نيتشه ذلك الحلم في الخامسة من عمره، في نهاية يناير عام 1850، بعد ستّة أشهر من وفاة والده، القسّ اللوثري، من مرض لِين الدماغ المزمن والمؤلم. ويستمرّ نيتشه في وصف ما حدث: في الصباح أخبرت امّي عن الحلم. وبعد فترة وجيزة، مرض شقيقي الصغير جوزيف فجأة وعانى من تشنّجات قوية ومات خلال بضع ساعات."
    هذا الحلم، وغيره من أحلام نيتشه التي يرويها هايمان في كتابه، سبقت ظهور فلسفة نيتشه بسنوات. وهو يعبّر عن تقدير عميق للقوّة المرعبة للا وعي والشعور المأساوي بالمصير والموت والانفتاح على رؤى من مصادر المعرفة "غير العقلانية".
    ويتحدّث هايمان عن كيف شكّلت تجارب نيتشه المبكّرة مع الأحلام الوقود الذي فجّر إبداعه الفلسفي فيما بعد. في عام 1870، وكأستاذ في جامعة بازل، كتب نيتشه في دفتر ملاحظاته بعض الأفكار عن الأحلام: في نصف الوجود، نحن –كحالمين- فنّانون. وهذا العالم النشط ضروري لنا".
    وكانت تلك الملاحظات بمثابة أساس لأوّل كتبه المنشورة "ولادة المأساة" (1871). القسم الافتتاحي من هذا الكتاب يقدّم فهما للفنّ والفلسفة والتاريخ، وكيف تؤثّر في القوّة الإبداعية للأحلام.
    كتاب هايمان ليس المكان المناسب لاستكشاف تأثير الأحلام على "ولادة المأساة" وغيره من مؤلّفات نيتشه التي كتبها فيما بعد. لكن لا بدّ من الإشارة إلى أن كلّاً من سيغموند فرويد وكارل يونغ كانا على علم بفلسفة نيتشه، وقد نسجا أفكاره مباشرة في نظرياتهما النفسية الجديدة. وإذا كنت تريد أن تفهم فرويد ويونغ بشكل أفضل، فعُد إلى نيتشه وأحلام طفولته.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • يُعَدّ ميلتون ايڤري (1885-1965)، رمزا مهمّا في الفنّ الأمريكي. وقد عُرف بموهبته الاستثنائية في الألوان وبساطة أسلوبه. وهو أيضا مثال يُحتذى في بداياته المتأخّرة. لوحات ايڤري تؤثّر عليك بطرق غامضة. في بعضها، خفّف الألوان الزيتية إلى قوام شفّاف كالألوان المائية، بحيث ينساب اللون على السطح في بقع عائمة. وأحيانا كان يخطّ على اللون شقوقا أفقية تشبه بطريقة ما أوراق شجرة خريفية بلون الصدأ. وأحيانا تمتزج ضربات فرشاة أحد الألوان بضربات لون آخر، محدثةً رعشة خفيفة وبريقا داخليّا.
    والشاطئ بالنسبة لـ ايڤري أشبه ما يكون بلوحة قماش. فجميع الأشكال والمناشف وكراسي الاسترخاء مرتّبة كأشكال تجريدية على رمال متعدّدة الألوان. وفي النهاية، تتلاشى هذه الأشكال تماما ويصبح شاطئ البحر راية من أشرطة أفقية صفراء وزرقاء وبرتقالية مشعّة. وليس من الصعب إيجاد تشابه في هذه اللوحات مع مستطيلات روثكو المفعمة بالبهجة.
    لكن ايڤري لم يخترع شيئا لم يرَه. فمهما كانت لوحاته على حافّة التجريد، فهي دائما مجازية: أصدقاء يقرأون، يتحدّثون، يأكلون الخ. كانت شقّته دائما ما تعجّ بزملائه الرسّامين، مع أنه يقال إنه كان يجلس بهدوء بعيدا عنهم مع دفتر رسمه.
    وقد غادر الفنّان وعائلته أمريكا مرّة واحدة فقط، لزيارة أوروبّا عام ١٩٥٢. واللوحات التي استلهمها من تلك الرحلة تتماوج ألوانها الهادئة من البنفسجي والرمادي والأخضر الباهت وتتوازن أشكالها في تركيبات غاية في الأناقة.
    كان ايڤري يردّد دائما: لماذا تتحدّث وأنت قادر على الرسم؟" وتبدو هذه العبارة أشبه بسخرية عابرة وطريقة ذكيّة لإسكات الحضور. كان يؤمن بأن لوحاته تعبّر عن كلّ ما يحتاج إلى قوله، وانتهى الأمر.
    تاريخ الفنّ عبارة عن ساحة معركة بين الأساليب والتيّارات المختلفة. وقد انعكس هذا في فنّ القرن العشرين، من حيث اللون والحجم والعمق والإيهام والسرد، وأصبح فنّا أدبيّا بقدر ما هو جمالي. أما الأسلوب المقابل فيقوم على اللون، كما أنه روحاني بطريقة مختلفة ومتجذّر مباشرةً في الرمزية والحسّ المتزامن وفنّ تسعينات القرن التاسع عشر. هنا تسود وحدة الرسم ويتفوّق التناغم المتداخل بين الشكل واللون على الموضوع. واللوحة نفسها تصبح الموضوع. وكرسّام ألوان، أثبت ايڤري أنه شخصية محورية في فنّ القرن العشرين.
    في عام ١٩٢٦، انتقل الرسّام إلى مجمّع فنّي في مانهاتن. وكان مارسيل دوشامب وفرانسيس بيكابيا من بين الزوّار المألوفين للمبنى. هنا كان ايڤري يجهّز لوحاته بنفسه ويتعلّم تخفيف أصباغه. وقيل إنه كانت لديه قدرة على جعل الطلاء يدوم لفترة أطول من أيّ شخص آخر. وقد رحّب ايڤري وعائلته بانتظام بفنّانين آخرين في شقّتهم، بمن فيهم روثكو. كان الأخير أصغر منه بـ 18 عاما، وقد استلهم من أعمال ايڤري مباشرة في أعماله.
    وبينما كان روثكو يتحدّث طوال الليل، كان ميلتون يستمع ويرسم ضيوفه. لكنه كان أكثر ثرثرة عندما كان يقرأ بصوت عال. وكان هذا أسلوب عائلته الترفيهي الشائع. وكانت قائمة قراءاتهم تشمل أعمال ميلفيل وبروست وثورو وستيفنز وإليوت.
    ولم يكن من عادة ايڤري أن يناقش أعماله، لكن النقّاد لم يتردّدوا في الحديث عنها. وقد تزايد الحديث عن اسمه في الصحف بدءا من أواخر الخمسينات وحتى وفاته عام ١٩٦٥. وبالنسبة للذين كانوا ينتظرون منه "شيئا كبيرا قادما"، كان ايڤري منفصلا عن الواقع بشكل مزمن. وقد وصل إلى نيويورك بما يمكن تسميته بـ "أسلوب أوروبّي للحداثة" أشبه بـ"ما بعد الانطباعية" الممزوجة بمدرسة نهر هدسون.
    وفي مطلع القرن الماضي، أصبح ايڤري ملوِّنا عندما كان القليلون يرغبون في الألوان. وفي الثلاثينات، صار انطباعيا ضبابيّا عندما كان العالم يبحث عن تفاصيل دقيقة. وفي الخمسينات، كان تجسيديا عندما كان التجريد الشامل هو الموضة السائدة.
    كتب صحفي آنذاك واصفاً عمله: إنه ثمرة موهبة رائعة وطبيعية وإن لم يكن من السهل تعريفها. إنه شاعر وملوّن ومزخرف، وهو متميّز جدّا في كلّ هذه التنويعات. ومع ذلك أفترض أن كونه شاعرا سيكون في النهاية أقوى ادّعاءاته".
    وكتب آخر: إن تمسّك ايفري، موسما بعد موسم، بنظرياته الغامضة، أو المزعجة بعض الشيء، حول الرسم، يُشعر المرء بأنه صادق تماما. ولا بدّ أن هذه الأشكال الغريبة، والمرعبة أحيانا، في أعماله تحمل في طيّاتها شيئا واضحا بالنسبة له".
    لكن الضرر الحقيقيّ الذي لحق بصورة ايڤري جاء من مقارنته بماتيس. فقد اعتبره العديد من النقّاد نسخة أخرى من المعلّم الفرنسي. وكان على دراية بماتيس بالتأكيد. وكتب أحد النقّاد يقول: لقد أراد ماتيس أن يصنع فنّا مريحا كالكرسي المريح، وقد نجح في ذلك. أما ماتيس الأمريكي "يقصد ايڤري" فإن فنّه أقرب إلى السباحة في المحيط قبالة ولاية مين".
  • ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات...
    كالصيادلة، نحضّر خلطات جديدة كلّ يوم، نسكب من إناء إلى آخر. وكما نهبَ الرومان القدماء جميع مدن العالم ليشيّدوا "روماهم"، ننتزع نحن صفوة عقول الآخرين ونقطف أزهار حدائقهم المزروعة لنشيّد مزارعنا العقيمة. ما زلنا ننسج الشبكة نفسها، ونعيد لفّ الخيط نفسه مرارا وتكرارا. ر. بيرتون

    يموت بعض الناس في سنّ الخامسة والعشرين ولا يُدفنون إلا في الخامسة والسبعين. بنجامين فرانكلين

    يتحدّث بعض الناس عن الهجرة والنزوح وما إلى ذلك. وكلّ هذا هراء. كلّنا بشر، كلّنا ثدييات، كلّنا صخور ونباتات وأنهار. الحدود اللعينة مصدر إزعاج كبير. مجهول

    لا ينبغي لأحد أن يكون مجنونا لدرجة اختيار الحرب في زمن السلم. ففي أوقات السلم، يدفن الأبناء آباءهم، أما في الحرب، فيدفن الآباء أبناءهم. هيرودوت

    الحياة ليست أمراً سهلاً. لا يمكنك أن تعيشها دون أن تقع في الإحباط والسخرية، إلا إذا كانت أمامك فكرة عظيمة ترفعك فوق البؤس الشخصي وفوق الضعف وفوق كلّ أنواع الغدر والدناءة. ليون تروتسكي

    يمكن لكلّ شخص أن يخلق هدوءه الخاص بشروطه الخاصّة، بعيدا عن تدخّل الكون بأكمله. ما زال الأمر لا يعني لي شيئا أن الأرض والنظام الشمسي يندفعان عبر الفضاء بسرعة 60 ميلا في الثانية، قادمَين من مكان لا أحد يعرف أين وذاهبَين إلى مكان لا يعرفه أحد، طالما أنني ما زلت أستطيع الجلوس في حديقتي وأستمع إلى طنين النحل في فترة ما بعد الظهيرة في الصيف. مجهول

    حُفر تاريخ الإنسان على صخور مصر وخُتم على حجارة آشور ودُفن في رخام البارثينون. وهو يرتفع أمامنا بحضور مهيب في أقواس الكولوسيوم، ويختبئ ككنز دفين وسط غبار المحفوظات والأديرة، ويتجسّد في جميع خيوط الأديان والأعراق والعائلات. تشارلز نيوتن

  • Credits
    moma.org
    theguardian.com

    الاثنين، سبتمبر 01، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • وصل ناسكان مسافران إلى نهر حيث التقيا بامرأة. وخوفا من أن يجرفها التيّار، سألتهما إن كان بإمكانهما حملها كي تعبر النهر. فتردّد أحدهما، لكن الآخر وافق وحملها على كتفيه وعبر بها النهر ثم أنزلها على الضفّة الأخرى. وشكرته المرأة على صنيعه وانصرفت.
    وبينما واصل الناسكان طريقهما لساعات، كان أحدهما غارقا في التفكير والهم. ولم يستطع كتم صمته فقال لرفيقه: يا أخي، تُعلّمنا تربيتنا الروحية أن نتجنّب أيّ احتكاك بالنساء، لكنك حملت تلك المرأة على كتفك!" فأجابه الناسك الثاني: لقد حملتها لساعة ثم وضعتها على الجانب الآخر من النهر. لماذا ما تزال أنت تحملها بعد كلّ هذه الساعات"؟!
    هذه القصّة على بساطتها تحمل رسالة جميلة عن عيش اللحظة. كم مرّة حملنا آلام الماضي، ومعها الشعور بالاستياء، بينما الشخص الوحيد الذي نؤذيه حقًا هو أنفسنا. جميعنا نمرّ بأوقات في حياتنا، حيث يقول لنا الآخرون كلاما غير لائق أو يتصرّفون معنا بطريقة مؤذية. والتوقّف عند هذا كثيرا يُثقل كاهلنا ويستنزف طاقاتنا. والأفضل أن نتخلّى عمّا لم يعد يفيدنا ونركّز على اللحظة الراهنة، لأن "الآن" هو كلّ ما نملكه.
    لقد خالفَ أحد الناسكَين القواعد، ولكن لسبب وجيه. وبمجرّد أن أنجز غايته، وضع المرأة أرضاً وواصل طريقه ولم يُعِر الأمر اهتماما. بينما تذكّر الآخر تصرّف زميله بعد أن أصبح فعلا من الماضي، مع أن الماضي حدث وانتهى ولا يمكن تغييره، ولا فائدة من تذكّره إلا للتعلّم من تجاربه. الحياة تمضي بنا في لمح البصر. وبدلا من الغرق في الماضي واسترجاعه، يجب ممارسة عيش اللحظة الحاضرة حيث نجد السلام والرضا.
    لا بأس من مخالفة القواعد من أجل قضية نبيلة، كما فعل الناسك مع المرأة. المشكلة أن العقل البشري بارع جدّا في عادة الانغماس في الماضي. إنه يعشق التمسّك بالمظالم والجروح القديمة، حتى وإن كان ذلك يسبّب المزيد من المعاناة ويستنزف طاقاتنا ويُضعِف قدرتنا على السعادة في الحاضر.
    هذه القصّة تُظهر أيضا عدم وجود مطْلَقات حقيقية في الحياة، وأن ما يُعتبر فعلا سيّئا قد لا يكون كذلك. وهي تذكّرنا بقصّة الرجل الذي رآه الناس وهو يدفع شخصا مسنّاً بعنف. لكن لم يرَ أحد نجاة المسنّ بأعجوبة من سيّارة مسرعة. أحيانا لا نرى إلا من زاوية واحدة.
    أيضا تعلّمنا القصّة أنه لا يجب أن نُثقل على أنفسنا بأحكام الآخرين الذين يضغطون على خياراتنا. في الحياة الواقعية، الثقة بتصرّفاتنا دون الحاجة إلى موافقة الآخرين أو تدخّلهم تُحرّرنا. ومثل الناسك الإيجابي، فإن اتخاذ خيارات تتوافق مع قيمنا والتخلّي عن طلب موافقة أو استحسان الاخرين باستمرار أمر محبّذ وأساسي.
    كما تشجّعنا القصّة على التخلّص من الأعباء غير الضرورية والتركيز على ما هو أمامنا والتصرّف برحمة وفطنة. ويجب أن نفعل الأشياء التي تبقينا متقدّمين وتمكّننا من توظيف طاقاتنا لإحداث تغيير إيجابي في حياتنا.
    أحيانا قد لا يفهم الآخرون سبب تصرّفك وقد يشكّكون في اختياراتك. لكن إذا شعرت أن الرحمة أمر صائب فلا بأس، حتى لو لم يفهمها الآخرون.
    والآن ما الشيء الذي لا تزال متمسّكا به والذي من الأفضل تركه "على الجانب الآخر من النهر"؟!
  • ❉ ❉ ❉

  • "نساء بملابس زرقاء" إسم لوحة جدارية مينوية مشهورة اكتُشفت في قصر كنوسوس بجزيرة كريت، ويعود تاريخها إلى حوالي عام 1450 قبل الميلاد.
    تصوّر اللوحة نساءً يرتدين ملابس زرقاء أنيقة، ويشاركن في مناسبة طقوسية أو اجتماعية. وهن يظهرن بتسريحات شعر متقنة ومجوهرات فاخرة ومرصّعة ببذخ، وملابس زرقاء على خلفية مفعمة بالحياة، وكلّ هذه العناصر تقدّم رؤى قيّمة حول الجماليات والأزياء والبنية الاجتماعية للثقافة الإيجية القديمة وتبرز المهارات الفنّية المتطورة للمينويين.
    كما تسلّط الجدارية الضوء على أهمية المرأة في المجتمع المينوي واحتمال أنها ربّما لعبت أدوارا مهمّة في الأنشطة الدينية والاجتماعية. ويؤشّر استخدام الألوان والتفاصيل الطبيعية في اللوحة إلى مستوى عالٍ من الرقي الفنّي، وهو سمة مميّزة لتلك الحضارة. والجدارية تُعدّ نموذجا ممتازا لفنّ الجداريات الرائع الذي كان يزيّن قصور أهالي كريت القدماء.
    ويعود الفضل في ترميم هذه اللوحة وغيرها من جداريات كنوسوس الى خبير يُدعى آرثر إيفانز، الذي قيل إنه بذل جهودا كبيرة لإعادتها الى الحياة، رغم أن ما تبقّى من اللوحات الأصلية لا يتجاوز أحيانا بضع بوصات مربّعة، أما الباقي فهو إعادة بناء وثمرة لخيال مبدع.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات...
    ○ نيتشه محرِّض مجنون كَرّسَت آراؤه المستفزّة مبادئ الفاشية والموت والدمار في العالم. ومع ذلك ما يزال قطيعُه حيّا يُرزق وجنونه يثير العالم الحديث. كما لا يزال الجهل السياسي والفلسفي والروحي هو القناعة التي تؤجّج الاضطرابات في العالم.
    رجل لم تُجدِ ثرثرته الجرمانية المتأمّلة نفعا لأحد، بما في ذلك هو نفسه. وتستطيع النساء أن يدركن مرض الرجل. إذ لم يجد هذا "المفكّر العظيم" امرأة واحدة توافق على الزواج منه. هذا كلّ ما في الأمر. تبّاً لنيتشه ولأقواله! س. اسيري

    ○ مع أن العالم مليء بالمعاناة، إلا أنه مليء أيضا بالتغلّب عليها. لذا لا يرتكز تفاؤلي على غياب الشر، بل على إيمان راسخ بغلَبة الخير، وسعي دائم للتعاون معه حتى ينتصر. أحاول جاهدةً تعزيز القوّة التي منحني إيّاها الله لأرى الأفضل في كلّ شيء وفي كلّ شخص، وأجعل هذا الأفضل جزءا من حياتي. هيلين كيلر

    ○ لماذا تحبّ زوجتك؟ لأن أنفها يتنفّس هواءَ عالم أعرفه، لذا أحبّ ذلك الأنف. ولأن أذنيها تسمعان موسيقى قد أغنّيها طوال الليل، لذا أحبّ أذنيها. ولأن عينيها تسرّان بفصول الأرض، ولذلك أحبّ تلكما العينين. ولأن لسانها يعرف السفرجل والخوخ والتوت البرّي والنعناع والليمون الحامض، لذا أحبّ سماعه يتحدّث. ولأنّ جسدها يعرف الحرّ والبرد والتعب، أعرف النار والثلج والألم. راي برادبري

    ○ لم يهيّئني شيء، لا كتب ولا معلّمون ولا حتى والداي. سمعت ألف قصّة، لكن لم يوصف لي هذا المكان من قبل. فهمته عندما رأيته. يسمّيه البعض الصحراء الأمريكية، ويسمّيه آخرون السهول الكبرى. لكن هذه العبارات ابتكرها أساتذة جامعات محاطون بوهم النظام وخيال الصواب والخطأ.
    ولكي تعرف المكان، يتعيّن عليك أن تمشي فيه وتنزف في ترابه وتغرق في أنهاره. حينها سيتضح لك معنى اسمه. إنه جحيم، مع شياطين في كلّ مكان. لكن إن كان هذا جحيما وأنا فيه، فلا بدّ أنني شيطان أيضا، وأنا ميّت بالفعل. السهول ليست لبناء مسكن أو مأوى، فمواردها محدودة. السهول للمتشرّدين والرحّالة ورعاة البقر. مسكنهم سرج، والسماء سقفهم، والأرض لحافهم. من حوارات فيلم 1883

    ○ هل تعلم أن من يخضعون لعملية زرع نخاع العظم تُدمَّر خلايا نخاعهم العظمي وتُستبدل بخلايا المتبرّعين. وفي معظم الحالات، يحتفظون ببعض نخاع عظامهم، أي أن خلايا دمهم تصبح مزيجا من الحمض النووي الخاص بهم وحمض المتبرّع. وفي الحالات الأكثر تطرّفا، تحتوي جميع خلايا دمهم على الحمض النووي الخاص بالمتبرّع فقط. ليس هذا فحسب، بل حتى عند خضوعك لعملية نقل دم، تتحوّل مؤقّتا إلى كائن بشري هجين! ك. ماكفادن

    ○ شكوكية ديفيد هيوم هي من النوع المميت، لأنها جذرية. فنحن، برأيه، لا نعرف على وجه اليقين ما إذا كانت الشمس ستشرق غدا أم لا، وما إذا كان العالم الخارجي موجودا بالفعل، وما إذا كانت "أنانا" أو ذواتنا لها هويّة. وفي نفس الوقت، فإن شكّه عقيم، لأن جميع هذه الاعتبارات نظرية. فبمجرّد أن يغادر الفيلسوف مكتبه، يصبح متأكّدا من الدرَج الذي ينزله، ويرتّب ملابسه بثقة لليوم التالي. يبدو أن الطبيعة فينا "معقولة" أكثر من عقولنا. باتريشيا دي مارتيلييه

    ○ إن سكّان الجبال، الأكثر نقاءً أخلاقيا، هم أقوى أجسادا ويميلون الى "مضاعفة" الحروف الساكنة ثلاث مرّات. أما سكّان السهول، فبالإضافة إلى كونهم فاسدين أخلاقيّا، فإنهم أيضا منحطّون جسديّا و"يشوّهون" الحروف الساكنة. أنطونيو غرامشي

  • Credits
    metmuseum.org

    السبت، أغسطس 30، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • هذا البورتريه رسمته الفنّانة المكسيكية فريدا كالو لنفسها عام 1940، وأرادت من خلاله إبراز موضوع الهوية والمشاعر المعقّدة. وفيه تَظهر الرسّامة بشعر قصير بعد أن قصّت شعرها الطويل الذي يظهر متناثرا حولها. الشعر المقصوص يرمز للتمرّد والاستقلالية وتوكيد الفردانية وتحدّي أدوار الجندر التقليدية.
    كما أن الرسّامة ترتدي بدلة وربطة عنق رجالية، بدلاً من الفستان المكسيكي التراثي الذي اعتادت أن تظهر به. وفي هذا أيضا تلميح الى هويّتها الخاصّة، المركّبة والمتعدّدة الأوجه، ورفضها للأعراف المجتمعية.
    في الصورة أيضا، تحمل الفنّانة مقصّا في يد وخصلة شعر باليد الأخرى. وبتناولها المقصّ وقصّ شعرها، تؤكّد استقلاليتها ورفضها لتوقّعات المجتمع التي فُرضت عليها كامرأة. أي أن للمقصّ في اللوحة رمزية قويّة، اذ يجسّد قدرة كالو على التصرّف وتحكّمها بجسدها وهويّتها.
    كانت كالو قد قصّت شعرها بعد شهر من طلاقها من زوجها الرسّام دييغو ريفيرا، ثم رسمت لنفسها هذه اللوحة بعد ذلك بوقت قصير. وفي أعلى الصورة، تظهر نوتة موسيقية مصحوبة بكلمات من أغنية شعبية مكسيكية تقول: انظر، إذا كنتُ أحببتك فذلك بسبب شعرك. الآن وقد أصبحت بلا شعر، لم أعد أحبّك".
  • ❉ ❉ ❉

  • "ضوء القمر الساطع يضيء واجهة السرير
    فيبدو كما لو كان صقيعا على الأرض.
    أنظر إلى الأعلى فأرى القمر اللامع في السماء
    وأنظر إلى الأسفل فأملأ ذهني بذكريات مدينتي".
    قصيدة "لي باي" هذه عنوانها "خواطر في ليل صامت"، وهي من أشهر القصائد الصينية التي كُتبت في عهد سلالة تانغ. والقصيدة قصيرة كما هو واضح ولا تستخدم سوى كلمات قليلة، لكنها مفعمة بالشغف والحنين .وما تزال تدرَّس كجزء من مناهج الأدب الصيني، وكواحدة من أقدم أعمال الشعر الصيني نظرا لبساطتها النسبية واستخدامها المباشر والفعّال للصور الشعرية الوثيقة الصلة بالقيم الكونفوشية.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • أُعجب عالم الأنثروبولوجيا جيمس موني بمركزية الماء في عالم الشيروكي. وكان قد أمضى في نهاية القرن التاسع عشر موسما عاش فيه مع بعض الأمريكيين الأصليين في جبال سموكي "الدخان" العظيمة بولاية كارولاينا الشمالية.
    وسجّل موني في دراسة له كيف أن الشيروكي تصوّروا الأرض على أنها "جزيرة كبيرة تطفو فوق بحر من الماء، معلّقة من كلّ من الجهات الأربع الأصلية بحبل يتدلّى من قبّة السماء. وعندما يشيخ العالم ويتآكل، سيموت الناس وتنقطع الحبال، فتغرق الأرض في لجّة المحيط ويعود كلّ شيء إلى الماء".
    كما كتب عن الأهمية الروحية التي يوليها الشيروكي لأنهارهم وجداولهم وبِركهم المحلية وقال إنه كان يذهب مع مجموعة منهم كلّ صباح عند بزوغ الفجر إلى جدول متدفّق، حيث يواجهون شروق الشمس ويغمرون أنفسهم في الماء الجاري، مجسّدين نوعا من الولادة الجديدة. واستنتج أن الذهاب إلى الماء "جزء من طقس لنيل العمر المديد وكسب ودّ النساء والشفاء من مرض مهلك وجلب الرخاء للعائلة مع كلّ عودة للقمر الجديد".
    لعدّة قرون، قبل تهجير شعب الشيروكي قسرا من أوطانهم الأصلية بدءا من عام 1838 خلال معركة درب الدموع، ارتبط نهر تينيسي ارتباطا وثيقا بالشيروكي، لدرجة أن المستوطنين الإنغليز والإسبان والفرنسيين غالبا ما كانوا يشيرون إليه ببساطة باسم "نهر الشيروكي". ومفردة الشيروكي التي تعني النهر، أو "الرجل الطويل"، تستحضر شيئا من الجوهر المقدّس لذلك النهر وغيره من الأنهار التي اعتبرها الشيروكي كيانات حيّة تتمتّع بشخصيّات وسمات فريدة.
    وبينما رأى المستوطنون الأوربّيون في نهر تينيسي مصدرا للفرص الاقتصادية، عارض شعب الشيروكي أيّ تحويل كبير لمجرى النهر أو بناء سدّ فوقه. ومن وجهة نظرهم "فإن ما تفعله عندما تُغيّر مجرى النهر هو تدميره. فالأنهار التي لا تتدفّق وتشكّل بِرَكاً راكدة كبيرة من المياه، كما هو الحال في السدود، تُعتبر مياها ميّتة. وعندها يفقد النهر شخصيته وأهميّته الروحية والشعائرية".
    اليوم، في جبال سموكي، حيث أمضى جيمس موني فترة مع قبيلة شيروكي الشرقية، وحيث فرّ عدد كبير منهم في عهد الرئيس جاكسون لتجنّب التهجير، تتدفّق عشرات الأميال من الجداول المحمية بمحاذاة مناطق غابات هادئة، مارّةً بوسط مدينة شيروكي، بينما تُبذل جهود لتجديد جداول المياه الجبلية.
  • ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات...
    ○ إن إضفاء طابع رومانسي على العالم هو ما يجعلنا ندرك سحره وغموضه وعجائبه. ويجب أن ندرّب حواسّنا على رؤية العادي على أنه غير عادي، والمألوف على أنه غريب، والدنيوي على أنه مقدّس، والمحدود على أنه لانهائي. نوفاليس

    ○ لا تحمل معك أثناء ترحالك إلا ما تستطيع حمله دائما: لغات أخرى ومعرفة بالبلدان والشعوب. ولتكن ذكرياتك حقيبة سفرك. ألكسندر سولجينتسين

    ○ قصّة بيرسيوس اليونانية الكلاسيكية هي مظهر مبكّر لحكاية شعبية واسعة الانتشار، صنّفها فلكلوريو القرن العشرين تحت اسم "قاتل التنانين". هل كان هناك بيرسيوس بدائي أنقذ عذراء من تهديد استثنائي، من نوع من التضحية البشرية مثلا؟ من الصعب الإجابة على هذا السؤال، ولكن ليس من الصعب تخيّل مدى قدَم الحادثة البدائية عن قاتل التنانين.
    فهي منتشرة في ثقافات كثيرة، ولا يمكن تصوّر وجود صلة أدبية بينها وبين اليونان القديمة، حيث نشأت أسطورة بيرسيوس. ومع ذلك، فإن المجموعة المشتركة من الزخارف في النسخ المتعدّدة من الأسطورة تُظهر بوضوح نوعا من العلاقة الوراثية أو الترابط التاريخي. هل نحتاج إلى العودة آلاف السنين قبل أوّل تسجيل لقصّة بيرسيوس للعثور على بيرسيوس البدائي هذا؟ من الأسهل بكثير أن نفهم أن الحكاية الشعبية انتشرت ببساطة وأن أحد مظاهرها كان في اليونان القديمة. ر. أدامز

    ○ لا يرى أيّ فنّان عظيم الأشياء على حقيقتها. لو فعل ذلك، لتوقّف عن كونه فنّانا. مارك توين

    ○ كانوا يُلقّبونه بـ بيتر النَسيان "أي كثير النسيان". في إحدى المرّات، وصل إلى المعهد الموسيقي ولم يجد التشيللو الذي كان يحمله. قال بابتسامة عريضة: ربّما ضاع في الطريق. مشى عائدا إلى غرفته. ولم يجد التشيللو هناك. ثم تذكّر لفافة الخبز التي اشتراها من المخبز المجاور. وكان التشيللو هناك مع الرغيف أيضا. قال بيتر: لديّ ذاكرة قويّة. وأضاف اقتباسا من فيلسوف مشهور: الذاكرة هي القدرة على النسيان". وبنفس الذاكرة، نسي أيضا الأسماء والمواعيد والوعود. نسي المكان الذي ركن فيه سيارته، فاضطرّوا للبحث عنها في نصف المدينة في منتصف الليل. كان ينتظر ساعتين مبكّرا في المطعم الخطأ، وللمرأة الخطأ. وقال إن النسيان هو شرط السعادة. باتريشيا دي مارتيلييه

    ○ أتركْ بابك الأمامي والخلفي مفتوحين. دع الأفكار تأتي وتذهب. فقط لا تقدّم لها الشاي! شونريو سوزوكي

    ○ ما الحياة سوى رقصة من الأشكال الزائلة. أليس كلّ شيء في تغيّر دائم: أوراق الأشجار في الحديقة، ضوء غرفتك وأنت تقرأ هذه الكلمات، الفصول، الطقس، هذا الوقت من اليوم، الأشخاص الذين يمرّون بك في الشارع. وماذا عنّا؟ ألا يبدو كلّ ما فعلناه في الماضي حلما الآن؟ الأصدقاء الذين نشأنا معهم، أماكن الطفولة، تلك الآراء والأفكار التي كنّا نتمسّك بها بشغف مطلق ثم تركناها الآن خلفنا؟ الآن، في هذه اللحظة، تبدو لك قراءة هذا الأسطر حقيقية تماما. لكن حتى هذه الأسطر ستصبح قريبا مجرّد ذكرى. سوجال رينوشي

    ○ إهتمّ بالحياة كما تراها، بالناس والأشياء، بالأدب والموسيقى. فالعالم ثريّ جدّا وينبض بالكنوز الغنيّة وبالأرواح الجميلة والأشخاص المثيرين للاهتمام. هنري ميلر

    ○ قصّة دراكيولا في الثقافة الحديثة كثيرا ما تهيمن عليها مشاهد عنف مروّعة ومعارك ملحمية بين وحوش ذات أنياب حادّة وصيّادين يحملون أوتادا. لكن مصّاص دماء رواية "برام ستوكر" يتميّز ببراعة مقلقة؛ إنه أقرب إلى "مخلّص من الفساد" منه إلى جزّار ملطّخ بالدماء. ولعلّ أفضل تفسير لشخصية "دراكيولا ستوكر" هو أنه مرض خبيث يسلب من يحبّ صفاته الفاضلة ويستبدلها خلسة بشرّ خالص لا يموت.
    في النصف الأوّل من الرواية، يجسّد ستوكر ببراعة الحزن والصدمة المرتبطين بمشاهدة هذه العملية المخيفة والشعور بالعجز عن تغييرها. وفي النصف الثاني، يقدّم عملا جديرا بالثناء بنفس القدر، مُظهرا كيف يمكن للشجعان أن يتّحدوا ويتكاتفوا في أعقاب الخسارة لمنع المزيد من المآسي. مايلز ريمار

    ○ الطريقة الوحيدة للتعامل مع عالم غير حرّ هي أن تصبح حرّا تماما، لدرجة أن يصبح وجودك نفسه فعل تمرّد. ألبير كامو

    ○ لا تبحث عن النجاح، فكلّما طاردته وجعلته هدفا، أضعتَه. فالنجاح كالسعادة، لا يُسعى إليه بل يجب أن يأتي من تلقاء نفسه. وهو لا يأتي إلا كأثر جانبي غير مقصود لتفاني المرء في سبيل قضية أعظم منه. وينطبق الأمر نفسه على النجاح: دعه يحدث دون أن تبالي به. أريدك أن تنصت لما يمليه عليك ضميرك وأن تنفّذه على أكمل وجه. عندها ستدرك أن النجاح سيلاحقك على المدى البعيد، لأنك لم تعد تفكّر فيه. فيكتور فرانكل

  • Credits
    chinahighlights.com
    fridakahlo.org

    الأحد، أغسطس 24، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • كانت الفنّانة الأوكرانية سونيا ديلوناي (1885-1979) شخصية بارزة في حركة الفنّ الطليعي في باريس. وقد خاضت مع زوجها الرسّام روبير ديلوناي مغامرة فنّية تستند الى تباينات الألوان وذوَبان الشكل من خلال الضوء. وأسّس الزوجان معا حركة فنّية ارتبطت بهما حتى بعد وفاتهما، وهي حركة الأورفية (orphism). الشاعر والناقد الفنّي غيوم أبولينير هو الذي اختار هذا المصطلح لوصف نسختهما الفريدة من التكعيبية، متذكّرا الاقتران القديم بين الفنّ والموسيقى الذي جسّده العازف والشاعر الأسطوري أورفيوس.
    وقد واصلت سونيا ديلوناي استكشاف هذه الحركة الفنّية بعد وفاة زوجها، وأصبح اسم الحركة "التزامنية Simultanism"، وهي فرع من الأورفية. وغالبا ما اقترن اسم ديلوناي بأسماء فنّانين مثل بيكاسو وماتيس وكاندنسكي. وقد رسّخت مكانتها كشخصية رائدة أعادت رسم الحدود بين الفنون الجميلة المختلفة.
    وهي لم تشارك زوجها فقط في تأسيس الأورفية، بل كانت أيضا أوّل فنّانة حيّة يقام لها معرض استعادي في متحف اللوفر عام ١٩٦٤. وقد تجاوزت رؤيتها الفنّية حدود اللوحات، حيث دمجت الفنّ في الحياة اليومية من خلال المنسوجات والتصميم الداخلي والأزياء.
    لوحتها "الهالات الكهربائية" (1914) هي أفضل مثال على براعتها في الألوان والأشكال. ويظهر النسيج فيها نابضا بالحياة بفضل خطوطها النشطة والمتقاطعة والدوّارة التي تعطي انطباعا بالحركة. وعنوان اللوحة يلمّح إلى استكشاف الضوء واللون. وقد استلهمت الرسّامة موضوع الصورة من الهالات الملوّنة للمصابيح الكهربائية في أحد شوارع باريس. وتتركّز النقطة المحورية في الصورة على دائرتين متداخلتين كبيرتين صُنعتا بواسطة أقواس أو أشكال منحنية من الألوان الأساسية والثانوية الموضوعة بجوار بعضها البعض.
    ولو أمعنت النظر في اللوحة سترى أضواءً من الألوان المُشعّة التي تتخلّل اللوحة بأكملها، وكشكا طويلا به كتب، بالإضافة الى أجزاء من شخصيات غامضة في النصف السفلي من اللوحة، وقد امتصّتها الألوان الزاهية للضوء الكهربائي.
    يقول النقّاد إن براعة ديلوناي تتمثّل في قدرتها على تصوير هذا المفهوم في صورة تجريدية، ما يضفي على سطح القماش هذا السطوع. وينعكس تأثير عمق اللوحة في مزيج الألوان والأشكال المتباينة، مؤلّفةً ما يبدو وكأنه سيمفونية بصرية.
    كان اللون أحد أبرز العناصر في فنّ ديلوناي، وكان له ارتباط خاص بطفولتها في أوكرانيا، حيث تأثّرت بالفنون الشعبية والتطريز المليء بالألوان. وقد مهّدت موهبتها الاستثنائية وابتكاراتها في مجالي الضوء واللون الطريق أمام أجيال من الفنّانين لاستكشاف الإمكانات اللامحدودة للفنّ التجريدي.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • تتساءل باتريشيا دي مارتيلييه (1957 - 2009): ما الذي يجمع بين العاشق والكاتب والفيلسوف؟ وتجيب: الثلاثة ينتهي بهم المطاف لأن يصبحوا خالي الوفاض تماما: العاشق، لأنه لا مفرّ من رحيل محبوبه مؤقتا أو دائما. والكاتب، لأنه يحاول عبثا التعبير باللغة عمّا لا يُقال. والفيلسوف، لأن عقله لا يمنحه سوى الشك، وبالتالي لا يقين".
    في الثالثة عشرة من عمرها، نشرت دي مارتيلييه روايتها الأولى بعنوان "ملك البرّية". بطل الرواية أسد صغير أُسر في الغابة وأُجبر على مشاهدة أمّه وهي تُسلخ حيّة. ثم يُؤخذ الشبل إلى سيرك، حيث يُدرّب على أداء جميع أنواع الألعاب والحيل. وهناك يمزّقه صراع داخلي، إذ يكتشف مصدوماً أنه أصبح متعلّقا بسيّده البشري، أشرس أنواع الحيوانات على الاطلاق. لكنه في الوقت نفسه يتوق إلى الحريّة.
    يتمكّن الأسد من الهرب من السيرك ويعيش في الغابة لفترة. لكن القصّة لا تنتهي نهاية جيّدة. حيث يؤسر مجدّدا، وفي محنته، يُلقي بنفسه على القضبان حتى يُصاب بجروح بالغة، ثم يقتله أحد الحرّاس رحمةً به. باتريشيا، ذات الثلاثة عشر عاما، تحثّ أسَدها على التأمّل قائلة: لك أن تُقرّر بنفسك ما ستفعله بحياتك. لكن مهما تخيّلت وحاولت، فإن جميع الطرق تؤدّي إلى نفس المصير: الموت".
  • ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات...
    ○ اللغة منديل تنظيف منعش ورطب برائحة الليمون. اللغة هي نسمة الله، الندى على تفّاحة طازجة، مطر الغبار الناعم الذي يتساقط في شعاع شمس الصباح عندما تسحب من رفّ كتب قديم مجلّدا منسيّا. اللغة حفلة عيد ميلاد طفولة نصف متذكَّرة، صرير على الدرج، عود ثقاب متقطّع موصول بلوح زجاجي مجمّد، هيكل دبّابة متفحّمة، الجانب السفلي من صخرة غرانيتية، أوّل نموّ ريشي على الشفة العليا لفتاة متوسّطية، خيوط عنكبوت اكتسحها حذاء قديم منذ زمن طويل. ستيفن فراي

    ○ أتذكّر الحكاية القديمة الطريفة عن آينشتاين وهو يدرّس الرياضيات لفتاة صغيرة من جيرانه، لكن هذه المرّة ألقيت نظرة على مراسلات آينشتاين مع الناس العاديين الذين كتبوا إليه يطلبون منه النصيحة ويعبّرون له عن آرائهم، محاولين إظهار تقديرهم له. وقد اعجبت، ليس فقط بصدق ردوده، بل بقدرته على تخصيص بعض وقته للردّ على رسائل الناس، رغم كثرة انشغالاته وانطوائيّته المعروفة وحبّه للعزلة.
    وحقيقة أن الناس من جميع الأطياف، بمن فيهم الأطفال، شعروا بالحاجة إلى التواصل معه رغم استحالة فهمهم لمساهماته في الفيزياء، تشير إلى حاجة إنسانية فيهم. نعم كان آينشتاين شخصية مشهورة في مجتمع مهووس بالشهرة، لكن يبدو أن هناك شيئا ما في طريقة تعامل العامّة معه أعمق بكثير من مجرّد هوس المشاهير المعتاد، ما يوحي بأن آينشتاين استغلّ حاجة أعمق لديهم.
    لقد بلغت مكانة آينشتاين حدّا دفع مجلة "تايم" إلى اختياره وتمجيده كرجل القرن، ليس لأن هيئة تحرير المجلة قادرة على تقديره، بل لأنها اضطرّت إلى ذلك حفاظا على مصداقيتها ولإضفاء بعض الكرامة على حضورها البائس. ومع ذلك، فإن اللغز الكامن في قلب الصورة الرسمية لآينشتاين هو لامبالاته النفسية بالمؤسّسات والهياكل الرسمية للتعلّم والبحث وتأكيده الدائم على السعي وراء الأسئلة الأساسية والحفاظ على الفكر متجدّدا وحيوياً ومستقلاً. رالف دامين

    ○ ما فائدة الأحلام؟ لماذا نقضي شطرا من نومنا في رؤية قصص غريبة لا نتذكّرها إلا بشكل مبهم عندما نستيقظ؟ من أين تأتي هذه القصص، وماذا تعني؟ معظم الإجابات التقليدية تفترض أن الأحلام هي في الواقع قصص، أي أن لها معنى وتُروى لسبب. وأقدم نظريات الأحلام ترى أنها "رسائل من أقارب متوفّين أو من الآلهة". وقد تكون هذه الرسائل بسيطة أو معقّدة أو مباشرة أو غامضة لدرجة تتطلّب مساعدة تفسيرية من عرّاف أو شامان. ولكن في كلّ حالة، تُفهم الأحلام على أنها تواصل، كأن شخصا آخر يخبرنا بشيء ما أثناء نومنا.
    في إطار العلم، أصبح من غير المعقول وجود كيانات كهذه تخاطبنا، لكن نموذج الأحلام كرسائل لم يفقد جاذبيّته. وقد رأى فرويد ويونغ أن الأحلام قد تكون رسائل من أنفسنا، طالما أن هناك جزءا من أنفسنا لا نستطيع الوصول إليه مباشرة. إيليا فارير

  • Credits
    moma.org
    archive.org

    الثلاثاء، أغسطس 12، 2025

    نصوص مترجمة


    ○ كان الجيش رمزا للألمان. لكنه كان أكثر من مجرّد جيش، كان غابة متحرّكة. لا يوجد بلد حديث آخر في العالم ظلّ فيه الشعور بالغابة حيّا كما في ألمانيا. صلابة الأشجار المنتصبة وتوازيها وكثافتها وعددها تملأ قلب الألماني بمتعة عميقة وغامضة. وحتى اليوم، لا نزال نبحث عن الغابة التي عاش فيها أسلافنا ونشعر بالاتحاد مع الأشجار.
    في عام ١٩٣٦، ظهرت الغابة الألمانية في فيلم دعائي اسمه "الغابة الأبدية"، وهو ترنيمة سينمائية كئيبة بالأبيض والأسود تنشِد للغابات الألمانية، مع تعليق صوتي يناسبها يقول: إن موت الغابة وتحوّلها منسوج عبر التاريخ. الشعب مثل الغابة، قائم في الأبدية. نأتي من الغابة ونعيش مثل الغابة. من الغابة نصنع الوطن والمكان". كلمات مثل الوطن والشعب مثقلة بالأيديولوجيا ومن الأفضل تجنّبها اليوم. المكان، الغابة. من الصعب العثور على كلمات بالألمانية لتحلّ محلّهما. وكظاهرتين، هما مستمرّتان ولا يمكن الاستغناء عنهما. هانا انغلماير

    ❉ ❉ ❉

    ○ أحيانا يأتي الحبّ فجأة كانفجار هائل وبرق ساطع، كإعصار سماويّ يهبّ على الحياة ويغيّرها ويقتلع الإرادة كورقة شجر ويجرف القلب كلّه إلى الهاوية. الأشياء الجميلة والبسيطة هي الحقيقية، والحفاظ عليها وتقديرها هو ما يمنحك الشجاعة للتمسّك بالحياة.
    هذه هي بالتحديد رسالة رواية "مدام بوڤاري" لغوستاڤ فلوبير التي يحتاج قراءتها الذين يمرّون بمصاعب في حياتهم ويرومون عزاءً وتغييرا الى الأفضل. فلوبير يعلّمنا درسا بسيطا جدّا وثمينا للغاية، لكننا غالبا ما ننساه، وهو أن ننظر إلى الجانب المشرق من الحياة وأن لا متعة أعظم ممّا نملك. ليام ستيوارت

    ❉ ❉ ❉

    ○ لطالما اهتممتُ بالعلاقة بين البشر والحيوانات. وأرى أن الحيوانات الأليفة أكثر من مجرّد رفقاء للإنسان، فهي تلعب دورا محوريّا في تعزيز صحّتنا النفسية. من حبّ الكلب غير المشروط للإنسان، إلى وجود القطّة المهدّئ، تمتلك الحيوانات الأليفة طريقة فريدة لتخفيف التوتّر والقلق والشعور بالوحدة. ومن تجربتي مع الكلاب التي كنتُ قريبة منها، وجدت أنها تُظهر حبّا غير مشروط بطريقة يعجز عنها البشر.
    وقد تجاوز عمق الحبّ الذي لمسته من رفاقي الحيوانات أيّ شيء شعرتُ به في علاقتي بالبشر. وثبت أن الكلاب تخفّف من قلق الانسان وتمنحه شعورا بالرضا. كما يساعد وجود كلب على خفض مستويات الكورتيزول المرتبطة بالتوتّر والقلق. وقد يُفسّر هذا سبب تبنّي الكثير من الناس للكلاب خلال فترة الجائحة. وعندما كنت أعاني من مرض خطير، وجدتُ راحة كبيرة في رفيقي "كلب الراعي" الألماني. كان وجوده علاجا بحدّ ذاته. ميشيل سليتر

    ❉ ❉ ❉



    ❉ ❉ ❉

    ○ من بين مئات الرسائل التي كتبها العالم الفيلسوف أبو يوسف يعقوب الكندي، هناك رسالة شيّقة في الأخلاق بعنوان "دفع الأحزان"، يمكن وصفها بأنها نوع من العزاء الفلسفي. وتتكوّن من نصائح عملية وحكَم وأمثال وحكايات تساعد على نبذ الحزن ومضاعفة السعادة.
    وهناك مقطع لافت في تلك الرسالة، يقول لنا فيه الكندي: تخيّلوا أننا في رحلة بحرية الى احدى الجزر على متن قارب ممتلئ إلى أقصى حدّ بالركّاب وأمتعتهم. يرسو القارب مؤقّتا وننزل منه لنستمتع بوقت فراغ في استكشاف الجزيرة. وعلى الجزيرة، قد نسبح مع الأسماك ونشتري بعض الأشياء ونتمشّى على الشاطئ ونستكشف أنواعا جديدة من النباتات والحيوانات ونصادق السكّان الأصليين ونقطف الثمار من الأشجار، أو حتى ننصب أرجوحة للاسترخاء.
    وبعد قليل، سيدعونا القبطان للعودة إلى القارب لمواصلة رحلتنا. قد يشعر بعضنا بالحزن لترك ممتلكاتنا الجديدة التي تعبنا في جمعها. وقد نحاول إقناع أنفسنا بأننا نستطيع بطريقة ما إيجاد طريقة لوضعها على متن القارب. وقد يعاني آخرون من فقدان صداقاتهم الجديدة. وندرك ونحن نعود إلى القارب أن كلا المطلبين مستحيل. حياتنا على الأرض تشبه التوقّف في هذه الجزيرة.
    وما يريد الكندي أن نستنتجه من هذه القصّة هو أننا قريبا سنُدعى للعودة إلى قاربنا لمواصلة رحلتنا الكونية إلى الحياة الأخرى، وأن ندرك أن الحزن أو الأسى هو نتيجة التعلّق بأشياء لن تبقى معنا. يُقال إن إبكتيتوس كان قد أسدى نصيحة مقلقة ذات مرّة، وهي أنه عند تقبيل طفل، يجب على المرء أن يذكّر نفسه بأن الطفل قد يموت غدا. هذا الشعور الرواقي يتردّد صداه في الفكرة القرآنية القائلة بأن "كلّ شيء هالك إلا وجهه".
    كان الكندي مدركا لهذا الأمر بالتأكيد. وهو يرى أن الخسارة حتمية، لكن الحزن ليس كذلك؛ إنه خيار يعتمد على كيفية استجابتنا للمواقف التي تضعها الحياة في طريقنا. وعلينا أن نقرّر أنواع التعلّقات التي نبنيها وأن ننمّي العادات الصحيحة التي ستحمينا من الوقوع في دوّامة الحزن كلّما فقدنا شخصا أو شيئا. تور محمود

    ❉ ❉ ❉

    ○ عندما يبدأ يوم جديد، تجرّأ على الابتسام بامتنان. وعندما يحلّ الظلام، حاول أن تكون أوّل من يضيء النور. وعندما يشيع الظلم، تجرّأ على أن تكون أوّل من يدينه. وعندما تبدو الحياة وكأنها تهزمك، لا تتوقّف عن المقاومة. وعندما يبدو أنه لا يوجد أمل، حاول إيجاد بعضه. وعندما تشعر بالتعب، ثابر على الاستمرار. وعندما تكون الأوقات صعبة، كن أنت أقوى.
    وعندما يتألّم شخص ما، ساعده على الشفاء. وعندما يتوه شخص، ساعده في العثور على الطريق. وعندما يسقط صديق، كن أنت أوّل من يمدّ إليه يده. وعندما تتقاطع طرقك مع شخص آخر، حاول أن تجعله يبتسم. وعندما تشعر بالرضا، ساعد شخصا آخر على الشعور بالرضا أيضا. وفي جميع الأوقات، حاول أن تكون أفضل ما يمكنك! ستيف مارابولي

    ❉ ❉ ❉

    ○ هناك لمحة من السحرة والساحرات والشامانات وحتى الفودو في عالم الرسّام بيتر رودولفو. لوحاته عبارة عن أدغال خلابة وشواطئ كاريبية مشمسة وأكشاك طعام ومناظر طبيعية خضراء وجبال صخرية ومناظر بحرية متنوّعة وماء في كلّ مكان، في البحيرات والجداول والنوافير والأنهار، يتلألأ ويتدفّق ويتدفّق.
    رودولفو ينحدر من أصول مختلطة، دانماركية وإنغليزية وترينيدادية وألمانية. ولد في واشنطن وقضى معظم طفولته في أستراليا والهند قبل أن تستقر عائلته في إنغلترا. أُرسل إلى مدرسة داخلية سرعان ما كرهها وحلم بسرقة قارب والهروب إلى الهند. التحق بدورة فنون جميلة في مدرسة نورويتش للفنون.
    تكثر في أعماله تفاصيل من شوارع بائسة ومهمَلة. وهي ليست أعمالا سردية بالمعنى الحرفي، بل تحمل طابعا أدبيا قويّا يشبه حزنَ مقدّمة إليوت: والآن يلفّ مطر عاصف بقايا أوراق ذابلة قذرة حول قدميك وصحف من الأرض اليباب على الستائر المكسورة وأواني المداخن".
    تحمل هذه اللوحات وحدة إدوارد هوبر، أشخاص يلفتون الانتباه بغيابهم، لكنه يضيف إليها دائما لمسة سحرية: كلب يتكاسل في الميزاب بينما يراقبه طائر أسود؛ أسلاك تلغراف معلّقةٌ كعامود فوق زقاق خلفي، ومدخّن وحيد يتّكئ على صناديق القمامة.
    وهناك حضور منتشر للطيور والحيوانات. أرواح متقاربة، القطط لها ملمح آلهة مصرية، الكلاب حرّاس حُماة، ديك يصيح خارج كوخ بدائي، ببغاوان سمينان مرحان في حديقة حيوانات يعلوها سقف مموّج، سرب من طيور النورس يصطفّ على جزء من رصيف مع سماء تشبه أجنحة الملائكة، أزهار صفراء متدلّية تزيّن سياجا قديما، جنبا إلى جنب مع سلّة مهملات. ويغمر كلّ شيء بريق ساطع. جويس دنبار

    ❉ ❉ ❉

    ○ إن سماع شخص مثقّف اليوم يمزح بلهفة متباهية بأنه جاهل تماما بالعلم، أمر محبط كسماع عالم يتفاخر بأنه لم يقرأ قصيدة قَط. الشعر والعلم كلاهما تجلّيات للروح التي تبدع طرقا جديدة للتفكير في العالم، بهدف فهمه بشكل أفضل. العلم العظيم والشعر العظيم كلاهما رؤيوي، وقد يصلان أحيانا إلى نفس الرؤى. إن ثقافة اليوم التي تُبقي العلم والشعر متباعدين هي في جوهرها ثقافة حمقاء، لأنها تقلّل من قدرتنا على رؤية تعقيد العالم وجماله كما يكشفه كلّ منهما .كارلو روڤيللي

    Credits
    rodulfo.org

    السبت، أغسطس 02، 2025

    نصوص مترجمة


  • أحيانا نميل إلى اعتبار الإرهاب ظاهرةً خاصّة بعصرنا. ومع ذلك، فقد قُدّمت شخصيات روّاد الإرهاب المعاصر، أي الفوضويين والعدميين، في الأدب الروائي قبل نشوب أيّ من الحربين العالميتين. فروايتا" الشياطين" لفيدور دوستويفسكي "1871" و"العميل السرّي" لجوزيف كونراد "1907"، وهما من روائع الروايات الحديثة المبكّرة، تتناولان الثوّار السرّيين. وتشكّل رؤى هذين الكاتبين قراءة شيّقة لكلّ من يواجه صعوبة في فهم الفظائع العشوائية والعقلية الكامنة وراءها.
    غير أن الروايتين متناقضتان تماما في بعض الجوانب. فـ "الشياطين "تتّسم بطابعها الحادّ الذي يتأرجح بين الكابوس والمرح، بينما تتسم "العميل السرّي" بنبرة أكثر رصانة وكآبة. وشخصيات "الشياطين" أكثر وقصّتها أطول بكثير من سرد كونراد الأكثر تركيزا. لكن ما يجمع الروايتين هو أنهما تُصدران حكما قاسيا على من يسعون إلى اختصار طريق التغيير المجتمعي عبر العنف. وثوّار دوستويفسكي وكونراد مختلّون عقليّا ومنبوذون ومنقطعون عن الدراسة ومبذّرون وأرواحهم تائهة وعملهم لا يثمر خيرا.
    والروايتان مأساويتان، حيث يموت عدد كبير من شخصياتهما الرئيسية في النهاية. واليأس والانتحار قاسمان مشتركان بينهما، وكذلك موت الأبرياء والضعفاء. وتحتوي كلّ من الروايتين على شخصية مصابة بخلل إدراكي وتعاني من سوء حظّها بالتورّط مع أشخاص غير مناسبين.
    كان دوستويفسكي كاتبا متديّنا بعمق ومؤمنا بالخير الفطريّ في كلّ إنسان. وبرأيه عندما يرتكب الناس الشرّ، لا يكون ذلك لأنهم أشرار، بل لأنهم وقعوا تحت تأثير الشرّ أو الباطل.
    رواية "الشياطين "تدور أحداثها في قرية روسية، وتروي قصّة الفوضى التي ألحقتها عودة المهاجرين من الغرب بحياة المدنيين. فقد جلبوا معهم أفكارا ثورية من الخارج تتعارض مع كلّ ما هو روسي ومقدّس. وهذه الأفكار هي "الشياطين" المقصودة في عنوان الرواية. وقد اقتبسه دوستويفسكي من قصّة وردت في الإنجيل.
    وأحداث الرواية تتمحور حول شابّ يُدعى نيكولاي ستافروجين، اختار أن يجعل من حياته تجربة لإثبات أن الخير والشرّ ليسا سوى تحيّزات. وقد عاش حياة من التدهور الأخلاقي في الخارج، فاغتصب فتاة صغيرة ودفعها إلى الانتحار، ثم حاول موازنة خطئه بعبء بغيض، وذلك بزواجه من امرأة معاقة جسديّا وتعاني من مرض نفسي.
    نظير ستافروجين هو بيوتر فيركوفينسكي، وهو شخص كاذب ومختلّ عقليّا. وعلى عكس ستافروجين، لا يشعر بأيّ ندم على أفعاله، إذ يقتل شخصين ويتسبّب في وفاة ثلاثة آخرين. ثم يفرّ في النهاية غير مكترث بمن جرّهم إلى مشروعه البغيض والعبثي.
    وفيركوفينسكي لا تربطه أيّ علاقة عاطفية بأيّ شخص آخر سوى ستافروجين، لأنه يعتقد بأن هذا الشخص مفيد في قيادة ثورته. وفيركوفينسكي مقتنع بأن الدمار الذي يسعى لإشعاله في هذه البلدة الصغيرة يمكن تكراره مع مرور الوقت في جميع أنحاء روسيا، ما سيؤدّي إلى قلب النظام الاجتماعي "الاستبدادي". وهو لا يبالي إن كان الانقلاب سيُكلّف ملايين الأرواح ويقول: مائة مليون رأس، هكذا يصرخون. ولكن لماذا الخوف إذا كان الاستبداد سيأكل بعد مائة عام خمسمائة مليون رأس وليس مئة مليون؟!" لفيركوفينسكي قدرة استثنائية ومرعبة على التلاعب بالآخرين وتسخيرهم للكذب الذي وقع هو نفسه فيه.
    والعدميون عند دوستويفسكي مجموعة متنوّعة: حمقى يتلاعب بهم مختلّ عقليّا لتحقيق غاياته المروّعة والخيالية وأرواح مضلّلة كان من الممكن أن يحقّقوا الخير في هذا العالم لولا إغوائهم بالفكر الثوري. وجميعهم مثيرون للشفقة باستثناء فيركوفينسكي الذي ظلّ جامدا في شخصيته حتى النهاية.
    ودوستويفسكي في الرواية لا يدافع عن مجتمعه، أي روسيا القيصرية في أواخر القرن التاسع عشر، ولا يدّعي كمالها، وإنما يقصر اهتمامه في" الشياطين"على أولئك الذين يسعون إلى تقويض استقرار الدولة القومية من خلال سفك الدماء.
    ويردّد كونراد هذا الشعور في رواية "العميل السرّي"، التي تدور أحداثها بعد نحو ثلاثين عاما من الفترة التي تغطّيها رواية "الشياطين"، في لندن في مطلع القرنين التاسع عشر والعشرين. وفوضويو كونراد أقلّ إثارةً للإعجاب من عدميي دوستويفسكي. فهناك كارل يوندت، الذي أعلن نفسه إرهابيا وهو في الحقيقة رجل عجوز هزيل في حالة صحّية متدهورة. وهناك ميكايليس الذي أُطلق سراحه بعد مشاركته في عملية هروب من السجن أسفرت عن مقتل شرطي.
    والعضو الخطير الوحيد بين هؤلاء هو البروفيسور، وهو شخص منعزل ومهووس هدفه الرئيسي في الحياة هو تطوير "المفجّر المثالي". كما أنه مجرّد من أيّ عاطفة ومعتاد على الفقر والعزلة ومتمسّك تماما بأحلامه التدميرية. وكونراد يُصوّره كرجل مظلوم في مجتمع لم يدرك مواهبه وشخص مجروح يسعى للتعويض عن ذلك بلعب دور خارج الحياة العادية.
    والبروفيسور هو من وفّر المادّة اللازمة للحدث المحوري في القصّة، وهو انفجار مرصد غرينتش. وقد اتضح أنه عمل فاشل من قِبل العميل السرّي الذي يحمل عنوان الرواية.
    ومثل دوستويفسكي، يركّز كونراد على البعد الإنساني أكثر من البعد السياسي ويرسم صورة مقنعة تماما للشخصيات العادية غير السياسية في قصّته. فهم أناس حقيقيون يعيشون حياة حقيقية وتربطهم علاقات صادقة ولا يسع أيّ قارئ إلا أن يتعاطف معهم.
    ووجهة نظر كونراد هي أن الناس العاديين هم من يعانون الكثير من المشقّة والألم، وهم من تُدمّر حياتهم ويُحرمون حتى من حقّهم في الأمان، بينما تستمرّ الحكومات وأجهزة الدولة في العمل بغضّ النظر عن كلّ ذلك. مارك هاركن
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • بعد حوالي 140 عاما من رسم رمبرانت لآخر لوحة له في عام 1669، وهي صورة حزينة للمسيح الطفل في المعبد، وكانت على حامل الرسم الخاص به عندما توفّي، شعرت بأن بيتهوفن كان يعمل على نفس الموضوعات الطهرانية التي عمل عليها أعظم رسّام عاش على الإطلاق. وجلست أفكّر في رجل، على عكس بيتهوفن، مات مفلسا مهزوما ومحروما من الناس الذين أحبّهم ومنبوذا من قبل منتقديه ووحيدا في مرسمه الفارغ. وفكّرت أيضا في التحدّيات التي يفرضها التزام الفنّان بالإبداع بأيّ ثمن، والتناقضات التي لا يمكن التوفيق بينها بين الحياة والموت، والحياة التي يقضيها الفنّان في قياس التوازن الدقيق بين الخسارة والفداء.
    ما من شك في أننا محظوظون برؤية صور رمبراندت الشخصية. صِدقُه الوحشي والذي لا يرحم في تصوير نفسه يتجاوز الزمن، وهو جوهر الفن. إن عيون رامبرانت تحدّق فينا بحنان وتعاطف وحزن وشفقة وفهم وتأمّل في الذات. وهو يخبرنا بما يعنيه أن تكون إنسانا. الجسد ينتابه الوهن ويرتخي، والعينان الصغيرتان قد رأتا كلّ شيء ولم يفاجئهما شيء والجسد ضعيف، ومهما كانت الملابس باهظة الثمن فإنها تنكمش وتضيق تحت ثقل أعباء الوجود.
    عندما أشعر بالملل والانسداد الفنّي والعاطفي، أذهب إلى متحف لألقي نظرة على رمبرانت وأخرج منه محصّنا ومنغمسا في الحياة. وبصفتي رسّاما، كان رمبرانت دائما هو الشخص الوحيد. كان أوّل مشروع لي في مدرسة الفنون منذ 45 عاما عبارة عن نسخة من لوحة "مارغريتا دي غِير، زوجة ياكوب تريب" التي تعود إلى عام 1661 والموجودة في الناشيونال غاليري.
    وقد اعتدت أن أنام كلّ ليلة في غرفة بها نقوش لرامبرانت على الحائط. وسمّيت ابنتي على اسم زوجته الحبيبة ساسكيا. وأقوم برحلات منتظمة إلى كينوود هاوس في لندن لزيارة صورته الذاتية ذات الدائرتين، وإلى متحف رايكس في أمستردام لزيارة "العروس اليهودية"، والتي كانت نسخة طبق الأصل منها في مرسمي منذ بدأت الرسم لأوّل مرّة.
    ذات يوم، اعترفَ فان غوخ لصديق أنه كان سيضحّي بكلّ سرور بعشر سنوات من حياته ليجلس أسبوعين مع كسرة خبز فقط أمام هذه اللوحة. إنها تتحدّث عن الحبّ والحنان. ولكن في أبعادها الثلاثة المضطربة، هي أيضا نموذج لمستقبل الرسم.
    على غرار جاكسون بولوك، يرسم رمبرانت بالجسد والروح، وتعمل السَّكينة التي تثيرها لوحته بقوّة إيمائية نربطها أكثر بالقرن العشرين وليس بالفنّ الهولندي في القرن السابع عشر. إن كلّ عمل من اعمال رمبرانت يلهمنا الشعور والتفكير ورؤية أن معنى الفنّ والحياة هو دفع كلّ ما هو ممكن إلى أقصى حدوده. إذهب وانظر! روبن ريتشموند

  • Credits
    rembrandthuis.nl
    online-literature.com

    الثلاثاء، يوليو 29، 2025

    جوهرة القصر


    في اللوحة التي فوق، يصوّر الفنّان الروسي ڤاسيلي ڤيريشاغين جمال وعظمة "تاج محل" وانعكاساته في المياه الهادئة، مركّزا بشكل خاصّ على هندسته المعمارية الرائعة التي تثير شعورا بالسكينة والهدوء والتأمّل.
    كان ڤيريشاغين قد انطلق في أواخر عام ١٨٧٤ مع زوجته في جولة واسعة في جبال الهيمالايا والهند والتبت استغرقت أكثر من عامين. وتضمّنت تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر جولات شاقّة على ظهور الخيول والجمال، وأحيانا المشي على الأقدام. وبالإضافة إلى درجات البرودة الشديدة، واجه الرسّام حيوانات مفترسة وقطّاع طرق ونجا من غرق شبه مؤكّد.
    في ذلك الوقت كان التنافس بين روسيا وإنغلترا على مناطق النفوذ على أشدّه. ورغم أن فيريشاغين كان رسّاما عسكريّا، إلا أن الحكومة البريطانية سمحت له بالدخول الى الهند والسفر فيها بحرّية. لكن الإنغليز استاءوا فيما بعد من لوحة أخرى للرسّام عن حرب الاستقلال الهندية، تُظِهر جنودا هنودا يُعدَمون بربطهم بفوّهات البنادق. وكانت تلك أوّل صورة تصوّر وحشية الحكم البريطاني للهند.
    أثناء رحلته الهندية، وجد فيريشاغين إلهاما كبيرا في الألوان الزاهية والتضاريس المتنوّعة لتلك الأرض الغريبة. وتضمّنت سلسلة لوحاته عن الهند دراسات للممرّات الجبلية والسكّان والمعابد والحياة الثقافية والعمارة. وقد نفذّها جميعا بواقعية شديدة مع عناية فائقة بالتفاصيل.
    يقال ان شاه جيهان لما رأى "تاج محل" بعد اكتماله مباشرة قال: لو لجأ مذنب إلى هنا لتحرّرَ من ذنوبه وغُفر له. ولو شقّ خاطئ طريقه نحو هذا الضريح لمُحيت جميع زلّاته ومعاصيه. إن منظر هذا القصر يثير تنهّدات حزينة في هذا العالم، وقد بُني ليُظهر مجد الخالق."
    البعض يصف وثائق الهند المغولية بأنها أشبه ما تكون بحديقة خصبة وزاهية الألوان. فهناك العديد من المنمنمات التي تجسّد حياة الأباطرة وحاشيتهم. في الواقع، هناك الكثير منها، وهي في غاية الجمال، لدرجة أنه يمكن من خلالها إعادة إنتاج مشهد الهند خلال القرن السابع عشر بأصالة عالية.
    كما أن المعلومات عن "تاج محل" بالذات متوفّرة ومتاحة. إذ يُعرف الكثير عن حياة الإمبراطور المغولي شاه جهان والأسباب التي دفعته إلى بناء هذا الضريح المدهش. كما تتوفّر الكثير من البيانات والمعلومات عن المباني والموادّ المستخدمة وأسماء العديد من الأشخاص الذين عملوا فيها.
    ومع ذلك، لا يّعرف اسم مصمّم "تاج محل"، أو اسم المهندس المعماري الذي تولّى مسؤولية المشروع بأكمله، وإن كان يشار أحيانا الى مهندس يُدعى أحمد لاهوري. لكن عملية البناء بشكل عام أوكِلت إلى فرق من المهندسين المعماريين اختارهم شاه جهان نفسه. وكان بعضهم خبيرا في بناء القباب والبعض الآخر في الأساسات. أي أن أعمالا مختلفةٌ أُسندت إلى متخصّصين مختلفين جُمعوا في فِرَق.
    كان شاه جهان يتبع تقليدا مغوليّا بعدم ترك الزوجات وحدهنّ أثناء الحروب. لذا اصطحب معه زوجته ممتاز محل، التي يعني اسمها "جوهرة القصر"، في إحدى غزواته. وقد توفّيت أثناء تلك الحملة وهي تضع مولودها الرابع عشر بعد مخاض طويل دام 30 ساعة. حدث هذا عام 1631 وكان عمرها آنذاك يناهز الأربعين عاما فقط. وقيل إن الإمبراطور "صُدم بشدّة بموت زوجته، لدرجة أن شعر رأسه ولحيته تحوّلا الى لون أبيض في غضون أشهر قليلة".
    ومن يوم وفاتها، تخلّى شاه جهان عن الاستماع إلى الموسيقى وارتداء الملابس الفاخرة والعطور لفترة. وبلغ القلق بأحد أعمامه حدّا دفعه للكتابة اليه قائلا: إذا استسلمت للحزن والحداد، فقد تفكّر ممتاز في التخلّي عن متع الجنّة والعودة إلى هذه الأرض البائسة".
    ولتكريم ذكراها، قرّر شاه جهان بناء ضريح يكون قريب الشبه ببيتها الذي تخيّله في الجنّة. ورُوعي في تصميمه أن يضمّ مسجدا وبيت ضيافة وحدائق. وبدأ البناء عام 1632 على الضفّة الجنوبية لنهر يامونا في أغرا، واكتمل حوالي عام 1653. وقد شارك في بناء المجمّع أكثر من عشرين ألف عامل، من بنّائين ورسّامين وحدّادين وفنّانين، عملوا ليل نهار لمدّة اثنين وعشرين عاما.
    و"تاج محل" يُعدّ مثالا بارزا للهندسة المعمارية المغولية التي تجمع عناصر من الأساليب المعمارية الإسلامية والفارسية والعثمانية والتركية والهندية. وقد صُنع هيكل المبنى بشكل أساسي من الرخام الأبيض المستورد من راجستان والصين وأفغانستان والتبت، ورُصّع الرخام بأحجار شبه ثمينة، ونُقلت الموادّ المستخدمة في البناء بواسطة ما يقرب من ألف فيل.


    لأن الإسمنت لم يُبتكر إلا عام ١٨٢٤، فقد شُيّد "تاج محل" باستخدام الجير والحجر الأحمر والحجر الرملي والرخام. ومن الملاحَظ أن المآذن الأربع أُقيمت خارج القاعدة قليلا لكي تسقط بعيدا وليس على الهيكل الرئيسي في حال تعرّضه للدمار.
    والميزة المعمارية الأبرز هي القبّة البيضاء في قمّة الضريح، وتسمّى أحيانا "القبّة البصلية"، ويبلغ ارتفاعها حوالي ٣٥ مترا وتحيط بها أربع قباب أخرى. واتُّبع في "تاج محل" أسلوب إضاءة مبتكر، بحيث تتغيّر ألوانه طوال اليوم، فيظهر باللون الوردي في الصباح والأبيض عند الظهيرة والذهبي تحت ضوء القمر.
    لسوء الحظ ولأسباب تتعلّق بتنافس أبنائه على الحكم، وُضع شاه جهان تحت الإقامة الجبرية عام ١٦٥٨ من قبل ابنه أورانغزيب. ولم يتمكّن من رؤية "تاج محل" إلا عبر نافذة قصره خلال السنوات الثمان الأخيرة من حياته. وبعد وفاته، دُفن بداخل الضريح بجوار زوجته.
    وقبل ذلك انتشرت شائعات بأن شاه جهان أمر بقطع أيدي جميع المهندسين الذين عملوا في الضريح حتى لا يتمكّن أحد من بناء شيء يشبهه. لكن يبدو أن تلك كانت مجرّد تكهّنات غير مُثبتة.
    الجدير بالذكر أن "تاج محل" عاصرَ أحداثا عالمية مهمّة. فبحلول أواخر القرن التاسع عشر، تعرّض للتشويه على أيدي الجنود البريطانيين الذين انتزعوا الكثير من الأحجار الثمينة من جدرانه أثناء تمرّد محلّي. ثم أمر المندوب السامي البريطاني في الهند بترميم الضريح وأهدى مصباحا كبيرا ليُعلّق في إحدى غرفه الداخلية.
    وأثناء الحرب العالمية الثانية، وفي محاولة لتضليل القاذفات اليابانية، غُطّي الضريح بسقالة ضخمة لجعله يبدو وكأنه مستودع مبنيّ من الخيزران. كما نُصبت السقالات مرّة أخرى أثناء الحرب بين الهند وباكستان في عامي 1965 و1971 وذلك لتضليل الطيّارين.
    واعترافا بأهميّته الثقافية وجماله المعماري، صُنّف "تاج محل" من قبل اليونيسكو كموقع للتراث العالمي عام 1983. وهو واحد من أكثر مناطق الجذب السياحي زيارةً في العالم، حيث يجتذب ملايين السيّاح كلّ عام، ويزوره يوميّا حوالي ١٢ ألف شخص من جميع أنحاء العالم. وبسبب تزايد التلوّث والتدهور البيئي، بدأت ألوان الضريح تبهت، ما دفع المسئولين الى إغلاق محطّات الوقود القريبة منه، في محاولة للحفاظ عليه وحماية سلامته.
    كثيرا ما أُضفيت على "تاج محل" مسحة رومانسية حزينة واعتبر رمزا للوفاء والحبّ النادر الذي ربط بين زوجين. وسبق للشاعر رابندراناث طاغور الحائز على جائزة نوبل في الأدب أن وصف الضريح بأنه "دمعة على خدّ الزمن".
    لكن بعض الكتّاب الهنود اليوم يشكّكون في هذه الفكرة، ويجادلون بأنه لو كان شاه جهان يحبّ زوجته حقّا لما أثقل عليها بكثرة الحمل والولادة، ما أدّى الى تدهور صحّتها ومرضها. ثم إنه بعد وفاتها بفترة قصيرة تزوّج من أختها الصغرى ثم من امرأتين أخريين وأنجب منهن بضعة أطفال آخرين قبل أن يأمر ببناء الضريح تكريما لممتاز زوجته السابقة.
    ويقول الروائي البريطاني من أصل هندي ڤيديادار نيپول: "تاج محل" صرح بديع استغرق بناؤه 22 عاما. لكنه في الهند ليس أكثر من مبنى أُهدرت عليه أموال طائلة بلا فائدة. إنه مجرّد نصب تذكاري لامرأة ليست هندية كانت تنجب طفلا كلّ عام لمدّة خمسة عشر عاما. وسيخبرك الدليل السياحي كم كلّف من ملايين".
    في عام ٢٠٠٠، ادّعى كاتب هندي أن "تاج محل" كان في الواقع معبدا للإلهة شيفا، وقدّم التماسا إلى المحكمة العليا في الهند للتنقيب في الموقع بحثا عن أدلّة. لكن المحكمة رفضت التماسه.
    وفي عام ٢٠٠٨، بنى مليونير بنغالي نسخة طبق الأصل من "تاج محل" بتكلفة أكثر من خمسين مليون دولار أمريكي، ليتمكّن فقراء بنغلاديش من الاستمتاع بهذا المعلم التاريخي دون أن يضطرّوا للسفر إلى الهند. واستغرقت عملية الاستنساخ تلك خمس سنوات باستخدام أحدث المعدّات.
    ويجري حاليا في دبي بناء فندق ومجمّع تسوّق فاخر مستوحى من تصميم تاج محل. وقيل إن حجم النسخة المقلّدة، التي تحمل اسم "تاج أريبيا"، سيبلغ أربعة أضعاف حجم النسخة الأصلية وبتكلفة قدرها حوالي مليار دولار أمريكي .

    Credits
    tajmahal.gov.in
    whc.unesco.org

    الجمعة، يوليو 25، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • أحبّ القطط وأؤمن بأن وجودها حول الإنسان يمكن أن يحميه من الشعور بالوحدة والاكتئاب وغيرها من المشاعر السلبية. يقول أحد الكتّاب المتخصّصين في سلوك الحيوانات أن إدراك قطّتك ونظرتها لك مختلفة عمّا تعتقده، بل غريبة تماما. فقد تعتقد أنت أنك المسئول والمالك والمُعيل لقطّتك، ولكن من وجهة نظرها تبدو الأمور معكوسة تماما.
    فالقطط لا ترى العالم كما نراه. فعيونها معدّة لأوقات الغسق والفجر، أي الساعات السحرية التي تصطاد فيها. وفي حين أن البشر لديهم رؤية ثلاثية الألوان، أي أننا نستطيع رؤية مجموعة واسعة من الألوان، بما في ذلك الأحمر والأزرق والأخضر، فإن القطط ترى الألوان الزرقاء والخضراء جيّدا، بينما تتلاشى الألوان الحمراء والوردية إلى درجات باهتة وغير واضحة. وقد تعجبك الألوان الحمراء الزاهية لسترة أو قميص، لكنها بالنسبة لقطّتك مجرّد بقعة رمادية.
    ويشير الكاتب الى أنه على العكس من الكلاب، لا تتعرّف القطط على الأشخاص من وجوههم، بل من أصواتهم. لذا قد تمرّ قطّتك من أمامك مباشرة دون أن تعرف من أنت، ولكن في اللحظة التي تفتح فيها الثلاجة في وقت الوجبة المعتاد، تجدها هناك بانتظارك. لذا من الناحية البصرية البحتة، أنت بالنسبة لقطّتك شكل طويل وغامض نوعا ما يتحرّك بطريقة معينة، وهذا عنصر أكثر من كافٍ لبدء بناء علاقة.
    إذا لم تتعرّف عليك القطّة من وجهك ولم تدرك الألوان أو التفاصيل الدقيقة، فكيف تعرفك؟! الإجابة، بحسب المقال، تكمن في السلوك. فالقطط بارعة في الذاكرة البيئية، فهي لا تحفظ الأماكن فحسب، بل تحفظ الأنماط، أوقات الطعام، إيقاع خطواتك، طريقة كلامك، حركة يدك، رمشة عينك وطاقتك العاطفية.
    إذن القطّة لا تحدّد هويّتك من مظهرك، بل من التفاعل معك. وهي لا تألفك لأنك تبدو بمظهر معيّن، بل لأنك تتصرّف بطريقة مألوفة ومريحة. وأنت لست إنسانا في أذهان القطط، أنت مجرّد وجود فريد في خريطتها الاجتماعية. وهي لا ترى كائنا طويل القامة يمشي على قدمين، بل ترى نمطا من السلوك يُشعرها بالأمان: أفعالك، نبرة صوتك، طاقتك الخ. لذا قد تُربكها التغييرات المفاجئة في سلوكك، لأنها تعتبرك ركيزتها ونقطة مرجعيّتها وبوصلتها العاطفية.
    وأكثر من هذا، عندما تفرك قطّتك ساقيك أو تتجعّد أو تقوّس ظهرها أو تقف بجانبك أو تضرب ذقنك برفق أو تداعب وجهك، فهذه ليست مجرّد إيماءات عشوائية، بل إشارات اجتماعية تُستخدم بين القطط، وهي تفعلها معك لأنها تعتقد أنك واحد منها.
    ومن المعلومات المثيرة والمثبتة علميّا عن القطط أنها تشعر بك عندما تكون حزينا أو متوتّرا وعندما تكون سعيدا. وردّ فعلها على تلك التغييرات يقول كلّ شيء، فإذا كانت قطّتك تتكوّر بجانبك وتطيل النظر إليك، فلأنها تعرف أنك لست على ما يرام.
    والمنطقة هي كلّ شيء بالنسبة للقطط، فهي تُعرّف العالم مكانيّا وليس فقط اجتماعيّا، وأنت عنصر أساسي في خريطتها المكانية. والمنزل ليس مجرّد مساحة مشتركة معك، بل هو ملكها أيضا. وكلّ جزء في الغرفة يحمل علامات الرائحة والروتين والقواعد يصبح وجودك فيه جزءا لا يتجزأ من عالم القطّة ومجالها الحيوي.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات..
    ○ في براغ عاصمة التشيك يوجد برج استثنائي، مصنوع بالكامل من الكتب! بينما كنت واقفاً هناك أحدّق في هذا البرج، أدركت حقيقة عميقة. المعرفة حبّ، لكنها أيضا ألم كبير لأنها تذكّرنا بحدود إمكانياتنا وعجزنا. طوال حياتي، قضيت وقتا طويلا منغمسا في الكتب، حتى بلغت حدّا ظننتُ فيه أنني صرت مكتفيا، وأنني قرأت ما يكفي وعرفت أناسا بما يكفي. لكن بينما كنت أواجه أكداس البرج الضخمة من الكتب المليئة بالمعرفة والحكمة والتجارب المختلفة، لم أستطع إلا أن أشعر بضآلتي ونقصي.
    في تلك اللحظة، أدركت أن المعرفة التي يحملها هذا العالم لا حدود لها، كمحيط ينتظر من يستكشفه. وهناك آلاف القصص وملايين الأرواح، كلّ منها مكتوب بأسلوب فريد. وتساءلت في داخلي: هل يمكننا أن نكتفي بما راكمناه من معرفة وأن نقول حقّا أننا حصلنا على ما يكفينا؟ والجواب: لا. لا ينبغي لنا أن نعيش في وهم أننا وصلنا إلى تلك النقطة النهائية، ولا أن ندع هذا الجوع للمعرفة في أنفسنا ينتهي، ولا أن نترك تلك الشعلة التي تحفّز فينا الرغبة في المعرفة والاستكشاف تذبل أو تموت. باتال اجرول

    ○ إذا نظرتَ إلى أعمال فرويد، فستجد أن شكسبير حاضر فيها جميعا. وقد أطلق فرويد على الشاعر الإنغليزي لقب "أعظم الشعراء". والذين يبدو أنهم لا يحبّون أعمال شكسبير مذهولون من موقف فرويد منه. وهناك مثقفون بارزون وكثر لا يروق لهم شكسبير كثيرا. ليو تولستوي مثلا نُقل عنه قوله ذات مرّة: أتذكّر الدهشة التي انتابتني عندما قرأت شكسبير لأوّل مرّة. توقّعت أن أحظى بمتعة جمالية غامرة. ولكن بعد أن قرأت كتبه، واحدا تلو الآخر، من "الملك لير" الى "روميو وجولييت" و"هاملت" و"ماكبث"، لم أشعر بأيّ متعة، بل شعرت بنفور وملل لا يُوصفان".
    ورغم أن تولستوي صرّح علنا بكراهيته لأعمال شكسبير، إلا أنه قال مرّة: أكره مسرحياته، لكنني لا أستطيع التوقّف عن قراءتها!". فهل هذا موقف منطقي من تولستوي؟ ولماذا أصرّ على إعادة قراءة المسرحيات مرارا طالما أنه لم يجد فيها أيّ قيمة؟ هل كان ذلك لدعم رأيه القائل بألا قيمة لكتابات شكسبير، أم أنه كان يتعلّم الكثير عن الحياة البشرية من تلك المسرحيات، برغم كلّ ما فيها من "ملل" كما قال؟! ديبس باركر

    ○ عندما تتأمّل في العدد اللامتناهي من الصُدف التي اجتمعت لتنتجك، ستدرك حينها كم أنت إنسان فريد وثمين. ومهمّتك هي تنمية تلك الطبيعة الثمينة والمقدّسة ومساعدتها على الازدهار. روبرت أيتكين

    ○ بعد عقود من وفاة الرسّام الاسباني فرانسيسكو دي غويا، استلهم الفنّانون في أنحاء أوروبا شيئا من واقعيته وانجذابه للعوالم الداخلية المظلمة واهتمامه بتصوير كوارث الحروب وقضايا المجتمعات واستخدامه لوسائل وتقنيات مختلفة. واعتبر بعض هؤلاء غويا نبيّا لفنّهم الجديد.
    وعلى الرغم من صعوبة تأكيد ما إذا كان النرويجي إدفارد مونك قد استلهم أعماله مباشرةً من غويا، إلا أن الاثنين كان لهما اهتمامات فنيّة مشتركة رغم أن أحدهما ولد قبل الآخر بأكثر من مائة عام. دي غويا لم يُكتشف ولم يحظَ بشهرة عالمية إلا في حياة مونك. وهذا يعني أن أعمال الفنّان الإسباني كانت جزءا من المشهد الفنّي الذي عاش مونك ضمنه. وعُرضت أعمال غويا في نفس المعارض ووُصفت بمفردات مشابهة لتلك التي وُصفت بها لوحات مونك.
    وقد انبهر العديد من أصدقاء مونك وجيله بخيال غويا الخصب وتجاربه اللامحدودة. ومثل مونك، يُعتبر غويا أحد أهمّ وأشهر الفنّانين في العالم. وهذه الأيّام، في ظلّ اشتعال الصراعات والحروب في أماكن مختلفة من العالم، تظهر مدى حداثة هذين الفنّانين وصلتهما الوثيقة والمستمرّة بعالمنا. توني هانسن

    ○ يركّز الناس على النماذج المثالية، بينما الأفضل من ذلك أن تبحث عن نماذج مضادّة، أي أشخاص لا تريد أن تشبههم عندما تكبر. نسيم طالب

    ○ ضمّن أنطونيو غرامشي كتابه "دفاتر السجن" قصّة قصيرة بعنوان "حكاية القندس" قال فيها: القندس، الذي يطارده الصيّادون للحصول على خصيتيه اللتين تستخدمان لاستخراج الأدوية الطبّية منهما، يقوم عادة بتمزيق خصيتيه لإنقاذ حياته". وقد ساق غرامشي القصّة كاستعارة لعجز الحزب الاشتراكي الإيطالي عن مقاومة صعود الفاشية واقتصار تكتيكاته على سلسلة من الأخطاء التي أضعفت من قدرته على التحمّل.
    وقد لا تعلم أن القندس، هذا القارض الصغير واللطيف، قد عانى تاريخا طويلا من القمع والاستغلال. فبعد وصول المستعمرين الأوروبيين الى القارّة الأمريكية بفترة وجيزة، أصبح القندس، وهو مصدر مهم للِباس وغذاء السكّان الأصليين، سلعة رئيسية لتجارة الفراء المزدهرة. وقد دفع فراء القندس الإنغليز والفرنسيين إلى حرب تجارية ضارية انتهت بانقراضه تقريبا.
    ومع ذلك، ظلّت قبّعات القندس لِباسا عصريا من عام ١٥٥٠ إلى عام ١٨٥٠. وقد اختار غرامشي الحديث عن القندس من بين جميع الحيوانات الأخرى لأن القنادس كنت قد انقرضت في إيطاليا منذ القرن السابع عشر نتيجةً للصيد العشوائي والمكثّف. وأسهمت حكاية غرامشي في ترسيخ فكرة أن القنادس حيوانات غبيّة وحمقاء وأنها مسئولة عن انقراضها. سينثيا أروزي

    ○ الحقائق التي لا ينشرها الإعلام لا وجود لها. كم من مجزرة وكم من زلزال يحدث في العالم وكم من سفينة تغرق وكم من إنسان يُضطهد ويعذّب ويُقتل! ومع ذلك، إذا لم يكن هناك من يرى أو يكتب أو يلتقط صورة، فكأن هذه الحقائق لم تحدث قط وهذه المعاناة لا أهمية لها ولا مكان في التاريخ، لأن التاريخ لا وجود له إلا عندما يُروى. تيزيانو تيرزاني

    ○ أحبّ بومباي، لذا أراها من منظور الشخص المحبّ. وأنا لست أعمى عن عيوبها، وأعلم أنها يمكن أن تكون المدينة الأكثر إحباطا في العالم كلّه. سيخبرك معظم سكّان المدينة مرّة واحدة على الأقل كلّ يوم أنهم يكرهونها! لكن نفس الأشخاص، بمن فيهم أنا، سيخبرونك أيضا أنهم يقولون لأنفسهم كلّ يوم "يا إلهي، أنا أحبّ هذه المدينة!"
    هناك الكثير من الأشياء التي تجعل بومباي مميّزة: النسمات الباردة، الموسيقى الموجودة في كلّ مكان؛ في كلّ سيّارة ومتجر ونافذة مفتوحة كما لو كانت المدينة معطّرة بالصوت، ملصقات الأفلام التي تحلّق في الأعالي، روعة النساء حيث المدينة معبد ونساء بومباي هنّ إلهاته، مجتمع البارسي "الزارادشتيون" حيث لا يحقّ لأيّ مدينة لا يوجد بها مجتمع بارسي أن تسمّي نفسها عظيمة، وكلّ قطاع آخر في هذا المزيج المتناقض من الوجوه والأماكن: أفضل المطاعم التي تقدّم أشهى المأكولات في العالم، المودّة والصداقات الدائمة بين الناس. وخلف كلّ ألوانها وأذواقها وروائحها وملمسها، يكمن جمال بومباي الذي لا يوصف. إنها جميلة وفخورة وجريئة وجذّابة وعطوفة. غريغوري روبرتس

    ○ نعيش على جزيرة محاطة ببحر من الجهل. ومع اتّساع جزيرتنا المعرفية، يتّسع شاطئ جهلنا. جون ويلر
  • الأربعاء، يوليو 23، 2025

    خواطر في الأدب والفن


  • يجسّد فنّ جاك لوي داڤيد أسلوب الرسم المعروف بـ "الكلاسيكية الجديدة Neoclassicism"، التي ازدهرت في فرنسا خلال أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. وقد تخصّص هذا الفنّان في رسم اللوحات التاريخية التي تتضمّن نماذج ودروسا أخلاقية، ودافع عن أسلوب الخطوط الدقيقة والأشكال المنحوتة والأسطح المصقولة.
    والكثير من لوحاته رسمها خدمةً للملوك والثوريين الراديكاليين والإمبراطور. ورغم تبدّل ولاءات داڤيد السياسية، الا أنه ظلّ وفيّا لمبادئ الكلاسيكية الجديدة التي نقلها إلى جيل من الطلاب، أشهرهم فرانسوا جيرار وأنطوان جان غروس وجان أوغست آنغر.
    من أشهر لوحات داڤيد تتويج ناپوليون التي كلّفه بوناپرت برسمها بمناسبة تتويجه إمبراطورا على الفرنسيين في الثاني من ديسمبر ١٨٠٤. وتعكس اللوحة ترسيخ سلطة ناپوليون والانتقال من فترة الثورة إلى الإمبراطورية. وقد استغرق العمل على اللوحة حوالي ثلاث سنوات واكتملت عام ١٨٠٧ .
    مراسم التتويج تجري في كاتدرائية نوتردام في باريس بحضور زوجة ناپوليون الإمبراطورة جوزيفين وعدد من الشخصيات البارزة، بينهم رجال دين وأفراد من عائلة الامبراطور، بالإضافة الى البابا. غير أن البابا لم يكن حاضرا فعلا ولم يتوّج ناپوليون بنفسه كما يُفترض، وذلك للتأكيد على الطابع العلماني للحكم.
    وقد ملأ الرسّام الصورة بأكثر من 140 شخصية. الحجم الضخم للعمل أتاح للفنّان فرصة رسم سمات مميّزة لكلّ شخص. ولم يغفل عن تفاصيل الأزياء والجواهر والمنسوجات الفاخرة التي تزيّن كلّ شيء، من الزوّار إلى جدران كاتدرائية نوتردام في باريس ذات الهندسة المعمارية الرائعة.
    أنظار الحضور تتّجه نحو ناپوليون الذي يحتلّ وسط اللوحة. وهو يقف مرتديا ثياب تتويج شبيهة بملابس أباطرة الرومان، ويحمل التاج بيديه تمهيدا لوضعه فوق رأسه، بينما تجثو امامه زوجته جوزيفين التي ترتدي ثوبا حريريا وتبدو راكعة في وضع خضوع، كما ينصّ على ذلك القانون المدني الفرنسي.
    وهناك شخصية محورية أخرى هي ماريا والدة ناپوليون التي تجلس على كرسيها الصغير في وسط خلفية اللوحة، في مكان أرفع من مكان البابا الذي يقف حانياً رأسه خلف ناپوليون. لكن والدة الإمبراطور في الواقع تجاهلت هذا الحدث ولم تحضره بسبب خلاف ناپوليون مع شقيقيه.
    ومن الملاحظ أن داڤيد رسم جوزيفين زوجة الامبراطور بحيث تبدو أصغر من عمرها الحقيقي البالغ 41 عاما آنذاك. كما أضاف للصورة بعض الشخصيات الأخرى مثل السفير التركي "المعمّم"، والواقف في الخلفية، رغم أنه لم يحضر المناسبة أصلا ولم يُسمح له بدخول الكاتدرائية لأنه مسلم.
    المفروشات والسجّاد والستائر والملابس توصل إحساسا بالعرض الدرامي الذي يمنح الناظر مقعدا في الصفّ الأمامي. ووفقا للروايات التاريخية، زُيّنت الكاتدرائية بمفروشات مزخرفة صُنعت خصّيصا لهذه المناسبة وفي وقت قياسي.
    ويقال إن ناپوليون عندما رأى اللوحة مكتملةً في ورشة داڤيد، انبهر بها وعبّر عن امتنانه للرسّام الذي "نجح في نقل تقديره لزوجته التي شاركته أعباء منصبه". ولهذا السبب قيل ان موضوع اللوحة هو في الحقيقة تتويج جوزيفين وليس ناپوليون.
    هذا العمل يجسّد قيم الكلاسيكية الحديثة بتركيزه على الوضوح والنظام والعظمة، وإظهاره التفاعل بين الفنّ والسياسة خلال فترة تاريخية شهدت تحوّلات كبرى في فرنسا. وقد استخدم الرسّام تباينات قويّة بين الضوء والظل لخلق عمق، وركّز على الشخصيات الرئيسية وأولى اهتماما خاصّا بتفاصيل الأزياء والمعمار وتعبيرات الوجوه.
    لم يكن داڤيد مراقبا سلبيّا للأحداث، بل كان مؤيّدا صريحا لما سُمّي "عهد الإرهاب"، قبل أن يصبح رسّاما أوّل لناپوليون. وعندما كان ما يزال شابّا، رفض أسلوب الرسم الريفي واختار الفنّ الكلاسيكي الحديث والمستوحى من العصور الرومانية القديمة.
    هذه اللوحة لا يُنظر اليها باعتبارها مجرّد تصوير تاريخي، بل أيضا تأكيد على شرعية حكم ناپوليون وعلى المزج بين الرمزية الدينية التقليدية والسلطة السياسية الحديثة وعلى الاحتفاء بالقومية الفرنسية. كما يمكن اعتبارها بيانا قويّا عن السلطة والهويّة ودور الفنّ في المجتمع.
    وقد ظلّت ملكاً للرسّام حتى عام 1819، عندما نُقلت إلى المتاحف الملكية، حيث خُزِّنت هناك حتى عام 1837. ثم وضِعَت في "الغرفة المقدّسة" لمتحف قصر ڤرساي التاريخي بأمر من الملك لويس فيليب. وفي عام 1889، نُقلت اللوحة من ڤرساي إلى متحف اللوفر حيث بقيت فيه الى اليوم.
    وقبل سنوات، ذكّر فيلم "ناپوليون" الملحمي للمخرج ريدلي سكوت بهذه اللوحة عندما عرضها في المشهد الذي يصوّر تتويج ناپوليون. وتضمّن الفيلم لقطة للفنّان دافيد وهو منهمك في رسم مشهد التتويج. ويبدو أن لوحة الرسّام كانت مصدر إلهام في تصوير تفاصيل ذلك الجزء من الفيلم.
  • ❉ ❉ ❉


    ❉ ❉ ❉

  • اقتباسات..
    ○ ولدتُ في طبقة لا تتقن لغتها الأم، وفي مدينة تخاف من المستقبل وتدرّب أهلها على الهجرة. وأنا الآن كاتبة أمريكية ضمن التيّار الأمريكي السائد الذي أحاول توسيعه. ولا أعتبر نفسي كاتبة هندية ولا منفية ولا مغتربة. أنا مهاجرة؛ أستثمر في الواقع الأمريكي لا الهندي. استغرقَ الأمر منّي عشر سنوات مؤلمة لأُسقِط طغيان الحنين المطبق الى الوطن الأصلي.
    أما النضال المتبقّي لي فهو جعل القرّاء الأمريكيين يدركون هذه الحقيقة. وكما يُظهر استقبال أفلام مثل "غاندي" و"ممرّ إلى الهند" و"الأروقة البعيدة" و"جوهرة التاج"، فإن الحنين طريق ذو اتجاهين. ويمكن للأمريكيين أن يشعروا بالحنين إلى عالم لم يعرفوه قط. يبدأ برنامجي الأدبي بالاعتراف بأن أمريكا غيّرتني. يمكنني أن أكون تشيكوفية وتولستوية برؤى حزينة وفلسفية عن انكسار القلوب وسقوط الحضارات، أو أن أكون مستوطنة جريئة وصاخبة في سهول الأدب الأمريكي المهمَلة. باراتي موكرجي

    ○ الغموض جزء من كلّ حياة، وربّما يكون من الأصحّ التمسّك به بدلا من قضاء العمر في البحث عن إجابات ناقصة. ومع ذلك، كبشر، نريد الحقيقة. قصصنا، حياتنا، قلقنا واكتئابنا المعاصر، كلّها عمليات بحث مفعمة بهذه الرغبة. يريد البشر الحقيقة كما يريد الماء أن يكون على مستوى سطح البحر ويتحرّك عبر القارّة نحو المحيط الأعظم. كتب الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار: الذاكرة حقل مليء بالآثار النفسية". قد يكون هذا صحيحا للبعض، لكن الذاكرة أيضا حقل للشفاء قادر على إعادة بناء العالم، ليس فقط للشخص الذي يتذكّر، بل للثقافات أيضا. عندما يقول المرء "أتذكّر"، يصبح كلّ شيء ممكنا. ليندا هوغان

    ○ هناك أيّام في حياتنا لا يحدث فيها شيء، وهي تمضي دون أن تترك ذكرى ولا أثرا لمرورها، كأننا لم نعشها أصلا. لنفكّر في الأمر، فمعظم الأيّام هكذا. ولكن عندما ندرك أن عدد الأيّام المتبقية محدود، نتساءل كيف سمحنا لكلّ تلك الأيّام أن تمضي دون أن ننتبه لها. لكن هكذا خُلقنا، لا نقدّر ما نملك إلا بعد فوات الأوان، ولا نفهم معنى أن نكون في الحاضر إلا عندما يصبح شيئا من الماضي. ولكن حينها يكون قد فات الأوان. تيزيانو تيرزاني

    ○ ليس لدى المغول مساكن ثابتة في أيّ مكان ولا يعرفون أين ستكون مدينتهم التالية. وليس لديهم أيّ "مدينة باقية" في أيّ مكان. وعندما وجدت نفسي بينهم، بدا لي وكأنني انتقلت إلى عالم آخر. ومن طعامهم ومؤنهم، علمت أنهم يأكلون جميع حيواناتهم، حتى الميّتة، ودون تمييز. ومع كلّ هذه القطعان، لا بدّ أن يموت الكثير من الحيوانات.
    فإذا مات ثور أو حصان مثلا، فإنهم يجفّفون لحمه بتقطيعه إلى شرائح رفيعة وتعليقه في الشمس والريح، حيث يجفّ فورا وبلا ملح ودون أن تفوح منه رائحة. وبأمعاء الخيول، يصنعون نقانق ويأكلونها طازجة. وبجلود الثيران، يصنعون أكياسا كبيرة. وبجلد مؤخّرة الخيول، يصنعون أجمل الأحذية. ويليام روبروك

    ○ كان بإمكانك سماع صراخ النساء وبكاء الرضّع وصياح الرجال. بعضهم كان ينادي أبويه والبعض الآخر أبناءه أو زوجاته، محاولين التعرّف عليهم من أصواتهم. كان الناس يندبون مصيرهم أو مصير أقاربهم، وكان هناك من يدعو الموت خوفا من الموت. توسّل كثيرون إلى الآلهة لإغاثتهم، لكن أكثرهم أدركوا أنه لم تبقَ آلهة وأن الكون غرق في لجّة الظلام الأبدي. العبارة الاستهلالية لفيلم "بومبي"، 2014

    ○ جميعنا نميل إلى الاعتقاد بأننا أذكياء وأننا نتخذ قرارات عقلانية تعود بالنفع علينا. لكن الحقيقة هي أن البشر ليسوا بارعين في التنبّؤ بالمستقبل. فالمعلومات التي نستخدمها لاتخاذ القرارات تأتي من الماضي، والأداء السابق لا يعني بالضرورة الأداء المستقبلي. فنحن نفترض مستقبلا غير قابل للتنبّؤ بطبيعته، وتمنعنا مجموعة كبيرة من التحيّزات المعرفية من التفكير بوضوح طوال الوقت.
    قد تجرّب وظيفة جديدة أو شركة جديدة، ثم تكتشف أنك تكرهها أو تفاجأ باستقالة رئيس الشركة الذي كنت متحمّسا للعمل معه. وربّما تتغيّر أولوياتك، فاهتماماتك وأنت في الخامسة والعشرين غير اهتماماتك عندما تبلغ الثلاثين. لذا من الصعب التنبّؤ بالمستقبل لأن الاهتمامات والأولويات والظروف تتغيّر باستمرار. روبرت أيتكين

    ○ على الرغم من أن اسمه ليس سوى كلمة لاتينية تعني "الأصلع"، إلا أن أسطورة سويسرية قاتمة تقول إن جبل بيلاتيس هو مدفن نائب الملك الروماني الذي سلّم يسوع إلى الغوغاء لقتله. وعندما انتحر، أي بيلاتيس، لم يستطع نهرا التيبر والرون، اللذان ألقيت جثّته فيهما تباعا، احتواءه. فقد أثارت الأرواح الشرّيرة عواصف شديدة، ما أدّى إلى امتدادها أبعد من ذلك. ويروي كتاب من القرن الثالث عشر أنه أُلقي به أخيرا "في بئر محاطة بالجبال". وحُدّدت هذه البقعة على أنها بركة أو مستنقع بالقرب من القمّة التي سُمّيت باسمه، أي قمّة بيلاتيس.
    وطوال العصور الوسطى، كان يُعتقد أن من يُلقي حجرا في هذه البحيرة الصغيرة، ستتبعه عاصفة. كان بيلاتيس يترك البركة كلّ عام ويجلس على صخرة موشّاة بالأرجوان. وكلّ من يغامر برؤيته عيانا يموت في غضون عام. لذا أصدر سكّان لوسيرن الخائفون مرسوما يقضي بعدم اقتراب أحد من البركة إلا إذا رافقه أحدهم ليتأكّد من عدم رميه حجرا. وأخيرا، في عام ١٥٨٥، تسلّق عمدة ولاية لوسيرن الجبل مع مجموعة من أصدقائه وألقوا حجارة في الماء، متحدّين الروح الشرّيرة أن تخرج. لكن لم يحدث شيء. ومنذ ذلك اليوم، انتهت الأسطورة. هـ. ميللر

  • Credits
    jacqueslouisdavid.org
    collections.louvre.fr