:تنويه

تنويه: كافة حقوق الموادّ المنشورة في مدوّنتي "خواطر وأفكار" و "لوحات عالمية" محفوظة للمؤلف ومحميّة بموجب قوانين حقوق النشر والملكية الفكرية. .


‏إظهار الرسائل ذات التسميات سيزان. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات سيزان. إظهار كافة الرسائل

الاثنين، أغسطس 18، 2014

ديغا والحياة الحديثة

ما أن يُذكر اسم إدغار ديغا حتى تخطر في الذهن تابلوهاته الفخمة التي تصوّر فتيات صغيرات يتحرّكن كالفراشات وهنّ يتعلّمن فنّ رقص الباليه.
كان ديغا محبّا لمظاهر الحياة الحديثة. وقد رسم النساء كثيرا في لوحاته، وخاصّة نساء الطبقة العاملة وهنّ يمارسن الأعمال المنزلية اليومية من غسيل وتنظيف وكوي وخلافه. وهؤلاء النساء لم يكنّ من طبقته هو. كان هو محسوبا على الطبقة البورجوازية الباريسية آنذاك.
ورسوماته عن الطبقات الاجتماعية والمهن والسلوكيات المرتبطة بها تُعتبر من بين أفضل الأعمال التشكيلية التي تؤرّخ لتلك الفترة، أي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
على المستوى الشخصي، كان ديغا شخصا عصبيّا بطبيعته. وكان نظره قصيرا جدّا لدرجة أنه كان يخاف من فقدان البصر. لكن، وربّما لهذا السبب بالذات، كان مخلوقا متقبّلا للآخرين وذا حساسية عالية، بحسب ما كتبه عنه الكاتب والناقد الفنّي الفرنسي إدمون دو غونكور.
كان ديغا يعرف طبيعته الصعبة. وقد اعترف ذات مرّة لزميله الرسّام بيير أوغست رينوار بقوله: لديّ عدوّ واحد رهيب لا يمكنني التوافق معه. هذا العدوّ، بطبيعة الحال، هو نفسي".
وقد عَرف ديغا من خلال أولئك الذين ارتبطوا به كيف يضبط مشاعره الانفعالية. "على العشاء، سيكون هناك طبق مطبوخ لي من دون زبدة. لا زهور على الطاولة، ومع القليل جدّا من الضوء. عليك أن تُخرس القط، وليس لأحد أن يجلب معه كلبا. وإذا كان هناك نساء بين الحاضرين، فاطلب منهنّ أن لا يضعن على أنفسهنّ روائح. لا لزوم للعطور عندما تكون هناك أشياء لها رائحة طيّبة كالخبز المحمّص مثلا. ويجب أن نجلس إلى المائدة في تمام الساعة السابعة والنصف".
صرامة ديغا وانضباطيّته العالية دفعت كلّ أصدقائه تقريبا لأن يهجروه، بحسب رينوار. "كنت واحدا من آخر الذين كانوا يزورونه، ومع ذلك حتى أنا لم أستطع البقاء حتى النهاية".
كان البعض يعتبر ديغا شخصا كارها للنساء، رغم أن قائمة أصدقائه كانت تضمّ الرسّامتين ميري كاسات وبيرتا موريسو، بالإضافة إلى كبار مغنيّات الأوبرا وراقصات الباليه في زمانه. وعندما اتّهم بأنه شخص منعزل نفى ذلك. "لست كارها للبشر، بل أنا ابعد ما أكون عن هذه الصفة، ولكن من المحزن أن تعيش محاطا بالأوغاد".
وعلى الرغم من شخصيّته غير المهادنة، إلا أن ديغا كان يحظى بالاحترام من أقرانه الذين كانوا يخشونه. وكانت شعبيّته عالية لدى نقّاد الفنّ ومشتري الأعمال الفنّية. "كنت، أو هذا ما بدا لي، صارما مع الجميع وذلك بسبب ميلي لنوع من الخشونة التي تداخلت مع شكوكي ومزاجي السيّئ".
ولد إدغار ديغا في باريس خلال نفس العقد الذي ولد فيه إدوار مانيه وبول سيزان وكلود مونيه. وكانت لديه العديد من الفرص. كانت سنواته الأولى متميّزة على الرغم من الحزن الذي شابها ورافقه طوال حياته. "كنت عابسا مع العالم كلّه ومع نفسي". وتحت ضغط والده وافق على دراسة القانون. ولكن سرعان ما تخلّى عن ذلك وقرّر أن يدرس الفنّ بحماس أقنع والده بدعمه.
كانت أعمال ديغا المبكّرة عبارة عن لوحات تاريخية رسمها بالأسلوب الكلاسيكي. وفي بدايات تدريبه استوعب أساليب أوغست دومينيك آنغر وأوجين ديلاكروا وغوستاف كوربيه. وكان يطمح لأن يرسم مثل ميكيل أنجيلو ورافائيل.
ولكن بدءا من 1861، تخلّى عن رسم المواضيع التاريخية وبدأ يرسم مشاهد من الحياة اليومية. وبينما كان يستنسخ أعمال فيلاسكيز في متحف اللوفر، التقى مانيه الذي أصبح صديقه والذي أدخله إلى دائرة الرسّامين الانطباعيين. وعلى الرغم من أن ديغا عرض معهم بعض أعماله، إلا انه لم يقدّم نفسه كفرد من أفراد الحركة. "ما أفعله هو نتيجة دراسة أعمال الرسّامين العظام، وأنا لا اعرف شيئا عن الإلهام والعفوية والمزاج".
وعلى عكس أصدقائه الانطباعيين، كان إدغار ديغا رسّام مناظر حضرية وكان يحبّ رسم الأماكن المغلقة مثل العروض المسرحية والأنشطة الترفيهية وأماكن المتعة. ولم يكن مهتمّا بآثار الضوء في المناظر الطبيعية، بل كان يفضّل رسم الأشخاص ويمقت الرسم في الهواء الطلق. "يجب على رجال الدرك أن يطلقوا النار على حوامل اللوحات التي يراها الناس مبعثرة في أنحاء الريف".
كان ديغا يسعى دائما إلى الكمال. كان يعيد رسم كلّ صورة ويدرس ويكرّر التفاصيل حتى يتقنها ويحفظها. وقد جرّب العديد من الوسائط، من بينها الباستيل الذي كان يخفّفه على البخار إلى أن يصبح عجينة. وكان يكره تألّق ولمعان الألوان الزيتية. ولهذا السبب كان يزيل الزيت ويستخدم بديلا عنه التربنتين المستخرج من أشجار الصنوبر. وغالبا ما كان يرسم على الورق بدلا من القماش.
للحديث تتمّة غدا..

الاثنين، ديسمبر 30، 2013

علاقة الأشكال الفنّية بالحواسّ

منذ القدم، كان يُنظر إلى حاسّة البصر على أنها النموذج في اكتساب المعرفة ومن ثمّ استيعابها من قبل العقل. أرسطو ركّز على هذا وقارن عملية التذكّر بالنظر إلى لوحة مرارا. وسان اوغستين قال إنه لا غنى عن البصر في التأمّل الروحي والفكري.
ومع ذلك فالأساطير القديمة حافلة بأمثلة وصور عن القلق المتولّد من حاسّة البصر، مثل قصص نرسيس وميدوسا وأورفيوس. وفي أساطير أخرى، ترتبط حاسّة اللمس غالبا بالقوى الايجابية والواهبة للحياة، كما في أسطورة بيغماليون وبروميثيوس.
أما أرسطو فقد حذّر من القوى الخطيرة المرتبطة بالوهم عند استخدام البصر. بينما أثنى، هو وتوما الاكويني، كثيرا على اللمس وقالا إن هذه الحاسّة هي أساس المعرفة التي يحصل عليها الإنسان من جميع الحواسّ.
وهناك اليوم دراسات عديدة عن دور ووظيفة اللمس في أعمال فنّانين مثل سيزان وكاندنسكي والسورياليين.
علماء الانثروبولوجيا وعلم النفس السلوكي والبيولوجيا بدءوا في تثمين حواسّ غير البصر في دراساتهم وتجاربهم. وبعض هؤلاء اقترحوا حاسّة الشمّ كبديل ممكن لما يرون انه مضامين أبوية لظاهرة التركيز على البصر في الثقافة المعاصرة.
فولتير وديدرو ولوك قالوا إن اللمس حاسّة أساسية في اكتساب المعرفة التجريبية عن العالم وأن البصر ما هو إلا وسيلة ثانوية في تأكيد تلك المعرفة.
في القرنين السادس عشر والسابع عشر ظهرت لوحات تصوّر انهماك أشخاص في لمس منحوتات، كما في لوحة الرسّام الاسباني جوسيبي دي ريبيرا (1591-1652) بعنوان "حاسّة اللمس" التي تصوّر رجلا أعمى يتفحّص بيديه تمثالا نصفيا بينما تستقرّ لوحة زيتية صغيرة بإهمال على طاولة بجانبه.
وهناك لوحة أخرى لنفس هذا الرسّام بعنوان "النحّات الأعمى" تحمل نفس الفكرة، ويظهر فيها رجل أعمى وهو يتحسّس بيديه تمثالا نصفيّا.
فكرة اللقاء بين رجل أعمى وعمل نحتي ظهرت أيضا في بعض الكتابات. في بداية القرن السابع عشر، مثلا، زعم كاتب ايطاليّ أن ميكيل انجيلو بعد أن تقدّمت به السنّ وضعف بصره كان يعتمد على اللمس وحده في الحكم على مزايا الأعمال النحتية القديمة أو المعاصرة. كما يقال أن الرسّام الفرنسي إدغار ديغا لجأ إلى النمذجة النحتية وأصبح يهتمّ بها أكثر من الرسم عندما بدأ بصره يضعف.
لوحتا دي ريبيرا المشار إليهما آنفا كانتا ضمن سلسلة من اللوحات المشهورة التي خصّصها الفنّان لتناول الحواسّ الخمس. السلسلة تدفع المتلقّي للتفكير في دور الحواسّ وتأثيرها على الأفراد. وقد رسم اللوحات عندما كان يعيش في روما في وقت ما من القرن السابع عشر.
في لوحة "حاسّة اللمس"، استدعى الرسّام مقارنة بين الصفات الوصفية واللمسية للرسم والنحت، أي بين الفرشاة والإزميل. وهو يبرهن على أنه من خلال حاسّة اللمس يمكن للرجل الأعمى أن يتعرّف على الأعمال النحتية.
هذه اللوحة، من بين جميع لوحات السلسلة، مشهورة بشكل خاص بسبب سخريتها المزعجة. فالرجل الكفيف يقف وجها لوجه مع تمثال نصفي. وهو يريد أن يحسّ بالتمثال الرخامي ذي الأبعاد الثلاثة على الرغم من قربه منه، في حين أن اللوحة ذات السطح المستوي والموضوعة خلفه على الطاولة تذكّر الناظر أن هناك بعض المعلومات التي لا يمكن إيصالها حتى عن طريق اللمس.
تذكّرنا هذه اللوحة مرّة أخرى بمحدودية الاتصال البشري وبالفجوة بين العالم الحقيقي وعالم الصور. الرأس المنحوتة قد تكون رأس ابوللو. أما الشخص الذي يتفحّصها فربّما يكون النحّات الايطالي الأعمى جيوفاني غونيللي، وقد يكون الفيلسوف الإغريقي كارنيديس الذي قيل انه كان يتعرّف على التماثيل النصفية من خلال تحسّسها ولمسها بيده وذلك بعد أن فقد حاسّة البصر. وقد كان من عادة الفنّانين آنذاك أن يربطوا صور الفلاسفة القدماء باستعارات عن الحوّاس.
ترى هل أراد الرسّام أن يقول إن الإنسان الكفيف يمكن أن يتعرّف على النحت، بينما لا يمكن أن يتعرّف على الرسم سوى الإنسان المبصر؟ في ذلك الوقت كان يثور نقاش حول المنافسة بين الأشكال الفنّية من معمار ورسم ونحت وأدب وموسيقى. وبالتالي يبدو أن دي ريبيرا أراد من خلال اللوحة التأكيد على تفوّق الرسم على النحت.
كان هذا الفنّان يرفض الرمز والاستعارة في أعماله ويتعامل مع ما يراه ويلمسه بنفسه. ويبدو أنه لم يخترع من مخيّلته أشخاصا يمثّلون كلّ حاسّة، بل فضّل أن يختارهم من الشارع ورسمهم من واقع الحياة.

الفيلسوف الألماني يوهان هيردر (1744-1803) تحدّث مرّة عن فضائل النحت وخلع عليه هالة من الرومانسية عندما ميّز ما بين الرؤية واللمس. وقد روى هيردر عدّة قصص عن أشخاص مكفوفين ليبرهن على أننا نرى العمل النحتيّ كسطح ثلاثيّ الأبعاد لأننا كبرنا ونحن نستخدم حاسّتي اللمس والبصر في وقت واحد ومتزامن. ويضيف انه لولا حاسّة اللمس لكانت حاسّة البصر مجرّد حقل من الألوان والأشكال.
وهو يرى بأن جوهر النحت شكل جميل ووجود فعليّ وحقيقة ملموسة. وعندما نفهم النحت على انه رؤية فقط، فإن هذا يُُعدّ تدنيسا للنحت واستهانة خطيرة بإمكانياته.
وعلاوة على ذلك، دعا هيردر إلى الفصل ما بين الرسم والموسيقى، في ما بدا وكأنه اعتراض على أعمال فنّانين مثل كاندينسكي وموندريان اللذين قدّما لوحات "موسيقية"، وعلى أعمال بعض الملحّنين الرومانسيين الذين سعوا لرسم صور من خلال موسيقاهم.
وهيردر يميّز ما بين الرسم والنحت. انه يربط الرسم بالرؤية وبعالم الأحلام، بينما يدّعي أن النحت هو مصدر الحقيقة. طبعا هو يقصد النحت الكلاسيكي الذي كان يعرفه في عصره. وبالتالي قد يتساءل المرء عمّا يمكن أن يقوله هيردر لو انه عاش إلى اليوم ورأى النحت التكعيبي الذي ابتعد كثيرا عن التمثيل الدقيق للأشكال في لحظة واحدة وأصبح ينظر إلى الأشياء ذات الحقائق المتعدّدة والمتحرّكة عبر الزمن، وكيف سيتعامل مع التقليلية مثلا ومع غيرها من الظواهر التي تؤكّد استحالة التنبّؤ باتجاهات ونزعات الفنّ.
المعروف أن الرسّام جوسيبي دي ريبيرا كان تلميذا وتابعا لكارافاجيو. وقد قضى معظم حياته في روما وفي نابولي التي كانت في ذلك الوقت أعظم مدن ايطاليا ومركزا مهمّا للفنّ. وكان زملاؤه من الرسّامين الايطاليين يلقّبونه بالاسبانيّ الصغير.
كانت مملكة نابولي وقتها جزءا من الإمبراطورية الإسبانية. وكانت تُحكم من قبل سلسلة من نوّاب الملك الإسباني. أصول دي ريبيرا الاسبانية أعطته الحقّ بأن يصبح مرتبطا بالطبقة الاسبانية الحاكمة في المدينة وبمجتمع التجّار الهولنديين فيها.
كان الفنّان يرسم مثل معاصره وأستاذه كارافاجيو، وتحوّل بعيدا عن التقاليد والنماذج العتيقة والموضوعات المستوحاة من المثل الكلاسيكية العليا. ورسم بدلا من ذلك الحياة البشرية كما تبدو فعلا. وهي في كثير من الأحيان قبيحة وبشعة. وقد صوّر الفنّان كلّ هذا بواقعية كانت تصدم الجمهور وتروق له في الوقت نفسه.
صور دي ريبيرا المروّعة عن التعذيب والمعاناة التي كانت تمارَس في زمانه كانت تحيّر الجمهور والنقّاد معا. وهو كان موهوبا في إظهار الرؤوس والوجوه والأيدي بطريقة اللمس. بنية الجلد والعظام في رسوماته واقعية بحيث أن العديد من مشاهده يمكن أن تؤذي مشاعر الأفراد ذوي الحساسية الشديدة.
ومن الواضح أن دي ريبيرا لم يكن يقصد الإساءة لأحد. ولكن الوحشية لم تكن تصدّه عن تصوير مظاهرها وهو دائما ما كان يتبع مصادر إلهامه. وكان الجمهور قد أصبح معتادا على تصوير حزن الإنسان وبؤسه بتلك الطريقة.
ولـ دي ريبيرا صورة أخرى مشهورة اسمها الشحّاذ العجوز الأعمى يظهر فيها رجل أعمى مسنّ مع مرشده الشابّ. وهذه اللوحة لها علاقة بفكرة التشرّد التي كانت رائجة في الأدب الإسباني آنذاك. لكن الرسّام أراد منها أساسا أن تكون موعظة عن الخيرية المسيحية.
وقد استلهم موضوع اللوحة من رواية بعنوان حياة لازاريللو دي تورميس نُشرت لأوّل مرّة عام 1554 من قبل كاتب مجهول. بطلا الرواية هما رجل أعمى متسوّل وقاسي الطبع وصبيّ مراوغ يضطرّ باستمرار لأن يخدع سيّده كي يحصل على حصّة أكبر من الطعام والصدقات.
وعلى الرغم من أن دي ريبيرا لم يعد أبدا إلى إسبانيا، إلا أن العديد من لوحاته أعيدت إلى هناك من قبل أعضاء الطبقة الحاكمة الإسبانية وعن طريق بعض التجّار. ويمكن رؤية تأثيره في فيلاسكيز وموريللو، بل وفي معظم الرسّامين الإسبان الآخرين من تلك الفترة.
بعد وفاته، دخلت أعمال دي ريبيرا حيّز التجاهل والنسيان، ربّما بسبب سمعته التي كان يخالطها عنف وقسوة. فقد رسم أهوال الواقع ومظاهر توحّش البشر وأظهر انه يقدّر الحقيقة أكثر من المثالية.
لكن بدأت إعادة تأهيل اسمه وفنّه من خلال معرضين أقيما لأعماله في لندن عام 1982 وفي نيويورك عام 1992. ومنذ ذلك الحين اكتسبت لوحاته المزيد من اهتمام النقّاد والدارسين.

Credits
archive.org
artble.com

الخميس، أكتوبر 03، 2013

موديلياني: ما وراء الأسطورة

لم يعد يُنظر إلى الأعمال الفنّية كأشياء منفصلة وذات حياة خاصّة بها. فاللوحة في النهاية هي إسقاط سيكولوجي لروح الإنسان الذي أبدعها. وكلّ ضربة فرشاة وكلّ لون وخطّ يكتسب معناه الحقيقيّ من مزاج الفنّان عندما وضع لونا هنا أو خطّا هناك، وعندما فضّل لونا على آخر، أو عندما قرّر، مثلا، أن يرسم منظرا طبيعيا بدلا من صورة إنسان.
مزاج الفنّان واختياره لأدواته وموضوعه وتكنيكه وخطوطه وألوانه كلّها عناصر مهمّة في دراسة النسيج الحميمي لروحه. ولأننا لا نعرف سوى القليل عن هذه العناصر، فإن موقفنا ونحن نقف أمام عمل رسّام كبير ليس موقف إعجاب بالفنّان نفسه، وإنّما بعمله كما لو أن العمل منفصل عن الفنّان.
هذا التمهيد ضروريّ، وعلى أساسه سنشرع في هذه الدراسة السيكولوجية الموجزة عن حياة وفنّ أميديو موديلياني الذي يُعتبر واحدا من أكثر فنّاني الحداثة شهرة وغموضا.

ولد موديلياني في ليفورنو بإيطاليا في يوليو من عام 1884 وقضى طفولته مريضا، الأمر الذي أدّى إلى انقطاعه عن الدراسة. وفي سنّ السادسة عشرة، كان يبصق دماً، ومع الدم أجزاء من رئته المريضة. وقد أرسلته أمّه إلى مدرسة الرسم في روما. وكان ذلك عاملا مهمّا في أن الصبيّ أصبح يرى في الفنّ عالما آخر أقوى من عالم الموت. وفي عام 1906، ذهب إلى باريس وأدهشه سيزان، كما فتنه بيكاسو الذي كانت عبقريته تلمع مثل نيزك مضيء في سماء فرنسا.
وعندما عرض موديلياني لوحاته الأولى في صالون المستقلّين، تمّ إغلاق الغاليري من قبل الشرطة بحجّة أن رسوماته العارية تخدش الحياء. وتلك كانت الفترة البطولية في حياة الرسّام. كان موديلياني يعرف انه سيموت قريبا وكان يدرك أن هناك طريقة وحيدة لهزم الموت، وهي أن يعيش بوتيرة سريعة. كان يحاول أن يختزل عدّة حَيَوات في حياة واحدة. وكان يرسم باستمرار. وبين نوبات السعال العنيف وإدمانه الشراب والمخدّرات، كان يحاول أن يشبع غريزته الجنسية مع اكبر عدد ممكن من النساء اللاتي ينظرن إلينا من لوحاته بأعينهنّ اللوزية الضيّقة وملامحهنّ الهشّة والدقيقة.
كان كلّ يوم من سنوات كفاح موديلياني الأربع عشرة تحت لعنة المرض والفشل والفقر يشبه اليوم الذي قبله. كان يستيقظ متأخّرا. أشعّة الشمس كانت الشيء الوحيد النظيف الذي يدخل غرفته. كان رأسه يؤلمه كلّ صباح مع نوبات سعال وبرد ورجفة. وكلّ شيء في غرفته كان رماديّا: لحاف السرير والمناشف والجدران التي أكلتها الرطوبة، وحتى الوجه المنعكس في المرآة.

في عام 1918، حصل موديلياني على دخل بسيط بعد أن تمكّن من بيع خمس عشرة من لوحاته إلى صديق. ثمّ ذهب بعد ذلك إلى جنوب فرنسا. وعندما عاد بعد أشهر إلى باريس، دخل احد المستشفيات بسبب تدهور حالته الصحّية. وتوفّي في يناير من عام 1920. وبعد ساعات من موته، أقدمت خطيبته جان إيبيتيرن، في خطوة رومانتيكية نادرة، على الانتحار قفزا من نافذة شقّتهم.
وعندما توفّي موديلياني بدأت أسطورته في التشكّل. وقد تنحّت الوحوشية والتكعيبية جانبا لإفساح المجال أمام القادم الجديد الذي كان يرسم النساء بأعناق تشبه أعناق الإوز.
ترى كيف يمكن لعلم النفس أن يلقي بعض الضوء على شخصية موديلياني المعقّدة؟ وهل يمكن أن توفّر الرموز في لوحاته بعض الأدلّة عن طبيعة تهويماته ودوافعه الانفعالية؟
إحدى الوسائل الأكثر انتشارا في هذا الشأن هي رسومات الشكل الإنساني. وهذه الطريقة تستند إلى فكرة مؤدّاها أن شخصيّاتنا تكشف عن نفسها من خلال أفكارنا وكلماتنا وإيماءاتنا وحركاتنا وأفعالنا. فعلى سبيل المثال، اطلب من أيّ إنسان أن يرسم شخصا، وسيرسم شخصا يتماهى معه لا إراديّا. وفي النهاية فإن صورة الشخص المرسوم ما هي إلا صورة الشخص الذي رسمه كما تتجسّد في لاوعيه. أي أن الشخص المرسوم يرتبط بحميمية مع الإنسان الذي رسمه، بمثل ما أن الخطّ يرتبط بكاتبه.
وإذا كان بيكاسو تخيّل العالم مصنعا للساعات وأنه هو صانعها وتَوَقّع القنبلة النووية وتحلّل الكون، فإن موديلياني حوّل العالم إلى ألبوم من الشخصيات الفنّية في زمانه والأشخاص الصغار الذين كانوا يعيشون حوله. فقد رسم نحّاتين مثل برانكوزي ولوران، وشعراء مثل كوكتو واخماتوفا، ورسّامين مثل سوتين وكيسلنغ، بالإضافة إلى الرجال والنساء العديدين الذين كان يراهم وهم خارجون من مبنى الأوبرا.
ورسم أيضا الخادمات والموسيقيين وأطفال الحيّ. كما رسم، وعلى وجه الخصوص، عشيقاته. كانت تتملّك موديلياني رغبة عميقة بتخليد كلّ شخص يعرفه. وبعض النقّاد يعتبرون عارياته أكثر الأشخاص عُريا في تاريخ الرسم. وهنّ يبدين شهوانيات بلا خجل ومغريات بلا تحفّظ.

شخوص موديلياني دائما ما يعطون انطباعا عن الوحدة والحنين. وهم يعكسون انطوائية الرسّام نفسه. وضعيّاتهم في اللوحات توحي بالانسحاب إلى الداخل، كما لو أنهم يحترسون من بيئاتهم المحيطة. وأيديهم معقودة في أحضانهم في موقف قد يوصف بأنه أمومي.
الانسحاب والدفاع الذاتي هما السلاحان اللذان يلجأ إليهما شخص يشعر بأنه محاط بقوى عدائية. الخلفيات الدخانية والمكشوفة والصدِئة في اللوحات يُرجّح أنها ترمز إلى العالم السديمي للكحول والمخدّرات، وربّما للحنين الذي يداعب مخيلة الفنّان.
نساء موديلياني فخورات وذوات كبرياء وبهاء. ولهنّ وقار وَثَن بعينين مصنوعتين من العقيق تُرك مهجورا في صحراء نائية متحمّلا هجمات العناصر وتعاقب الدهور والأزمنة. أما رجاله فيشبهون آلهة الأزتك في لامبالاتهم وسكونهم وخلودهم.
من الناحية السيكولوجية، كان موديلياني ينظر إلى الآخرين بعيني طفل. وكان يرى الكبار عمالقة أقوياء لا تحرّكهم العواصف. موديلياني الذي لم يتوقّف أبدا عن التصرّف كطفل، كان يجسّد في نسائه النموذج الأمومي. وقد صنع من كلّ امرأة في لوحاته نموذج المرأة/الأم/الإلهة التي تُحبّ وتُحترم في الوقت نفسه.
العنق كان الملمح الأكثر وضوحا في معظم أعمال موديلياني. وكثيرا ما تظهر الأعناق الطويلة والرفيعة في رسومات الأشخاص المصنّفين سيكولوجيا بأنهم ناقصو النموّ وفصاميّون. وعندما يُظهِر رسّام ما شغفا واهتماما بالأعناق في رسوماته، فإنه يكشف بهذا عن حقيقة انه منشغل بالصراع بين دوافعه الجسدية والانضباط الذي يُمليه عليه عقله.
العنق هو العضو أو الجزء الذي يفصل بين الحياة الفكرية "الرأس" والحياة الغريزية "الجسد". وحقيقة أن الرسّام كان يطيل أعناق موديلاته أو نسائه خارج كلّ النسب المعقولة والطبيعية يعكس بوضوح الصراع بين دوافعه الغريزية القويّة ورغبته في السيطرة عليهنّ من خلال ملكاته الذهنية أو العقلية.

رؤوس الشخوص في لوحات موديلياني تبدو في كثير من الأحيان مشوّهة. والرأس عادة يرمز للأنا، كما انه رمز لكلّ قوانا الفكرية والاجتماعية، بل ورمز لسيطرتنا على دوافعنا الجسدية والمادّية. وعندما يفقد شخص، أو فنّان، السيطرة على نفسه، فإنه يعوّض عن هذا الفقد عادة بتكبير حجم الرأس في رسوماته.
أفواه شخوص موديلياني، كما تظهر في رسوماته، تأخذ شكل سهم كيوبيد. وتكرار هذا النموذج للفم في لوحاته يشير إلى اهتمام مَرَضي بمنطقة الفم، وهي سمة الأشخاص الشبقين جنسيّا والمدمنين على الكحول والذين يعانون من الطفولية السيكو-جنسية. وهذه النوعية من الأشخاص لديهم غالبا حاجة قويّة للتركيز على الفم كعضو مانح للمتعة.
العينان نصف المغلقتين اللتان يرسمهما موديلياني لنسائه تشيران إلى عدم النضج العاطفي. إنهما عينا شخص ينظر إلى العالم دون أن يراه، اللهمّ إلا ككتلة سديمية ومنتجة للإثارة. ومن خلال عيون شخوصه نصف المغلقة، فإن الفنّان نفسه يحدّق، دون كثير اهتمام، إلى العالم من المسافة التي يفرضها مرضه وإدمانه على الكحول.
ومن ناحية أخرى، فإن العيون نصف المغلقة تعبّر عن رغبة في أن يبقي العالم خارجا وأن يركّز فقط على نفسه وعلى هاجسه بجسده المريض.
فنّ موديلياني يعكس الخصائص السيكولوجية لشخصيّته كرجل، والتي بدورها تحدّد سمات فنّه. وتوق الرسّام لضبط النفس روحيا وفكريا كان دائما في حالة صراع مع متطلّبات طبيعته الحسّية المفرطة. أحلامه عن الفوران الجسدي والجنسي كانت تتناقض مع أدواء جسده. كما أن رغبته في بلوغ المجد كانت تتصادم مع احباطات وفقر الواقع.
لقد أطلق موديلياني العنان لغرائزه حتى احترق في أتونها، رغم انه كان يحاول جاهدا أن لا يطغى ضعفه البشري على فنّه. واختياره أن يرسم بشرا فقط ربّما يكشف عن رعبه من الوحدة. أما محاولته تخليد شخوصه وذلك بإضفاء مظهر آلهة سرمدية عليهم فقد ينمّ عن رغبته في التسامي فوق قصور وعجز البشر العاديين اللامخلّدين مثله.
وأخيرا، يبدو شخوص موديلياني بعيدين عن الموت، لأن الرسّام حوّلهم إلى أفكار مثالية منحوتة. أما ذلك الهدوء الحزين الذي كان ينقله إلى شخوصه فربّما كان محاولة منه لتحقيق حلمه بالسلام الذي لم يجده أبدا خلال حياته المنهكة والمضطربة. مترجم.

الاثنين، مايو 06، 2013

!بُوسان المتعجرف والبارد

أحيانا اُتّهم بأن أفكاري عن الفنّ تقليدية. وهذا اتّهام ظالم. فلو كنت تقليديّا بالفعل لأحببتُ الرسّام نيكولا بُوسان.
عاش هذا الرسّام في القرن السابع عشر وقضى معظم حياته في ايطاليا. وهو فرنسيّ كان يستلهم موضوعات لوحاته من الأساطير والأدب. ولوحته رعاة أركاديا هي واحدة من أكثر الأعمال شهرة في متحف اللوفر في باريس.
بالنسبة لعشّاق الفنّ الأصيلين، فإن حبّ هذا الرسّام هو المحكّ الحقيقيّ للذوق الرفيع. أن تفهم بُوسان وتُعجب به، فإن هذا هو طقس العبور كي تصبح عاشقا حقيقيّا للفنّ.
مؤرّخ الفنّ تيموثي كلارك ألّف مؤخّرا كتابا عن لوحة بُوسان طبيعة مع رجل قتلته أفعى الموجودة في الناشيونال غاليري. وأنا أتساءل: كيف وبأيّ منطق يمكن لأيّ شخص أن يشعر بالانجذاب نحو هذا الرسّام المُملّ؟!
ليست المسألة انه لم تُتح لي الفرصة لكي أصبح مفتونا بـ بُوسان. فقد قضيت ذات مرّة ليلة في فيللا ميديتشي في روما لرؤية معرض لأعمال بُوسان. وكان هناك في نفس الوقت معرض آخر في المدينة لأعمال بوتيتشيللي. وأتذكّر كيف أن الايطاليين نفروا من الانضباط البارد لـ بُوسان.
هذه هي مشكلتي مع الرسّام. أجد أعماله بلا دم أو روح. بالطبع، أستطيع أن أرى جدّية ونطاق فنّه. وليس هناك مكان أفضل من الناشيونال غاليري حيث لوحته عن الرجل والأفعى التي درسها كلارك. لكن أين هي الحياة في لوحاته؟ أين الافتتان؟ أجد لوحاته مثل المعادلات الرياضية التي تشرح كيف ينبغي أن يكون الفنّ العظيم .
سيزان كان معجبا بـ بُوسان. وأنا أحبّ سيزان. لكن بالنسبة لي، فإن الفرق بينهما واضح. في فنّ سيزان، هناك توتّرات عميقة، سكون صُوَره يُدمدم بالخطر. وأنا لا أجد توتّرات في بُوسان. غطرسته مطلقة وعالمه الفنّي مغلق.
وعندما يتحمّس له الناس، فإنني لا أستطيع كتم شعوري بأنهم دجّالون ومحتالون على مستوى ما. أنا متأكّد من أنني مخطئ. ولكن عندما يتعلّق الأمر بـ بُوسان، فأنا شخص غير مثقّف ومعادٍ للقيم الفنّية السائدة وأخشى أن أظلّ هكذا دائما.

❉ ❉ ❉

المقال أعلاه كتبه الناقد جوناثان جونز قبل أسابيع في جريدة الغارديان. والكاتب يطرح في مقاله سؤالا قديما - جديدا يتعلّق بماهيّة الفنّ الجيّد والفنّ الرديء، وهل هناك معايير محدّدة يمكن الاستناد إليها للتمييز بين النوعين؟
في بعض الأحيان، يعبّر بعض الناس عن إحباطهم عندما يجدون شيئا يعتقدون انه فنّ جميل، بينما يعتبره آخرون فنّا رخيصا. ومسألة النسبية في تقييم الأعمال الفنّية موجودة حتى في أوساط النقّاد ومؤرّخي الفنّ. فما يعتبره شخص ما فنّا رخيصا قد ينظر إليه آخر باعتباره فنّا عظيما.
غير أن الفكرة السائدة في أوساط بعض الفئات، وخاصّة من يُسمّون بالنخبة أو المثقّفين، هي أن الفنّ الراقي يمكن أن نجده في قصيدة لـ إليوت أو لوحة لـ بيكاسو أو سيمفونية لـ موزارت. في حين أن الفنّ الرخيص أو الرديء هو ذلك الذي يفضّله غالبية الناس والطبقات الشعبيّة خصوصا. واقرب مثال يرد إلى الذهن هو لوحات نورمان روكويل وموسيقى البوب وتلك اللوحات البرّاقة التي تزيّن التقاويم المكتبية والروايات الرومانسية الشعبية.
في بدايات القرن الماضي، بدأ الناس يتداولون مصطلحا فنّيا جديدا هو الكيتش آرت، وهي كلمة ألمانية تشير إلى نوع من الفنّ الذي يعكس ذوقا رديئا بسبب بهرجته المفرطة وإغراقه في العاطفية. هذا النوع من الفنّ غالبا ما يروق للطبقات الشعبية من المجتمع. ومن سماته انه منفصل عن الحياة كما انه لا يهتمّ كثيرا بالعوامل الحرفية ولا بالاعتبارات الجمالية.
الفنّ الرخيص أصبح هذه الأيّام يرتبط بالثقافة الشعبية وما ترمز له من انحلال وسلبية وتقليد وسطحية وابتذال بالإضافة إلى طابعها الاستهلاكي والميكانيكي، وفي المقابل يتسم الفنّ الرفيع بالتفرّد والتعقيد والفردانية والأصالة والعمق. لذا من غير المستغرب أن يذهب بعض النقاد إلى اعتبار فنّ اندي وارهول وروي ليكتنشتاين من قبيل الفنّ الرخيص بالنظر إلى شعبيته وتوظيف الآلة في إنتاجه وغلبة الطابع التجاري عليه.
في فنّ الحداثة وما بعدها، بما في ذلك الأدب، لم يعد يُنظر إلى الكيتش آرت والفنّ الشعبيّ على انه فنّ رخيص أو عديم القيمة. بل جرى عليه ما جرى على كثير من الفنون التي كان يُنظر إليها بدونية، وأصبح مع مرور الأيّام جزءا لا يتجزّأ من البنية العامّة لمفهوم الجمال السائد. وقد راج هذا الفنّ وازدهر بسبب سخرية النقّاد منه واحتقارهم له. بل إن بعض الأعمال الفنّية المصنفة على أنها رخيصة بيعت بملايين الدولارات، مثل بورتريه فلاديمير تريتشيكوف عن الفتاة الصينية ذات الوجه الأزرق والبورتريه الغريب الذي رسمه سلفادور دالي لـ مونا فون بيسمارك.
السؤال الذي يطرح نفسه اعتمادا على مضمون المقال أعلاه هو: هل من الضروري أن يكون كلّ شيء في الفنّ معذّبا وصادما وباعثا على الخوف والتوتّر والخطر كي يُعتبر فنّا أصيلا وجيّدا؟
هناك عبارة مشهورة تقول إن الجمال يكمن في عين الناظر، أي أن المتلقّي هو الذي يقرّر لنفسه إن كانت هذه القطعة الفنّية جميلة أم غير ذلك. والواقع انه لا توجد معايير واضحة ومحدّدة للفنّ الجيّد أو الجميل، كما أن النقّاد والخبراء مختلفون كثيرا حول هذه النقطة. والأمر يتعلّق في النهاية بذائقة الفرد نفسه وطريقته في النظر إلى العمل الفنّي. لذا لا تدع أحدا يحدّد لك معنى الفنّ، ولا تهتمّ بما يقوله الآخرون أو بما يؤمنون به. فقط ركّّز على أن تُبقي عقلك مفتوحا وخذ وقتا كافيا في دراسة وتأمّل الأعمال الفنّية ودرّب نفسك على تبيّن محاسنها وسلبيّاتها.

الأحد، نوفمبر 11، 2012

الفنّ في زمن الحرب

كثيرا ما تقترن باريس في الأذهان بكونها مدينة الهدوء والدّعَة والترف، حيث الموسيقيون الذين يعزفون موسيقاهم في الطرقات، وأصوات نغمات الكمان والأكورديون التي تصدح في الليل، وأزهار الربيع التي تنشر شذاها في أجواء أمسيات المدينة الحالمة.
لكن هذا لم يكن حال باريس في العام 1870م. فقد قرّر الفرنسيّون آنذاك، بزعامة نابليون الثالث، شنّ حرب على بروسيا. ونتيجة لذلك، انفتحت بوّابات الجحيم على مصاريعها في باريس خلال خريف وشتاء ذلك العام. وكما يحدث عادة عندما يشتبك بَلَدان في حرب، فقد فرّ السكان "أو على الأقلّ أولئك الذين لم يتحمّلوا الحرب" محاولين البحث عن ملاذ آمن خارج مناطق القتال.
ولم تكن توقّعات الإمبراطورية الفرنسية المترهّلة بإحراز نصر سريع وحاسم متطابقة مع إمكانيات آلة الحرب البروسية الضاربة وإصرار البروسيين على إحباط الهجوم الفرنسيّ.
وبعد هزيمة الفرنسيين في سيدان في سبتمبر من ذلك العام، تدهورت الحياة على نحو خطير في باريس. وقد واجه الفنّانون تحدّي الحرب بوسائل مختلفة. بعضهم هرب إلى لندن أو بروكسيل، كما فعل كلّ من كلود مونيه وأوجين بُودان وشارل دوبينييه . كميل بيسارو، على الرغم من أنه كان يعيش بأمان في انجلترا، إلا أن منزله في باريس احتُلّ من قبل البروسيين الذين حوّلوه إلى مسلخ. كما استخدموا لوحاته الزيتية التي وجدوها هناك كمماسح للأحذية ودمّروا عددا لا يُحصى من لوحاته بهذه الطريقة.
فنّانون آخرون فضّلوا الانخراط في الخدمة العسكرية، كما فعل كلّ من إدوار مانيه وإدغار ديغا. أوغست رينوار، الذي لم يكن قد اعتلى ظهر حصان في حياته، التحق بسلاح الفرسان، لكن تم ادّخاره للأجيال القادمة بعد أن اكتُشف انه يعاني من الدوزنتاريا. أمّا زميله فريدريك بازيل ، الذي انضمّ هو الآخر إلى سلاح الفرسان، فقد لقي مصرعه في تلك الحرب عن عمر لا يتجاوز التاسعة والعشرين.
وكان هناك فريق ثالث من الفنّانين ممّن آثروا الاختباء في بقعة ما من جنوب فرنسا، كما فعل سيزان وفان غوخ والروائي اميل زولا الذي اعفي من الخدمة العسكرية لكونه الابن الوحيد لأرملة.
الرسّام غوستاف كوربيه قرّر هو أيضا البقاء في العاصمة حيث اختير رئيسا للجنة حماية الكنوز الفنّية في البلاد. وقد تمكّن من إنقاذ أعماله بشحنها إلى لندن، وبذا نجت معظم لوحاته من الدمار.
وقد ازدادت الأمور سوءا عندما وقعت باريس تحت الحصار في أوائل يناير من عام 1871. كانت المدفعية البروسية تمطر المدينة بآلاف القذائف آناء الليل والنهار، واستمرّ ذلك لأكثر من ثلاثة أسابيع. كما أصبحت الإمدادات الغذائية ضعيفة. ثم ظهرت لافتات في الشوارع تعلن عن توفّر لحوم القطط والكلاب وحتى الفئران. والمحظوظون كانوا أولئك الذين يتمكّنون من الحصول على لحم حصان. وقد اشتكى مانيه في إحدى رسائله من أن لحوم الحمير أصبحت غالية جدّا.
وعندما استسلمت المدينة في نهاية ذلك الشهر، كانت تلك النوعية من اللحوم، التي لا بدّ وأنها كانت تمثّل تحدّيا لفنّاني المطبخ الفرنسي وقتها، قد اختفت تماما.
الحرب هي دائما شكل من أشكال الجحيم. وإحدى أكثر الحروب كارثية كانت تلك الحرب الصغيرة والمتهوّرة التي شنّها نابليون على بروسيا. ورغم أن الحرب كانت قصيرة، إلا أنها غيّرت بشكل جذريّ وجه التاريخ الأوربّي. فالانتصار السريع والكاسح للولايات الألمانية بقيادة بروسيا في ذلك الصراع سهّل تأسيس إمبراطورية ألمانية وتسبّب في انهيار إمبراطورية نابليون الثالث التي حلّت محلّها الجمهورية الثالثة. كما مثّلت تلك الحرب الخطوة النهائية في طريق صعود ألمانيا لتصبح قوّة عظمى في القارّة الأوربّية. وكجزء من التسوية، ضمّت ألمانيا مقاطعة الالزاس واللورين التي ظلّت تحتفظ بها إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى.
كانت السنوات التي تلت الهزيمة الفرنسية في الحرب قد تركت البلاد منهكة وتوّاقة للتشافي من جراح الحرب. وكانت الحركة الانطباعية في مراحلها الأولى في ذلك الوقت. لكن الرسّامين الانطباعيين لم يشغلوا أنفسهم برسم مناظر صادمة عن الحرب، بل فضّلوا بدلا من ذلك رسم مشاهد تصوّر أفراد الطبقة الوسطى وهم يستمتعون بأوقات فراغهم في الحدائق وعلى الشواطئ وفي المقاهي والمسارح.
وباستثناء ديغا ومانيه اللذين كانا يرسمان مشاهد مشحونة بالإيحاءات الجنسية، كانت لوحات الانطباعيين بوجه عام تعكس اهتمامات واحتياجات وتطلّعات الطبقة الوسطى. كان حجم تلك اللوحات صغيرا وكانت مصمّمة لتُعلّق في غرف المعيشة. كانت مزخرفة وغير مؤذية وذات مضمون خال من النزاعات السياسية أو الفضائح الاجتماعية.
لم يكن الانطباعيون يتعمّدون السخرية أو انتقاد احد. كما لم يحاولوا استنطاق التاريخ بحثا عن أساليب أو موضوعات. ولم يحاولوا مهاجمة مؤسّسة الرسم التقليدية أو التقليل من شأنها. كان همّهم أن يرسموا ما يريدونه وفقا لشروطهم هم.

الأربعاء، سبتمبر 05، 2012

طبيعة بطولية

بإمكانك اليوم أن ترى أعدادا متزايدة من الفنّانين الذين يرسمون مناظر للطبيعة في الهواء الطلق، وكأنهم يعيدون الاعتبار إلى ما كان يُعتبر نوعا مملا وغير مقدّر من الفنّ خلال معظم سنوات القرن العشرين.
وقبل عقود، ومع تحوّل الناس إلى الفنّ الحديث الذي يخاطب المشاعر الداخلية للإنسان، أصبح الكثيرون ينظرون إلى رسم المناظر الطبيعية باعتباره فنّا غير مهمّ وغير ذي صلة بالواقع.
غير أن رسّامي القرون الماضية كانوا في كثير من الأحيان معبّرين تماما عن ما اصطلح على تسميته "مأزق الإنسان" من خلال فنّ رسم المناظر الطبيعية. والواقع أن النقيض التام لرسم المناظر الطبيعة في الهواء الطلق هو ما يسمّيه مؤرّخو الفنّ بـ "الطبيعة البطولية".
رسّام المناظر الطبيعية الفرنسي بيير اونري دي فالينسيان هو احد روّاد ومنظّري هذا النوع من رسم الطبيعة. وقد كان يحثّ رسّامي الطبيعة في زمانه على أن يقرءوا أوّلا كتب الأدب الكلاسيكي ويستوعبوا ويتأمّلوا كلمات الشعراء العظام قبل أن يغلقوا أعينهم ويتخيّلوا مشهدا مثاليا عن جمال الطبيعة.
وكان فالينسيان يؤكّد على أهميّة أن يلاحظ الفنانون الطبيعة وأن يعبّروا عن خيبة أملهم من عشوائيتها ومن ما يعتريها من أوجه نقص وقصور. وعندما يعودون إلى محترفاتهم يتعيّن عليهم أن يرسموا في لوحاتهم جمال رؤاهم الداخلية ويحرّروا أنفسهم من الحقائق الصغيرة التي قد يكونون لاحظوها، لصالح الحقائق الكونية الكبرى المتجسّدة في الطبيعة.
ولوحة فالينسيان بعنوان منظر لمدينة أغريجينتو القديمة والتي رسمها في 1787 تقدّم نموذجا على مثل هذه المثالية الفنّية.
فالينسيان لم يكن الفنّان الأول أو الأخير الذي نظر إلى رسم المناظر الطبيعية بهذه الصورة. وهو كان من أتباع نيكولا بُوسان الذي كان، هو نفسه، تلميذا لـ كلود لورين. ولكن بُوسان كان هو من أتقن رسم مناظر الطبيعة البطولية وأصبحت أعماله معيارا تقاس على أساسه كلّ لوحة أخرى من هذا النوع، على الأقل حتى نهاية القرن التاسع عشر.
ولوحة بُوسان الطبيعية بعنوان رماد فوشيان التي رسمها في العام 1648 تستند إلى قصّة ذكرها الشاعر الروماني بلوتارك في كتابه حيوات متوازية. وفيها يروي تفاصيل قصّة جنرال إغريقي يُدعى فوشيان أدين ظلما وحُكم عليه بالموت. وبسبب انتمائه إلى جماعة تؤمن بحرق جثّة الميّت لا دفنها، وهو ما يُعدّ انتهاكا لقانون كان ساريا في أثينا وقتها، اضطرّت زوجته لأخذ جثّته إلى مكان خارج المدينة لحرقها. ثمّ جمعت رماده سرّا واحتفظت به، بانتظار حدوث تغيير سياسي يسمح بإجراء مراسم دفن تليق بزوجها كإنسان شريف.
في مقدّمة اللوحة، نرى الأرملة وهي تجمع رماد زوجها بعد حرق جثمانه وإلى جوارها خادمتها. تفاعل الضوء والظلّ له معنى واضح. فجانبا الطريق، حيث الزوجة والخادمة، تغطّيهما الظلمة بفعل ظلال الأشجار. والتباين ما بين النور والعتمة يركّز اهتمام الناظر إلى ما يجري. الخادمة تبدو وكأنها تريد التأكّد من أن أحدا لا يراقب ما يحدث. وفي الخلفية نرى البلدة كمنظر طبيعي مثاليّ. فالناس يقضون وقتا مسليّا، وبعضهم يظهر وهو مسترخٍ أو نائم. وهم لا يدركون مقدار الألم والمعاناة التي تمرّ بها المرأة.
مثل هذا المنظر لا يمكن أن يتخيّله سوى رسّام مثل بُوسان. وقد اشبع الطبيعة بحضور يتجاوز مجرّد رسمها بشكلها الخامّ، ومنحها نوعية خالدة تناسب البطولة الخالدة للطبيعة الإنسانية.
وربّما يتفاجأ البعض اليوم إذا ما عرفوا بأن بول سيزان كان هو أيضا احد أتباع بُوسان. قد يبدو هذا غريبا، خاصّة في ضوء حقيقة أن سيزان كان بالكاد يعرف أو يهتمّ بالأدب القديم، مع انه في كثير من الأحيان كان يرسم مناظره في الهواء الطلق. وهو في عمله كان متأثّرا بلا شك بالانطباعيين. لكنه كان أيضا على خلاف معهم في بعض فترات حياته.
وأيّ شخص درس سلسلة لوحاته عن طبيعة جبل سان فيكتوار سيدرك أن تلك المناظر يمكن إدراجها ضمن مفهوم الطبيعة البطولية.
وتجاوبا مع ما اقترحه فالينسيان، يبدو أن سيزان كان يغمض عينيه فعلا بينما كان يرسم ويتخيّل الجوانب المثالية للطبيعة. فهناك إحساس بالصفاء واهتمام شديد بالتوليف والتصميم اللذين يهيمنان على طبيعته. "مترجم".

الأحد، يونيو 20، 2010

ثلاثة كُتُب

تتفاوت النسبة بين ما هو موضوعي وبين ما هو ذاتي عند الكتابة عن حياة الشخصيّات المشهورة. والمؤلّف الذي يؤرّخ لحياة مبدع ما ويتناول نتاجه بالنقد والتقييم، كثيرا ما تفرض عليه انطباعاته وأفكاره المسبقة نوعية الأحكام والمواقف التي يضمّنها كتابه عن هذه الشخصية أو تلك.
هذه المشكلة لا تقتصر على مؤلّف الكتاب فحسب بل قد تمتدّ أحيانا لتشمل المتلقّي نفسه الذي قد يقرأ الكتاب وفي ذهنه القناعات والمواقف التي كوّنها عن الشخصيّة في مرحلة سابقة.
جيكوب ويسبيرغ يستعرض في المقال التالي ثلاثة كتب تتناول سيرة حياة ثلاثة من كبار الرسّامين، هم على التوالي هنري ماتيس ودييغو ريفيرا وسلفادور دالي.

كقاعدة عامّة، يمكن القول إن حياة الروائيين اقلّ نشاطا وحيوية من حياة الرسّامين. فبينما يجلس الكاتب لوحده إلى طاولة، فإن الفنّان يؤدّي عمله وسط دعم فريق كامل من الرعاة والزبائن والمساعدين.
وبينما يحاول الروائي أن يكون له أسلوبه الخاصّ في الكتابة، فإن الرسّام من حقّه أن ينضمّ إلى تيّار جماعي أو أن يختار طريقه بمفرده.
وعندما يتعلّق الأمر بالسلوك الاجتماعي، فإنه لا توجد مقارنة على الإطلاق بين الروائي والرسّام. وليام فوكنر، مثلا، قد يتناول خِفية جرعة من الكحول من درج مكتبه، بينما يستطيع جاكسون بولوك أن يسكر على الملأ. وهمنغواي بإمكانه أن يتخذ له زوجة أو عشيقة، بينما يستطيع بيكاسو أن يدّخر لنفسه عشرات الخليلات. وإذا كان لدى الكاتب عشيقة، فإن الرسّام يمكن أن يعيش حياة تتسم بالمجون والعربدة.
لهذه الأسباب أصبحت كتب السيرة، منذ جورجيو فاساري في القرن السادس عشر، نوعا من التسلية الجيّدة. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت مثل هذه القصص تساعدك على تقدير وتقييم إبداعات أصحابها. إذا أردت، مثلا، أن تعرف طبيعة إسهامات هاري ترومان، فما عليك إلا أن تقرأ سيرة جيّدة له، لأنه لا يمكنك الذهاب إلى متحف كي ترى سياسة الاحتواء المزدوج. الفنّانون في المقابل يسعون للوصول إلينا دون حاجة إلى كلام النقّاد أو مؤرّخي الفنّ، مع أن هؤلاء قد يلفتون اهتمامنا إلى أشياء ربّما تفوتنا. لكن هل بإمكان كاتب السيرة أن يقرّبنا أكثر من التجربة الفنّية؟
الكتب الثلاثة التالية تقدّم إجابات مختلفة ومتباينة عن هذا السؤال.
الكتاب الأوّل، وهو أفضلها، عنوانه ماتيس المجهول: السنوات الأولى للكاتبة هيلاري سبورلنغ.
كتاب سبورلنغ هو عبارة عن قصّة تكشف فصولها بالتدريج عن سيرة حياة رسّام عظيم. السؤال الذي يطرح نفسه عن ماتيس هو: كيف استطاع ابن تاجر بذور من ريف شمال فرنسا الفقير أن يصبح مبتكر الحداثة وسيّد اللون والضوء المتوسّطيين؟
الكتاب يُطلعنا على خطوات ماتيس الصغيرة وإخفاقاته الكثيرة. وشيئا فشيئا ينقلنا للتعرّف على أسلوبه المبتكر وإبداعاته الثورية.
تشرح المؤلّفة كيف نضج أسلوب ماتيس الفنّي وكيف سقط بعد ذلك في فترة مظلمة دامت سنتين إثر فضيحة مالية نشأت عن تزوير أوراق تورّط فيها والدا زوجته. هذه الفترة من حياة ماتيس شغلت كلّ وقته واستنزفت موارده الشحيحة أصلا وسبّبت له الانهيار. ولم يتمكّن من الوقوف ثانية على قدميه إلا بعد أن تمّت تبرئة أصهاره. ثم تشرح المؤلّفة كيف تأثّر الفنّان بأنماط الأقمشة المزركشة في قريته وبلوحات تيرنر التي رآها أثناء قضائه شهر العسل في لندن وبإحدى لوحات سيزان التي اشتراها بمال بقالة العائلة.
الشيء الجدير بالإعجاب في شخصيّة ماتيس هو نزاهته وإخلاصه. فطوال عشرين عاما صمد هذا الرجل المتحفّظ وذو العادات الثابتة في وجه الفقر والمرض وسوء فهم الآخرين له ورفضهم للوحاته الثورية. والده اعتبره عارا على العائلة وحرمه من نصيبه من الميراث. المعلّمون في باريس اخبروه أن حالته ميئوس منها. معاصروه اعتبروا لوحاته المعْلَمية سخيفة ومضحكة. بعض لوحاته مثل العارية الزرقاء صدمت حتى منافسه العتيد بيكاسو. "إذا أراد أن يرسم امرأة فليرسم امرأة. وإذا أراد أن يضع تصميما فليضع تصميما. لكن هذه اللوحة هي شيء بين الاثنين". بيكاسو قال هذا عن ماتيس، لكنّه عن قريب سيقوم بتقليده.
هذه السيرة عن هنري ماتيس مكتوبة بطريقة جيّدة. غير أنها لا تتحدّث كثيرا عن أسرار الإلهام الفنّي. سبورلنغ تخبرنا أن النمط الذي يظهر على ورق الحائط وقماش المائدة في لوحة ماتيس هارموني بالأحمر مستوحى من قماش قطني ازرق كان الرسّام قد لمحه من نافذة قطار. وأثناء مراجعة اللوحة قام بتغيير خلفيّتها من الأزرق إلى الأحمر.
هذه المعلومة على بساطتها ممتعة. لكنّها لا تقوّي استمتاعنا بهذه التحفة بالذهاب إلى ما وراء المعلومة.

الكتاب الثاني عنوانه الحلم بعينين مفتوحتين: حياة دييغو ريفيرا للكاتب باتريك مارنهام. الكتاب عبارة عن حكاية صاخبة لا تخلو من ثرثرة. ثم هو بعد ذلك عن الرسم.
دييغو ريفيرا عاش حياة أكثر جموحا من ماتيس وأنتج فنّا اقلّ أهمّية. وهذا ما تعكسه بوضوح السيرة التي كتبها مارنهام عن الفنّان المكسيكي.
ارتبط ريفيرا طوال حياته بالماركسية والسياسة المكسيكية. كما عُرف بكثرة عشيقاته وفضائحه النسائية المشهورة وكذلك بزواجه الغريب من الرسّامة فريدا كالو.
كان ريفيرا أيضا ناسج أساطير من طراز غابرييل غارثيا ماركيث. ولطالما تحدّث عن قصص يصعب تصديقها، مثل أكله للحوم البشر عندما كان طالبا وقتاله إلى جانب الثائر ايميليانو زاباتا.
يقول المؤلّف: القصص الحقيقية هي تقريبا بمثل جودة القصص الخيالية. فرغم أن ريفيرا لم يحاول اغتيال هتلر كما كان يزعم متباهياً، إلا انه قد يكون وراء جريمة اغتيال تروتسكي. فقد طرد ريفيرا تروتسكي من منزله في مكسيكوسيتي عندما اكتشف أن الأخير كان يقيم علاقة عاطفية مع زوجته. وكانت كالو قد راودت تروتسكي بسبب غيرتها من علاقة الحبّ التي أقامها ريفيرا مع شقيقتها.
وبعد أن أصبح تروتسكي بلا حماية، وجد نفسه فريسة سهلة لعملاء ستالين.
ويحكي مارنهام عن قصّة العلاقة بين ريفيرا وكالو في إطار من الكوميديا السوداء. "في إحدى المرّات، أسَرّ ريفيرا إلى بعض أصدقائه أن زوجته أصبحت مكتئبة جدّا إلى الحدّ الذي لا يستطيع معه إدخال السعادة على قلبها بإخبارها عن آخر فتوحاته الجنسية".
لكنْ في هذه السيرة أيضا نتعلّم بعض الحقائق عن تطوّر الفنان دون أن نفهم كيف حدث ذلك. في باريس، قبل وأثناء الحرب العالمية الأولى، كان ريفيرا عضوا في حركة الطليعيين الفرنسيين. وكان يرسم أعمالا تكعيبية من قبيل لوحته بعنوان حياة ساكنة مع زجاجة كحول.
وبعد زيارة له إلى ايطاليا رأى خلالها بعض جداريات عصر النهضة، تراجع ريفيرا عن التكعيبية وأصبح يرسم الجداريات الضخمة.
الكتاب الثالث عنوانه الحياة المُشينة لـ سلفادور دالي للكاتب إيان غيبسون. هذا الكتاب يتنمي إلى تلك النوعية من الكتب التي تحفل بالتنظيرات السيكولوجية والمواقف والآراء الانفعالية الحادّة والقاطعة.
ففي كتابه عن دالي، يغرقنا غيبسون بالتفاصيل الساذجة والمملّة. فهو يتحدّث مثلا عن أصول أسلاف دالي وعن هواجسه الجنسية والصراعات داخل الحركة السوريالية التي طُرد منها الرسّام في النهاية بسبب تأييده للفاشية.
نظرية غيبسون الكبرى هي أن حياة دالي كانت مجلّلة بالعار. وهذا ليس بالأمر المفاجئ من شخص رسم لوحة عنوانها المستمني العظيم.
وعلى النقيض من ريفيرا وماتيس، كان وصول دالي مبكّرا وسريعا. فقد أعطته السوريالية طريقة للتعبير عن مكنونات نفسه. ومن الصعب أن تجادل في براعة دالي الفنية كما أثبتها في لوحته مولد الرغبات السائلة التي رسمها عام 1932 عندما كان في سنّ الثامنة والعشرين.
لكن دالي، بحسب المؤلّف، سرعان ما أصبح شخصا راكدا وفاسدا وفي النهاية مثيرا للشفقة.
غيبسون يسرد تجربة دالي الطويلة، لكنّه لا يحاول أن يحلّلها أو يشرحها.
بعد قراءة هذه الكتب الثلاثة، ذهبت لزيارة متحف الفنّ الحديث في نيويورك، في محاولة لاختبار ردود فعلي على الفنّانين الثلاثة.
واستنتجت أن غيبسون حوّل دالي إلى قزم وإلى رسّام بلا قيمة.
بينما حرّضني مارنهام على أن اذهب إلى المكسيك لرؤية المزيد من جداريات ريفيرا.
وأثناء معاينتي للصالة المخصّصة للوحات ماتيس، أحسست بأن احترامي لهذا الفنّان قد تضاعف، خاصّة بعد ما قرأته في كتاب سبورلنغ عن نضاله وعصاميّته. وأزعم أن بإمكاني الآن أن ألقي محاضرة موجزة عن سنواته الأولى.

الأحد، مايو 09، 2010

غداء مع سيزان

كثيرا ما يُوصف بول سيزان بأنه الأب الروحي للرسم الحديث. وقد كان لهذا الرسّام تأثير كبير على حركة الرسم في القرن العشرين، على الرغم من انه قوبل بالتجاهل والإهمال من قبل النقاد في عصره. لم يكن سيزان يثق بالنقاد كثيرا وكانت نصيحته دائما: لا تشتغل بالنقد الفنّي. وارسم، فإن في الرسم خلاصك". تأثّر به ماتيس وبيكاسو كما اعتُبر طليعة الاتجاه التكعيبي في الرسم.
بروك كيسترسون كتبت المقال المترجم التالي الذي تتحدّث فيه عن حياة سيزان وفنّه..

لو عاد بول سيزان إلى الحياة من جديد وواتتني فرصة دعوته لتناول الغداء معي فسآخذه إلى مكان منعزل وهادئ وذي إطلالة جميلة على البحر. وعلى الأرجح، سأصطحبه إلى مطعم صغير يشرف على الشاطئ ولا يكون مزدحما بالناس. فـ سيزان شخص انطوائي ومحبّ للعزلة. وبالتأكيد سيقدّر هذه البادرة كثيرا.
أثناء الغداء، ربّما نتحدّث عن المناظر الطبيعية أو حتّى عن القانون. فـ سيزان درس القانون في فرنسا لمدّة سنتين.
ويمكن أن نتحدّث عن الهزّات والمشاكل التي تخلّلت حياته، وعن موت والده أو حتّى عن زوجته وطفله.
وبعد الغداء، قد أصطحبه في مشوار على ساحل البحر. فـ سيزان مغرم كثيرا برسم مناظر الطبيعة والبحر. وأتصوّر انه سيستمتع كثيرا بمرأى الماء.
ولد سيزان في التاسع عشر من يناير عام 1839 في فرنسا. وتلقّى تعليمه الأوّليّ في ايكس، كما ربطته صداقة وثيقة مع الروائي المعروف اميل زولا.
درس سيزان القانون وأثناء ذلك كان يأخذ دروسا في الرسم. وقد قرّر، خلافا لرغبة والده، أن يحقّق حلمه في أن يصبح رسّاما. وفي مرحلة لاحقة انضمّ إلى صديقه زولا في باريس.
كان والده يدعمه ماليّا. لكنّه كان ما يزال بحاجة إلى المزيد من المال. في باريس، قابل زولا وسيزان كميل بيسارو وهو رسّام انطباعي آخر ترك تأثيره في ما بعد على العديد من أعمال سيزان.
في رحلته الأولى إلى باريس، قابل سيزان موديلا فرنسية تدعى "اورتونز"، ثم لم يلبث أن وقع في حبّها.
وقد أبقى علاقته مع المرأة سرّا وأخفى ذلك عن عائلته لسنوات حتى بعد أن أنجب منها طفلا.
غير أن سيزان وزوجته لم يكونا على وفاق أبدا. فـ اورتونز كانت تكره ايكس وتعشق باريس وأضواءها وصخبها.
سيزان نفسه لم يفهم النساء أبدا. ولم تكن زوجته استثناءً. وكانا يقضيان أكثر وقتهما متباعدين عن بعضهما.
كان يعتبر ايكس مكانا مناسبا للاعتكاف والرسم. واستمرّ يرسم مناظر الطبيعة والبورتريهات والحياة الساكنة مع التركيز على عناصر متكرّرة مثل التفّاح وقماش المائدة. لكن لوحاته لم تثر اهتمام احد من النقّاد.
في تلك الفترة، ألّف صديق سيزان الطيّب اميل زولا رواية جديدة. كانت الشخصية الرئيسية في الرواية فنّانا فاشلا قريب الشبه بـ سيزان. ولم تمرّ فترة قصيرة حتى انتهت الصداقة التي كانت تجمع بين الروائي والرسّام.
في إحدى مراحل حياته، كان سيزان مفتونا بـ مونت سان فيكتوار، وهو جبل كبير يبرز من وسط السهول. كان يرى في ذلك الجبل رمزا، كما كان له تأثير كبير على فنّه.
وفي أحد أيّام شهر أكتوبر من عام 1906 قرّر سيزان أن يذهب إلى محترفه مشيا على الأقدام بدلا من استئجار عربة كما كان يفعل عادة. كان المشوار طويلا والجوّ باردا. وفي منتصف الرحلة أمطرت السماء لساعات. عاد سيزان إلى البيت مريضا منهكا. وأرسل إلى اورتونز وابنه يبلغهما عن احتمال موته الوشيك.
وفي صباح اليوم التالي، أي 22 أكتوبر 1906، توفّي جرّاء مضاعفات إصابته بالتهاب رئوي حادّ. كان سيزان يتمنّى أن يرى ابنه للمرّة الأخيرة. لكنّ الابن والزوجة وصلا متأخرّين.
استخدم سيزان زوجته وولده في العديد من لوحاته. لكن اورتونز لم تكن تحبّ الرسم وكانت تبدو متضجّرة عندما كانت تقف أمامه لرسمها.
كان في حياة سيزان الكثير من الصعاب والأحزان. لكنه ظلّ إنسانا متفائلا واستمرّ يركّز على فنّه.
وبالقرب من نهايات حياته، كان اسم سيزان قد أصبح مألوفا وبدأت لوحاته في الانتشار في جميع أنحاء أوربّا.
المكان الأخير الذي يمكن أن آخذ سيزان إليه هو احد الغاليريهات الحديثة التي تعرض لوحات تنتمي إلى مدارس الرسم الحديث.
هناك سيكتشف بنفسه كم أن الرسم تغيّر كثيرا في المائة سنة الأخيرة منذ رحيله.



الاثنين، فبراير 15، 2010

كورو: الانطباعية في طورها الأوّل

"كلّ شيء يبدو باهتا بينما الطبيعة تقاوم النعاس. الهواء المسائي العليل يتأوّه بين أوراق الشجر والطيور والأزهار تؤدي صلاتها الأخيرة قبل هبوط الظلام".
- جان باتيست كميل كورو

من المدهش أن نقرأ كثيرا من كلمات المديح عن كميل كورو من قبل جيل الرسّامين الذين بلغوا بالكاد مرحلة النضج عند وفاته. والغريب أن هؤلاء، وعلى رأسهم كلود مونيه وديلاكروا، كانوا يوقّرون كورو كثيرا رغم انه كان يتظاهر بأنه بعيد عن التطوّرات الفنّية التي حدثت بالقرب من نهاية حياته ومن بينها أعمال مونيه وزملائه الانطباعيين.
أسلوب كورو في الرسم لا تخطئه العين. وبإمكانك أن تتعرّف بسرعة على طبيعته "الريشية" من قرى بلّلورية وأنهار وبحيرات موشّاة بالضباب والتي كانت تناسب ذوق الطبقة الفرنسية الوسطى في أواخر القرن التاسع عشر.
إن مفهوم الحداثة الذي تبنّاه مونيه، ومناظر الحياة الحضرية التي تخصّص فيها ادغار ديغا، والتجريب المتواصل الذي ميّز هذين الفنانين وغيرهما، كلّ هذا كان يبدو متناقضا مع رؤية كورو التأمّلية عن "أركاديا" مثالية وخالدة.
وعند القراءة أكثر، يتعلّم المرء انه في نهاية عشرينات القرن الماضي وبداية الثلاثينات، كان كلّ من الرسّام جاك اميل بلانش والمؤرّخ الفريد بار مؤسّس متحف نيويورك للفنّ الحديث يعتقدان بأن تأثير كورو على فنّ القرن العشرين سينافس تأثير سيزان. لكن هذه الآراء ما تزال بعيدة جدّا عن نظرة زمننا الحاضر لأهميّة كورو بالنسبة لتاريخ الرسم. وربّما تكون عملية إعادة تقييم فنّ هذا الرسّام بطريقة شاملة مهمّة فات أوانها منذ زمن طويل.
ومنذ الثلاثينات حاول المؤرّخون تقديم كورو باعتباره احد أسلاف الانطباعية الأوائل ومبتكر المناظر الطبيعية التي يضيئها نور الشمس ولا يكدّر صفوها أحداث أو أفكار ذات مغزى. وبعض الكتّاب الذين افتتنوا بمناظره الرائعة التي رسمها في الهواء الطلق في ايطاليا ينظرون إليه على انه رسّام ذو عين بريئة وأن شخوص لوحاته لا يشغلهم التفكير كثيرا على ما يبدو.
وهناك من النقّاد من وصف لوحته جسر عند نهر نارني بأنها مثال واضح على الانطباعية في طورها الأوّل. غير أن وصف كورو بالانطباعية أو حتى بالنيوكلاسيكية لا يكفي لتصنيف مجمل انجازاته الكثيرة. كما أن هذه التسميات لا تستوعب، بطريقة مُرضية، لوحاته التاريخية غير العاديّة مثل "هاجر في البرّية" و"هوميروس والرعاة"، بالرغم من أن هذه اللوحات بالذات هي التي صنعت شهرة كورو في أربعينات القرن الماضي. وهي نفس النوعية من اللوحات التي دفعت بودلير ذات مرّة للقول إن كورو يقف على رأس المدرسة الحديثة في تصوير الطبيعة.
هذه هي الأعمال التي ما تزال تثير اهتمام نقّاد الفنّ الحديث إلى اليوم. والغريب أن كورو اشتهر أحيانا بكونه رسّام أشخاص أكثر منه رسّاما للطبيعة. وقد فُتن بصفته هذه كلّ من فان غوخ وغوغان وسيزان. وفي مطلع القرن العشرين استنسخ كلّ من بيكاسو وغْريس بعضا من شخوصه.
غير أن كورو ما يزال إلى اليوم يحيّر مؤرّخي ونقّاد الفنّ. وهذا هو السبب الذي يتطلّب استعادة جميع أعماله لدراستها وإلقاء الضوء عليها بطريقة موضوعية وشاملة.
المشكلة أن مجموعة لوحاته الكاملة تعكس الأفكار المتناقضة للنيوكلاسيكية والرومانسية والواقعية والطبيعية. ومع ذلك فالرسّامون من ديلاكروا إلى كوربيه، ومن رينوار إلى بيكاسو عرفوا جميعا أعمال كورو وكانوا يحترمونها ويقدّرونها حقّ قدرها.
السوق النشط لأعمال كورو على مدى قرنين كاملين وسهولة تقليد أسلوبه في رسم المناظر الطبيعية كانا سببين في استنساخ لوحاته بكميّات كبيرة وتزويرها على نطاق واسع. وما أدّى إلى تفاقم هذه المشكلة هو موقف كورو نفسه الذي لم يكن يمانع في أن يستنسخ تلاميذه أعماله وحتى أن يقترضوا بعضها وكأنه كان يشجّع الآخرين على تزوير لوحاته والعبث بها. .

هامش: الأعمال الكاملة لـ كميل كورو

Credits
arthistory.net

الاثنين، سبتمبر 21، 2009

صورة الفنان عن نفسه

ليوناردو دافنشي، غوغان، فيلاسكيز، دافيد، بيكاسو، سيزان، كارافاجيو، ديغا، ايغون شيلا، مونك، بيكون، لوسيان فرويد، فيجي لابران، روبنز، انجيليكا كوفمان، بيتر بريغل، جوشوا رينولدز، غويا، رافائيل، جيمس ويسلر، اوجين ديلاكروا، ماتيس، جون سارجنت، دانتي غابرييل روزيتي، سلفادور دالي، وارهول، رينوار، ديورر .. إلى آخره. كلّ هؤلاء وغيرهم رسموا صورا لأنفسهم. ومن دون تلك الصور ما كان بالإمكان اليوم تصوّر ملامحهم أو سماتهم الشخصية.
إن البورتريه الذي يرسمه الفنان لنفسه، سواءً كان واقعيا أو تجريديا أو غامضا، يمكن أن يوفر أفكارا ومعلومات مثيرة عن صاحبه.
وقبل ظهور التصوير الضوئي كان البورتريه الشخصي ضروريا لأنه يظهر للناس كيف كان يبدو هذا الرسّام أو ذاك. كان رسم البورتريهات الشخصية يشير أيضا إلى رغبة الفنان في إثبات الدليل على براعته وأصالة موهبته.
والبورتريهات الشخصية كانت وما تزال جزءا من التعليم الرسمي للفنّ، رغم أن هذا المفهوم أصبح اليوم أكثر اهتماما بإبراز تعبيرات الرسّام أكثر من ملامحه الشخصية.
رمبراندت وفان غوخ رسما لنفسيهما العديد من البورتريهات الشخصية. في الحقيقة، كان رمبراندت من خلال بورتريهاته الشخصية يسجّل مراحل نضجه الفنّي مرحلة بعد أخرى.
في حين أن فان غوخ كان في بورتريهاته يطرح التساؤلات عن هويّته ويحاول استكشاف المزيد من الأساليب الفنية الجديدة.
فنّانة عصر النهضة ارتيميزيا جينتيليسكي رسمت نفسها وبيدها الفرشاة وأمامها رقعة الرسم.
الفنانة المكسيكية فريدا كالو رسمت هي الأخرى العديد من البورتريهات الشخصية التي حاولت فيها النفاذ إلى مشاعرها الداخلية وطرح بعض الأسئلة المتعلقة بالثقافة والحبّ والجنس.
وفي بعض الحالات فإن الفنان عندما لا يضمّن البورتريه ملامحه بوضوح، فإنه يكشف فيه عن بعض سمات شخصّيته بطريقته الخاصّة.


لوحة مارسيل دُوشان بعنوان "شابّ حزين في قطار" قيل انه صوّر فيها نفسه. وهي من اللوحات التي تستعصي على التفسير، شأنها شأن العديد من لوحات دوشان الأخرى.
بينما يظهر تشارلز شيلر في لوحته "الفنان" وهو ينظر إلى الطبيعة بينما يعطي ظهره للناظر وأمامه متاهة من العناصر التي جلبها من بعض لوحاته السابقة. وفي الحقيقة لا احد يعلم كيف كان شيلر يبدو، لكن ثمّة احتمال انه أراد أن يقول إنه يفضّل أن يتعرّف الناس على هويّته من خلال فنّه.
الرسّام الألماني البيرت ديورر رسم لنفسه بورتريها أصبح مشهورا جدا في ما بعد. ومن الواضح انه اعطى وجهه في البورتريه بعض ملامح وجه المسيح.
مايكل انجيلو رسم نفسه ايضا في سقف كنيسة سيستين عندما اعار ملامحه الشخصية لوجه القديس بارثولوميو.
الرسّام الانطباعي الأمريكي ويلارد ميتكالف رسم لنفسه بورتريها نصف مظلّل. وهناك من يظنّ أن ميتكالف لم يرد إظهار وجهه بالكامل، تعبيرا عن شكوكه بشأن مستقبله الفنّي والمالي. لكن آخرين يرون أن ميتكالف ربّما كان يشير ضمنا إلى جانب مظلم من شخصيّته يختفي خلف مظهره الهادئ.
الرسام الايطالي رافائيل اختار هو أيضا أن يرسم نفسه ضمن شخصّيات لوحته المشهورة "مدرسة أثينا".
مارك روثكو رسم هو أيضا لنفسه بورتريها تبدو فيه نظراته محجوبة بما يشبه العدسات الزرقاء والسوداء، ما يثير إحساسا بالهشاشة أو الانفصال.
وعلى النقيض من ذلك، رسم ادوارد هوبر لنفسه صورة واقعية إلى حدّ كبير. غير أن من المثير للانتباه أن وجه هوبر هنا يبدو أكثر تفصيلا وشخصيّته أكثر وضوحا من الشخصيات التي كان يرسمها.
اليس نيل رسمت لنفسها صورة عارية وهي في سنّ الثمانين. الصورة تُظهر آثار الزمن على وجهها وجسدها.
ستانلي سبنسر رسم هو أيضا بورتريها لنفسه في بدايات اشتغاله بالرسم يبدو فيه بهيئة شابّة وبشرة صافية.
لكن قبيل وفاته في العام 1959 رسم سبنسر لنفسه بورتريها ثانيا يظهر فيه بملامح شبحية كما لو انه تصالح مع فكرة موته الوشيك.



الرسّام الفرنسي غوستاف كوربيه كان احد أشهر من رسموا البورتريه الشخصي. وقد رسم لنفسه عدّة لوحات في أوضاع وحالات شتّى.
كوربيه، الذي اتسمت حياته بالمجون والاحتجاج والسجن، كان يعرف أن شخصيّته هي رصيده الأكبر وأن الابتكار هو المفتاح الذي من خلاله يستطيع أن يفاجئ جمهوره دائما وأن يثير اهتمامهم.
البورتريه الذي رسمه لنفسه عام 1844 بعنوان "الرجل اليائس" يُظهر كوربيه بأجلى درجات حيويّته ووسامته. يداه تحاولان ترتيب شعره الأشعث وعيناه تحدّقان مثل حيوان جريح وتومضان بالذهول أو الخوف.
لكنه في المراحل الأخيرة من حياته صوّر نفسه تصويرا رمزيا وغريبا، أي على هيئة سمكة ميّتة. في اللوحة تبدو السمكة وقد علقت في سنّارة الصياد. وقد أراد كوربيه من خلال هذا المنظر التعبير بطريقة مؤلمة عن إحساسه بالهزيمة بعد أن تضافرت ضدّه قوى لم يكن بمستطاعه التصدّي لها أو الوقوف في وجهها. كان في ذلك الوقت يستشعر دنوّ الموت وكان أخوف ما يخافه أن يذهب في غياهب التجاهل والنسيان بعد موته.
كان كوربيه يحاول على ما يبدو من خلال بورتريهاته الشخصية أن يحافظ على ذاته. فالإنسان قد يمرّ في حياته بالكثير من التقلبّات ولحظات الفرح والحزن ومع ذلك لا يستطيع أن يأخذ نفسه بعيدا عن محيطه.
ومثل صفحة الرسم البيضاء يمكن أن يكون الفنان الشخص الذي يريد.


Credits
theartstory.org

الجمعة، مايو 01، 2009

جولة في الناشيونال غاليري


دخلت مع جموع الزائرين إلى مبنى الناشيونال غاليري صباحا. كان الجوّ ما يزال مشبعا برائحة المطر والسماء متّشحة بغلالة كثيفة من الغيوم الرمادية الداكنة.
وكنت قبل ذلك قد مررت بأحد المقاهي المنتشرة حول المكان لأسأل عن موقع "تيت غاليري" وكم يبعد عن ذلك المكان. فقال لي شخص انجليزي وقد علت وجهه ابتسامة مهذّبة كما هي عادة غالبية الانجليز: يلزمك نصف ساعة لكي تبلغه. لكني أنصحك بزيارة الناشيونال غاليري، فهو أولا أشهر، وثانيا لأنه قريب جدّا من هنا، وثالثا لأنه يضمّ اكبر مجموعة من الأعمال الفنية في العالم، ورابعا وأخيرا لأنني شخصيا أعمل هناك".
دخلنا المبنى الرخامي ذا التصميم الفخم والأنيق. كنا مجموعة كبيرة من السيّاح. رجال ونساء من بلدان وجنسيات شتّى. هنا لا تحتاج لأن تدفع شيئا مقابل مشاهدة الأعمال الفنية. فالدخول مجّاني. لكن بإمكانك التبرّع بما تجود به ممّا يذهب لدعم أنشطة المؤسّسة الراعية للغاليري.
والواقع أن الناشيونال غاليري عبارة عن متاهة كبيرة. ممرّات فسيحة وصالات واسعة كلّ واحدة تفتح على الأخرى. والأعمال الفنية التي تمتلئ بها الصالات لا تقدّر بثمن. بعضها يعود إلى ستّة قرون. والبعض الآخر ينتمي إلى مدارس الفنّ الحديثة والمعاصرة.
وكلّ شيء في الغاليري مرتّب له جيّدا. فدرجة الضوء والعتمة محسوبة بعناية زيادة في المحافظة على اللوحات وحمايتها من عوامل البلى والتلف. وهنا وهناك تنتشر مجموعات نقاش، كلّ واحدة تتناول لوحة أو عملا ما. وقد لمحت تلاميذ صغارا بصحبة معلماتهن وهم يطرحون الأسئلة والتعليقات عن هذه اللوحة أو تلك.
وفي الحقيقة، كان من النادر أن ترى زائرا لا يحمل في يده قلما وكرّاسا يدوّن فيه بعض الملاحظات من واقع ما يشاهده أو يقرأه أو يسمعه عن كلّ عمل.
اللوحات المعروضة تتفاوت من حيث كبرها. أكبر لوحة رأيتها هي إعدام الليدي جين غراي لـ بول دولاروش. وقد شدّ انتباهي كثرة الزوّار الذين تجمّعوا لمشاهدة هذه اللوحة والتمعّن في تفاصيلها رغم عنف ومأساوية مضمونها. وربّما لا يداني هذه اللوحة من حيث الضخامة سوى لوحة مستحمّون في انيير لـ جورج سورا.
والواقع أن الذي يرى اللوحات الأصلية سرعان ما يلحظ الفرق الكبير بينها وبين النسخ الموجودة على الانترنت من حيث التفاصيل والألوان والخطوط إلى ما غير ذلك.
وليس من قبيل المبالغة إن قلت انه يندر أن تكون قد سمعت باسم رسّام ما، سواءً في الماضي أو في الحاضر، دون أن ترى له لوحة واحدة على الأقل في هذا الغاليري. من رافائيل إلى دافنشي إلى بيسارو إلى ديغا إلى رينوار إلى بوتيشيللي إلى فراغونار إلى فيلارد إلى لوتريك إلى كليمت إلى فيلاسكيز إلى غوغان إلى بيكاسو إلى سيزان إلى كورو إلى بيرنيني إلى دوميير إلى همرشوي.. والقائمة تطول.
أهمّية الناشيونال غاليري تكمن، كما سبقت الإشارة، في ضخامته وكثرة الأعمال الفنية التي يضمّها. في هذا الغاليري فقط، يمكنك أن ترى لوحات مشهورة جدّا مثل دير في غابة السنديان لـ كاسبار ديفيد فريدريش، والأحزان لـ غيوتو، وأزهار عبّاد الشمس و أشجار السرو لـ فان غوخ "الأخيرة عادت إلى الغاليري مؤخّرا بعد إعارتها لمتحف الفنّ الحديث بنيويورك"، ولوحة الجواد ويسل جاكيت لـ جورج ستبس، والبارجة تيميرير لـ وليام تيرنر، وبورتريه شخصي لـ فيجيه لابران، وعشاء في ايموس لـ كارافاجيو، وبورتريه ايزابيل دي بورسيل لـ غويا، وعذراء الصخور لـ دافنشي، وارنولفيني وزوجته لـ فان ايك، وبورتريه شخصي لـ رمبراندت، إلى غير ذلك من اللوحات المعروفة والمألوفة.
وأثناء تجوالي في صالات الغاليري توقفت كثيرا عند لوحات الرسّام البريطاني جون كونستابل. أحسست إلى حدّ ما بأنني كنت أعيد اكتشاف كونستابل الذي تثير لوحاته إحساسا بفخامة الطبيعة وسحرها. ومن حسن الحظ أن الغاليري يضمّ أكثر من لوحة للفنان منها لوحته الأشهر عربة القشّ ولوحته الأخرى التي لا تقلّ شهرة كاثدرائية ساليزبوري . اللوحة الأخيرة تأخذ الأنفاس بجمال تفاصيلها وبألوانها الرائعة وتأثيرات الضوء والظلّ فيها، ما يوحي بمهارة كونستابل الاستثنائية وبشغفه الكبير بجمال الطبيعة وبهائها. والنسخ الكثيرة الموجودة على الانترنت لهذه اللوحة لا تشبه أبدا اللوحة الأصلية ولا تنقل سوى جزء يسير من رونقها وبهائها. هذه اللوحة، مثل بقيّة لوحات كونستابل، شديدة الواقعية، لكنها واقعية ممزوجة بفنتازيا من نوع خاصّ بحيث تشعر وأنت تراها أنها صورة عن عالم آخر يموج بعناصر الحلم والدهشة.
كان مسك ختام الجولة في الناشيونال غاليري رؤية رائعة فيلاسكيز فينوس في المرآة . وقد لاحظت أن معظم من توقفوا عند اللوحة كانوا من الأسبان واللاتينيين.
ومن بعيد ونحن في ذلك المكان كانت تنساب إلى أسماعنا، رقيقة ناعمة، نغمات موسيقى استورياس "أو لييندا" للموسيقي الاسباني إسحاق آلبينيث؛ ما أضفى على المكان لمسة شاعرية إضافية.

الأربعاء، مارس 12، 2008

قائمة أغلى عشرين لوحة في العالم

ترى ما الذي يدفع شخصا ما لأن يشتري لوحة يدفع مقابل اقتنائها أكثر من مائة مليون دولار؟
إحدى الإجابات الممكنة عن هذا السؤال هي أن ذلك الشخص يملك من المال ما يكفي لشراء لوحة قد يرى أنها ذات قيمة شخصية أو تاريخية أو معنوية. ثم هناك احتمال أن المشتري يقدّر الفن ويريد أن يحافظ على الأثر الفني ويستمتع بمشاهدته بعد أن يصبح في عهدته.
لكن في المقابل، هناك أشخاص أغنياء دفعوا مبالغ فلكية لامتلاك لوحات. وبعض هؤلاء قد لا يهمّهم جمال العمل الفنّي ولا قيمته بقدر ما يهمّهم عنصر المباهاة ومنافسة نظرائهم من الأثرياء الآخرين.
وهناك فريق آخر يقول إن هؤلاء الأغنياء مرضى بحبّ الوجاهة والظهور الإعلامي، وإلا فإن مليون دولار قد يكون مبلغا كافيا جدا لاقتناء مئات اللوحات المستنسخة وذات الجودة العالية جدّا.
وهناك في أوساط المنتقدين من يتحدّث عن العنصر الأخلاقي في الموضوع، إذا جاز التعبير.
إذ أن العالم مليء بملايين الفقراء والمحتاجين، ومن الأولى كما يقولون توفير هذه المبالغ الباهظة، أو إنفاق جزء منها على الأقل، في إنشاء مدارس ومستشفيات وطرق ومرافق توفّر للفقراء التعليم والصحّة وكلّ ما من شأنه تحسين ظروف حياتهم ونوعية معيشتهم.
على الانترنت، هناك العديد من القوائم التي تتحدّث عن أغلى اللوحات في العالم.
وبينها لوحات لـ فان غوخ وبيكاسو وبولوك ودي كوننغ وآخرين ممّن بيعت لوحاتهم بعشرات الملايين من الدولارات.
واللوحات المباعة كثيرا ما أثارت علامات استفهام تتعلّق بمضامينها ومدى استحقاقها لتلك المبالغ الطائلة التي دُفعت لاقتنائها.
هناك مثلا تساؤل عن المنطق الذي يضع رسّاما مثل بولوك جنبا إلى جنب مع فان غوخ أو حتى بيكاسو. وأصحاب هذا الرأي يجادلون بأن شعبية ورواج كلّ من بولوك وبيكاسو نابعة في الأساس من حقيقة كونهما شخصين مثيرين للجدل، وإلا فإن لوحاتهما "لا تعدو كونها خربشات أطفال وطلاسم وأحاجي تستعصي على الفهم".
فلماذا والحالة هذه، يضيف هؤلاء، يهدر أولئك "الأثرياء الحمقى هذه الملايين الكثيرة على شراء لوحات طلسمية لا يفهمها غالبية الناس"؟!
وقد قرأت مؤخّرا رأيا طريفا لأحد النقّاد يسخر فيه من بيكاسو "الذي خلط الحابل بالنابل وأثار الفوضى وكسر كلّ القواعد وتلاعب في النسب والبُنى وضرب عرض الحائط بكلّ الموروث الكلاسيكي ليُخرج لنا هذه اللوحات الطفولية والنزقة. لقد كان بيكاسو يرسم بسرعة، ولا غرابة انه لم يكن يملك الكافي لينتج لنا أعمالا إبداعية مع وجود كل هذا العدد الكبير من العشيقات حوله".
طبعا هذا رأي متطرّف ومن يتبنّاه ربّما يغيب عن باله أن أهمّية بيكاسو وبولوك وآخرين غيرهما تكمن في أنهم استطاعوا أن يفتحوا الباب واسعا أمام غيرهم من الرسّامين ليلجوا إلى عالم الأساليب التعبيرية والتجريبية والرمزية، وهو أمر لم يفعله غيرهم من قبل.
أي أنهم ارتادوا أرضا جديدة وابتدعوا وسائل وأساليب فنّية لم يسبقهم إليها احد.
ولهذا السبب فإن لوحاتهم تصدم كل من يراها لأول مرّة وتثير في نفسه الدهشة وتدفعه للتفكير وطرح الأسئلة. وهذا شيء جيّد في حدّ ذاته.
والملاحظ أيضا أن اغلب الأعمال الفنية التي تصدّرت قوائم أغلى اللوحات في العالم تنتمي إلى المدارس الفنّية الحديثة كالتجريدية والتعبيرية والانطباعية والتكعيبية.. إلى آخره.
إن من الواضح أن الفنّ المعاصر أو الحديث هو الذي يكسب اليوم في سوق الفنّ وصالات المزاد على حساب الأعمال الرومانسية والكلاسيكية. وهذا مؤشّر على أن الفنّ الحقيقي ليس بالضرورة صورة جميلة ولا هو محاولة لمضاهاة وتقليد الواقع بتفاصيله. فالتصوير الضوئي أصبح يقوم بهذا الدور على أفضل وجه، ومن المهم أن نرى معنى وطبيعة الحياة من خلال عين وإحساس شخص آخر قد يرى العالم بشكل مختلف عما نراه نحن.
إن احد الأمور المحزنة في قصّة المزادات العلنية هو أن المالك وحده هو الذي يستمتع باللوحة التي اشتراها بينما ُيحرم الجمهور من رؤيتها وتأمّلها وتقدير جمالها. أي أن المال قادر على أن يحوّل حتى الأشياء ذات الطبيعة الروحية والمتسامية والجميلة إلى سلع تباع وتُشترى وتخضع لمنطق وقوى السوق.
قائمة أغلى عشرين لوحة لا تتضمّن تلك اللوحات الموجودة في متاحف العالم الكبيرة. وهذا يطرح سؤالا مهمّا: ترى لو عُرضت الموناليزا للبيع اليوم، فكم مليونا ستحققّه؟ ونفس الشيء ينطبق على "مدرسة أثينا" و "ليلة مرصّعة بالنجوم" و "الحرس الليلي" و "وصيفات الشرف" وغيرها من الأعمال الايقونية الضخمة.
في هذه القائمة، لم أتوقّف كثيرا عند لوحة دي كوننغ، ولم تثِر فيّ لوحة وارهول أيّ شعور. ونفس الكلام يمكن أن يقال عن لوحة فرانسيس بيكون.
ما استرعى انتباهي حقيقة هو رسومات جاكسون بولوك وجاسبر جون ومارك روثكو.
فلوحات هؤلاء غامضة بألوانها المتداعية وأشكالها الالتوائية وأجزائها المتشظّية. لكن من الواضح أن أعمالهم تتضمّن حوارات داخلية ومساحات تصّوف ولحظات صمت. إنهم يبدون كما لو أنهم يحاولون البحث عن ذواتهم وعن إجابات لأسئلة وجودية تحيّرهم وتستفزّ عقولهم، وذلك من خلال التعبير عن رؤاهم الباطنية الخاصّة وغير الواعية.

1- جاكسون بولوك: رقم 5، 1948
السعر: 140 مليون دولار
هذه اللوحة هي الأغلى في العالم اليوم. وقد ابتاعها في العام 2006 المليونير ديفيد غيفين. اللوحة تنتمي للفنّ التجريدي ويغلب عليها اللونان البني والأصفر.


2- وليام دي كوننغ: امرأة 3، 1953
السعر: 138 مليون دولار
المرأة في اللوحة اسماها بعض النقاد الآلهة السوداء. واللوحة اختيرت كواحدة من أفضل خمسين لوحة في تاريخ الفنّ العالمي!


3- غوستاف كليمت: بورتريه اديل بلوكباور، 1907
السعر: 135 مليون دولار
هذه اللوحة ارتبطت بحادثة نهْبها من قبل القوات النازية خلال الحرب العالمية الثانية وبالنزاع القضائي الذي نشب بين ورثة مالكها الأصلي وبين الحكومة النمساوية.


4- بابلو بيكاسو: صبي وغليون، 1904
السعر: 104 مليون دولار
رسمت اللوحة خلال ما عرف بالمرحلة الزهرية. وتصوّر فتى باريسيا يمسك الغليون بيده اليسرى. لم يعرف بالتحديد من اشترى اللوحة لكن تردّد انه رجل أعمال ايطالي.


5- بابلو بيكاسو: دورا مار و قطّة، 1941
السعر: 95 مليون دولار
بيعت هذه اللوحة عام 2006 إلى مشتر مجهول.
دورا مار كانت مصوّرة ورسّامة. وقد قابلت بيكاسو عام 1930 ونشأت بينهما علاقة عاطفية استمرّت عشر سنوات.
في اللوحة تبدو المرأة جالسة على كرسي وعلى كتفها جلست قطة. ويلاحظ أن بيكاسو رسم الشخصية بوجهين، ربّما للتدليل على الطبيعة الثنائية للمرأة.
كانت دورا مار إحدى موديلات بيكاسو المفضّلات وقد ظهرت في الكثير من لوحاته.


6- غوستاف كليمت: بورتريه اديل بلوكباور 2، 1912
السعر: 88 مليون دولار
بيعت هذه اللوحة بعد أشهر من بيع نسختها الأولى.


7- فنسنت فان غوخ: بورتريه الدكتور غاشيه، 1890
السعر: 83 مليون دولار
اشترى هذه اللوحة المليونير الياباني روي ساييتو ومكانها اليوم غير معروف.


8- جاسبر جون: بداية مزيّفة، 1959
السعر: 80 مليون دولار
تعزى شعبية هذه اللوحة إلى سطوعها وتشبّعها بالأزرق والأحمر والبرتقالي والأصفر. ويلاحظ أن الرسّام دوّن أسماء الألوان بطريقة عشوائية على النسيج الذي تزيّنه ضربات فرشاة انطباعية ناعمة.
اشترى اللوحة المليونير ديفيد غيفين واعتبرت على الدوام نموذجا طليعيا للفن الشعبي.


9- بيير اوغست رينوار: لا مولان دي لا جاليت، 1876
السعر: 78 مليون دولار
لوحة عامرة بالرقص وحبّ الحياة كما هو شأن معظم لوحات رينوار. كان هذا المقهى ملتقى للعمّال والطلبة والفنّانين ومعلما من معالم الحياة الباريسية زمن رينوار.
اشترى اللوحة المليونير الياباني الذي سبق وان اشترى من قبل لوحة الدكتور غاشيه. وقد أثار الياباني موجة من السخط والاستهجان عندما صرّح بأنه أوصى بأن تحرق اللوحتان مع جثته عندما يموت لكي يجنّب ورثته دفع ضرائب باهظة عليهما.
بعد سنوات باع الرجل هذه اللوحة بمبلغ 50 مليون دولار فقط.
وبعد موته عام 1996 لم يعد احد يسمع عن لوحة غاشيه شيئا.


10 – بيتر بول روبنز: مذبحة الأبرياء، 1612
السعر: 77 مليون دولار
اللوحة تصوّر حادثة تاريخية ورد ذكرها في إنجيل ماثيو. وقد رسمت عام 1611 وبيعت في مزاد سوثبي على المليونير كينيث تومبسون بهذا المبلغ الكبير بعد أن توقّعت أوساط السوق ألا تباع بأكثر من 5 ملايين جنيه إسترليني.


11- مارك روثكو: وسط ابيض، 1950
السعر: 73 مليون دولار
رسمت اللوحة عام 1950 وبيعت العام الماضي.
في اللوحة ثلاثة قطاعات لونية عريضة من الأحمر والزهري والبرتقالي وضعت جنبا إلى جنب.
روثكو أمريكي من أصول روسية وهو ينتمي للمدرسة التعبيرية/التجريدية ويغلب على لوحاته التأمّل والمسحة الميلودرامية.


12- اندي وارهول: سيارة خضراء محترقة، 1963
السعر: 72 مليون دولار
بيعت اللوحة العام الماضي وموضوعها يعتمد على صورة مزعجة قام الفنان بدمجها في نسخة من مقال ظهر في مجلة نيوزويك يتحدّث عن وفاة احد الأشخاص بعد انقلاب سيارته أثناء مطاردته من قبل الشرطة الأمريكية.
في اللوحة يتحوّل الشارع إلى كابوس سوريالي تظهر فيه السيارة مشتعلة فيما تستقرّ جثة السائق، في وضع الوقوف، على احد أعمدة الإنارة.


13 – فنسنت فان غوخ: بورتريه للفنان بلا لحية، 1889
السعر: 72 مليون دولار
في هذه اللوحة رسم فان غوخ نفسه بعد أن حلق لحيته.
وقد حققت اللوحة نجاحا مفاجئا بعد أن توقّع النقاد أن تباع بسعر اقل من نصف السعر الذي بيعت به.


14- تيتيان: بورتريه الفونسو دافالوس، 1533
السعر: 70 مليون دولار
بيعت اللوحة قبل أربع سنوات على متحف غيتي.
وهي تصوّر الفونسو الذي كان حاكما على ميلان، وكانت علاقته بالرسام تيتيان نموذجا للعلاقة بين الفنان والسياسي.
الفونسو كان بنفس الوقت مثقفا ومحاربا وراعيا للفنون وقد رسمه تيتيان بهيئة بطولية وهو يبدو هنا بكامل زينته.


15- توماس ايكينز: عيادة عائلة غروس، 1875
السعر: 68 مليون دولار
بيعت اللوحة منذ عامين واشتراها متحف الوطني بواشنطن.
وقد رسمت اللوحة عام 1875 وتصور طبيبا مسنّا يرتدي "جاكيت" اسود ويلقي محاضرة على مجموعة من الطلاب من بينهم ايكنز نفسه.
وهناك جسد عار لمريض تجرى له عملية جراحية. اللوحة شديدة الواقعية ويمكن اعتبارها وثيقة تسجّل فصلا مهمّا من تاريخ الطب، على الرغم من أنها اعتبرت في زمانها لوحة عنيفة وصادمة بسبب منظر الدم فيها.


16- بول سيزان: ستارة، إبريق ماء وفاكهة، 1894
السعر: 61 مليون دولار
اشترى هذه اللوحة زبون لم يعلن عن هويّته. وفيها يحاول سيزان أن يبرهن على تحكّمه في اللون والتوليف والتصميم.
كان سيزان مشهورا برسم الحياة الصامتة. وينظر إليه البعض على انه جسر ما بين انطباعية القرن التاسع عشر والأسلوب التكعيبي الذي ظهر في بدايات القرن العشرين.


17- فنسنت فان غوخ: حقل قمح وغربان، 1889
السعر: 57 مليون دولار
كان هذا السعر مرتفعا جدا في ذلك الوقت خاصّة وان اللوحة بيعت في وقت شهدت فيه السوق ركودا. وهي اليوم من مقتنيات متحف الميتروبوليتان.


18- بابلو بيكاسو: امرأة تضع يدا فوق يد، 1904
السعر: 55 مليون دولار
هذه اللوحة تنتمي للمرحلة الزرقاء في حياة بيكاسو. والسيّدة التي تظهر فيها غير معروفة. لكن يقال أنها كانت نزيلة أحد المصحّات النفسية في باريس.
تبدو المرأة في اللوحة وهي تحدّق في الفراغ اللامتناهي وقد علت ملامحها علامات حزن وشرود.


19- فنسنت فان غوخ: أزهار السوسن، 1888
السعر: 54 مليون دولار
رسم فان غوخ اللوحة قبل عام من وفاته أثناء إقامته في المصحة النفسية في سان ريمي مصارعا نوبات الصرع.
وفي السنوات الأخيرة أصبحت زهرة السوسن رمزا لمرضى الفصام أو الشيزوفرينيا الذي يعتقد أن فان غوخ كان يعاني منه.


20- فرانسيس بيكون: دراسة للبابا اينوسنت العاشر، 1962
السعر: 53 مليون دولار
اعتمد بيكون في رسمه لهذه اللوحة على لوحة فيلاسكيز عن نفس الشخصية. لكنه رسم البابا هنا بشكل مشوّه.
واللوحة واحدة من سلسلة لوحات خصّصها الرسّام لنفس الموضوع، أي شخصية البابا اينوسنت العاشر.