المشاركات

عرض المشاركات من ديسمبر 29, 2024

مونيه في لندن

صورة
في نفس العام الذي نصبَ فيه كلود مونيه لأوّل مرّة حامل لوحاته في سافوي بلندن، كتب اوسكار وايلد مقالة قال فيها: يرى الناس الضباب، ليس لأن هناك ضباباً، بل لأن الشعراء والرسّامين علّموهم الجمال الغامض لمثل هذه التأثيرات. ربّما كان الضباب موجوداً منذ قرون في لندن، وأتجرّأ على القول أنه كان موجوداً بالفعل. ولكن لم يرَه أحد، ولهذا السبب لا نعرف عنه شيئاً. لم يكن موجوداً الى أن اخترعه الفن." الناقد جوناثان جونز يذكر أن كلود مونيه، الرسّام الشغوف بالجمال، جاء إلى لندن في زيارات متكرّرة بين عامي 1899 و1901 "لتجربة القبح". ولم يسبق للرسّام في حياته أن استخدم فرشاته في رسم أيّ شيء غير جذّاب. كان ضوء المدينة في فجر القرن العشرين مليئا بالضباب الدّخاني ومسموما بالتلوّث الناجم عن الصناعات التي اكتظّت على ضفاف نهر التيمز. وكان مونيه قد زعم أنه يعشق ضوء لندن، لكن هذه اللوحات تثبت أنه فهم ما جعلها غريبة للغاية: الثروة الملوّثة لأوّل دولة صناعية في العالم. لوحات مونيه عن لندن لا تحمل أيّ إحساس بالفكرة الانطباعية الكلاسيكية المتمثّلة في الترفيه الحضري. فبينما يرقص الباريسيون ويشر...

خواطر في الأدب والفن

صورة
قبل أكثر من ٨٠ عاما، كتب بورخيس قصّة قصيرة بعنوان "مكتبة بابل"، تنبّأ فيها بمستقبل قاتم للإنترنت. حدث هذا قبل زمن طويل من ظهور الانترنت كما نعرفها اليوم. وقد تخيّل الكاتب الأرجنتيني عالَماً يتألّف من عدد لا نهائي من الغرف، وتتضمّن أرفف الكتب في كلّ غرفة مجلّدات تحتوي، كما يتصوّر ساكنوها، على كل ترتيب ممكن للحروف في أبجديتهم. لكن، وحسب تعبير عالم النفس روجر كروز، فإن العثور على شيء له معنى في مكتبة بورخيس الخيالية وذات المحتوى الهائل يشبه العثور على "إبرة في كومة من القشّ". فالناس الذين يبحثون في هذه الكتب عن ايّ معلومات تُفصّل مستقبل البشرية ومعنى الحياة، يكتشفون أن الغالبية العظمى من الكتب لا تحتوي إلا على مجموعات من الحروف التي لا معنى لها. وطبقا لبورخيس، فإن الحقيقة موجودة هناك، ولكن كلّ الكذب الذي يمكن تصوّره موجود هناك أيضا. وكلّ ذلك ضمن كمية هائلة ولا يمكن تخيّلها من الهراء. وحتى بعد قرون من البحث، لا يُعثر إلا على بضع نِتَف من المعلومات ذات المغزى. وحتى في هذه الحالة، لا توجد طريقة لتحديد ما إذا كانت هذه النصوص المتماسكة حقائق أم أكاذيب. ويشير...

رحلة الى عالَم هيديز

صورة
هل تتوقّع حقّا أن تتمكّن من سرقة، أو حتى لمس قطرة واحدة من أقدس الينابيع وأكثرها قسوةً؟ حتى الآلهة وجوپ‍يتر نفسه يخافون من مياه ستيكس. ويجب أن تعلم أنه، كما تُقسِم أنت بقوى الآلهة، فإن الآلهة نفسها تقسم دائما بجلال ستيكس. * نسر جوپ‍يتر موبّخاً سايكي، التحوّلات لأبوليوس، ١٥٠م. ❉ ❉ ❉ في اللوحة التي فوق، يصوّر الفنّان الفرنسي غوستاف دوريه مشهدا من قصيدة دانتي أليغييري الملحمية "الكوميديا الإلهية". وتصوّر اللوحة جزءا من نهر ستيكس الأسطوري الذي تظهر وسط أمواجه المضطربة العديد من الأرواح المعذّبة والأجساد المتلوّية والمتألّمة. وفي وسط المنظر، تظهر شخصيّتا دانتي وڤ‍يرجيل وهما يقفان في قارب يقوده حارس الجحيم شيرون. وفي الخلفية، تظهر طبيعة مظلمة ومتعرّجة وسماء منذرة بالشؤم، تعكس الأجواء المضطربة لمناطق الجحيم في كتاب دانتي. وقد استخدم الرسّام خطوطا تفصيلية ومعبّرة لالتقاط الكثافة الدرامية والعاطفية للمشهد. فكرة الغرب الحديثة عن الحياة الأبدية يمكن إرجاع أصولها إلى شعوب بلاد ما بين النهرين القديمة، التي تَصوّرت عالما سفليّا يُعرف باسم أرالو أو إركالا. ...

حياة بين الأشجار

صورة
في رواية "البارون بين الأشجار"، يسرد الروائي الإيطالي ايتالو كالڤينو قصّة كوزيمو دي روندو، الابن الأكبر لدوق منطقة ليغوريا الإيطالية قبل عصر التنوير. كانت هذه المنطقة الواقعة شمال غرب إيطاليا مغطّاة بالغابات زمن حدوث القصّة، أي أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر. والقصّة يرويها شقيق كوزيمو الصغير بياجيو الذي يقول: كانت حياة كوزيمو غير عاديّة، بينما حياتي عادية ومتواضعة. ومع ذلك قضينا طفولتنا معاً، كلانا غير مبالٍ بهوس الكبار ويحاول العثور على مسارات لا يسلكها الآخرون". وعندما يملّ كوزيمو من حياة البذخ والإجراءات المشدّدة التي يفرضها والده، يقرّر التمرّد على كلّ ذلك ويتسلّق شجرة بلّوط كبيرة في حديقتهم ويرفض النزول من هناك. وسرعان ما يدرك كوزيمو أنه لن يضع قدميه على الأرض مرّة أخرى عندما يعلم أن شجرة البلّوط متّصلة بالغابة الكبرى المجاورة. ومن هناك أصبحت المنطقة بأكملها مفتوحة أمامه. ويصف كالڤينو، وعلى لسان بياجيو، جمال المنطقة وروعة الألوان فيها بقوله: في تلك الأيّام، أينما ذهبنا، كانت الأوراق والأغصان تفصلنا عن السماء. وكانت أشجار الليمون تنمو با...

سجّاد لوتو

صورة
اللوحة التي فوق تعود الى عام 1520، وفيها يرسم الفنّان الإيطالي لورينزو لوتو قدّيسا يُدعى أنطونيوس من بادوفا عُرف بعطفه على المساكين والفقراء، وهو يوزّع الصدقات على المحتاجين الذين يتوسّلون عطفه. العنصر الأكثر لفتاً للاهتمام في اللوحة هو السجّادة الإسلامية التي تغطّي الشرفة التي يستند اليها القدّيس، وهي تأكيد لما عُرف عن الرسّام من براعة في استخدام الضوء والألوان النابضة بالحياة لتعزيز العمق العاطفي والإنساني للمشهد. السجّاد المنسوج في العالم الإسلامي منذ القرن الرابع عشر فصاعدا نرى بعض صوره في لوحات الرسم الأوروبي التي تشكّل مصدرا أساسيا للدراسات حول السجّاد المبكّر. كما أن العديد من مجموعات السجّاد الإسلامي من الشرق الأوسط تسمّى اليوم بأسماء الرسّامين الأوروبّيين الذين صوّروها، مثل هولباين وجيرلاندايو وكريفيلي. لكن أشهر هؤلاء كان لورينزو لوتو الذي اشتهر بتصميم السجّاد الشرقي في القرن السادس عشر، أي عندما وصل فنّ النسج الى ذروته، إن من حيث عدد السجّاد المُنتج أو جودة التصاميم. وكانت طلبات نسج السجّاد تأتي من قبل أفراد العائلات المالكة والنبلاء الأثرياء. كان السجّاد وق...