الخروج عن القطيع
المفكّر السعودي إبراهيم البليهي له عبارة جميلة يقول فيها أن الإنسان لا يكون إنسانا إلا بقدر تحرّره من البرمجة التلقائية وأنه يفقد من إنسانيّته بقدر ذوبانه التلقائيّ في ثقافة الجماعة. والمجتمعات التي يغيب فيها الاختلاف والتعدّد والتنوّع واحترام الآخر المختلف يشيع فيها بالضرورة الجهل والاستبداد والتطرّف والجمود. وهي لا تحتقر شيئا قدر احتقارها لكلّ عقل يدعو للتطوّر والإبداع والتجديد والابتكار، أي أنها محكومة بما يُسمّى ثقافة القطيع. اللوحة فوق اسمها "الشرود عن القطيع"، وهي لرسّام بولنديّ مغمور اسمه توماس كوبيرا. قد لا تثير اللوحة اهتمامك للوهلة الأولى لبساطة توليفها ولأن شكلها يذكّرنا بعشرات اللوحات التي ألفنا رؤيتها في بعض برامج الرسوميات. غير أن الرسّام يصوّر فيها، بطريقة عميقة ومثيرة للإعجاب، ماهيّة ثقافة القطيع وتأثيرها على صناعة الذات. القطيع في اللوحة يأخذ شكل طابور من البشر، ملامحهم زرقاء، كئيبة ومتجمّدة وهم أشبه ما يكونون بقوالب الثلج. الهيئات المتجمّدة لأفراد القطيع قد تكون كناية عن أن نموّهم توقّف عند مرحلة معيّنة، كما أنهم متشابهون وبلا ملامح نتيجة كون أفك...