المشاركات

عرض المشاركات من مارس 22, 2009

ابن الرياح

صورة
قال المعلّم "وو شي" مخاطبا مجموعة من تلاميذه الصغار الذين تحلّقوا حوله: هل تعرفون ما هذا الشيء؟ صاح الأطفال بصوت واحد: نعم. إنه ناي. ردّ المعلمّ: أوه هذا صحيح. لكنه أكثر من ناي. إنه رسول. لكن رسول مَن؟ هل تعرفون؟ جلس الأطفال بعيون مفتوحة وهزّوا رؤوسهم جميعا وقالوا: لا. قال المعلّم وهو يسحب كلماته ببطء: إنه رسول الرياح. هو الذي يحمل لنا جميع القصص والحكايات الرائعة التي تجمعها الرياح من الأشجار والحقول والغابات. أغمضوا عيونكم واستمعوا. إستمعوا إلى الرياح. وأغمض الأطفال عيونهم واستمعوا بعناية إلى الرياح في حفيف أوراق الشجر، وإلى همساتها في الغابات، وإلى هدهداتها في الحقول، وإلى صريرها واندفاعها بين أشجار الخيزران. لقد استمعوا إلى كلّ الأصوات الرائعة والعجيبة للرياح. ثم وضع المعلّم الناي في فمه وبدأ يعزف نغما ناعما ورقيقا. ثم ما لبث أن غيّر اللحن كي يتناغم مع همسات الرياح وعصفها وهدوئها. وعندما انتهى من عزفه قال الأطفال: ونحن أيضا. ابتسم المعلم بفرح وناولهم الناي. لكن عندما بدأ العزف لم تصدر عنه سوى أصوات قليلة واهنة لا تشبه النغم الجميل الذي عزفه المعلم للتوّ. قال الأطفال بخيبة...

جورج أورويل ودالي

صورة
كان جورج أورويل ينفر من أعمال دالي. لكنه كان يرفض أن يدينها، على أساس أن الفنّ يمكن أن يكون جيّدا أو سيئا. كان أورويل يصف لوحات دالي بأنها مريضة ومثيرة للتقزّز. و أورويل لا يُشار إليه عادة بأنه ناقد للفنّ. فمؤلف رواية 1948 يذكره الناس، عن حقّ، بأنه احد أعظم الروائيين وأحد الشهود الكبار على القرن العشرين. لكن إسهاماته في أدب الفنّ الحديث تستحقّ الإشادة أيضا. في عام 1944 كتب أورويل مقالا ضمّنه ملاحظاته عن سلفادور دالي بعد أن قرأ كتاب هذا الأخير بعنوان "الحياة السرّية لـ سلفادور دالي". وخلص أورويل في مقاله إلى أن أعمال دالي مريضة ومثيرة للاشمئزاز وأن أيّ تمحيص في فنّ دالي لا بدّ وأن يقود إلى هذه النتيجة. لكن، لا تحكم على مقال من آخر عبارة فيه. فالمقال كان عبارة عن محاولة نادرة لاستخلاص فكرة عن مسألة انقسم حيالها الناس. والفنّ الحديث موضوع جدلي بطبيعته. كان هذا هو الحال أيام أورويل وما يزال كذلك حتى اليوم. ولا يوجد رأي إجماعي بشأنه. في ملاحظاته عن دالي، كان واضحا أن أورويل لم يكن معجبا كثيرا بالسوريالية التي كانت صدمة فنية في ذلك الوقت. وفي الحقيقة فإن أورويل كان رافضا للتفاصيل ا...

غويا ودوقة ألبا

صورة
كل من يقرأ سيرة حياة الفنان الاسباني فرانشيسكو دي غويا أو يتأمّل مضامين وأفكار لوحاته، لا بدّ وأن يتصوّره فيلسوفا في ثياب رسّام. فقد صوّر في أعماله العديد من الجوانب المظلمة والمخيفة في الطبيعة الإنسانية. ويقال انه ما من رسّام استطاع أن يصوّر أهوال وويلات الحرب ووحشية الإنسان تجاه أخيه الإنسان بمثل ما فعل غويا. كان فنانا ذا عقل مبدع ونفس كريمة تنكر الظلم وتأنف منه. لذا من الصعب أن لا تحبّه وتحترمه وتتعاطف معه. في بورتريه ذاتي مع الدكتور ارييتا، يرسم غويا نفسه مع صديقه الطبيب ارييتا الذي قام على علاجه ورعايته أثناء مرضه. ويصرّ الفنان على أن يذيّل البورتريه بهذه العبارة التي تدلّ على نبله وعلى دفئه الإنساني: من غويا امتنانا لصديقه ارييتا للبراعة والرعاية اللتين أنقذ بهما حياته في مرضه الخطير الذي عانى منه في نهاية عام 1819 وهو في سنّ الثالثة والسبعين". وفي البورتريه يظهر غويا جالسا على السرير وهو في حال من الإنهاك والتعب والى جواره الطبيب الذي يسنده بيد بينما يرفع باليد الأخرى كأس الدواء إلى فمه. كان غويا إنسانا ميالا للعزلة والتأمّل ولطالما شغلته فكرة الموت ومصير الإنسان. ولم يكن ...