المشاركات

عرض المشاركات من يونيو 29, 2025

خواطر في الأدب والفن

صورة
الحسّ المعماري هو أحد الحواسّ العديدة التي أضاعها الرسّامون المعاصرون. الفنّانون القدماء انشغلوا كثيرا بالطريقة التي رافقت بها الإنشاءات المعمارية الشكل البشري وأولوا الاهتمام نفسه لأحداث الحياة وللدراما التاريخية، مطبّقين قوانين المنظور وغيره بإتقان. يعود إدراج الحسّ المعماري في المظاهر الفكرية البشرية إلى قرون خلت. فقد كان لدى الإغريق عشق كبير للعمارة وترتيب المواقع المخصّصة لاجتماعات الشعراء والفلاسفة والخطباء والمحاربين والسياسيين، أي أولئك الذين تفوق قدراتهم الفكرية قدرات عامّة الناس. وكانوا مولعين بالأروقة، حيث يمكن للمرء أن يتجوّل أثناء النقاشات الفكرية والفلسفية، محميّا من المطر وأشعّة الشمس القويّة، وفي الوقت نفسه يستمتع بمنظر الخطوط المتناغمة للجبال والتلال المنحدرة إلى البحر. في لوحات الإيطالي جيوتو، يصل المعنى المعماري إلى مناطق ميتافيزيقية عالية. فجميع الأبواب والأقواس والنوافذ المفتوحة، والتي تصاحب شخوصه، تسمح للمرء بالشعور بالغموض الكوني. ومربّع السماء المحدّد بخطوط النافذة هو دراما ثانية تضاف إلى دراما الأشخاص المصوَّرين. وفي الواقع، يتبادر إلى الذهن أكثر من س...

قراءات

صورة
على الرغم من تفكيري العلمي والتحليلي، إلا أنني أميل أحيانا إلى الروحانيات والمعجزات. مثلا، تعجبني مناظر المسطّحات المائية الشاسعة، وأشعر بجسدي يشتعل رهبةً عندما أواجه سلاسل الجبال، وأجثو على ركبتي لأصلّي في مواجهة بركان نشط. العلم لا يستطيع وصف أعاجيب الدنيا، لأنه يفتقر إلى اللغة اللازمة ويتحدّث بالمنطق والعقل، لا بلغة الروح. والعلم لا يستطيع إثبات سبب شعورنا بالامتنان عند رؤية مسطّح مائي لا ضفاف له. والعلم يعمل على تفسير الأرض وعملياتها ودوراتها وتغيّراتها ويروي قصّة واحدة عن كلّ شيء. لكن تفسير كيفية حدوث شيء ما يختلف عن شرح علّة وجوده. العلم يشرح الأرض، لكنه لم يخلقها، وهذا هو الغموض الذي تنبثق منه الروحانية والدين. في المأتم، أفكّر في الجثمان المتواري في النعش. كم يبدو هادئا وهو مغلّف بخشب البلّوط. نبذل جهدا كبيرا لنجعل الموتى يبدون مسالمين. أعتقد أنهم كذلك من نواحٍ عديدة. نحن - المضطربين – من نُترك لمواجهة فنائنا. ورغم ذلك أخشى الموت، لكنّي أستمتع ببعض متع الحياة الدينية. لديّ مثلا نوع من الإيمان؛ إيمان بأن الأرض لن تنهار تحت قدمي، وبأن الكون سيستمرّ من دوني، وأجد الع...

كونستابل: ألف لون أخضر

صورة
لو عاد الرسّام الإنغليزي جون كونستابل (1776-1837) الى الحياة اليوم فسيشعر بالدهشة والسعادة إزاء كلّ هذا الضجيج المثار حول لوحاته. فقد أمضى عمره محبَطاً من جمهور لم يكن يبدي أيّ اهتمام بأعماله ومن نقّاد كانوا يُمعنون في الحطّ من شأنه. لذا لم يبع سوى عدد قليل من صوره في حياته. كان كونستابل ينظر إلى نفسه باعتباره فنّانا يرسم ما يثير اهتمامه، وليس ما يريده الجمهور. وكان يشكو بمرارة من الثناء السهل الذي يحظى به فنّانون أقلّ منه موهبة. ومن المؤكّد أنه كان يتوقّع أن يحتلّ مكانة ما في تاريخ الفن، ولكن لم يكن يخطر بباله قط أن تصبح أعماله بعد موته مشهورةً على نطاق واسع إلى الحدّ الذي يجعل الناس يتهافتون على رؤية الأمكنة التي رسمها. اشتهر كونستابل بمناظره الطبيعية المتلألئة ذات الألوان الغنيّة لريف سوفولك بالقرب من منزل طفولته. وبينما صوّر معظم معاصريه مناظر طبيعية مثالية مع سرديات تاريخية أو أسطورية، فضّل هو أن يرسم مشاهد أكثر تواضعا للأراضي المزروعة والعمل الزراعي. ويقال إنه استخدم الكثير من الألوان الخضراء لالتقاط تعقيد جمال الطبيعة، من خلال وضع طلاء سميك وبقع ذات ألوان متعدّدة. وق...

خواطر في الأدب والفن

صورة
التافوني (tafoni) شكل خاص وغير مألوف من فنون الطبيعة. وهو عبارة عن تجاويف صغيرة ومستديرة تشبه أقراص العسل، وغالبا ما تتشكّل على الصخور الحبيبية كالغرانيت والحجر الرملي. والكلمة، أي تافوني، إيطالية الأصل، وتعني كهف أو سرداب أو ثقب. وقد استخدم جيولوجيون إيطاليون المفردة لأوّل مرّة عام 1882 ليصفوا تكوينات الحجر الرملي الموجودة في جزيرة كورسيكا. التفسير العلمي لهذه الظاهرة هي أنه أثناء موسم الأمطار، يتسرّب الماء عميقا في الحجر الرملي ويختلط بالكالسيوم الموجود فيه. ومع تبخّر الماء من الحجر خلال فصل الصيف الجاف، ينسحب بعض الكالسيوم المُذاب إلى سطح الحجر حيث يشكّل طبقة خارجية تُسمّى القشرة الصلبة. وتؤدّي عملية التبخّر تلك إلى توزيع الكالسيوم المتبقّي داخل الحجر بشكل غير متساوٍ، بحيث تنشأ بعض المناطق الليّنة منخفضة الكالسيوم وبعض المناطق الصلبة عالية الكالسيوم. وعندما يتشقّق الحجر الرملي أو ينكسر، تبقى المناطق الأكثر صلابة ذات الكالسيوم الأعلى متماسكة، بينما تتآكل المناطق الأقلّ ليونة، ما يؤدّي إلى تكوين الكهوف والمغارات وتشكيلات التافوني. عملية التجوية "أو التعرية" المعق...