التوق الى البعيد
ربّما كنتَ قد عشت طفولة مريحة وآمنة إلى حدّ معقول، ونشأتَ في قالب اجتماعيّ محدود، وتشكّلت حياتك بعد ذلك، ومثل بقيّة الناس، وفقاً لظروفك ولمعطيات وجودك الخاص. ومع اقترابك من سنّ الثلاثين، قد يكون ساورك شوق لا تدري كنهه للتحرّر من كلّ ما عرفته أو اعتقدت أنك كنت تعرفه في ما مضى من عمرك. ثم بعد ذلك، وأنت جالس في بيتك، إذ بأحلام يقظةٍ تراودك بالعيش خارج بيئتك كغريب في أرض بعيدة. وربّما يستهلكك هذا التوق الذي لا يمكن تفسيره، لأنك لم تكن تعرف ما الذي كنت تبحث عنه أو إلى أين تتوق للذهاب، لكنّك تعرف أنك يجب أن تذهب في طريقك. ثم تجد نفسك مسافرا عبر الأرض بمفردك، حاملاً القليل من متعلّقاتك في حقيبتك وتاركا ورائك حدود واقعك الضيّق والمحدود بحثاً عن شيء ما في مكان آخر. التطلّع أو الشوق الى مكان بعيد (far-sickness) هو شعور ينطوي على معاناة وألم. إنه شوق طويل لأن تكون في مكان لم تذهب إليه من قبل؛ في أرض بعيدة وغير معروفة، توق غامض لشيء ما خارج المكان. ولكن كيف نبدأ في البحث عن مكان لم نزره من قبل؟ وكيف نخفّف من شوق لا نعرف مصدره؟ والسؤال الأكثر صلةً: لماذا نتألّم إذ نشتاق الى أماكن لم نعرف...